قناة عشتار الفضائية
 

هكذا أوقفت الكريسماس حرباً تسببت في سقوط 40 مليون ضحية

 

عشتارتيفي كوم- العربية نت/

 

يوم 28 تموز/يوليو 1914، كانت البشرية على موعد من بداية واحد من أسوأ النزاعات الدموية. فعقب إعلان الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على صربيا بعد شهر واحد عن حادثة سراييفو وتفعيل سياسة التحالفات، غاص العالم في أهوال الحرب العالمية الأولى التي استمرت لأكثر من 4 سنوات وتسببت في مقتل وإصابة ما لا يقل عن 40 مليون نسمة.

ومع بداية النزاع العالمي، توقّع الجميع تواصل الحرب لبضعة أشهر ونهايتها مع اقتراب العام الجديد إلا أن ذلك لم يكن سوى حلم بعيد المنال. فمع حلول شهر كانون الأول/ديسمبر 1914، تسببت المعارك التي استمرت لخمسة أشهر في سقوط ما لا يقل عن مليون قتيل وتركّزت الحرب بالجبهة الغربية داخل الخنادق ملوحة بإمكانية تواصل القتال لسنوات. من جهة ثانية، وجد ملايين الجنود الألمان والبريطانيين والفرنسيين أنفسهم عالقين داخل الخنادق وبعيدين عن عائلاتهم مع اقتراب الكريسماس حيث لم يكن بوسع هؤلاء مشاركة أقربائهم أجواء فترة أعياد الميلاد السنوية واضطروا فقط للاكتفاء ببعض الرسائل التي نقلها لهم البريد الحربي للاطمئنان على أحبّائهم.

وعلى الرغم من الجانب الدموي الذي تميّزت به الحرب طيلة الأشهر السابقة، لم يخلُ هذا النزاع العالمي من جانب إنساني. فما بين يومي 24 و25 كانون الأول/ديسمبر 1914، شهدت الجبهة الغربية حادثة فريدة من نوعها دوّنها التاريخ تحت مسمى هدنة عيد الميلاد حيث جاءت هذه الواقعة لتطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الحرب التي انساقت نحوها مختلف القوى العالمية.

فعشية عيد الميلاد، سمع الجنود البريطانيون أصوات ترانيم الكريسماس قادمة من الجهة المقابلة عند الخنادق الألمانية. وعلى الفور، باشر البريطانيون بدورهم بإنشاد ترانيم مماثلة انطلاقا من مواقعهم. وببعض مناطق الجبهة الغربية، لم يتردد عدد من الجنود المتحاربين بنطق كلمات "عيد ميلاد مجيد" بصوت عال، انطلاقا من الخنادق التي تحصنوا بها، متمنين بذلك احتفالا سعيدا للعدو.

ومع شروق شمس يوم عيد الميلاد، حدث ما لم تكن تتمناه القيادة العسكرية لكلا الأطراف المتحاربة حيث خفتت أصوات المدافع وخرج عدد من الجنود الألمان من خنادقهم واتجهوا نحو خنادق البريطانيين رافعين أيديهم ومرددين لعبارات "عيد ميلاد مجيد". وبادئ الأمر، آمن البريطانيون بوجود كمين ألماني إلا أنهم تيقنوا من صدق نيّة الجنود الألمان بعد أن تأكدوا من عدم وجود أسلحة لديهم ليخرج بذلك الجنود البريطانيون من خنادقهم قبل أن يتجهوا صوب الألمان.

وخلال هذا اللقاء الفريد من نوعه، عانق الجنود المتحاربون بعضهم البعض ورددوا ترانيم الكريسماس وتبادلوا الهدايا ودفنوا جثث قتلاهم كما أقاموا مباراة كرة قدم بين بعضهم البعض. فضلا عن ذلك، لم يتردد الألمان والبريطانيون في تزيين بعض أشجار عيد الميلاد سويا قرب الخنادق.

إلى ذلك، لم تدم هذه الهدنة غير الرسمية التي أقامها الجنود للاحتفال بعيد الميلاد طويلا حيث دوّت أصوات المدافع مرّة ثانية ليعود بذلك الألمان والبريطانيون نحو مواقعهم على عجل، بعد أن ودّعوا بعضهم البعض، وتستأنف العلميات القتالية.

على حسب مصادر عديدة، شهدت فترة الحرب العالمية الأولى عددا من الهدنات المشابهة بمختلف جبهات القتال طيلة العامين الأولين من الحرب قبل أن تندثر هذه العادة بحلول سنة 1916 تزامنا مع انتشار استخدام السلاح الكيمياوي وارتفاع أعداد القتلى.

ن جهة ثانية، حاولت جميع الأطراف المتحاربة إخفاء حقيقة هدنة عيد الميلاد. فبعد نحو أسبوع، ظهرت أخبار هذه الحادثة بالصحف الأميركية لتنتشر منها نحو بريطانيا. وبفرنسا، حجبت الإدارة العسكرية أخبار الهدنة ومنعت الصحف من نقلها فلم يعلم الفرنسيون بها إلا عن طريق بعض الجنود المصابين. وبألمانيا نقلت بعض الصحف خبر هذه الهدنة بطريقة ثانية فأدانت الحادثة واعتبرتها إهانة للوطن. أيضا، تحدّث البعض عن تعرض عدد من الجنود المشاركين بهذه الهدنة لعقوبات فنقلوا نحو جبهات أخرى أكثر قسوة ليلقوا حتفهم بها.