قناة عشتار الفضائية
 

البابا في زيارة تاريخية اليوم الجمعة إلى العراق رغم الوباء والاضطراب الأمني

 

عشتار تيفي كوم – ابونا/

يصل البابا فرنسيس اليوم الجمعة إلى العراق في زيارة تاريخية تجري في ظل تدابير أمنية مشددة في بلد تمزقه النزاعات منذ عقود، حاملا رسالة تضامن إلى إحدى أكثر المجموعات المسيحية تجذرًا في التاريخ في المنطقة والتي عانت لعقود ظلمًا واضطهادات، وساعيًا الى تعزيز تواصله مع المسلمين.

 وتأتي الزيارة غير المسبوقة في وقت يشهد العراق ارتفاعًا كبيرًا في أعداد الإصابات بفيروس كورونا تخطت السبت الخمسة آلاف في يوم واحد، وهو رقم قياسي، فيما تفرض السلطات إغلاقًا تامًا يتزامن مع الزيارة. كما تشهد البلاد توترات أمنية.

 وقال البابا فرنسيس في رسالة مصورة موجهة إلى الشعب العراقي، وزعها الفاتيكان عشية الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام: "أخيرًا سوف أكون بينكم  أتوق لمقابلتكم ورؤية وجوهكم وزيارة أرضكم، مهد الحضارة العريق والمذهل".

 وسيكتفي جزء كبير من العراقيين بمشاهدة البابا من خلال شاشاتهم التلفزيونية، وسيستخدم البابا على الأرجح سيارة مصفحة في تنقلاته على طرق أعيد تأهيلها خصيصًا استعدادًا للزيارة، بالإضافة الى مروحية وطائرة خاصة للتنقلات البعيدة سيعبر خلالها فوق مناطق لا تزال تنتشر فيها خلايا لتنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلنت القوات العراقية الانتصار عليها وتحرير العراق منه منذ 2017.

 ومن أبرز المحطات في زيارة الزعيم الروحي لـ1,3 مليار مسيحي التي ستشمل مناطق في شمال البلاد وجنوبها، النجف الأشرف حيث سيلتقي المرجع الشيعي آية الله العظمى علي السيستاني.

 وستغيب بسبب التدابير الوقائية من وباء كوفيد-19، الحشود التي اعتادت ملاقاة البابا في كل زياراته، باستثناء قداس سيحييه الأحد في الهواء الطلق في أربيل في كردستان بحضور نحو أربعة آلاف شخص حجزوا أماكنهم للمشاركة فيه مسبقًا.

 وجرت التحضيرات على قدم وساق لاستقبال الحبر الأعظم خلال الأسابيع الأخيرة، من شوارع بغداد الرئيسية وصولا إلى النجف ومرورًا بأور الجنوبية والبلدات المسيحية شمالا، حيث رفعت لافتات تحمل صوره مرفقة بعبارات ترحيب.

 وتحضيرًا للزيارة، أزيلت آثار ثلاث سنوات من دمار تسبب به تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق كثيرة، ولكن أيضًا آثار عقود من الفساد والإهمال أنهكا البنى التحتية، فعبّدت طرق، وأعيد تأهيل كنائس في مناطق نائية لم تشهد زائرًا بهذه الأهمية من قبل.

 "أوافيكم حاجًا يسوقني السلام"

 وينوي البابا فرنسيس البالغ 84 عامًا في أول زيارة له إلى الخارج منذ انتشار الجائحة، توجيه رسالة تضامن ليس للمسيحيين فقط بل لجميع سكان العراق، مع برنامج حافل في مناطق عدة من البلاد. ومن بغداد إلى النجف وأور وأربيل والموصل وقرقوش، سيعبر مسافة 1445 كلم، في بلد لا يزال فيه الاستقرار هشاً.

