آثار آشورية في دهوك ومحيطها
ـ الجزء الأول ـ
المهندس والآثاري: عوديشو ملكو آشيثا
أن منابع دجلة والفرات, ومعظم السفوح والاودية الواقعة بين فروع هذين النهرين الخالدين, الى الشمال من نينوى وسهولها وصولاً الى بحيرة وان واورميا، تعد أحدى مهاد الانسان (البشري) القديم. ومن ثم الانسان الحضاري، والمتمدن، والكتابي، والاداري، والعسكري لاحقاً. وانه لمن الآثار المادية والكتابية للشعوب القديمة في هذه المنطقة بدرجة قلما يوجد لها مثيل، وعلى هكذا منطقة واسعة وعميقة في سفر الزمن. ونحن في هذا المقال المقتضب سوف نحصر مجال بحثنا في بضعة مواقع داخل محافظة دهوك الحالية، من حيث الجغرافيا. وضمن الحقبة الآشورية من أحقاب سفر الحضارة، والتطور التي شهدتها هذه الارض، وخلفتها أيادي الاجداد الماهرين الينا نحن اللاحقون.
1ـ موقع خنس (ḫanusa) سَد ومنحوتات الملك سنحاريب في وادي بافيان قرب بلدة خنوسا الاشورية. ولعل لاسم المنطقة والبلدة والذي أطلقه عليها الاشوريون، منذ القدم، قد جاء من الاسماء (ḫanusu) والذي يعني ولد الخنزير والبقرة الوحشية. وكذلك (ḫanzu) بمعنى العنزة. ولا عجب في ذلك فأن تلك المناطق كانت تعج بالابقار والماعز الوحشي في ذلك الزمان. بعد ان استتب الأمن والاستقرار في أرجاء إمبراطورية سنحاريب (705ـ681) ق.م. وهو ذلك الامبراطور التواق للبناء والاعمار وتطوير الزراعة وتشجير الأرض، وإقامة الحدائق العامة والمحميات الحيوانية والنباتية... الخ. من المظاهر الحضارية المعاصرة. هبّ هذا الملك الى إعادة الهيبة للعاصمة المحبوبة نينوى، والقى اللوم على اسلافه الملوك على إهمالهم إياها، وهي رمز الامبراطورية. فبنى القصور وشقّ الشوارع العريضة، وشجَّرَ الساحات والحدائق داخلها وخارجها. وحصّن الاسوار، وجدد البوابات الرئيسية للمدينة، ووزع الاراضي المحيطة بها للمزارعين. وجلب القطن وأمر بزراعته بكثافة في كامل سهل نينوى. ولكن كل ذلك لا يدوم دون مصدر ماء مستمر، فارسل المهندسين الى الجبال والوديان القريبة لاستكشافها والعثور على مصادر المياه المناسبة. فكان الاختيار قد وقع على عدة انهر وينابيع وآبار، ولكن أهمها كان نهر الكومل أحد أفرع الزاب الكبير بالقرب من مدخل ﮔلي بافيان الى الشرق من بلدة خنوسا (خنس الحالية) الواقعة الى الشمال الشرقي لمدينة عين ـ سفني، مركز قضاء الشيخان. بدأ العمل وأستنفر الجهاز الهندسي في آشور، وأقيم سَد غاطس في عنق الوادي على نهر كملو هٍملولأ (كومل الحالي), ولفظة كملو وكومل متأتية من الكلمة الأشورية (gumlutu) والتي تعني مجرى ماء مركب على الحائط، وهذا الذي حصل فعلاً هناك. عندما شقّ (مهندسو سنحاريب) الصخر في الجهة اليمنى من النهر، حافرين ساقية عظيمة فيه، هكذا تحقق معنى (gumlutu)، الساقية المعلقة على جدار!
شكل رقم (1): بوابة التصريف منقورة داخل الصخر، للسيطرة على حجم الماء المتدفق الى القناة.
