20 عاما والجرح مازال ينزف

 

 

عـلى حين غـرة اخـذ العراقيين والعالم في الثامن من آب 1988، حين أعلن عن توقف الحرب العراقية الإيرانية. بين من فـرح بأن نجـا من خوض الحرب وبين من تنفس الصعداء بالعودة لأهله وبين من ارتاح قليلا لأن قوانيننا جديدة بالعفـو ســتصدر وســيعود ...وبين كل هذا وذاك كانت جمهرة عراقية غير قليلة، منــّت نفســها بالأمل والصـبر بأن يعود لها أحبابها ..هؤلاء الذين لم يعودوا مع بقية المجندين في إجازاتهم الدورية، هؤلاء الذين لم يعـادوا الى أهاليهم في قبور خشـــبية موصدة بالمســامير!

 أذن هنـاك أمل بأن يعودوا!

 يهـدأ غبار المعارك، وتهدأ ســوحها  وترحل رواح البارود والموت عن مدن الحرب، ولم يجـد النظام من حجـة يقنع بها العراقيين ســوى انه اعلن نفســه منتصـرا، وذات  الشـــئ عمل الملالي في الجانب الآخــر.اما دافعي الثمن، اما الضحايا ...فيكفي قطعة ارض، او سيارة  او 1000 دينار مصحوبة بشعارات طنانة لا تغني ولا تســـمن لم يكن اقـلها " الشـــهداء اكـرم منـا جميعا" .

عشــية انتهاء الحرب، طافت على الســطح مشــاكل عدة كان النظام عاجز عن مواجهتها ومنها، كيف سيتعامل مع هذا الجيش العرمرم؟ وما هي فرص تشغيله؟ كيف سيتعامل مع المصابين والمعاقين؟ وكيف سيتعامل مع ملف الاسرى المعلن عنهم؟

 وماذا عن ملف الاسرى غير المعلن عنهم ؟

 تمضي الايام ثقال على الاهالي، وكـلا الطرفين يماطلان في قضية الاسرى والمفقودين، وترتفع الامال تارة ثم تخبو تارة اخرى وهكذا تنقضي ســنين طوال ولكنها عجاف .كان آخر تبادل للأســـرى قد جرى في آذار عام 2003 اي بعد مرور 15 عاما على انتهاء الحرب العراقية الايرانية وبعدها اعلنت ايران بأن لا وجود لأي اسرى عراقيين فوق اراضيها.

 زال نظام الحرب وتدحرجت تماثيل قادته بين الاقدام، وانتعشــت الآمال مجددات بفتح هذا الملف، بوجود اناس ربما يســاعدون العوائل العراقية على مداواة جروحها المزمنة من هذه القضيــة. وما تبين بعد ذاك كان خيبة امل اكبر من الخيبة بالنظام البائد. فبعض السياسين العراقيين يرفضون الحديث في موضوع "الاســرى العراقيين والمفقودين من الحرب العراقية الايرانية" ، وقســم آخـر يدعو الى اغلاق الملف بالمرة ( مثل السفير العراقي في طهران)، اما القســـم الاســوء، القســم الذي كان مشــرفا ومســؤولا عن تعذيب الاسرى العراقيين والانتقام منهم، هذا القســـم الذي له ظلال كثيفة في العملية السياسية العراقية وفي مرافق عدة، هذا القســـم يقول ان لا وجود لأي اســـرى عراقيين في ايران!

 قـد تختلف المصالح في تناول هذا الملف، وقد يختلف السياسيون ايضا، لكن ان ننفي وجود قضية اســمها "اســرى ومفقودي الحرب العراقية الايرانية التي لم تحل قضيتهم لليوم" فـهذا محط استخفاف بمشــأعر مواطنين عراقيين كانوا يؤدون خدمة العلم ، بغض النظر ان كانوا مقتنعين بها ام لا .كذلك يتناقض مع تصريحات وزيرة حقوق الانســان العراقية السيدة وجدان ميخائي بوجود 52000 (اثنان وخمسون الف) ملف من الحرب مازال لليوم مفتوحا.

 

 لا يخلو المشهد العراقي من المصائب والمتاعب، والمفروض تناول كل الملفات ووضع نهاية مشــرفة لها .يفترض تفعيل اللجان المختصة (حقوق الانسان،الدفاع،الشؤون الاجتماعية و اية مؤسسة معنية بالأمر) من اجل البت نهائيا في هذا الامر وعبر منظمات المجتمع المدني والصليب الأحمر الدولي.

مطلوب من الحكومة العراقية موقف واضح وصريح ومنع أية تصريحات جانبية مخالفة للحقيقة من قبل البعض الذين تتعارض مصالحهم مع هذا الملف، يفترض منح كل الاستحقاقات لعوائل الضحايا، وتخليدا لذكرى كل المفقودين  ان يصار الى أقامة نصب تذكاري يحمل أسمائهم .

ان عـدم تناول موضوعة "الأسرى العراقيين والمفقودين الذين لم تحل قضيتهم بعـد" بشــكل جـاد ومن منطلق أنساني حقيقي ، يزيد المخاوف والتوجس لدى عامة المواطنين في جدية القادة الجدد وإخلاصهم للمواطن العراقي وخاصــة ضحايا سياسات النظام البائد وحروبه العبثية .

 

كمـال يـلدو

آب 2008