إذا أردنا أن لا تفوت الفرصة منا، يجب علينا أن نمسكها بكلتا يدينا ولا نغلق الأبواب التي يفتحها الله لنا
إخوتي وأخواتي في الإيمان بالمسيح، وبالأمة الكلدانية السريانية الآشورية (سورايى): كمسيحيين نؤمن بأن المسيح هو الله. المسيح مثل الله هو عالم بكل شيئ، وهو يعرف ما هو الصالح لنا، وما هو الضار. ألوهية المسيح تلزمنا نحن اتباعه ان نستمع لكلمات ووصايا المسيح ونحيا بموجبها. وقد كتب في الكتاب المقدس، بأن بيليبوس كان يفتش عن الله، وأتى الى المسيح وقال له: (يا سيد، أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع: أنا معكم كل هذا الزمان ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب في؟ الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الآب الساكن في هو يعمل الأعمال. آمنوا أني في الآب والآب في، وإلا فآمنوا بسبب تلك الأعمال.) يوخنا 14: 8-11.
نظام كنيسة المشرق الآشورية يعلمنا بأن آباء الكنيسة كانوا يعترفون بالمسيح الها، حيث يرد: (انت وإبنك ستصانان من كل أذى بصلوات العذراء، المتعطفة نورا، السماء الثانية، السيدة مريم والدة المسيح إلهنا. وبصلوات كل القديسين: الآن وفي كل زمان والى أبد الآبدين آمين. (طقس خدمة الاسرار صفحة 204) هذا المسيح، الذي ليس لنا شك بانه الله، يعلمنا بضرورة الوحدة بين اتباعه. المسيح يصلي الى الله من أجل الوحدة في كنيسته المقدسة ويقول: (لست اصلي من أجل هؤلاء فقط، بل أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم. ليكون الجميع واحدا ، كما أنك أنت في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا ، ليؤمن العالم أنك أرسلتني) يوخنا 17: 20–21
لذلك، فالمؤمنين بالمسيح مسؤولون للعمل معه من أجل تحقيق الوحدة في كنيستهم اولا، وبعدها في كل كنائس المسيح على الأرض. كل إنسان يعمل على إثارة الإنشقاق، إذا كان في الكنيسة أو في الأمة، فانه يعمل مع الشيطان ضد المسيح. هدف المسيح من الوحدة بين كل فروع كنيسته، ليس أن كل الكنائس تتوحد في كنيسة واحدة تحت رئاسة أرضية واحدة. فهذا الشيء لا يمكن أن يتحقق، وليس مامولا تحقيقه. ولكن هدف المسيح هو إن كل المسيحيين كأعضاء في الجسد الروحي للمسيح تحت رئاسة المسيح وبإلهام الروح القدوس ينجزون خدمة المسيح المقدسة على الأرض الى مجيئه الثاني.
المسيح جاء الى الارض في مجيئه الاول على الأرض ليهدم بموته على الصليب الجدران التي فصلت الله عن الإنسان، والإنسان عن الإنسان. المسيحيون الحقيقيون بواسطة ذبيحة الرَّب على الصليب، يعيشون بسلام مع الله ومع البشر. وكمسيحين مؤمنين، فانه عبر رسم إشارة الصليب المقدس على وجهنا، وبتعليق صليب الرب بأعناقنا، فاننا نظهر بوضوح تصالحنا مع الله، ومع أخينا الإنسان. فاشارة الصليب لنا، نحن المسيحيون، هي رمز سلام ومصالحة الإنسان مع الله، والإنسان مع أخيه الإنسان. الإيمان المسيحي مبني على السلام والمصالحة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. السلام المسيحي هو ثمرة روحانية لصلب وقيامة الرَّب من بين الأموات.
تعليم قيامة الرب من بين الأموات يعلمنا أن المسيح مات بجسد بشري، وقام بجسد روحاني، من اجل ان يعلم الجنس البشري انه بموته وقيامته هدم جميع الجدران الجسدية والأرضية التي كانت تحول بين الإنسان والله، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. الجدران والأبواب الموصودة لم تتمكن من الوقوف في طريق المسيح وتمنعه من العبور والوقوف بين تلاميذه الطوباويين. أولئك الأفراد الذين يعملون من أجل بث الشقاق في الكنيسة والأمة، ما زالوا يعيشون في زمن الظلام ما قبل قيامة الرَّب، وعند هؤلاء فان الرب لم يمت ويقوم. وإنهم ما زالوا الى الان يعيشون تحت سلطة الشيطان والموت والخطيئة. هكذا اناس ليس لهم حصة من تعاليم المخلص يسوع المسيح والرسل الطوباويين، وآباء كنيسة المشرق.
بعد صعود المسيح، سار الرسل الطوباويون وفق خطوات الرَّب، وعلموا الوحدة الى كل اتباع المسيح. الرسول بولص يقول: (لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس من فرق بين يهودي ويوناني. بين عبد وحر. بين ذكر وأنثى، لأن الجميع واحد في يسوع المسيح.) غلاطية 3: 27-28 فان لم يكن هناك فرقا بين اليهود واليونان المسيحيين، فانه ليس هناك فرقا عند المسيح بين أبناء وبنات الكنائس المسيحية. وإذا كان بالمسيح لا يوجد فرق بين اليهود واليونان، فكذلك بالمسيح ليس فرق بين الكلدان والسريان والآشوريين. وآباء كنيسة المشرق ايضا لم يحيدوا عن تعاليم الرَّب والرسل الطوباويين بالنسبة للوحدة. ولذلك فانه في كتاب (طقس الصلاة القانونية الخوذرا) في ترنيمة القداس ليوم الأحد السادس لسابوع الرسل، هكذا تصلي الكنيسة وتعترف وتقول: (يا من اصبحتم اخوة في المسيح بالعماذ، ويا شركاء سر الموت والدفن، ابتعدوا عن الكفرة وتجنبوا الوثنين، لتكونوا شركاء وورثة في الملكوت) . هكذا فان آباء كنيسة المشرق يؤمنون بأن كل المسيحين، ومن كل جنس او لغة او بشرة كانوا ، فانهم بواسطة الولادة الثانية في سر المعمودية المقدسة يصبحون إخوة وأخوات لبعضهم. الآن وقد فهمنا تعاليم المسيح وآباء الكنيسة عن الوحدة المسيحية: سوف آتي وأتكلم عن: الوحدة، الغفران، الهداية كل على انفراد.
1- الوحدة: من اين تبتدأ الوحدة الحقيقية؟ الوحدة الحقيقية لا تبتدأ من فوق، بل من تحت. الرغبة بالوحدة تنبع من قلوب الناس الوديعين والمظلومين والمحتاجين، الذين يشعرون انه بالوحدة سينالون قوة موحدة تحررهم من ظلم، وضائقات احتياجاتهم. أبناء شعبنا، وباية تسمية يسمون انفسهم، ولأنهم من أكثر امم المعمورة مظلومية، وحقوقهم القومية والسياسية مسلوبة، فهم محتاجون الى الوحدة. والكتاب المقدس يعلمنا درسا ثمينا عن أهمية وضع كل اختلافاتنا جانباً والاتحاد مع بعض من اجل نيل حقوقنا المسلوبة. فكما في الكتاب: (وفي ذهابه إلى أورشليم اجتاز في وسط السامرة والجليل. وفيما هو داخل إلى قرية استقبله عشرة رجال برص، فوقفوا من بعيد. ورفعوا صوتا قائلين : يا يسوع، يا معلم، ارحمنا. فنظر وقال لهم: اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة. وفيما هم منطلقون طهروا. فواحد منهم لما رأى أنه شفي، رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخر على وجهه عند رجليه شاكرا له، وكان سامريا. فأجاب يسوع وقال: أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة. ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب؟) لوقا 17: 11 – 18 التاريخ يعلمنا أن اليهود والسامريين كانوا أعداء ألداء لبعضهم. لم يكن هناك مطلقا علاقات أخذ وعطاء واختلاط ومشاركة مع بعضهم. اليهود والسامريين لم يأكلوا ويشربوا مع بعضهم على مائدة واحدة. ولم يشاركوا بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان. كانوا يحسبون بعضهم بعضاً دنسين، وكان يعتبر احدهم الاخر عدوا. ولكن هنا في هذه القصة نرى أن هؤلاء المرضى، يهودا وسامريين، كانوا مصابين بذات المرض، وان مستقبلا مخيفا ومميتا كان ينتظرهم، وجميعهم طُردوا من شراكة المجتمع، بسبب مرضهم بوباء البرص. لذلك فان هؤلاء المجروبين الأعداء لبعضهم، تركوا اولا الإختلافات التي كانت بينهم وتوحدوا مع بعضهم في جبهة واحدة، وكافحوا كفاحاً صعباً بهدف نيل حقوقهم، وإيجاد دواء لمرضهم. هكذا لما لاقى هؤلاء المجروبون الرَّب فانهم صرخوا بصوت واحد وطلبوا منه شِفاءهم من مرضهم. الرب استجاب لمطلبهم وطهرهم من الجرب جميعا وبالتساوي. هؤلاء الجربى العشرة كان واحدا منهم سامرياً والتسعة يهودا، لكنهم جميعا بالتساوي طلبوا الشفاء من مرضهم. اليهود لم يقولوا للرَّب: "ربنا، إننا تسعة، وهذا واحد بنفسه، او ان هذا هو سامري بأمته، ونحن يهود. لا تطهره كما تطهرنا نحن". كان بمقدور هؤلاء الجربى اليهود أن يقولوا للرَّب: "ربنا أنت يهودي ونحن كذلك يهودأ. هذا سامري، انه عدو، لا تطهره". بالتأكيد إذا كان هؤلاء الجربى تقربوا الى المسيح بهذا الانقسام في التفكير، لكا كان تطهر ايا منهم من برصه. وإذا كان هؤلاء الجربى قد انشغلوا بجدالات مع بعضهم بسبب الاسماء، ومن له الأحقية للشفاء من مرضه، لكان الرَّب أتى وذهب ولا واحد منهم كان ليشفى من جربه. ولذلك وفي النهاية كانوا جميعا سيُضيعون هذه الفرصة الثمينة، وكلهم بالتساوي كانوا سيجلبون على انفسهم موتاً مخيفاً. الحشرات والحيوانات تأكل بعضها بعضاً في أوقات السلام. ولكن عندما يقعون في مخافة الحرائق والطوفان، فانهم، ولأجل النجاة بأنفسهم من الموت، يضعون الكره والعداوة جانباً، ويسرعون جميعا مع بعضهم ويجتمعون في مكان آمن لا يصله النار أو الطوفان. نرى الحيوانات المفترسة في وقت الخوف وتهديدات الهلاك، يتركون القتال وأكل لحم بعضهم البعض، ويعيشون بسلام لأن لهم عدوا مشتركا. تعلمنا القراءات من الكتاب المقدس في طقس صلوات صوم نينوى مثالاً رائعا في الوحدة الحقيقية. الله طلب من يونان النبي الذهاب والكرازة لاهل نينوى. يونان لم يستمع لأمر الله، فبدل الذهاب الى نينوى، نزل الى يافا ودخل سفينة ذاهبة الى ترشيش. فجأةً أقام الله ريحا عاتية في البحر، وأصبحت زوبعة كبيرة وهاج البحر. الملاحون من خوفهم على السفينة أخذوا يقذفون في البحر بكل شيء ثقيل كان في السفينة. لقد عملوا هذا ليقللوا من ثقل سفينتهم فتبقى طافية ولا تغرق في عمق البحر. ولما ضاق الوضع بالمسافرين في السفينة ورأوا الموت يداهمهم، التجئوا الي الصلاة وكل واحدٍ منهم صلي بحسب طقسه ولغته الى الإله الذي