فعمل السدَ الغاطس كان رفع مستوى الماء لكي يصل الى مدخل نفق صخري، حفِرَ في صخرة الوادي، ليعمل عمل ((Tunnel للسيطرة على مقادير المياه، وتصريف السَد. ومازالت اجزاء من هذا النفق باقية لحدّ الساعة خصوصاً في بدايته خلف السدَّ، أي في موضع استلام الماء من النهر. وفي نهايته حيث يخترق صخرة عظيمة بعد أن نقرت فتحة القناة خلالها، لكي تنّزل صخرة (لوحة مهندمة) أخرى (متحركة) بواسطة الحبال الجبارة، من الاعلى الى داخل القناة. لايقاف جريان الماء في القناة، كي يرجع الى مجرى النهر عند عدم الحاجة اليه. وهذه المنظومة ايضاً مازالت لائحة للعيان لحد الان شكل رقم (1) وهي تعمل عمل بوابة التصريف حسب المصطلحات المعاصرة. ومن عند هذه البوابة، أنشأت قناة كبيرة محفورة في الصخور تارة، مبنية بالحجر المهندم تارة أخرى، محفورة في الارض الترابية بميلان ارضي وجانبي مناسب يمنع الترسب أو التآكل بسبب جريان الماء فيها، أي تم ضبط الميلان بحيث تتراوح سرعة الماء الجاري من (1.5 ـ 3) م/ ثا. يبلغ إجمالي طول القناة بين المأخذ في بافيان (خنوسا) الى مدينة نينوى أكثر من خمسين ميلاً. تتخللها عَبّارات وقناطر وسواقي وقنوات فرعية لجمع أكبر كمّ ممكن من الماء. الى ان تصب في نهر الخوصر [1]، والذي بدوره ينقل الماء الى محيط نينوى والخنادق المحيطة بها للاستحكامات العسكرية، ومن ثم الى قلبها، قبل أن يصب في نهر دجلة. ومن أهم معالم هذا المشروع العملاق الذي أقامه المهندس الاروائي الملك سنحاريب، هي ثلاثة أجزاء، الاول: موقع السدّ الغاطس نفسه والمنحوتات المقامة هناك. والثاني: موقع يقع على مقربة من طريق عين سفني ـ عقرة، قرب قرية بيت ـ ناري الحالية (pe-narē) والتي تعني بالآشورية موقع أو منبع الأنهار، حيث توزعت القناة الرئيسية في هذه النقطة على عدة انهار فرعية (قنوات)، لانها نقطة عالية متسلطة على معظم سهل نينوى، حيث سار باتجاه القوش، ونينوى نفسها، والى الجنوب الشرقي باتجاه جبل مقلوب. هكذا فان هذا الموقع (قرية بيت ناري الحالية) القرية الآشورية القديمة يشكل محطة توزيع عظيمة بالاتجاهات المذكورة، بحيث تغطي شمال وشرق نينوى بالكامل. أما الموقع الثالث: فهو ما يعرف الآن بعبارة جيروانة، والذي سنخصص له بحثاً خاصاً لما له من أهمية في هذا المشروع.
وعن موقع السّد نفسه يمكن القول: بعد أن أقام الملك سنحاريب هذا السدّ الذي أصبح بمثابة شريان الحياة لالآف الهكتارات من الاراضي الصالحة للزراعة، والمحيطة بنينوى من شرقها وشمالها ولعشرات الأميال. اراد أن يخلّد هذه الاعمال ويخلد تاريخ بلده وآلهته، ونفسه من خلالها. فهبت آلته الفنية والهندسية، والمعمارية، والادارية مرة أخرى، محولة عشرات الالاف من الامتار المربعة من تلك الاوجه الصخرية القانية اللون، الى مساحات ذي مستويات متساوية وناعمة الى درجة يمكن اسقاط الافكار والالوان عليها، والتي تحولت بهمة اولئك الرجال الى كتاب ناطق مقروء ومرئي! والى كتاب فنّ وتاريخ وعمارة وذوق وحضارة، والى كتاب عظيم لملك عراقي عظيم. يمجد الاله آشور ومَنْ معه من مجلس الالهة الآشورية، ويشكرها على نعمتها له ولبلاده، ولتاج الدول ومنبع الحضارات آشور الله. (آشور قضيب يدي). فكان ذلك المتحف الرائع الجاثم على كامل السطح الغربي من وجه وادي بافيان، الذي تخلّد من خلال ابداعات اولئك الخالدين.
شكل رقم (2): احدى منحوتات الملاك الحارس (لماسو)، في قاع النهر التي سقطت من موقعها الى النهر منذ زمن، ربما بسبب محاولة سرقتها.
فهناك العشرات من منحوتات الالهة ورموزها، ومنحوتات الملك نفسه وهو يحاور مجمع الالهة بقصد ارضائها والتباحث في شؤون سلامة وقوة دولته آشور. بالاضافة الى لماسو (الملاك الحارس) الذي كان عادة يحرس بوابات العواصم والمعابد والقصور الرسمية للدولة واركانها. نجده هنا صخرة من النحت البارز، وعليه أدق التفاصيل، الى درجة يحسّ الناظر اليه بأنه يتنفس ويبصر. صخرة مرصعة على صخرة الزمن، يُنْقَل للأجيال صرخة الحجارة (لو أُسْكِتوا فأن الحجارة ستصرخ عوضاً عنهم). لماسو، يقول لنا ولمن يأتون من بعدنا "نحن هنا في آشور، نحن آشور، نحن البدء. فمن له آذان تسمع فليسمع!!" كما نحتت المئات من الحنيات الخاسفة الى الداخل وهي مؤطرة من الاعلى بالقوس الآشوري النصف الدائري. والذي إقتبسه الرومان وباقي
شكل رقم (3): نصات أو حنيات صخرية، والتي كانت رموز وآلهة ومواضيع أخرى منحوتة داخلها. وقد ازيلت بقصد السرقة
الامم الغربية، ونسبّ خطأ اليهم. وفي هذه الحنايا كانت تماثيل العديد من رموز ومشاهد الآلهة، وهي سعيدة بانجاز وكيلها على الارض وملكها سنحاريب. اذ كان يُشاهد منها من تداعب اغصان واوراق شجرة الحياة، وأخرى واقفة على ظهور حيواناتها الخاصة، وهي في حلتها الرسمية، ومتقلدة بكافة نياشينها، ومستعدة كل حسب اختصاصها لحماية الملك ورعاية تاج ومجد دولته العظيمة. فكانت الكتابات والمنحوتات للالهة وللملاك لماسو، وللنباتات، والحيوانات الجنيّة والخرافية، والاطر، والافاريز، والكواكب، والنجوم وأفلاك السماء، ورموز الارض...الخ. كانت بالالاف تحرس المكان وتحكي للاجيال حكاية الزمان الخالد، زمان الرجال، الرجال الذين عرفوا كيف يصونوا العراق ويجعلونه عراق الخير والعلم والحضارة. مهما يسترسل المرء في وصف هذه البانوراما الآشورية السنحاريبية، ستظل جوانب منها مخفية. لأن مجرد الوقوف في هذا الوادي، والنظر على تلك الصخرة الصماء الناطقة، وتلك المساحات الشاسعة والممتدة مع سير الوادي من الشمال الى الجنوب، والواقفة بل الممتدة عمودياً من مستوى الماء صعوداً نحو السماء بعشرات الأمتار. والنظر الى المنحوتات الكاملة والساقطة على الارض وفي قاع النهر. والى تلك الأجزاء المتناثرة منها، بفعل الزمن وعوامل الطبيعة، أو بفعل الانسان بدافع السرقة أو التخريب. وهي بين مغمورة في الماء بالكامل وبين ظاهرة للعيان. سوف تتبلور وتتضح مسألة الحديث عن امبراطورية آشورية عراقية، بأنها كانت امبراطورية حقيقية لا تشوبها شائبة. ومن ثم التأمل في تلك الفتحات المنقورة لاحقاً في صميم التماثيل والمنحوتات، والمزروعة على سطح هذه اللوحة الخالدة بشكل عشوائي، بقصد التخريب والتشويه وازالة الذكرى. هذا العمل الشنيع بحق التاريخ والفن والوجدان الانساني العراقي الذي أتى به نفر من الرهبان التائهين داخل جبال بلادهم وداخل انفسهم، ظناً منهم بأن هذه الاعمال هي من بقايا كفر أجدادهم. هكذا بعد الف ومائة عام تقريباً قام أحفاد سنحاريب بتخريم تلك اللوحة الرائعة، محولين إياها الى صوامع للعبادة والتزهد والصوم والصلاة، علّهم يجلبون الغفران لاجدادهم الاشوريين الذين كان ذنبهم الوحيد انهم عاشوا قبل المسيح..!
شكل رقم (4) بانوراما سنحاريب، تظهر عليها صوامع الرهبان من القرن الرابع الميلادي
عندما قاموا (الرهبان) الاشوريون النساطرة باتخاذ موقع خنوسا ديراً لهم ومنذ القرن الرابع للميلاد. أي بعد مرور أكثر من الف عام على اقامة هذا السدّ من قبل سنحاريب...الخ. وبمجرد النظر اليها سوف يتأكد المرء من عظمة اللوحة، وعظمة مَن أقامها شاهداً للزمن الآتي! وحتى عظمة ذلك الذي نخرها واتخذ من لبّها جنينة له في هذه الدنيا! ولكن عامل الزمن والظروف الجوية والمناخ، كلها فعلت فعلتها ايضاً. حيث أن ما شاهده القنصل الفرنسي أميل بونا، ومن بعده الاثاري الانكليزي لايارد في النصف الاول من القرن التاسع عشر، وما التقطته عدسات الاثاريين والهواة طوال القرنين الماضيين ليس له وجود الان! فان الذي أزيل من مكانه بقصد السرقة او التخريب والعبث لعظيم، وان الباقي قد بهت واصبح قريباً الى المحي والزوال... لكثير وعظيم ايضاً.
شكل رقم (5): بقايا حنيات ومواقع وآثار منحوتات، تدرجت من الاسفل عند سطح الماء الى ذرى الجبل.
ولكن المؤسف له ان هذه العملية مستمرة ولحد الساعة، وعلى نطاق أوسع! فالزائر للموقع قبل سنوات، وحتى أشهر وأسابيع، ستأخذه الحيرة من سرعة التغير واختفاء ملامح الموقع الاصلية بهذا الشكل الدرامي... ومن دون تأنيب ضمير أو تدخل قانون...! ولا عجب في ذلك، فالعالم يطلب من زوار مواقع آثاره أن يلبسوا أحذية مطاطية, ويحذرهم من التصوير, واللمس احياناً. في الوقت الذي تعمل أصابع الديناميت وبقية مواد التفجير, بالاضافة الى البلدوزرات والنقارات الهيدروليكية العالية الطاقة في الاهتزاز, والتكسير, والتفتيت، في العديد من مواقع آثارنا, ومنها خنسنا هذه...! ودون تأنيب ضمير أو رادع قانوني!!
