لقاء مع سيادة المطران الجليل إيليا باهي مطران السريان الأرثوذكس لعموم كندا
أجرى اللقاء سالم إيليا - أدمنتن
إتصل بي أحد الأصدقاء ودعاني وعائلتي لحضور القداس الآلهي الذي رعاه سيادة المطران إيليا باهي مطران السريان الأرثوذكس لعموم كندا في مدينة أدمنتن في إقليم البرتا . وبما إنني أؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية وبمعموذية واحدة ، فقد رحبّتُ بدعوة صديقي ووجدتها فرصة مناسبة لعمل لقاء مع سيادة المطران ايليا باهي خاصة وإنها زيارته الأولى للإقليم بعد تسنّمه منصبه ، حيثُ طلبتُ من صديقي الإتصال بسيادة المطران لأخذ موافقته على ذلك ، فجائني الرد بترحيب سيادته بهذا اللقاء . وقبل زيارته بيوم واحد بدأت بوضع الأسئلة وقد إنتابني شعور معين خلال التحضير للأسئلة التي ربما ستكون معظمها مباشرة وصريحة وذو مساس مباشر بالوضع العام لمسيحيي الشرق ومسيحيي العراق على وجه الخصوص ، وتداخل أو تقاطع هذه الأسئلة مع الوضع السياسي القائم ، ولعلمي بأن رجال ديننا الأفاضل يحاولون الإبتعاد عن التصريحات التي قد تُفسر على إنها سياسية ، لذا أرتأيتُ أن أحمل ما في جُعبتي من أسئلة لأطلع سيادة المطران الجليل على نوعيتها بعد الإنتهاء من القداس ، إذ خيرّتُ سيادته في الإجابة على جميعها أو تجاوز بعضاً منها . والحقيقة أقولها أمام الجميع من إنه أعطاني الضوء الأخضر بسعة صدرهِ ربما لإضافة أسئلة لم تكن موجودة أساساً على الورق !! ومع هذا فقد كنتُ حريصاً جداً على الإبتعاد عن الأسئلة ذو الطابع السياسي البحت إحتراماً لرأي رجال ديننا وكذلك تماشياً مع ما أؤمن به بوجوب فصل السياسة عن الدين . وبما ان القداس ومراسيم العماذ لأحد الاطفال ودعوة العشاء المقامة على شرف سيادته بعد القداس قد أخذت الوقت الطويل في ذلك اليوم ، لذا أؤجل اللقاء الى اليوم التالي ، حيثُ وجهت الدعوة لسيادة المطران ومرافقيه ولي من قبل السيد أديب جورج الدباغ لتناول الفطور في بيته الكريم ، فوجدتها فرصة مناسبة للتعرف على سيادة المطران ايليا باهي بعيداً عن البروتوكولات الكنسية وطقوسها مما قد يُساعدني بالإنفتاح وأخذ حريتي بشكل أكبر لطرح الأسئلة . وخلال جلوسنا حول مائدة الفطور كنتُ أصغي الى الحديث الذي كان يدور بين الجميع ومع ان قسم من جُلسائـِنا كانوا ذو توجه علماني وبأيديولوجية معينة ربما تتقاطع مع الايديولوجية الدينية الروحية ، إلا إنني وجدتُ في سيادة المطران الجليل تفهمه وتفاعله مع بعض الأسئلة التي طرحها البعض وإعطاء رأيه الصريح والمعتمد على رؤية السيد المسيح ورؤية الكنيسة وعدم إنزعاجه من طرح هذه الأسئلة بل على العكس فقد كانت له سعة الصدر وروحية الملاطفة والدعابة ورأيتُ فيه بساطة الراعي بين رعيتهِ ، وبعد الإنتهاء من تناول الفطور إنفردتُ مع سيادته في ركن من أركان الدار وبدأت لقائي معه بالترحيب أولاً به في ولاية البرتا وتمنيتُ له طيب الإقامة وزيارة رعوية مباركة مع أبناء الجالية ثم بداتُ بطرح أسئلتي .