يؤمن به. في هذا الوقت تذكر الأشخاص في السفينة بأن يونان نائم في اسفل السفينة. طلبوا منه أن يصلي ايضا الى الهه كي لا يهلكوا. هكذا سجد يونان بالصلاة ايضا بطريقته مع بقية الملاحين، وتضرعوا الي الله لينقذ سفينتهم من الغرق. الملاحون يمثلون مثالاً لكل العالم. عندما وقعوا في مخافة الموت، جميعهم توحدوا بالصلاة لخلاص السفينة وجميع من فيها بلا تفرقة. هؤلاء الملاحون رموا في البحر اولا كل شيء ثقيل مما كان يغرقهم وسفينتهم في عمق البحر. عندما فشلوا في محاولتهم، رجعوا الي الله بالصلاة. فرغم أن من كانوا في السفينة لم يكونوا موحدين في إيمان واحد، الا انهم ومن أجل خلاص أنفسهم، تركوا كل الإختلافات التي كانت بينهم جانبا وتوحدوا مع بعض بالصلاة. نرى ان هؤلاء عندما وقعوا في مخافة الموت نسوا الخلافات اللاهوتية والفلسفية التي كانت بينهم. هؤلاء المسافرون من أجل خلاصهم جميعا تقبلوا الأفكار المختلفة لبعضهم البعض، وكلهم في هذا الوقت الحرج أصبحوا كنيسة (جماعة) واحدة. وجميعهم مع بعض ومن أجل هدف مشترك وعام صلوا الصلاة كل بطريقته. الكتاب المقدس لم يقل أن هؤلاء الناس الذين في السفينة عندما توحدوا مع بعض وجاهدوا وصلوا مع بعض من اجل خلاصهم المشترك قد نسوا هوياتهم. في وقت الحاجة المشتركة فان هؤلاء الاشخاص لم يسمحوا للغاتهم، ونظمهم، ومسمياتهم، وعاداتهم أن تكون سبباً يمنعهم من الوحدة في الصلاة لانقاذ انفسهم من الموت. بهذه الوحدة حافظ كل واحد منهم على هويته دون أن يأتي أي تغيير عليها، وفي ذات الوقت فان كل واحد منهم أنقذ نفسه من الموت، وحافظ على وجوده. اليوم، فان سفينة الكنيسة المسيحية لأمتنا تغرق شيئا فشيئا في البحر المضطرب لهذا العالم غيرالمؤمن. الشَرّ مرئي في كل مكان. والانسان بات لا يحقق إرادة الله. محبة مال هذا العالم تفوز على محبة الله. كل إنسان يفكر بمصالحه الشخصية. ليس هناك إنسان يفكر بمصلحة رفيقه. كنائسنا المسيحية وعوض أن تتقارب الى بعضها، وتعمل معاً لخلاص أبناء كنيستنا وشعبنا من الضياع، فانه يوم بعد اخر فان هوة الافتراق والإنشقاق تتسع بينها. في هذا الوقت الحرج، فان على كنائسنا المسيحية أن تتعلم من هؤلاء الملاحين البسطاء وتضع إختلافاتها اللاهوتية والفلسفية جانباً، وككنيسة مقدسة ورسولية جامعة، فان كل كنيسة وبحسب طريقتها وطقسها تسجد الى الله من اجل خلاص شعبنا الاشوري النهريني من الهلاك، ويجاهدوا بعض لأسترجاع حقوقنا المغتصبة. يونان النبي نزل ونام في أسفل السفينة، بينما السفينة كانت تغرق في بحر مضطرب. كيف إستطاع يونان أن ينام بسلام وهو يرى السفينة والناس على متنها يغرقون. واليوم، فانها دهشة كبيرة ان يتمكن بعض القادة الكنسيين والقوميين من النوم بسلام بينما يرون سفينة شعبنا وكنيستنا تغرق في البحرالهائج لهذا العالم الظالم. يا الهي، كيف يستطيع الانسان أن ينام بسلام بينما يرى بعض أبناء كنيسته وأمته يهلكون في الخطيئة، والبعض الآخر يذوبون في معتقدات غير رسولية، وقسم كبير اخر واقع في جدالات عقيمة مع بعضهم البعض! كيف يستطيع قادة كنائسنا وشعبنا أن يناموا بسلام بينما يرون كل شعوب العالم تتحد لحماية وجودها ونيل حقوقها القومية.