2ـ موقع إدوكْ (idūk) ومعبدها ذو الأربعة أعمدة كهف كبير يقع في عنق گلي دهوك، وعلى مشارف النهر والى الجهة اليسرى منه (للناظر جنوباً). وهو الآن يشرف وبصورة عمودية من على صخرة عمودية عالية على الطريق المبلط المؤدي إلى سدّ دهوك الاروائي, ويسمى بالكردية (جارستين)، أي ذي الاربعة أعمدة. يشكل هذا الكهف المحور الرئيسي لمجمع أو مستعمرة بشرية قديمة (مدينة عسكرية)، والتي تقع آثارها إلى الجنوب من الكهف وعلى سطح سفح صخري منحدر نحو قعر النهر. ومن أهم الأجزاء الباقية من هذا المعسكر- المدينة، هناك: 1- الكهف الرئيسي. 2- بعض رموز الآلهة الآشورية. 3- النفق الصخري. 4- بعض الصوامع وأسوار من الحجر ذات البروزات والخسفات البنائية (المعمارية). 5- القبور والآبار والسواقي. 6- اللقى الأثرية التي تم العثور عليها من قبل البعثات الاستكشافية. 7- مشاعل النار.
1ـ الكهف (المعبد): وهو عبارة عن تجويف صخري كبير, من الصخور الكلسية. وقد خضع لمهارة وعمل يد الإنسان ومنذ القديم. صخر الكهف المتكون من كاربونات الكالسيوم فيه متحجرات لحيوانات مائية, وهذا
شكل رقم (6): باب الكهف حيث يقف الشخص الايمن، أما الفسحة التي الى يساره فهي ناتجة بفعل التهدم الصخري لمقدمة الكهف.
يدل على ان الكهف كان مغمورا بالماء في الماضي السحيق أو ان مستوى جريان النهر كان يوما ما مع مستوى الكهف أو أعلى منه. فمن الطبيعي ان يكون الكهف في تلك الأيام عبارة عن خزان مائي في قعر النهر الأنهار تعمق مجاريها أرضية الكهف شبه مربعة, مع زوايا غير قائمة, بل اقرب ما تكون الى قوس دائرة, إذ يبلغ طولها 13.50 م وعرضها حوالي 12.20 م, أما ارتفاع الكهف فهو في معظمه يصل إلى 4 م. والفتحة الأمامية له تبلغ حوالي 8 م، وهي ناتجة عن انهيار الواجهة، والتي يظهر فيها الباب أو المدخل الرئيسي للكهف، والواقع في الزاوية الشمالية الغربية منه, وعرض المدخل يساوي 1.5 م. يحيط بالجهات الثلاثة من داخل الكهف - عدا الجهة الأمامية - وعند قدمة الجدران, حزام أو دكة محفورة في الصخر, ومنحوت عليها من الأعلى جدول (ساقية ماء) بعمق(30) سم. وهذا دليل على ان الكهف كان ينضح منه الماء في وقت ما من تاريخه الطويل. أما في وسط أرضية الكهف، فهناك دكة المذبح, مربعة الشكل تقريبا طول ضلعها يصل الى اربعة أمتار, بارتفاع قد يصل إلى متر واحد. ويخرج عند كل زاوية منها عمود من الصخر, وهو الآخر كان مربع الشكل لولا عوامل التعرية والتآكل التي شوهت زواياه وجعلته في الوسط أضيق من رأسه وقاعدته! والأعمدة الأربعة كانت متصلة بالسقف، أي أنها كانت قطعة واحدة متصلة تربط دكة المذبح وأرضية الكهف بسقفه. إلا أن اثنين من هذه الاعمدة كانت قد انفصلت عن السقف بفعل الرطوبة والتآكل، وقد أُعيد ترميمها حديثاً، باكسائها بالجصّ وبطريقة غير نظامية. كما ان دراسة دقيقة للزوايا القائمة، للدكة والأعمدة المقامة عليها, وقياس المسافات بينها وتعيين اتجاهاتها، بينت جليا بان الأركان الخارجية للأعمدة الأربعة, مع الزوايا الأربعة للدكة المقامة عليها تلك الأعمدة, تتجه باتجاه الجهات الجغرافية الرئيسية الأربعة تقريبا, أي الشمال والجنوب والشرق والغرب الجغرافي, كما كان الحال السائد في بناء المعابد والزقورات العراقية القديمة. ومن الملاحظ وجود حفر أو أماكن خاصة منقورة على سطح المذبح الوسطي لإيقاد النار, وربما للطوفان حولها أو من اجل التدفئة. ومهما كان الأمر, فان الكهف قد أُشعلت فيه النيران بكثرة ولفترات طويلة جدا, وإلا لما نتج ذلك القطران الكثيف على السقف والجدران، والذي قد يصل سمكه لحد نصف سنتيمتر في بعض الأماكن. رغم دقة العمل في حفر وهندسة الكهف ـ المعبد ـ ورغم سعته الملفتة للنظر, إلا انه لم يُترك لنا فيه أي اثر للكتابة أو المنحوتات البارزة والمجسمة, كما كان يفعل الآشوريون والعراقيون القدماء عموما, إذ أنهم كانوا يحاولون جاهدين في تخليد ذكراهم من خلال الكتابات التوضيحية للأجيال القادمة. وخصوصاً في معابدهم وقصورهم الملكية.
