قناة عشتار الفضائية
 

رسالة البابا فرنسيس إلى المشاركين في منتدى باريس الرابع حول السلام

 

عشتار تيفي كوم – اذاعة الفاتيكان/

بمناسبة انعقاد منتدى باريس الرابع حول السلام من الحادي عشر وحتى الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر الجاري وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى المشاركين كتب فيها في هذه المرحلة التاريخية، تجد العائلة البشرية نفسها أمام خيار. الاحتمال الأول هو ما يسمى بـ "العودة إلى الحياة الطبيعية". لكن الواقع الذي كنا نعرفه قبل انتشار الوباء كان واقع حُفظ فيه الغنى والنمو الاقتصادي لأقلية بينما كان الملايين من الأشخاص غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسيّة وعيش حياة كريمة. عالم كانت تُنهب فيه أرضنا من خلال استغلال قصير النظر للموارد، والتلوث، والنزعة الاستهلاكية، وجرحتها الحروب وتجارب أسلحة الدمار الشامل. وبالتالي فالعودة إلى الوضع الطبيعي ستعني أيضًا العودة إلى الهيكليات الاجتماعية القديمة المستوحاة من الاكتفاء الذاتي والقومية والحمائية والفردية والعزلة جميع هذه الأمور التي تستبعد وتقصي إخوتنا وأخواتنا الأشد فقرًا. فهل هذا مستقبل يمكننا اختياره؟

تابع الحبر الأعظم يقول إنَّ المسألة الأولى والأكثر إلحاحًا التي يجب أن نوجه انتباهنا إليها هي أنه لا يمكن أن يكون هناك تعاون مولِّد للسلام بدون التزام جماعي ملموس لصالح نزع السلاح الشامل. لقد تجاوز الإنفاق العسكري العالمي الآن المستوى المسجل في نهاية "الحرب الباردة" ويتزايد بشكل منهجي كل عام. في الواقع، تبرر الطبقات الحاكمة والحكومات إعادة التسلح هذه بالإشارة إلى فكرة الردع التي أسيء استخدامها والتي تقوم على أساس توازن التسلح. من هذا المنظور، تميل الدول إلى السعي وراء مصالحها في المقام الأول على أساس استخدام القوة أو التهديد باستخدامها. ومع ذلك، فإن هذا النظام لا يضمن بناء السلام والحفاظ عليه. في الواقع، لقد ظهرت فكرة الردع في كثير من الحالات مُضلِّلة، وأدّت إلى مآسي بشريّة واسعة النطاق. كما ينبغي التأكيد على أن منطق الردع قد ارتبط بمنطق السوق الليبرالية القائل بأنّه يمكن اعتبار الأسلحة على قدم المساواة مع جميع المنتجات المصنعة الأخرى، وبالتالي، يمكن تسويقها بحرية في جميع أنحاء العالم. لذلك فليس من قبيل المصادفة أننا شهدنا منذ سنوات توسعًا في سوق الأسلحة على الصعيد العالمي دون تمحيص.

أضاف الأب الأقدس يقول إزاء عواقب العاصفة الهائلة التي قلبت العالم رأسًا على عقب، يدعونا ضميرنا إلى رجاء مسؤول، أي، بشكل ملموس، لكي لا نتبع الطريقة السهلة للعودة إلى "الحياة الطبيعية" المطبوعة بالظلم، وإنما لكي نقبل التحدي بقبول الأزمة كفرصة ملموسة للارتداد والتحول وإعادة التفكير في أسلوب حياتنا وأنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية. إنَّ الرجاء المسؤول يسمح لنا بأن نرفض إغراء الحلول السهلة ويمنحنا الشجاعة لكي نسير قدمًا على درب الخير العام والعناية بالفقراء وبالبيت المشترك. فلا نضيعنَّ هذه الفرصة لكي نحسّن عالمنا؛ ونعتمد بشكل قاطع أساليب أكثر عدلاً لإحراز التقدم وبناء السلام. وإذ تحرّكنا هذه القناعة، يمكننا أن نولِّد نماذج اقتصادية تخدم احتياجات الجميع مع الحفاظ على عطايا الطبيعة، وكذلك أيضًا سياسات تطلعية تعزز التنمية المتكاملة للعائلة البشرية.

وختم البابا فرنسيس رسالته إلى المشاركين في منتدى باريس الرابع حول السلام بالقول أيها السيدات والسادة المحترمون، لنواجه هذه الأزمة معًا ونسعى لكي نشفي في العمق جراح العائلة البشرية. ولتُلهمنا هذه الكلمة التي وجهها النبي إرميا إلى الشعب في زمن الأزمات الخطيرة: "قفوا على الطرق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم".