شـجرة المعرفة والفردوس المفقود



للوقوف على الحقيقة التي لا تقبل الجدل فيما يخصُّ شجرة المعرفة التي ورد ذكرها في التوراة(التكوين والآية 15وحتى 17).نريد أن نؤكد ما نراه بشأن هذه المسألة التي وردت في العهد القديم وأراد الكاتب من وراء هذا المكتوب معانٍ عدة، والذي استقى خيالهُ من الواقع الممكن من خلال قدراته العقلية التي أخذت الرمز كحالة إبداعية من حيث السبك القصصي، وقد نشأت لدينا قناعة أنَّ العقل وقدراته الإبداعية هو الذي أبدع الكون في الذات الإنسانية،وأما الكون الواقعي فهو الموضوع والذي تنشأ علاقة بينه وبين الذات الإنسانية، تؤدي في أغلب الحالات إلى حالة فردوسية، نسميها السعادة، هذا إذا كان الموضوع يخص الكون ،الأرض(العالم المادي)أما إذا كان يخص الكون السماوي أو العالم الفوقي والذي لا قدرة للجسد في الوصول إليه فقد أوكل المهمة إلى العقل وقواه، لذا نجد لجوء الإنسان إلى التأمل كأفضل طريقٍ يؤدي إلى معرفة ذاك العالم ،وأن التقرب من تلك العظمة الكونية العليا، والتي لابدَّ أن يكون لها مدبرها وخالقها، فنحن نقر بأن الله تعالى اسمهُ من حيث ثالوثه وخاصة الابن الذي جاء إلى العالم هو من أبدع الكون.نقصد الله من خلال كلمته وحكمته وروحه. هو الخالق لكل العوالم المرئية وغير المرئية، فوجود الله ضرورة بذاته، وكل تفكير في هذا العالم السماوي يُسمى الملكوت، أو الفردوس السماوي،أما مسألة شجرة معرفة الخير والشر،والتي حذر الله مخلوقه البشري الأول من عدم الأكل منها.فلنا هنا سؤال هام.لماذا يحذر الله آدم من عدم الأكل منها رغم أنها شجرة كباقي الأشجار التي خلقها الله .هذا إذا كانت فعلاً شجرة حقيقية تُعطي ثمار كالأشجار؟!لكننا قطعاً لا نقر بهذا بل هي رمز للأعضاء الجنسية عند حواء وخاصة عملية الأكل قصد منها الممارسة الجنسية،ولنا سؤال. هل أراد الله أن يبقى آدم وحواء بعد أن أصبحت قدراتها الجنسية ووظائفها تلك المتعلقة بالجوانب الحسية الشهوانية،قادرة على العمل.لكن الله أراد أن يبقى أدم وحواء طاهرين ؟! لو كان كذلك لما قال لهما انموا واكثروا واملأوا الأرض. والله عليم وعارف هو العلم والمعرفة وكان يعلم أنهما سيستخدمان الأعضاء الجنسية في عملية للإنجاب،لكننا نرى أنهُ أراد من التحذير هو أن لا يستخدم آدم وحواء كل الحرية أو القوة الكامنة فيهما بل أن تكون حريتهما حرية منظمة، وبتعبير آخر نقول: كان القصد من التحذير هو الشروط التي تجعل من اللحظات الحياتية ترتفع فوق الحالة البوهيمية خاصة في الجانب العقلي، لأن آدم وحواء بدآ التفكير من تلك اللحظة في الموضوع، فقد يكون قد دار في ذهنيهما ، لماذا لا نأكل منها؟ ما المقصود بذلك؟ هل هي(عضو ) شجرة تختلف عن بقية الأشجار(الأعضاء)؟ وماذا لو أكلنا منها؟ ما هو مصيرنا بعد أن حذرنا الله(الحكم الذاتي عند آدم، الضمير)؟. فإن مثل هذه الأسئلة وغيرها تشكل قوة لتحريك القدرات العقلية عند آدم وحواء،وكي يقنعنا الكاتب بأن آدم فعلاً كان شاباً كاملاً، وحواء لازالت صغيرة السن ، نجد أن حواء هي التي أغوتها الحية(وهنا نرى أن الحية هي مجموعة القوى النفسية والغرائزية الكامنة في جسد حواء).وأكلت من تلك الشجرة لا  بل هي التي أغوت آدم بالأكل منها،ولكي نؤكد على عدم وجود مثل هذه الشجرة إلاَّ أن الكاتب قدم موضوع الحرية المشروطة وجعل آدم وحواء يبدءان باستخدام قواهم العقلية في هذا الموضوع وغيره،قرأنا لأبن العبري الذي يرى أنّ شجرة المعرفة لم تكن شيئاً حقيقياً بل رمزاً إلى الزواج كان قد منعهُ الله عن آدم وحواء حفاظاً على الطهر والقداسة.وهنا انتهى قول ابن العبري، ولنا أن نسأل أي طهرٍ وأي قداسة في الزواج والله يعلم ويعرف ويدرك وهو من أوجد فيهما تلك القدرات لغاية التكاثر؟رأينا  يكمن أن حواء كانت أصغر من آدم لأنها خُلقت منهُ وبعدهُ، وهذا لنا فيه أيضاً رأي، فهل يستحيل على خالق آدم أن يخلق مثيله في آن واحد؟ّ لأنَّ خلقها بعد أن رأى أن أدم لا نظير له .وهذا يعني أن الله لم يقدر من قبل وجود النظير إذا أخذنا الكلام بالحرف.