ب ـ الرموز الدينية الآشورية: عند المدخل الرئيسي للكهف والى الجهة الغربية منه (يمين الداخل إليه), وعلى أرتفاع ثلاثة أمتار توجد خمسة رموز دينية آشورية قديمة، انظر شكل رقم (9)، وهي منحوتة من النحت البارز داخل إطارات مربعة محفورة الى الداخل (نصات في الصخر) وكل رمز لوحده، وكما يلي من اليسار الى اليمين: الرمز الأول: عبارة عن هلال نصفي (نصف القمر) وهو يمثل اله القمر (سن) وهو من المعبودات الآشورية والبابلية القديمة، ومعابده كانت منتشرة في عموم بلاد الرافدين.
شكل رقم (7) الرمز الخامس لم يبق منه الا نصته
الرمز الثاني: فهو رمز الإله الشمس (شمش) وكانت تسميته بالسومرية اوتو (utu) وهو إله الحق والعدل ومزيل الغموض وكاشف الحقائق، لدى الآشوريين. وان لهذا الاله معابد فخمة في جميع العواصم الاشورية الخمسة، بالاضافة الى مدن وعواصم المقاطعات الواقعة في أعالي نهري دجلة والفرات. وعلى سبيل المثال للاله شمش معبد فخم في مدينة مردا (merdu) والتي معناها التمرد والعصيان، لان قلعتها الاشورية الشهيرة كانت حصناً منيعاً بوجه الاعداء. في هذه المدينة وتحت البناء الفخم لدير الزعفران يقع هذا المعبد الكبير للاله شمش وهو رائع الهندسة والبناء ومازال بحالة جيدة جداً.
شكل رقم (8): الرموز الدينية الاشورية الثلاثة المكتشفة من قبل كاتب هذا البحث (الرمز الثالث الى اليمين قد نبت فيه كثير من العشب)
الرمز الثالث: وهو للآلهة عشتار, وهي آلهة الحرب والجمال، ومعروفة جيداً منذ (سومر وأكد وبابل وآشور) وما بعدها, فهناك عشتار, آشور وعشتار نينوى, وعشتار اربيل. ومن قبلهم عشتار أوروك في العهد السومري, ودورها العظيم معروف في ملحمتي دموزي وكيفية نزولها إلى العالم السفلي, وملحمة گلگامش الشهيرة.
شكل رقم (9): الرموز الدينية الخمسة المكتشفة من قبل مديرية آثار دهوك.
أما الرمزان الرابع والخامس: فلا يمكن معرفتهما على وجه الدقة بسبب التشويه والتخريب الحاصل عليهما بفعل الفاعل وعاديات الزمن. وقد قامت مديرية آثار دهوك مشكورة وبالتعاون مع معهد الفنون الجميلة في المحافظة, بعمل نسخ جبسية لهذه الرموز الخمسة, بعد ان هيئت قوالب خاصة لذلك. وقد تم حفظ تلك النسخ الجبسية في متحف المديرية في دهوك, وبنفس الأسلوب المتبع في المناطق الاثارية العالمية. وفي زيارة ثانية لكاتب هذا البحث في نهاية 2008، بمعية الاستاذ تحسين عبد الوهاب العقراوي, خبير الآثار في وزارة سياحة الاقليم والدكتور المهندس كنعان صليوة رئيس تحرير مجلة معلتا, لاحظ وجود ثلاثة رموز أخرى الى اليسار من الخمسة المذكورة آنفاً شكل رقم (8). وهي على نفس الاسلوب من حيث الابعاد وطبيعة النحت ولكنها أقرب الى المدخل من سابقاتها. وبين هذه المجموعة والمجموعة الاولى، توجد بعض الملامح للنحت توحي بكون المجموعتين متصلتين من خلال عدد من الرموز الاخرى لكامل المجمع الالهي الاشوري.
3ـ النفق الصخري: وهو المنفذ الوحيد للوصول إلى الكهف من جهة المجمع السكني ( الجهة الجنوبية المطلة على مدينة دهوك حاليا ). كما ان الكهف نفسه يبدو محصورا داخل قلعة صخرية, إذ يشرف من جهته الغربية على جدار صخري عال الذي يطل على الوادي الذي يجري خلاله نهر دهوك, بالإضافة إلى كتل وجنادل صخرية ضخمة ووعرة قليلة المسالك باتجاه الشمال وشرق الكهف.
