أبو عامل.. بطل من هذا الزمان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

منذ صباح السبت 3 أيار تهيأت منظمات الحزب في أربيل والموصل ودهوك لتودع قائدا شيوعيا مقداما من أبطال النضال السري والعلني!  بطلا من صفوة البيشمركة! مناضلا عتيدا كرس حياته لقضية حزبه وشعبه! انسانا متواضعا بسيطا! مثقفا نبيلا ومعلما صادقا ! متحملا للصعاب والمحن والتعذيب على أيدي جلاديه في أقبية الأمن ودهاليز السجون المقيتة !! صابرا على أشد أنواع الاضطهاد النفسي والجسدي و مصرا على محاربة أعداء الشعب دون هوادة.

 

 إنه رفيقنا الفقيد سليمان يوسف أسطيفان (أبو عامل) الذي وافاه الأجل إثر مرض عضال يوم الأحد 20/4/2008 في الغربة ونقل جثمانه الطاهر إلى العراق ليوارى الثرى في مثواه الأخير بمدينة الأبطال (القوش ) حسب رغبته .

 

وصل الجثمان الطاهر محمولا على سيارة مكشوفة وملفوفا بعلم أحمر الى مشارف مدينة القوش وكان باستقباله المئات من المشيعين الذين أصطفوا على جانبي الطريق حاملين لافتات النعي والحزن بفقدان واحد من صانعي التاريخ ومعلمي الأجيال، وقد رافق الجثمان من مدينة أربيل حتى القوش الرفاق محمد جاسم اللبان عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والرفيق جاسم الحلفي عضو اللجنة المركزية والرفاق أعضاء المكتب السياسي وأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني  وأخوة قياديون في الحزب الديمقراطي الكردستاني  والاتحاد الوطني الكردستاني والحركة الديمقراطية الآشورية والمجلس الأعلى السرياني الكلداني الآشوري وعدد كبير من الشخصيات السياسية والاجتماعية والأدبية إضافة إلى قائمقام قضاء تلكيف ومدير ناحية القوش .

 

وصل الموكب قرب دار شقيق الفقيد فحمل النعش على الأكتاف من قبل الشبيبة الشيوعية في القوش محاطا بالزهور وبالأعلام وسط زغاريد النسوة وبريق الدموع.

ثم وضع الجثمان في باحة الدار لإلقاء النظرة الأخيرة من قبل الحضور حيث كان قد وضع في صندوق مفتوح من الأعلى بفتحة مزججة حتى يتسنى للجميع رؤيته بوضوح، وبعدها أجريت المراسيم الكنسية الخاصة بالكنيسة الكلدانية من قبل رجال الدين والشمامسة ليحمل النعش ثانية على الأكتاف في تشييع مهيب لائق سيرا على الأقدام من الدار وحتى مثواه الأخير في مقبرة المدينة محاطا برفاق دربه من الكوادر المتقدمة في الحزب وسائر الأحزاب الوطنية العاملة في المنطقة والمئات من المشيعين ، ثم ووري الثرى وسط الزهور والزغاريد والمحبين الكثر.

عقبذلك بدأ الحفل التأبيني فألقيت الكلمات بهذه المناسبة الأليمة، كانت أولاها كلمة الحزب الشيوعي العراقي ألقاها الرفيق محمد جاسم اللبان عضو المكتب السياسي للحزب "نص الكلمة في أدناه"، ثم جاءت كلمة الرفيق أبو تارا عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني فتذكر ارتجالا السيرة النضالية الشجاعة للفقيد والأيام الصعاب التي قضياها سوية واصفا الفقيد بأنه كان مدرسة حزبية لكل من عمل معه ولايخفى على أحد مدى حبه وإخلاصه لحزبه ووطنه وشعبه .

 

بعده ألقى الرفيق ئاشتي كلمة اللجنة التنفيذية لرابطة الانصار الشيوعيين ، ومما جاء فيها:

لقد ارتجفت أصابع الموت ،واهتزت أركانه ، حين امتدت لتقطف زهرة النضال الشيوعي ، المتمثلة  في روح (أبو عامل) ، ذلك الإنسان الذي تمثلت كل معاني الإنسان بشخصه،،، عصية هي الكلمات كالدمع ، حين تنعدم المسافة بين الأذن والعين ، فتشعر بكل كيان العالم يرتجف إزاء  صخرة الحياة المرة – الموت –.

 

وأضاف:

(أبو عامل)، أيها الرفيق الذي أحببت القوش كنافذة تطل منها على العراق ، والعراق كبوابة عشتار على كل المدن ، ها أنت تتسامى في سمائها نجما ، ليس ككل النجوم ، وإنما شيوعيا بكل معنى حروف شيوعيتك النزيهة .

ثم ألقى مسؤول محلية القوش للحزب الديمقراطي الكردستاني كلمة باللغة الكردية بعدها ألقى مسؤول الحركة الديمقراطية الآشورية وعضو لجنتها المركزية كلمة بالمناسبة باللغة الآشورية تلتها قصيدة بالمناسبة لأحد الشعراء من القوش بعنوان (دقي يا نواقيس) ثم تليت برقيات التعزية التي وردت من الأحزاب والمنظمات العاملة في المنطقة، بعد ذلك قدم نجل الفقيد عادل استعراضا موجزا عن المهام الحزبية التي تقلدها الفقيد في حياته منذ انتمائه وحتى سقوط النظام المباد وأوضح بأن أحدى بناته سألته قبل مفارقته الحياة بيوم عن أحلى كلمة يحبها ويرغب أن تكون الأخيرة فقال كلمة البيشمركة بصوت خافت ولكن ابنته رددتها بصوت عال جدا وبفخر واعتزاز .

 

الرفيق أبو عامل

مواليد القوش عام 1925

تزوج من السيدة بازي يونس من القوش التي استشهدت أثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها وزوجته عام 1975.

أنجبت له الشهيدة خمسة، ولدان هما عامل وعادل وثلاث بنات هنّ نضال وكفاح ولينا ، جميعهم حاصلون على شهادات دراسية عالية .

 

الراحل أبو عامل كان معلما، كما نال شهادة الكلية العسكرية حيث عمل ضابطا في الجيش العراقي وعمل مشاورا قانونيا في وزارة الدفاع ، ثم حصل على شهادة الحقوق ومارس المحاماة في بغداد .

 

عرفته أغلب سجون الطغاة من نقرة السلمان الى الديوانية الى أقبية الأمن البغيضة للنظام الصدامي إلا أنه كان صلبا وعنيدا لم تستطع الأجهزة القمعية انتزاع الاعترافات منه حتى قالوا له ذات مرة (سوف ننزع روحك من جسدك ان لم تعترف) فقال لهم بإمكانكم انتزاع  روحي بسهولة  لكن ليس بإمكانكم انتزاع الاعتراف مني.

 

رحل الرفيق أبو عامل ولكن بقيت أفكاره وأعماله خالدة شامخة تحكي قصة بطل شيوعي من أبطال العراق من طراز الخالدين فهد وحازم وصارم وسلام عادل ، هو القوي الصلب الذي حمل راية السلام أينما حل وأضاء الدرب للسائرين .

جاء الموت وراح ، وبقي (أبو عامل) ويبقى المعلم، وذلك السياسي والانصاري الكبير في المدرسة الوطنية العراقية.

 

 

 

كلمة المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرفيق اللبان:

خسارة "أبو عامل" تصل حد الفجيعة

 

ألقى الرفيق محمد جاسم اللبان كلمة المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، في مناسبة تشييع الرفيق أبو عامل، في ما يأتي نصها:

 

الأخوة الأجلاء

الحضور الكرام

السلام عليكم

 

نقف اليوم خَشعاً، تلفنا الفجيعة ، ومتاهة الحزن اللامتناهي في وداع رجل ، تميز طيلة حياته بخصال وسمات تعز على الوصف ، ويحار المرء حقا في كيفية الإلمام بها ، أو تأطيرها بما تستحق ويستحق .

 

إنه المناضل المعروف أبو عامل ، ابن مدينة القوش الباسلة ، التي أبى إلا أن يظل وفيا ًلها حتى في مماته ، وأصر على أن يـُدفن في تربتها المعطاء، التربة التي ترعرع في مرابعها ،وتحت أفيائها ، وفي كنف أهلها الطيبين ، العديد من المناضلين الأشداء والقادة الأفذاذ ، الذين أصبحوا مضرب الأمثال لكل العراقيين على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم الاجتماعية ،وتنوع أديانهم وطوائفهم وقومياتهم المتآخية ،وفي طليعتهم من نودعه اليوم بكل هذا الاحترام والإجلال ، وبهذه اللوعة والحرقة التي تضج في العيون ، وترتسم حزنا في قسمات الوجوه ، نودعه الوداع الأخير ، كما كنا قد ودعنا قبل أكثر من عشر سنوات قائدا ً فذا ً آخرَ ، هو رفيق دربه الفقيد العزيز توما توماس (أبو جوزيف) والعشرات من القادة، ومن الشهداء، أبناء هذه المدينة المباركة، الذين قدموا حياتهم الغالية ثمنا ً لحرية العراق، وسعادة شعبه.