ـ سيادة المطران زيارتك الرعوية الأولى لغرب كندا هل هي ضمن برنامج عمل ثابت ودوري وبتوقيتات محددة أم تعتمد على الفرص المتاحة ؟
أجاب سيادته :أكيد من أولى مهام الراعي أن يتفقد الرعية ، فالرعية أينما وجدت يُفترض على الراعي ان يذهب ويبحث عنها وهذا هو الشئ الذي تعلمناه من الرب يسوع ، ان يبحث دائماً عن الخروف الضال ـ ـ طبعاً نحن لا نقول بأن المؤمنين ضالين وإنما نأخذ الجزء الأول من الكلام من ان مهام الراعي البحث عن العدد القليل من الرعية المبتعدين عنهُ جغرافياً ، فمن مهامه ان يقوم بالبحث عنهم لتفقد أحوالهم والقيام بالواجبات الدينية تجاههم وهذا ما حصل في زيارتنا الرعوية لغرب كندا ، حيثُ أصبح للكنيسة واجبات تتعدى الواجبات الروحية بسبب الظروف المحيطة بنا كشعب مسيحي شرقي . فعندما نسمع بان هنالك مجموعة من المؤمنين في مكانٍ ما وأصبح بإمكانهم ان يُشكلوا نواة لكنيسة أو رعية صغيرة فاننا نحاول ان نتواجد لديمومة هذه النواة ونموّها لتزهر وتعطي ثمارها ونحاول ان ننظمها روحياً لنحصنّها ضد التيارات العلمانية الصرفة القوية في هذه المناطق .
- هل توجد خطوات أو إجراءات إتخذتها الكنيسة في المهجر لإستقبال القادمين الجُدد والمُهجّرين قسرياً من بلدان الشرق لمساعدتهم في التأقلم وترتيب أوضاعهم في المجتمع الجديد وكذلك مساعدتهم على الإستمرار بالتواصل مع كنائسهم ؟
فكانت الإجابة : كندا لم تفتح الباب للقادمين الجُدد مثلما فتحته دول أوربا ، حتى الذين إستطاعوا الوصول الى كندا هم ليسوا من السريان الأرثوذكس بشكل كبير ، ربما كانوا من الطوائف الشقيقة الأخرى وطبعاً كل طائفة تهتم بالوافدين الجُدد الذين ينتمون اليها ، فعند سماعنا بمجئ اي عائلة تنتمي الى طائفتنا نقوم بزيارتها ونحاول تقديم اي مساعدة إجتماعية ممكنة لها حيثُ يشارك أبناء الطائفة من المهاجرين القدامى بتقديم المساعدة والمعلومات المفيدة للقادمين الجُدد .
- إذاً سؤالي التالي والذي يفرض نفسه ، هل ان المساعدة تقدم فقط لأبناء الطائفة من السريان الأرثوذكس أم تشمل القادمين من الطوائف المسيحية الأخرى ؟
حيث قال : مَنْ يقصدنا للمساعدة لا نصدّهُ ولكن في هذه البلدان ليس كما في الشرق ، إذ لا يستطيع أحد أن يلتقي بشخص صدفة وفي هذه البلدان كل شئ بمواعيد كأن يتم مثلاً بإتصال هاتفي ، حيثُ إنه قلّما يلتقي شخص بآخر من باب الصدف إذ لا تلتقي إلا من يقصدك ولذا فقد نجد من بحث عن الكنيسة السريانية ليصلي فيها واحياناً يكون الباحث من السريان أو من غيرهم ، فبالنسبة لنا كل من يأتي جديداً ويطلب المساعدة نحاول بقدر الإمكان وبشتى الوسائل المتاحة مساعدته .
- هل سيصار الى التنسيق بين الكنائس المسيحية الشرقية * المتواجدة في كندا لمساعدة القادمين الجدد ، خاصة وإن أعداد القادمين بتزايد مستمر نتيجة الظروف الصعبة التي يواجهونها في بلدانهم ؟
أجاب سيادته : مثلما قلت لحد الآن لم أجد اعداد كبيرة تقصد كندا وحتى الذين قدموا طلبات اللجوء أو الهجرة الى كندا لم تستجب طلباتهم لحد الآن من قِبل الحكومة الكندية ونجد بان المهاجرين الجُدد يُقبلون في أمريكا وأوربا أكثر من كندا لستُ أعلم لِما التأخير من قِبل الحكومة الكندية وهذا ما شعرتُ بهِ خاصة وانني قادم جديد الى هذا البلد ولم يتسنى لي التعرف على كافة الأطراف من الكنائس الشرقية الأخرى ومن خلال لقاءاتنا كرؤساء للطوائف المسيحية الشرقية هنا نتبادل المعلومات عن كل ما هو جديد في هذا الشأن ولكن لحد الآن لم نرى الأعداد الكبيرة التي تتحدث عنها . وهنا تداخلتُ بالجواب مع سيادة المطران وحدثتهُ عن ان الجالية في كندا ربما لم تكن فعّالة ومؤثرة بشكل كبير لدفع الحكومة الكندية لتشريع قانون خاص لتشجيع هجرة المضطهدين من المسيحيين الشرقيين اليها ومن خلال متابعتي وعملي في الإعلام لاحظتُ بان إخواننا المسيحيين الشرقيين في أوربا وأمريكا وأستراليا أكثر تأثير وقوة وعمل من جاليتنا الموجودة في كندا ، أي ان المشكلة لا تكمن في الحكومة الكندية وانما المشكلة ربما تكمن فينا ولي تجربتي الخاصة في هذا المجال .
- ما هو تعليقكم على عمليات التهجير والإبادة والتهميش التي يمر بها مسيحيو الشرق بصورة عامة ومسيحيو العراق بصورة خاصة وحصراً في مدينة الموصل والعداء غير المبرر من قبل المتطرفين للسكان الأصليين للشرق ؟
أجاب سيادته : طبعاً أي تطرّف في أي مذهب وفي أي دين أو فلسفة فكريّة يؤدي الى التعصب ، والتعصب هو شئ بغيض لا يأتي بنتائج حميدة في أي مجال من المجالات وعلى كل الأصعدة ، ففيما يخص الشعوب والملل الموجودة في الشرق كُنّا دوماً نعيش بسلام جنباً الى جنب مع الآخرين دون أن يعتدي أحد على خصوصية الآخر ولكل منّا دينه وعبادته وطقسه واحترام متبادل وأعتقد بان معظم الأديان تنادي بهذا الشئ ولكن الجهل بتفاصيل الدين يؤدي بالإنسان الى شئ من الفهم الخاطئ والى التطرف وخاصة عندما تكون معرفته ناقصة ، ونحن نقول بان نصف المعرفة هي أخطر من الجهل فتؤدي الى ما لا تحمد عقباه، وفي هذا السياق نحن لا نستطيع ان ننكر بان هنالك جهات خارجية تسعى الى الإصطياد في الماء العكر واستغلال نصف هذه المعرفة الموجودة عند بعض العقول التي تظن بانها تقدم خدمة الى الله عندما تتطرّف بهذا الشكل. لقد كنّا دائماً نعيش بأمان مع بعضنا البعض ولمئات السنين ولكن هذا التدخل الخارجي أوجد هذا الصراع غير المبرر وجوده في المنطقة. نحن كمسيحيين نحترم كافة الأديان ومسيحيتنا هي مسيحية مَثـَل السامري الصالح المعروف عند المسيحيين وغيرهم، ذلك الذي شاهد جريحاً على الطريق ولكنه لم ينظر الى دينه أو لونه أو جنسه ولكنه نظر اليه كإنسان من خليقة الله ويحتاج الى المساعدة فقدمها لهُ ، هذه هي المسيحية بجوهرها. وكما يقول جيراننا لا إكراه في الدين فلا يجوز أن يُجبر أحد على إقتبال دين معين دون غيره ، أساساً ربّنا لا يقبل أي شخص يعلن إيمانه به مجبراً أو مكرهاً، وعليه فمن يريد الإيمان بالله فليكن ذلك عن رضى وقناعته ، لذا فليقبلني الطرف الآخر كما أنا ولأقبلهُ أنا كما هو ولنحترم بعضنا البعض .
- كثرت في الأونة الأخيرة مؤتمرات الحوار بين الأديان وخاصة بين الدين المسيحي والدين الإسلامي ، هل تعتقد سيادتكم بأن هذه المؤتمرات التي تُعقد ويحضرها رجال دين وعلمانيين من مختلف الأديان تساعد على تقريب وجهات النظر وكبح جماح ظاهرة التطرف الديني ؟
فأجاب سيادة المطران : هذه المجموعات المُتطرفة إن كانت تقيم وزناً لقياداتها الروحية فهذا أمر حسن ومنه ننطلق ، فإن كانت هذه الحوارات تضم الرئاسات الروحية للأديان فهذا الأمر جيد جداً لانه يخلق نقاط تواصل وتقارب ما بين الأفكار المذهبية وعندما نصل الى هذه النقاط وهي موجودة وكثيرة فمن خلالها يعم فكر السلام والأمن، وعندما يعم هذا الفكر لابد لهذه المجموعات المُتطرفة ان تصغي الى قياداتها الروحية. ولكن ماذا لو كانت هذه المجموعات المتطرفة لا تقيم وزناً للقياداتها الروحية فهنا تكمن المشكلة ولا يكون هنالك فائدة من هذه الحوارات ، لا بل على العكس ربما قد يأخذ المتطرفون الموقف السلبي من هذه الحوارات فيتعصبون أكثر لان القيادات الروحية تلتقي في نظرهم أناساً لايجوز ان يجلسوا معهم . وهنا تداخلتُ في الكلام وأضفتُ بانه ربما هذه المجموعات المتطرفة تكون مُسيسة ولديها أهداف غير الأهداف ( الدينية ) المُعلنة . إذ ايّد سيادة المطران ما ذهبتُ اليه من انه ربما تكون هذه المجموعات ذات أهداف سياسية .
- كمسيحيين شرقيين هل سيادتكم مع أو ضد توحيد تسميتنا ، طبعاً هنالك فرق بين التسمية الدينية والاتحاد الكنسي للمذاهب المسيحية في الشرق وبين التسمية القومية خاصة وان هنالك محاولات من البعض لتسييس التسمية القومية أو الإنتماء القومي ان صح التعبير ؟
كان الجواب : الشرق كما هو معروف عنه بانه مستودع كبير لمجموعة غنية بالحضارات والتراث، فلا نستطيع ان ندعو الى إسم واحد من قِبل طرف واحد، ولو حدث ذلك فيجب ان يحدث بإتفاق جميع الأطراف ، حيث ان كل طرف يعتز بتاريخهِ وبحضارتهِ وبتراثهِ وبخصوصيتهِ وبثقافتهِ. وعلى الرغم من ان هنالك شيئاً مشتركاً بين الجميع إلا أن هنالك غنى في تنوع الحضارات والشعوب. ثمّ ما الفائدة من إطلاق تسمية واحدة على الجميع ـ ـ هل ستحل مشكلة معينة؟ فان كانت كذلك فيجب ان يكون توحيد التسمية مُتفق عليه من الجميع بعد الجلوس والتباحث بالمنطق والعقلانية والإقناع على ان التسمية الموحدة ستحل مشاكلنا، فان إقتنعت كافة الأطراف فلا بأس بذلك .
- هل تعني سيادتكم بخصوصية كل طرف هي خصوصية الطقوس اللاهوتية أم هنالك خصوصيات أخرى ؟
حيث قال : الكنيسة الشرقية هي ليست كنيسة مبشّرة بالدين المسيحي فقط وإنما هي كنيسة ذات رسالة بشقين ، فالشق الأول إنها تُبشّر بالرب يسوع وتحمل هذا الإيمان لأبنائها وأما الشق الثاني فهي حاملة للتراث ومن واجبها المحافظة عليه وتوريثه للأجيال القادمة . إذاً الكنيسة ذات رسالة بشقـّين الشق الإيماني والشق التراثي .
- من المعروف بان هنالك أعداد كبيرة من مسيحيي العراق عالقين في دول الجوار ينتظرون حل لمشكلتهم الإنسانية وبالرغم من عدم تشجيع الكنيسة للهجرة وإفراغ الشرق من مسيحييه إلا ان الحالات الإنسانية الإستثنائية تفرض على الكنيسة التدخل لإنقاذهم وهي القادرة على ذلك ، فما هو تعليقكم ؟
كان تعليق سيادته : الكنيسة في البلدان المجاورة للعراق تُشارك من خلال المساعدات المادية وإيجاد فرص العمل إن أمكن ومن خلال المساعدة في إيجاد السكن وهنالك منظمات أوربية خيرية عديدة تقصد الكنائس وتقدم لها المعونات لتوزيعها بشكل خاص على المهاجرين العراقيين ، وهذا ما نقوم به إذ نحاول دائماً المساعدة ـ ـ ـ جاءت فترة عندما هدأت الأوضاع عاد خلالها قسم من العوائل المسيحية العراقية الى العراق ولكن القسم الأكبر بقيّ في سوريا وانا هنا أتحدث عن سوريا ، فمنهم من إستقر في سوريا وبدأ بحياة جديدة فيها ومنهم من إستطاع الهجرة ومنهم من ينتظر اكتمال معاملة الهجرة ومنهم من ينتظر مساعدة المنظمات الإنسانية .
- سيادة المطران لديّ سؤال حول الإختلاف في بعض الصيغ اللاهوتية بين المذاهب المسيحية ، هل هو إختلاف في التعابير أم في صُلب الإيمان أو قانون الإيمان المسيحي ؟
أجاب سيادته : القداس الآلهي ذو هيكلية واحدة لجميع الكنائس والطوائف ولكن لكل كنيسة تراثها وليتورجيتها. أما الإختلاف الذي حدث بين الكنائس فهو قديم وقد نوقش كثيراً في الأيام الأولى وأدى الى الإنشقاقات والى البُعد ونحن نعلم بأن البُعد يخلق الجفاء والتصلب في الرأي، وهكذا كانت الأحوال بين الكنائس الى أن وصلنا الى القرن العشرين فبدأت الحوارات غير الرسمية بين الكنائس فتطرقنا الى جميع الخلافات العقائدية واللاهوتية فتوصلت جميع الكنائس الى نتيجة واحدة من إنها جميعها وخاصة الكنائس الرسولية التي تسلمت الإيمان من الرب يسوع عن طريق الرُسل مباشرة تؤمن بنفس الإيمان ولكن تعبيرها الإنساني والبشري يختلف ، حيثُ ان التعبير الإنساني عن الفكرة اللاهوتية يختلف ربما من شخص لآخر ومن كنيسة لآخرى ولكن عندما يشرح كل منّا جوهر هذا التعبير وحسب ما نفهمه نجد أنفسنا بأننا متطابقين في جوهر الإيمان ولكننا نعبّر عنه بعبارات مختلفة، وهذا قادنا بالنتيجة إلى انه ليس هنالك أي خلاف بيننا وإننا جميعاً نؤمن بان يسوع المسيح هو الإله المُتجسد أو الإله المُتأنس، فهو إله تام وإنسان تام وهو الذي قدم لنا الخلاص بإهراق دمه الثمين على الصليب وبموته وقيامته. فهذا هو الإيمان الموحد الذي يؤمن به الجميع وقد فهمنا الآن بان التعابير البشرية المختلفة لا تُفرقنا إن كنا نشرحها بهذا الشكل، وهذا ما وصل اليه ابن العبري العلاّمة السرياني الكبير الذي ولد في سنة 1226 م وتوفيّ سنة 1286 م ، إذ توجّه بالقول إلى رهبان ونساك كل الكنائس المسيحية بما معناه أنه بعد الدراسة المستفيضة لكل المُجادلات والمقاييس المنطقية المُتعلقة باللاهوت وجد انه لا خلاف جوهرياً بين الكنائس لذا فهو يحثّهم على تجاوز الخلافات اللاهوتية وما عليهم إلا تلاوة قانون الإيمان النقاوي والتعبّد الى الله بنسك وزهد وترك هذه الخلافات اللاهوتية جانباً. ونحن اليوم وبعد سبعمائة عام نصل الى نفس النتيجة التى وصل اليها ابن العبري .