 وبعد ساعات من هجوم صاروخي في غرب البلاد استهدف قاعدة عسكرية تأوي جنودًا أميركيين، أكد البابا فرنسيس الأربعاء عزمه على المضي بالزيارة لـ"لقاء هذا الشعب الذي عانى كثيرًا". وقال اليوم في رسالته المصورة: "أوافيكم حاجًا تائبًا لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنوات من الحرب والإرهاب (..) أوافيكم حاجًا يسوقني السلام".

 ويرى سعد الرسام، وهو مسيحي من سكان الموصل، أن هذه الزيارة تأتي بوقتها. وقال لفرانس برس "أتمنى من البابا الذي يزورنا في وقت عصيب أن يوضح للحكومة العراقية أن الشعب في حاجة إلى تعويضات وبالأخص أهل الموصل، والكل بشكل عام، لأن الجميع تعرضوا للأذى".

 وصلت نسبة الفقر في العراق خلال عام 2020، الى 40% من السكان البالغ عددهم 40 مليونا.

 

 "لم نتخلَّ عن إيماننا"

 ويبدأ البابا زيارته الجمعة بخطاب أمام المسؤولين العراقيين.

 وبالإضافة إلى التحديات الأمنية والاقتصادية التي يعاني منها العراقيون، سيناقش الطرفان أيضًا المعاناة الكبيرة التي لحقت بالمسيحيين. وأدت سنين من العنف والاضطهاد إلى تراجع عدد المسيحيين في العراق من 1,5 مليونًا في 2003 إلى 400 ألف فقط اليوم.

 في العام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من العراق، واجتاح بلدات مسيحية وخيّر سكانها بين اعتناق الإسلام أو الموت، ففرّ الآلاف منهم من بيوتهم. ويروي الأب كرم قاشا أن "البعض من (سكان المنطقة) كان أمامهم دقائق فقط ليقرروا بين الفرار أو أن تقطع رؤوسهم".

 ويضيف الكاهن الكلداني من نينوى "أرغمنا على أن نترك كل شيء، لكننا لم نتخلَّ عن إيماننا"، منددًا بقلة الدعم الذي تقدمه الحكومة إلى المسيحيين ليستعيدوا بيوتهم وأراضيهم التي وضع مسلحون حتى من بين المسيحيين أنفسهم أو مقربون من سياسيين، اليد عليها.

 لكن بالنسبة للكاردينال ليوناردو ساندري الذي يرأس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان ويرافق البابا في زيارته، فإن "شرقًا أوسط بدون المسيحيين، هو أشبه بطحين تنقصه الخميرة والملح". لذلك، سيدعو البابا خلال زيارته، المسيحيين إلى العودة إلى العراق والبقاء فيه.

 لقاء السيستاني

 ويدرك ساندري أن الدعوة إلى العودة "ضرورية" ولكن "صعبة"، في بلد لم يعرف استقرارًا سياسيًا أو اقتصاديًا وأمنيًا منذ 40 عامًا.

 وتشير مؤسسة "عون الكنيسة المتألمة" إلى أن 36 ألف مسيحي فقط عادوا إلى نينوى، فيما كان عددهم العام 2014 أكثر من مئة ألف. من بين هؤلاء، يقول الثلث تقريبًا إنهم ينوون مغادرة البلاد بسبب التنظيمات المسلحة الخارجة عن السيطرة والبطالة والفساد والتمييز ضدّهم.

 وتتضمن الزيارة جانبًا آخر أساسيًا، هو الحوار بين الأديان.

 وللمرة الأولى في التاريخ، يزور رأس للكنيسة الكاثوليكية مدينة النجف الأشرف في جنوب العراق حيث يلتقي بالمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً والذي لا يحبذ الظهورات العلنية.

 وكان البابا وقّع قبل عامين في أبو ظبي وثيقة تدعو إلى حرية المعتقد إلى جانب إمام الأزهر، أحد أبرز المرجعيات الإسلامية السنية في العالم.

 وسيشارك البابا في أور التي يعتقد أنها مسقط رأس النبي ابراهيم والواقعة في الجنوب النائي، في صلاة ستضم رجال دين شيعة وسنة وأيزيديين وصابئة.