في هذا الوقت الذي تسعى فيه كل الشعوب لنيل حقوقها القومية والإنسانية، وفي هذا الوقت الذي تضيع وتنصهر فيه شبيبتنا في كنائس وثقافات غريبة، وفي هذا الوقت الذي تتشتت فيه العوائل ويصبح فيه الأولاد والبنات الصغار ودون ذنب منهم من دون مدبرين، وفي هذا الوقت الذي فيه المئات من شباب وشابات امتنا وبسبب المجون وتناول المخدرات القاتلة هم معتقلون في سجون بلدان المهجر، فان البعض من المسؤولين القوميين والكنسيين يغرق في صراعات ومجادلات حول أشياء عقيمة وباطلة والتي ليس فيها من نتيجة سوى المضرة لكنيستنا وشعبنا. هنا تأتي أهمية التسامح والتواضع وقبول الآخر، كما أن الله الآب قبلنا جميعا بالمسيح. بموجب التعليم المسيحي، فان التواضع يعني إعطاء المكان الأول الى الآخر. كما هو مكتوب: (لاتعملوا شيئاً بمخاصمات أو بإفتخار باطل ولكن بالتواضع تكونون حاسبين الواحد للآخر أكثر مما هو لنفسه. كل واحد منكم لا ينظر لمصلحته فقط ولكن لمصلحة الآخرين) فيليبي 2: 3-4 بواسطة هذه الاسطر فان بولس الرسول يعلمنا أن الوحدة الحقيقية لا تتحقق دون تواضع النفس والتسامح.
2- المغفرة: الرب يسوع المسيح في صلاته الربانية يعلمنا أن نغفر ذنوب وخطايا بعضنا بعضاً، كما غفر لنا ابونا السماوي. وإذا لا نغفر ذنوب وخطايا بعضنا البعض، كذلك آبانا السماوي لن يغفر ذنوبنا وخطايانا، كما هو مكتوب: (اغفر لنا خطايانا، كما نحن غفرنا الذين خَطئوا إلينا) متي 12:6 ومكتوب ايضا: (فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم.) متي 6: 14-15. (تقدم إليه بطرس وقال: يا رب، كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات. قال له يسوع: لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات.) متي 18: 21-22 بالأسطر اعلاه يعلمنا الرَّب انه اذا أردنا أن يغفر الله لنا، يجب علينا نحن أن نغفر بعضنا بعضاً. فغفران بعضنا البعض هو شرط ضروري لنيل المغفرة الالهية. وكذلك من دون مغفرة الفرد للاخر، فان المؤمنين لا يمكن لهم المشاركة في تقديس وتناول القربان المقدس لجسد ودم المسيح. أمام الله، فان تحقيق السلام مع اخيك الواقف الى جانبك هو اهم من تقديم الذبائح. الاكليروس الذين هم في خصام وضغينة مع إخوانهم وأخواتهم، لا يمكن لهم تقديم القربان المقدس لجسد ودم رَّبنا يسوع المسيح الى الله من اجل خطاياهم وخطايا العالم. كذلك العلمانيون الذين هم أيضاً في خصام مع الاخرين ويوجد في قلوبهم الضغينة والحقد على إخوانهم وأخواتهم فانهم لا يمكن لهم الإشتراك في تقديس وتناول الأسرار المقدسة لجسد ودم رَّبنا ومخلصنا يسوع المسيح. مكتوب: (فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا تصالح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك.) متي 5: 23-24 انه امر مؤسف، ان الكثير من الاكليروس يقدسون القربان المقدس، والكثير من المسيحين يتناولون القربان المقدس لجسد ودم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وهم يحملون في قلوبهم غضب وضغينة عشرات الاجيال على الناس الآخرين. أنا لا أفهم كيف يمكن للمسيحي أن يحمل، ولسنين عديدة، ضغينة في قلبه على إخوانه وأخواته. الإيمان المسيحي يعلمنا أن لا يطول غضبنا على اخينا الانسان ولو ليوم واحد. انه مكتوب: (اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم. ولا تعطوا إبليس مكانا.) أفسس 4: 26-27 يقول بولس الرسول عن التسامح والطيبة مع بعضنا البعض: (لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم، بل كل ما كان صالحا للبنيان، حسب الحاجة، كي يعطي نعمة للسامعين. ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء. ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضا في المسيح) أفسس 4: 29-32 المغفرة هو الوسيلة ليحصل الإنسان على حريته. فما لم يرمي الإنسان عن كاهله ثقل الضغينة والحقد فانه سوف يغرق في بحر الضغينة والغضب العميق، ولكل سني حياته سيكون عبدا خاضعا للحقد. حتى يتمكن الانسان ان يكون قائدا موفقا فان عليه ان يكون محبا للوحدة الحقيقية وكارهاً للشقاق.