وحاشا لله ألاَّ يعلم من قبل. لكن هناك حكمة إلهية في أن تكون حواء أصغر من آدم ،مفادها أن الحبل والولادات المتعددة سوف يفقد حواء الكثير من قدراتها،ونعود للقول: أن مسألة شجرة معرفة الخير والشر، كل المسألة تتلخص في وضع آدم وحواء أمام مشكلة فكرية،والقوة المخلوقة مع آدم( الضمير) يقول: له من كل المناطق الجسدية في حواء يحق لك أن تأخذ منها ما تشاء إلاَّ تلك المتعلقة بالعضو التناسلي لحواء لا تقترب منهُ،وعندما كان آدم وحواء يجربان العمليات التي كانت تؤدي عند كليهما إلى نشوة جسدية ونفسية، كانا يقتربان من الواقع المادي ويتفاعلان معهُ، وهنا نقول انتقلا من الحالة البوهيمية (العذرية الفردوسية لإنسان غير الواعي الهائم ) إلى حالة إنتاج القيم الفكرية والمنظومة المعرفية التي يمكن أن تكون في مراحلها الأولى تشكل حالة قلق في حال تكرار التجربة وما يرافقها من حالات غريبة ،وهنا تتفتح حقاً القدرات العقلية، ويبدأ البحث عن الذات( القوى الشهوانية) عند كليهما، فأي عريٍ شعرا به ؟! أنهما بدأا يعرف كل منهما أن هذا العضو  يصدر عنه وظيفة تؤدي إلى سعادة ونشوى .يجب أن يكررا العملية ،ولكن هناك شيء يشد آدم وحواء إلى الحالة السابقة ويفكران بما كانا عليه قبل أن يقومان بالممارسة الجنسية، وهنا تنشأ عملية الموازنة والمقارنة ،وربما التأنيب( الضمير) أدى إلى عملية خلق توازن بين الحالة الكامنة وما يُثار من حالات جديدة تمت بعد التواصل الجنسي.ثم شيء طبيعي لأي منا لو كان لا يعرف أن يقود طائرة ولديه تلك الطائرة، والجاهزة للطيران ،وهناك المفتاح موضوع في مكانه، ومن خلال التجريب تمت معرفة أن وظيفة هذا المفتاح هي في بدء عملية تحريك المحركات للطائرة، ، لأن الخوف من الخطوة التي تلي تشغيل المحرك خطوة ستخلق ذاك القلق والخوف من المجهول، فبعد الجماع بمدة سيتغير حال حواء وتظهر عليها علامات الحبل من خلال المراجعة(تتقيأ) باستمرار ، لكن آدم وحواء يسيطر عليهما القلق أكثر فأكثر، ماذا يفعلان؟!.مثلهما مثل المجرم الذي يحاول أن يغير مكانه عسى أن يستعيد توازنه النفسي على أثر القلق الذي استبد به بعد ارتكابه الجريمة.فما كان عليهما إلاَّ أن يفكرا بتغيير المكان ، عسى ولعلَّ ينسيان ما قاما به والذي جعلهما يفقدان الحالة التي سبقت حالة التواصل الجنسي التي نتج عنها حالات نفسية وتغيرات جسمية ،وهنا يقول: الكتاب المقدس أنَّ الله سبحانه وتعالى طردهما من الفردوس، ونحن نرى أن ذاك الفردوس بالنسبة لآدم وحواء لم يكن الفردوس الذي قال: عنه السيد المسيح للمجرم الذي علقوه على الصليب بجانب الرب أثناء الصلب (والذي يُعدْ أول من آمن بالرب يسوع ).بل الفردوس هنا بالنسبة لآدم وحواء هو الحالة البوهيمية التي سبقت التواصل الجنسي وهيهات أن ترجع حواء عذراء وأن يرجع آدم إلى حالة البراءة.لقد تغير كل شيءٍ في حياتهما يا صديقي.أجل فقدا الفردوس إلى الأبد ،ورغم أنهما انتقلا إلى مكان آخر إلاَّ أن الإحساس بالخوف من نتائج قادمة كانت لهما بالمرصاد، وقد يكون الثمن غالٍ وقاسٍ،( الموت) هذا التعبير الذي اختاره الكتاب المقدس كجزاء عصيان آدم وحواء لأوامر الله وشروطه التي وضعها بين يديهما،ولكن هذا الموت لم يكن يعني الموت الحقيقي(أو انفصال الروح .النفس عن الجسد).بدليل أنهما لم يموتا هذا الموت بل الموت الأدبي.ونتابع حيث نجد التمسك بما تنتجه عملية التواصل الجنسي أمراً لا يمكن العودة عنه ،والقاضي أن يأخذ أدم وحواء كل منهما جزاءيهما، وهنا نجد الكتاب المقدس يقول: (من عرق جبينك تأكل، وأنت ستلدين بالآلام، وعن الحية هذا الوسيط الذي أغوى حواء، ستزحف على بطنها وتتعقب أبناء آدم وهم سيقتلونها،ولماذا حواء ولم يكن آدم هو من عصى ؟! لأننا وجدنا أن تاريخ كتابة الكتاب المقدس( سفر التكوين) كُتب في العهد  الأبوي ليترك المرأة هي التي تتحمل المسؤولية في كل هذا، ومن تلك اللحظة التي لام آدم حواء فيها عن ما اقترفاه من تواصل نشأت عند حواء تلك الحالة من الحياء أو الخجل(عندما انتهيا لأول مرة من التواصل الجنسي( .


