قناة عشتار الفضائية
 

مسيحيو السودان متخوفون من عودة "حملة قمع العسكر لهم" بعد الانقلاب

 

عشتار تيفي كوم - فرانس 24 /

 في حي "العزبة" الفقير بمنطقة بحري بضواحي العاصمة السودانية الخرطوم، لبس مسيحيو السودان الأحد الماضي أحسن ألبسة من أجل أداء صلاتهم الأسبوعية في الكنيسة المعمدانية، والتي هي عبارة عن مبنى بسيط لا يوحي بأنه كنيسة كونه لا يشبه الكنائس الموجودة في أوروبا.

 وفي جو اختلطت فيه البهجة بالحزن بسبب المتظاهرين الذين قتلوا في اليوم السابق (السبت) من قبل الجيش السوداني وقوات التدخل السريع، شرع المصلون في الغناء بصوت عالٍ طالبين من الله أن "يحفظ السودان من أي أذى وتعم المحبة بين جميع أفراده وأن يعود المدنيون إلى السلطة" حسب القسيس فيلمون حسن، راعي كنيسة حياة المعمدانية ورئيس مجمع الكنائس المعدانية في السودان.

 وقال القسيس لفرانس24: "نحاول ممارسة طقوسنا الدينية بشكل عادي على الرغم من شعورنا بالخوف من عودة الأيام السوداء كما كان في وقت النظام السابق (نظام عمر البشير)". وأضاف "المسيحيون، كباقي أفراد الشعب السوداني، شاركوا في الثورة التي أسقطت النظام السابق في 2019 واعتصموا معهم عدة أيام أمام مبنى القيادة العسكرية".

 وواصل: "من المخيف أن يتم سفك دماء السودانيين بهذه السهولة، وأن يواجهوا الموت لأنهم يطالبون بحياة أحسن وبالعيش في السلام والأمن. نخشى أن نفقد المكاسب القليلة التي حققناها في الأشهر الماضية، على غرار الأمن والحرية الذين بدأنا نشعر بهما. أما اليوم فإننا نخاف ألا نجد نفس الحرية، وأن يتوجه السودان نحو مستقبل غامض وأسود".

  كان وضع محزن

 هذا وتعيش غالبية مسيحيي الخرطوم في حي "العزبة"، وهو حي فقير جدًا حيث المنازل مبنية بالطوب ولا تتوفر على المياه والكهرباء، فضلا عن انعدام فرص العمل فيه. وسكان هذا الحي الذين نزحوا من مناطق سودانية أخرى كدارفور وكردفان عانوا كثيرًا من نظام عمر البشير الذي لم يكن يسمح لهم بممارسة طقوسهم الدينية بشكل طبيعي وجعلهم يعيشون على هامش المجتمع السوداني بالرغم من أنهم جزء منه.

 وقال ندلة فور عطاء الله، وهو عضو في الكنيسة المعمدانية ومدرس لغة إنكليزية، لفرانس24: "عانينا كثيرا في زمن البشير (الرئيس السوداني المخلوع في 2019). كسر المنازل وحطم الكنائس. لكن بعد سقوطه، الوضع تحسن قليلا في ظل الحكومة المدنية وأتيحت الحرية للمسيحيين الذين شاركوا في الاعتصامات بكثافة".

 وبخصوص الانقلاب العسكري الذي وقع في السودان في 25 تشرين الأول الماضي والذى أطاح بحكومة حمدوك المدنية، قال ندلة: "هناك تخمينات. العسكر يتحدث عن تصحيح مسار الثورة وبعض القوى السياسية تقول بأن ما يحدث هو انقلاب. وإذا كان الجيش مخطئًا فهناك مخاوف من العودة إلى النظام السابق، لكن إذا كان حقيقة تصحيحًا للمسار الديمقراطي، فنحن لدينا ممثلة للمسيحيين في المجلس السيادي وبالتأكيد ستدافع عن مصالحنا".

 وليس بعيدًا عن كنيسة المعمدانية، التقينا بكاهن اسمه جوزيف، عبر عن "تحفظه" إزاء الأحداث التي يشهدها السودان منذ سقوط الدولة المدنية التي كان يقودها حمدوك. وقال لفرانس24: "الوضع غير واضح طالما النزاع بين العسكر والمدنيين لم ينته". واستذكر أعمال تدمير الكنيسة التي كان يعظ ويصلي فيها من قبل النظام السابق، وقال: "كان وضعًا محزنًا. بكينا بكاءً مرًا وشعرنا بحزن شديد. صلينا بعد ذلك تحت الشمس طيله ستة أشهر ثم بنينا كنيسة جديدة".

 واعترف أنه بعد الثورة "لم يعد هناك مشاكل لممارسة ديانتهم ويمكن حتى أن نقوم بحملات تبشيرية في الشوارع والناس يتقبلون ذلك دون مشكلة. عكس زمان الحكومة السابقة حين كنا لا نستطيع حتى التحدث"، معبرًا عن خشيته أن "يعود النظام السابق لأنه يقمع الحريات ونحن نخشى أن يعود العسكر كما كان في الماضي".

 هذا، ويؤوي جنوب السودان أكبر عدد من المسيحيين الذين أصبحوا بعيشون فيه بعد انقسام البلاد قي 2011، أما في السودان، فغالبية العائلات المسيحية استقرت في العاصمة الخرطوم. العائلات الغنية تقطن في وسط العاصمة، أما الفقراء فغالبيتهم يعيشون في حي "العزبة" بمنطقة بحري الشعبية. وقد عانوا الأمرين خلال حكم البشير الذي دام تقريبًا ثلاثين عامًا، ما جعلهم يشاركون بقوة وزخم في المظاهرات والمواكب التي أدت في نهاية المطاف إلى سقوطه.

 غد أفضل

 وتقول مناسة متّى وهي ناشطة في صفوف الثورة السودانية تقوم بتعبئة المسيحيات للمشاركة في المواكب والمسيرات المناهضة للمؤسسة العسكرية: "لقد وقفنا مع الثورة ونفذنا اعتصامات أمام القيادة العامة شاركت فيها عدة كنائس سودانية". وفي سؤال لماذا شاركت في الثورة، أجابت: "لأن المسيحيين عامة مروا بمشاكل كثيرة وصعبة وكنا نرغب أن يكون هناك تغيير في السياسة والحكم لكي يتحسن وضع الكنائس في السودان ولنتمتع بحرية العبادة والتبشير".

 أما فيما يتعلق بالمستقبل، فالوضع "غير واضح"، وتضيف: "النظام العسكري ما زال يسيطر على البلد والدولة لم تتغير بعد. فهناك قوانين مقيدة للحريات والعبادة. كما نخشى أن يعود النظام السابق ويهجم من جديد على الكنائس ويدمرها. المسلمون يعانون هم أيضًا من نفس المضايقات والمشاكل".

 وأنهت بالقول "الشعب السوداني بكل أطيافه يشارك في المظاهرات والاعتصامات لأننا نريد كلنا حكمًا مدنيًا يضمن الحقوق والعبادة". كباقي السودانيين، يتطلع المسيحيون إلى غد أفضل. ولهذا السبب  شاركوا في "مليونية 13 نوفمبر" و"مليونية 17 نوفمبر" أيضًا. خرجوا إلى الشارع للمطالبة بدولة مدنية وديمقراطية وبحرية الدين. فهل مستقبل المسيحيين في السودان مضمون في ظل التجادبات السياسية والانقلابات العسكرية؟