3- الهداية (القيادة): يعلمنا الرَّب يسوع المسيح أن القيادة تأتي من المنبعين الآتيين: ا- التضحية : الحياة الأرضية لرَبنا يسوع المسيح تعلمنا المعنى الحقيقي للتضحية. فمكتوب: (حينئذ تقدمت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها، وسجدت وطلبت منه شيئا. فقال لها: ماذا تريدين؟ قالت له: قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال: لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا، وأن تتعمذا المعموذية التي اتعمذها؟ قالا له: نعم، نستطيع) متي 20: 20-22 ربنا يعلن ليعقوب ويوخنا إن الجلوس عن يمينه ويساره لن تتحقق دون تضحية كبرى، ودون تجرع كأس العذابات القاسية والاضطهادات والموت. إذاً، فحسب المسيح فان القيادة والتضحية ياتيان معااً، ولا يمكن التفريق بينهما. كل من يضحي سوف يكون كبيراً، ومن لا يضحي، حتى وإن كان قد تسلق بقوة الظلم وسفك الدماء سلم الرتب العالية فانه سيسقط من علياءه الى الاسفل. في المجتمع الديمقراطي، فان الذين يدخلون من باب التضحية هم فقط يتمكنون من الجلوس على كراسي القيادة. وهكذا فان كل الجالسين على كراسي القيادة، سواءً في الكنيسة أو في الأمة، ما لم يحصلوا عليها بالتضحية فانهم ليسوا قادة حقيقيين، وكما يقول الرب فانهم سراق ولصوص. وان أبناء الكنيسة والأمة لايعرفون أصواتهم ولن يتبعونهم لانهم لم ياتوا ليَخْدِمُوا بل ليُخدَمُوا.
ب - الخدمة: الانسان الذي يرغب أن يكون قائداً لايحاول الصعود الى الأعلى، بل النزول الى الأسفل. ويحاول من الأسفل الصعود الى الأعلى. ربنا يسوع المسيح نزل الى تحت وسجد على ركبتيه وخدم الإنسان الساقط. الرَّب غسل أرجل تلاميذه، وتحمل الآلام، وضحى بنفسه على خشبة الصليب من أجل خلاص البشرية. مات الرَّب بناسوته ووضع في القبر، وفي اليوم الثالث قام من بين الأموات، وصعد الى السماء، وجلس عن يمين الله الآب. مكتوب: (لكن يسوع دعاهم وقال: أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم . بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون فيكم أولا فليكن لكم عبدا. كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.) متي 20: 25-28 الرب يسوع المسيح من أجل هذه التضحية الكبيرة والخدمة الطاهرة، أصبح قائداً لم تشهد له البشرية مثيلا في تاريخها من بدء العالم والى اليوم. ملايين البشر خلال الفي سنة يتبعونه. هؤلاء الناس يؤمنون بالمسيح بأنه قائد ومخلص أبدي للجنس البشري. مكتوب: (لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض) فيليبي 10:2
بناءً على هذه الكلمات الإلهية فان كل فرد يشتهي ليكون كبيراً وقائداً في الكنيسة أو الأمة، يجب أن يدرك أن القيادة لا تاتي دون التضحية. ربما يمكن لفرد ما ان يجلس دون تضحية على كرسي القيادة ويتبعه الناس لفترة قصيرة. اتباع هكذا قائد سيدركون سريعاً بأنه ليس قائداً حقيقياً، ولم يأت ليخدم أتباعه بل ليخدم ذاته. لذلك سوف يتركه اتباعه ويلحقون بمن يخدمهم بإخلاص، ويبقى القائد الدجال لوحده.