 

لقد كان فقيدنا الغالي سليمان يوسف أسطيفان – أبو عامل – علما ً من أعلام حزبنا الشيوعي العراقي ، انخرط في دروب النضال ، مذ كان يافعاً ، وقدم الشيء الكثير هو وعائلته الكريمة ، وتقلد مواقع قيادية رفيعة ، فأصبح عضوا ً في اللجنة المركزية ، والمكتب السياسي ، وفي سنوات الكفاح المسلح ، تلك السنوات الاستثنائية ، والشديدة الصعوبة والتعقيد ، والتي هي مفخرة لعموم الشعب العراقي ، احتل  - أبو عامل – موقع المسؤول الأول للمكتب العسكري للأنصار الشيوعيين ، فقدم في هذه المواقع نموذجا للقائد الذي جعل العمل الجماعي ، والتشاور مع جميع الرفاق والحرص عليهم ، عنوانا عريضا لعمله ونشاطاته المتنوعة.

 

وكان قد أعطى تلك المهمات والمسؤوليات الجسام التي تقلدها خلال سني َّّ نضاله المديدة ، بعدا ً إنسانيا ً، بالإضافة إلى البعدين المهني والتخصصي ، فوضع ثقته بالرفاق الذين كانوا يحيطون به  إحاطة السوار بالمعصم ، أينما حل َّ وارتحل ، ووفر لهم كل ما يعزز ثقتهم بأنفسهم ، فأضحى هؤلاء الرفاق كوادر حزبية يشار لها بالبنان، وقدمت هي الأخرى الشيء الكثير للحزب والشعب والوطن.

 

نكران الذات وبالشكل الذي جسده الرفيق  - أبو عامل – كان نموذجا رائدا، ومثالا ًيصعب الوصول إليه ، سمات أخرى تميز بها هذا القائد الشجاع ، من بينها التواضع اللامحدود ، وكأنه كان هو المقصود بما قاله لينين ذات يوم ، من أن الشيوعي يجب أن يكون بسيطا كالحقيقة ، حبه لرفاقه وأصدقائه وللناس جميعا ، ومساعدته لكل من يحتاج إلى مساعدة ، حتى لو كانت على حساب راحته ومستوى معيشته ، كما كان إصراره الثوري وثباته في انجاز مايمليه عليه التزامه الحزبي العالي ، وضميره الشيوعي قانونا لا يحيد عنه ، مهما كانت النتائج ، ومهما اشتدت المخاطر وتفاقمت ، لم يعرف غير الصدق والوفاء في حياته العملية والاخلاص لمبادئه ومثله، ومنظومته الأخلاقية  السامية .

 

إن هذه المواصفات ، والسمات الرائعة ، التي تحلى بها فقيدنا الكبير ، رفيقنا المناضل – أبو عامل  - والذخيرة النضالية الثر ّة ، التي تركها لرفاقه ومحبيه، هي عزاؤنا أو هي جزء ٌ من هذا العزاء لفقده ، وخسارته التي تصل حد الفجيعة،

 

ليخسأ الموت، الذي اختطف من بين صفوفنا ، هذا المناضل الباسل، الذي أثرى حياتنا ، وكان قامة عالية في سماء الوطن الغالي، في سماء العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.

 

نتقدم بتعازينا الحارة وبمشاعر مواساتنا العميقة إلى أبنائه ورفاقه ومحبيه، وأبناء القوش المحترمين، ونعزي أنفسنا قبل ذلك على هذه الخسارة الجسيمة.

المجد والخلود لفقيدنا الكبير، الرفيق المناضل، سليمان يوسف أسطيفان –أبو عامل– والظفر لقضيته النبيلة، التي كان قد نذر نفسه من أجلها.

 

-    نم قرير العين ايها الرفيق العزيز، فرفاقك سائرون على ذات الطريق المشرف الذي سرت فيه، بنفس الهمة والنشاط اللذين كنتَ تحث الجميع على بذلهما وتقديم المزيد من العطاء فيهما.

-         شكرا جزيلاً لكل الأخوة الحضور، ولكل من شاركنا في هذا المصاب الجلل.