ومن تلك اللحظة بدأت عملية إنتاج المعرفة النظرية والعملية تتكون شيئاً فشيئاً عندهما،(حيث بدأت الحياة العارفة تتكون. ومعرفة العالم بأبعاده الأربعة تنمو.(الطول والعرض والعمق.والبعد الرابع هو الزمن).ونعود لنعلق على فكرة الفردوس( الحالة التي سبقت التواصل الجنسي).فنرى أن الفردوس مفهوماً فكرياً ذا منشأ نفسي، لأن النفس والفكر يريدان أن يكون الإنسان دائماً في حالة سعادة ولكن بشرط لا وجود لحالة قلق أو أي تفكير أو ألم.ويرتبط الفردوس أو جنة عدن باللذة الجسدية أولاً والفكرية ثانياً، فكل لذة جسدية سواء أكانت حاصلة من خلال تناول الأطعمة الشهية أم اللبيدو(الجنسية).فإنَّ هذه اللذة البديل لها تصور مفهوم جنة عدن، وكل لذة نحصل عليها عن طريق التأمل العقلي والتفكير بالوجود والحياة والسعادة والنتائج الإيجابية ، هي الفردوس السماوي.إذن كل فكرة عقلية أو تأمل عقلي وروحي تعني الفردوس.ونرى وجود حتمي لا يفارق الإنسان في الحصول على هذه اللذة حتى بعد الموت أو حالة انفصال القوى الحياتية عن الجسد، فنجد أن الإنسان يخلق عبر منظومة أفكاره الدينية أن بعد الموت هناك (البعث والخلود ).ففي هذا أيضاً التأكيد على تمسك الإنسان بتلك اللذة التي تحصل له عن طريق التأمل والتخيل والخوف من المجهول،ولكنه ينظم حساباته للخلود أو عدمه .عندما يضع  شروطاً لذلك، فكل حسب أعماله (بحسب الديانات التي سبقت مجيء الرب يسوع ).ولكنها تتحول في المسيحية بحسب النعمة المعطاة لنا من قبل الرب يسوع المسيح.(ليس بأعمال كيلا يفتخر أحد)، ولكن مع التأكيد أن الإيمان بدون أعمال ميت كما الجسد بدون روح ميت أيضاً، ولكن الأساس في الحصول على الأبدية(في المسيحية) يكون في إيماننا بكلمة الله المتجسد(عظيم هو سر التقوى الله ظهر بالجسد)..الكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا، والإيمان بقوة الخلاص التي منحنا إياها مجاناً رافعاً عنا خطايانا فقدم نفسه على الصليب من أجلنا وبررنا من تلك الذنوب الخوف الذي لازم البشرية من آدم وحتى مجيئه المقدس،فهل أنت تريد أن تعيش في الفردوس الحقيقي؟ إذا كنت ترغب فعليك أن تأتي إلى الرب يسوع ، وأؤكد لك أن نيره ليس ثقيلاً، وحمله خفيف،وما عليك إلاَّ أن تؤمن إيماناً بقلبك وبعقلك.بأنه علق جميع الفرائض والأحكام والوصايا على الصليب ،وبه نلنا مرتبة أن نصير أولاداً لله(روحياً).أجل هو الطريق والحق والحياة،وهو النور، وليس عليك إلاَّ أن تحقق هذه الوصايا.(أحب الرب من كل عقلك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك).(وكل ما تريد أن يصنع الناس بك أفعل أنت بهم أيضا). (وأن تحب قريبك كنفسك).(والقريب هو من يصنع معك الخير، مثل السامري الصالح هو المفسر لنا من هو قريبنا).والمحبة ، لأن الله  محبة ،والمسيحية ليست الذي يدعو إلى العنف والقتل والسلب، بل الوداعة والمحبة الطاهرة فهل أنت على استعداد لتقدم نفسك لمن جاء وفدانا على الصليب؟تعال صدقني لأنه الحق، أقرأْ الكتاب المقدس.واكتشف بنفسك…أنَّ هناك فرقاً شاسعاً بين المحبة والعدل والسلام الحقيقي وبين من يدعي الحق والسلام.

 

***     

ألمانيا1992م           


  
اسحق قومي.

شاعر وأديب سوري مقيم في ألمانيا

[email protected]