يرينا التاريخ إنه قام في الكنيسة والأمة قادة ورعاة ضحوا بحياتهم من أجل كنيستهم وأمتهم. والكنيسة والأمة منحت لهؤلاء الأفراد لقب وإحترام الشهداء الأبطال. هؤلاء الشهداء وإن كانوا قد ماتوا بجسدهم، ولكنهم بالروح باقون احياء وبإحترام كبير في قلوب أبناء وبنات الكنيسة والأمة.
هلموا نتعلم مما حدث في هذه السنوات الأخيرة في العراق. فمن أجل إسقاط السلطة الفاشية لصدام، اتفقت كل أطياف الشعب العراقي مع بعضها. الخلافات التي كانت بينهم، مثل علم البلاد وتقسيم الثروة النفطية وحدود المحافظات وكتابة القوانين الأساسية وغيرها، تركت الى الأخير. ومن بعد اسقاط النظام الفاشي وتحرير الوطن، عندها عملت معا كل المكونات المختلفة في البلاد لحل الخلافات بينها. فلو لم تتفق من البدء هذه الأطياف المختلفة للشعب العراقي على هدف مشترك لتحرير الوطن، فانه ربما كانت الأحوال اليوم مختلفة (سيئة) كثيرا عما هي عليه.
أحبتي، نحن ايضا لنترك الان ومؤقتا كل الإختلافات والمجادلات التي بيننا جانباً، ونتوحد مع بعض لنيل حقوقنا في وطن اباءنا. انها فرصة ثمينة جدا، لا نفوتها علينا، فمن المحتمل أنها لا تاتينا مرة اخرى. تذكروا الجربى الذين لو كانوا انشغلوا بالجدال الفارغ لما شفيوا من برصهم. وأولئك الناس الذين كانوا في السفينة، فلو كانوا ضيعوا الفرصة الثمينة للصلاة مع بعض بالصراعات والمجادلات العقيمة لما كان ينجو ايا منهم. الرب الأله ايضا برحمته وشفقته لم يدر وجهه عن شعبنا السرياني. ففي هذا الوقت الحرج الذي لم نكن مثله ابدا بحاجة الى قائد، فان الرَّب الأله أقام لنا من وسطنا ومن لحمنا ودمنا ومن بين إخوتنا قائدٌ مؤمن، وديع، رحوم، حكيم، وقومي الذي هو معالي رابي سركيس آغا جان. فكما أرسل الرب الاله موسى النبي ليخلص اليهود من عبودية المصريين، هكذا أرسل إلينا رابي سركيس ليرسخ وجودنا في وطن اباءنا بنيل حقوقنا وتأسيس الحكم الذاتي في سهل نينوى. واعمار كل قرانا المهدمة.