شكل رقم (10): مدخل النفق الصخري من جهة المستوطن (الجهة الجنوبية للنفق) يبلغ طول هذا النفق أكثر من (11) م. بارتفاع يزيد عن 2.5 م، أما عرضه فهو الآخر أكثر من مترين. وتوجد على أرضيته الصخرية بقايا درج لتسهيل مرور المشاة والدواب عليه, لان أرضيته قد نقرت بشكل منحدر باتجاه الشمال، وذلك لاختلاف المناسيب بين موقع المدينة (المجمع السكني ) وباحة الكهف بحوالي خمسة عشر مترا. وعند المخرج الشمالي للنفق (نحو باحة الكهف) يمكن مشاهدة بعض الحفر الصخرية الصغيرة, وهي من المحتمل ان تكون مواقع ومرتكزات باب حجري لسدّ مدخل النفق عند الحاجة. وقد قطع النقار حوالي (60) م3 من الصخر, ليفتح هذا النفق، ويربط المجمع بالمعبد ( الكهف )، ومن دون ان يترك لنا كلمة مكتوبة واحدة, أو تمثال أو نحت لرمز من الرموز الشائعة!! ويمكن تفسير ذلك، بأن الكهف والمستوطن يعود الى فترة ما قبل التاريخ (قبل الكتابة). ولكن حسب اعتقادي انه كان قد كتب (الانسان الاشوري) شيء ما لاحقاً, ولكن التخريب والمناخ قد فعل فعلته هو الآخر!!.
شكل رقم (11): الخبير الاثاري الاستاذ تحسين عقراوي، وهو يعاين النفق من المدخل الجنوبي له.
4ـ الصوامع وبعض الكهوف الصغيرة والطلعات والدخلات في السور الخارجي: توجد إلى الجهة الجنوبية للنفق، أي داخل المجمع، مجموعة صوامع وكهوف كانت تستخدم للسكن أو العبادة, وحتى كمخازن وربما مأوى لبعض الحيوانات. وأهم هذه الكهوف ذلك الذي يقع الى الجنوب من المنطقة السكنية وباتجاه الوادي. يبلغ طول أرضية هذا الكهف (3.15) م وعرضه (1.85) م أما ارتفاعه فهو حوالي(1.75) م. وللكهف مدخل بارتفاع متر واحد. وأمامه والى الأسفل منه توجد ساقية (مجرى ماء) صخرية بطول (17) م. وهي تسير مع السور الخارجي الغربي المطل على الوادي للمجمع, وهذه الساقية الصخرية تدل على وجود مصدر ماء في هذا المجمع. وقد كان يحتوي في يوم ما على عيون ماءٍ جارٍ, أو صهاريج يخزن فيها الماء في مواسم المطر والثلوج. أما السور ففيه العديد من الطلعات والدخلات, وهو نفس النظام المتبع في إنشاء المعابد والزقورات العراقية القديمة منذ عهد سومر، وأكد وبابل وآشور, وحتى لدى الكلديين المتأخرين أيام نبوخذنصر الكلدي.
5ـ القبور: لقد عُثِرَ على عدد قليل من القبور, أهمها ذلك القبر الواقع أمام واجهة الكهف الرئيسي, وهو عبارة عن حفرة عميقة تم تجميع العظام فيها بشكل عشوائي. ولم يتم العثور عن أيه لقى أثرية أو كسر فخارية مدفونة مع هذه العظام . كما عثر على قبر صغير لطفل, وهو يعود إلى العصور الإسلامية. وبالقرب من هذا القبر عثر على تنور (طنور) وفيه بقايا الرماد.
6ـ اللُّقى الأثرية : من خلال التنقيبات المتفرقة في المستوطن والكهف, عثر على عدد من الآلات والأدوات المصنوعة من حجر الـ (minolithic) مثل السكاكين والمقاشط, وبعض المثاقب والمدقات الحجرية, وأدوات السحق والجرش, وكرات مدورة من الحجر وبعض المواد الأخرى المصنوعة من العظام، والتي تعود الى فترة قبل الميلاد. كما تم العثور على مجموعة من الجرار الفخارية, إحداها جرّة كروية الشكل بارتفاع (25) سم ذات طينة خضراء فاتحة ولها عروتين, وأخرى ذات طينة حمراء لها عروة واحدة وقطر البدن فيها يساوي (22) سم. بالاضافه إلى كسر فخارية مختلفة تمثل فوهات وكعوب لأواني متنوعة والتي كانت تستعمل للأغراض اليومية. وعند دراسة هذه الفخاريات تبين ان بعضها تعود إلى أوائل الألف الأول ق.م. وهناك فيها ما يعود إلى النصف الثاني من الألف الأول ق.م. وأخرى إلى العصور الإسلامية.
7ـ مشاعل النار: هناك الكثير من المواقع المخصصة لإشعال النار في هذا المستوطن, وإنها عبارة عن حفر دائرية منقورة في الصخر وعلى امتداد الطريق المؤدي من قلب المستوطن إلى الكهف الرئيسي. وتقع هذه الحفر على جانبي الطريق وبمسافات شبه متساوية بين واحدة واخرى. ويعتقد أنها كانت تشعل ليلا لإغراض الدلالة على الطريق، وربما لمدلولات عبادية وطقسية أيضا.