- هل هذه النتيجة اللاخلافية ساعدت على تحقيق الاتفاق بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية من جهة والأرثوذكسية والآشورية من جهة أخرى للإشتراك في الأفخارستيا والتي سُمح بموجبه لأعضاء هذه الكنائس بتقبل القربان المقدس من بعضها البعض في حالة عدم وجود كنيسة للعضو في محل إقامته وهل يمكن إعتبارها البذرة الأولى للاتحاد الكنسي ؟
حيث قال سيادته : موضوع التناول فيما بين الكنائس الرسولية هو قمة الشِركة الحقيقية وحيث ان هذه الشِركة لم تتم بعد، فقد سُمح للمؤمنين فقط دون الاكليروس بالتناول في كنائس الطوائف الشقيقة التي تم توقيع اتفاق معها . هذا الاتفاق لم يكن موجوداً في السابق وقد بدأه قداسة البطريرك يعقوب الثالث في الستينيات من القرن الماضي وكان ثورة مسكونية وسار على خطاه قداسة البطريرك زكّا الأول عيواص سنة 1984 م إذ وقـّع بياناً مشتركاً مع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني سُمحَ بموجبهِ لأبناء الكنيستين الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية بتناول الأسرار المقدسة من بعضهما البعض في المكان الذي لا تتواجد فيه الكنائس الخاصة بطائفة إحدهما مع إحتفاظهما بالإنتماء المذهبي لكل منهما ، وقد وقع قداسة البطريرك زكّا الأول عيواص بياناً مشتركاً مماثلاً مع غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم بطريرك الروم الأرثوذكس، فكانا هذين البيانين مصدر بشارة وفرحة للمؤمنين.
- سؤالي الأخير سيادة المطران ما هو رأيك في فصل السياسة عن الدين في إدارة الدولة أو بمعنى آخر قيام نظام سياسي علماني يأخذ بمبدأ الدين لله والوطن للجميع لتحقيق العدالة الإجتماعية بين مختلف مكوّنات الشعب الواحد ؟
فكان جوابه : من الطبيعي أن يكون هنالك فصل بين الدين والدولة ولكن في مفهومي عندما يُفصل الدين عن الدولة يجب ألا تقوم الدولة من خلال قراراتها بفرض إرادتها على رجال الدين والقيادات الدينية والتدخل في الشؤون الادارية الكنسية والأمور الروحية واللاهوتية ، فرجال الدين هم الأعلم في وضع المسارات الصحيحة لديمومة التواصل الروحي مع المؤمنين ، كذلك على رجال الدين ترك الدولة ورجالاتها لوضع الخطط والمسارات لقيادة الدولة ، فاليوم نعيش في عالم الإختصاصات إذ لم يعُد بالإمكان على جهة واحدة تحمل مسؤولية قيادة الدولة والدين كما حدث في غابر الأزمان . حتى في مجال المهنة الواحدة أو الجهة الواحدة حيثُ قـُسّمت الإختصاصات لإعطاء مساحة أوسع لإبراز الحرفية وإبداعاتها . إذن نحن مع فصل الدولة عن الدين ولكن أيضاً مع عدم تدخل الدولة كجهة تنفيذية في الشؤون الادارية والدينية والطقسية وإلى ما هنالك .
في نهاية لقاءنا هذا لا يسعني إلا ان أشكركم سيادة المطران على رحابة صدركم ونتمنى لكم طيب الإقامة بين الرعية في هذا الإقليم .
* قصدتُ هنا بالكنائس الشرقية اي المتواجدة في الشرق بجميع طوائفها وليس الكنائس ذات الطقس اللاهوتي الشرقي كما هو معلوم .
|