رابي سركيس بعمله المضني تمكن من ايصال صوت أمتنا الى جهات المعمورة الاربع. وكذلك ومن خلال فضائية عشتار تم تعريف تراثنا الكنسي والقومي لابناء عصرنا. وكذلك فان رابي سركيس تمكن اكثر من اي وقت مضى من تقريب أبناء أمتنا لبعضهم البعض تحت إدارة المجاس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري. رابي سركيس لم يصل الى هذه المرتبة عن طريق الظلم وسفك الدماء، ولكن بالتضحية والجثو على ركبتيه وتقديم الخدمة لابناء شعبنا من اية كنيسة كانوا وباية تسمية يطلقونها على انفسهم. ليمنح الرب الاله الحياة المديدة لرابي سركيس، فربما لن يكون معنا دائما، ولذلك فانه يجب عدم هدر فرصة وجود رابي سركيس معنا. وككنائس مسيحية فانه من المهم أن نصلي الى الرَّب الإله ليحفظ رابي سركيس سالماً ويبعد منه كل المخاطر الخفية والظاهرة. وكقوميين نحاول أن نضع أيدينا في يديه ونعمل معه لنيل حقوقنا. وإذا لم نتمكن من العمل معه، او ان افكارنا لا تتوافق مع افكاره فانه يجب عدم العمل بالضد منه، لأن ذلك سيلحق اذى كبيرا بقضيتنا القومية. في الختام، وبإختصار أود أن أقول لأبناء كنيستي وأمتي، بانه إذا رغبنا أن نضع بنياناً قوياً لقضيتنا القومية يجب أن نصغي لكلام الله المكتوب في الكتاب المقدس. إذا شيدنا قضيتنا القومية على صخرة طاعة كلمات الله، فان اية قوة سياسية في هذا العالم لن تستطيع زعزعتها من محلها. المسيح يقول ان الانسان الحكيم هو ذلك الذي يستمع الى كلمات الله ويفعل بها. مكتوب: (فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها، يشبه الرجل العاقل الذي بنى بيته على الصخر، فنزل المطر، وجاءت الأنهار، وهبت الرياح، ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط، لأنه كان مؤسسا على الصخر) متي 7: 24-25
وختاما ايضا، أغتنم هذه الفرصة الأخيرة بواسطة بعض الكلمات لأذكر لكل قراء هذا الموضوع ان يعطوني الحرية والحق لأكتب أفكاري الشخصية، ولا يلُوموني ان كنت قد كتبت شيئا لا يتوافق مع أفكارهم. أنا أعتقد ان كل ما كتبته في هذا الموضوع هو لمنفعة كنيستنا وامتنا. وأدعوكم ان تدينوني بالرحمة، لتدانوا انتم ايضا بالرحمة. مكتوب: (طوبى للرحماء، لأنه سيرحمون) متي 6:5
واخيرا، أنتهز هذه الفرصة لأذكر لحضراتكم، بأني آشوري بأمتي، وأفتخر بآشوريتي. وبالإيمان المسيحي فاني من أبناء كنيسة المشرق الآشورية. وأؤمن بأنها الكنيسة الأم التي انجبت جميع أبناء أمتنا في عالم المسيحية. وككاهن، فان بطريركي هو قداسة مار دنخا الرابع جاثليق بطريرك كنيسة المشرق الآشورية. وانه لفخر لي اني ومنذ 25 عاما اقوم بخدمة الكهنوت تحت إدارته الروحية، وسابقى، بصلواتكم من اجلي، اخدم باخلاص الى النفس الاخير من حياتي في كرمة الكنيسة المقدسة. في هذه الكنيسة عَرَفتُ المسيح مخلِصا لي، ولذلك سابقى أعمل بقوة واخلاص ان ابلغ واكرز، وعبر الطقوس والاسرار المقدسة لهذه الكنيسة، بشرى الخلاص الى جميع ابناء شعبنا خاصة، والى كل الشعوب عامة. أسألكم أن تصلوا الى الرَّب ليعضدني. . .
كتب من قبل الخورأسقف الدكتور كيوركيس توما كاهن رعية مار أندراوس الرسول في دسبلينس، إيلينوي - أمريكا. 1 ايار 2008 ميلادية
ترجمت من السريانية الى العربية من قبل السيد زكي القس عوديشو راجع الترجمة القس عمانوئيل يوخنا |