الخلاصة: مجموعة من الدلائل تشير إلى ان هذا الموقع أو المستوطن المحيط بالكهف, يعود إلى عصر ما قبل الميلاد والعصر الاشوري الوسيط والحديث. وانه أصبح ذات أهمية أستراتيجية أبان العصر الآشوري الحديث, عندما أقام الآشوريون المئات من التحصينات والقلاع والمعسكرات الكبيرة والصغيرة عند ممرات ومنافذ وقدمات السلسلة الجبلية الممتدة من شمال أربيل ومنطقة عقرة وسهل نينوى، والى غرب دجلة عند جبال قردو وكَبارا التركية حالياً. وذلك لضمان أمن العواصم والمدن الآشورية الواقعة إلى الجنوب من هذه الجبال. هكذا فان موقع ﮔلي دهوك أصبح ذا قيمة كبيرة ضمن تطبيق هذه الخطة الامنية والدفاعية. وقد توسع وتحول إلى مستوطن عسكري ومدني كبير, خصوصا أيام الملك سنحاريب, بعد ان أتخذ معلتا ثكنة عسكرية متقدمة, ومستوطن سكاني كبير, ومنتجع ملكي مهم. كما يمكن القول ان هذا المستوطن الواقع في عنق الوادي, هو الأساس والنواة الأولى لمدينة دهوك الحالية. فهو أقدم من بلدة دهوك بكثير, وان المنطق يقول: (لم تكن حاجة لقيام دهوك أيام الآشوريين بالنظر لقرب موقعها من الوجود السكاني الزراعي والعسكري والرسمي الكبير في معلتا، ومعظم السهل المنفتح إلى جنوبها وغربها، والممتد إلى ساحل دجلة الشرقي. بالإضافة إلى قلة أو إنعدام السهل الصالح للزراعة في موقع دهوك القديمة وحتى الحالية). ولكن بعد زوال الإمبراطورية الآشورية, وزوال الدول الواقعة إلى الشمال منها والمهددة لها, وأهمها إمبراطورية أورارتو, وانتقال عواصم العراق إلى الوسط والجنوب مثل بابل لدى الكلديين، وساليق لدى خلفاء الأسكندر، والمدائن لدى الأخمينيين. بعد كل ذلك، سقطت أهمية الموقع أستراتيجيا.
وبالنظر لوعورته وصعوبة الوصول إليه وشحة مياهه, بات
أما عن تسمية بلدة دهوك نفسها بهذا الاسم, ففي تصورنا, انه هو الموقع الطبيعية كما أسلفنا, وضيق مجرى النهر ( الممر الوحيد باتجاه الشمال الجبلي ) ووعورته، وخضوعه كليا تحت سيطرة ونظر مَنْ هم في المستوطن. وسهولة القضاء على غير المرغوب بهم (الاعداء) من المارة من خلال هذا المدخل, الذي أشبه ما يكون بعنق الزجاجة. فان إطلاق تسمية أو صفة داكۥ, دۥواكۥ (duāku أوdāku) عليه, كانت منطقية جدا.
بعد ان يعرف القارئ اللبيب ان هذه التسمية هي مصدر لفعل ثلاثي أجوف في اللغة الآشورية (المكتوبة بالخط المسماري) بمعنى (يقتل, يعدم, يسحق ... الخ) [2]
فهم كانوا يقتلون العدو، ويسحقون قواته وقدراته في هذا الممر وبسهولة فائقة. فأن مجرد قذف الحجارة، والنيران من الأعلى على جحافل العدو, سوف لا تخطئه نهائيا، وربما هذا هو سبب وجود العديد من الحفر الصخرية، ومواقع لأشعال النيران فيها داخل المستوطن والتي مازالت شاخصة للعيان. هكذا فان الفعل المهموز الوسط (الأجوف) في اللغة الاشورية الثالثة، كُتِبَ أو لُفِظَ مع الزمن (دْهوك, دُهوك (بضم الدال), دِهوك, دَهوك, ... الخ) لأن أصوات الحروف (خـ, هـ, حـ, أ) كلها ناجمة عن تطور اللفظ الآشوري لحرف العلة في وسط هذا الفعل. والفعل المضارع المجرد لهذا المصدر الفعلي الآشوري ومع أداة المضارعة (i) والتي يقابلها في العربية (ياء)، هو(idūk)، وتكون المفاجئة جراء التطابق التام لتسمية هذا الموقع والمستوطن القديم، ومن ثم لهذه المدينة المعاصرة (دهوك)، عندما تعلم ان الآشوريين القدماء في دهوك وضواحيها, مثل مانكيش، والقوش، وقرية مار ياقو، وشيوز، وحتى زاخو, والعشرات من القرى والقصبات المحيطة، كانوا ومايزالون يسمون دهوك (إ دّۥ ك: idūk). ويعتبرونها في قرارة انفسهم التسمية القديمة والصحيحة لهذه المدينة الجميلة، وان تسمية دهوك تحريف أو تخريج لغوي حديث!! والذي يزور محلة النصارى القديمة في دهوك الآن, ويستمع إلى شيوخها وعجائزها، وهم يستذكرون الماضي، سيندهش عندما يسمع إليهم وهم يلفظون اسم دهوك على صيغته الآشورية الأصلية القديمة هذه! إذ يقولونidūk) ), وقد يميل لفظ (d) إلى (t) ـ وهو شأن لغوي آشوري معروف جيداً لدى علماء "الاشوريات Assyriology " ـ فتتحول النغمة لدى المتلقي إلى (ittūk). ومن تصاريف هذا الفعل في القاموس الآشوري المسماري جاءت لفظة: (diku) بمعنى مقتول, مذبوح ... الخ, ولفظة (diktu) بمعنى اندحار عسكري, ولفظة (tidūku) بمعنى قتال, نزاع, عراك, نضال ... الخ، ولا يشكل كل ذلك إلا تأكيداً وتأصيلا على ان تسمية دهوك آشورية المعنى والمبنى وإلى يومنا هذا !! وعند هذه النقطة الهامة والمتعلقة باسم مدينة عراقية قديمة في قلب بلاد آشور, نقف لنقول, هكذا فان جميع التأويلات والتخريجات اللفظية باللغات المحلية (العراقية) والمجاورة, وجميع التفسيرات والتأويلات التأريخية والمناطقية، تُعَدُ ضعيفة جداً أمام حقيقة تسمية ٳدوك (دهوك) الآشورية لهذه المدينة. وقبل أن ننتقل الى موقع آثاري آخر, وربما الى موقع أو حالة حياتية أخرى تشغلنا عن دهوك وكهفها ذي الاربعة أعمدة. لابد من اطلاق صرخة الرجاء والحرص بوجه وزارة السياحة والآثار ووزارة الثقافة في الاقليم والمركز، واعلامهم بالذي يجري في الكهف ومحيطه. لما كان الصخر الذي نحت الانسان القديم مأواه فيه (هذا الكهف)، هو: من نوع الصخر الكلسي الابيض. وأن عدو هذا الصخر هو الماء والرطوبة خاصة. إذ سرعان ما يتفتت واحياناً يموع كفص ملح في قدر ماء، وهذا عينه الذي يحصل بحق هذا الكهف الاثري. حيث قامت السياحة برفع منسوب الماء الى مستوى فوق سطح الكهف بعشرات الامتار, صانعة شلالاً جميلاً يمتع النظر ويلطف الجو، ويضيف جمالاً على جمال الطبيعة هناك. ولكن الخبير أول ما يلِج الى داخل الكهف، يتلمس حجم الدمار بحق الطبيعة والآثار فيه. هكذا فالكهف محكوم عليه بالزوال، جراء ما يتسرب الى داخله من الماء الذي ينهمر فوق ظهره ليل نهار وطوال ايام صيف العراق الطويل.
شكل رقم (12): مدخل الكهف والشلال الاصطناعي المتسلط عليه من الاعلى، والى جهة الشرق منه.
إذ أن الماء والرطوبة قد فعلت فعلتها في جدران وسقف الكهف ذي الحجر الكلسي وتشبعا بالماء، وباتت الكتل الصخرية تسقط من جسم الكهف كما تسقط اوراق الاشجار في الخريف). ومما زاد في خطورة المشكلة، هو: أن وجه الكهف (سطحه) مطلي بمادة قطرانية سوداء دهنية جراء اشعال النيران وتقديم القرابين داخله ولقرون طويلة، وأن هذه الطبقة من السمك والتماسك، بحيث باتت تشكل طبقة عازلة تمنع نفاذية الماء والرطوبة من جسم الصخر (الكهف) الى الخارج. وهذا بدوره يزيد من معدل الاشباع والامتصاص للصخر، ويعجل في سقوطه! ومن ثم سقوط الكهف كله أو زوال ملامح فعل النحت والحفر اليدوي فيه في القريب العاجل. اذ نعتقد بأن سكان دهوك سوف لن يروا هذا الكهف بعد عقدين من الزمن، وبحلته وجماله الحالي، لو استمر الشلال ينهمر على ظهره ! وهنا نناشد دوائر السياحة أن تصون الآثار بل تحميها بقوة القانون، لأن كلتيهما في وزارة واحدة، فهل يجوز للسياحة القضاء على الآثار!!؟ [1] الذي استخدمت مياهه لغرض تقوية تحصينات نينوى ايضاً. ومن هنا جاء أسمه (ḫusuru) من الفعل الثلاثي الاشوري (ḫasaru) بمعنى يحصّن، يحصر، يحمي...الخ. [2] لاحظ المعجم الاكدي, الدكتور عامر سليمان وزملائه, الجزء الأول، بغداد 1999, ص215
|