لقاء مع الفنان التشكيلي لميع نجيب

الفن رسالتي المقدسة وأساس وجودي

وعدالله ايليا

 

يطلّ علينا الفنان التشكيلي الخُديدي لميع نجيب بهدوء حيناً وبصرخة حيناً آخر، ليقدّم لنا حالات إنسانية مختلفة، فهو لا يتوقف عند حدٍّ مُعيّن لأنّه دائم البحث عن الجديد. يُعدٌّ من ألمع الفنانين التشكيليين البارزين في بغديدا (قره قوش). عاش الفن في أعماق أعماقه منذ نعومة أظفاره وظلّ يحترق فيه بكلّ أحاسيسه ومشاعره ومكنوناته حتى تأصّل فيه وأصبح جُزءاً منه. الفنان المبدع لميع لا يُحبّ الحديث عن نفسه، فهو لا يؤمن بالتقليد والأقتباس ولكنه يؤمن بأستلهام الأساليب ذات النهج الحديث. إستلهم من التراث جوهره على مستوى الشكل والمضمون. يحمل الفنان في داخله سرّاً كبيراً لا زال يُخفيه في صدره وحزناً عميقاً وينعكس ذلك على أغلب أعماله السريالية من الناحية التكوينية والتعبيرية من ناحية اللّون. كان الفن صديقه الأول منذ الأنطلاقة الأُولى ولم يفارقه حتى في أوقات الفراغ، يأخذ عناصره ويختارها من الحياة الواقعية، ومنها ما يخرج من داخله مجسّداً إحساسه وانفعاله وفكرته للحياة، وجميع عناصره يضعها في بيئة واحدة هي اللّوحة. فهي عندهُ جزءٌ منه وهي المرآة التي تعكسهُ، ولا ينظر إلى ذاته إلاّ من خلالها، وعندما تقتضي الضرورة يرسمها بدمهِ ويُغامر في المجهول دون ضمان النتائج. يبحث الفنان لميع عن مكامن الجمال وخفاياه في الموروث الشعبي الذي يعتبره العمود الفقري لأساسيات وبُنى خطابه التشكيلي وذلك لأيمانه العميق بالأرض والطبيعة. تتميّز تجربته بالواقعية التي تميّزهُ كثيراً عن أبناء جيله التسعيني، من خلال قدرته على توظيف الرموز التراثية والمحلية من بيئته وبالأخص بلدته السريانية العريقة بغديدا (قره قوش)، عاكساً التراث الخديدي الأصيل في أغلب أعماله، مُركّزاً على البيئة الشعبية والأزياء الفلكلورية. إقْتَحَمَتْ مجلة (النواطير) عالم الفنان لميع وأجرتْ معه هذا الحوار:

- هل بالإمكان الحديث عن تجربتك الفنية وبداياتك الأُولى؟

لقد كانت البداية والأنطلاقة الأُولى على أرضية الغرفة التي كانت بالنسبة لي بمثابة (ساحة عمليات)، ففيها خضتُ التجربة الطفولية الأُولى من خلال إلتقاطي لأقلام الرصاص والباستيل التي كنتُ أتلهّفُ لها وأتلذّذُ برسمها بسبب ألوانها التي تداعب العين وكذلك دفاتر الرسم التي كنتُ أُقلّبُ في صفحاتها البيضاء حيث وجّهتُ طعناتي البريئة بالقلم لأخترق هذا الصمت الأبيض، محاولاً أنْ أضع الصخب على هذه الأوراق بالألوان وهذا ما أثارني حينها.

- ماذا تعكس في لوحاتك وإلى أيّة مدرسة فنية تنتمي؟

لقد إنصبّ إهتمامي لسنوات على إلتزام تأصيل التراث الفني في بغديدا (قره قوش) وإحياء ملامحه القديمة سواء أكان برسم الأبنية التراثية أو مشاهد من الأزقة القديمة إضافة إلى رسم الشخصيات بالزيّ الشعبي وهي تقوم بالفعاليات اليومية.

لا بُدَّ وأن يكون لكلّ رسام بصمة خاصة وهذا ما ينطبق لي أيضاً، فبعد الدراسة الطويلة والنتائج المتراكمة من التجارب الفنية إضافة إلى الصراع بين البُعد الفلسفي والإخراج الفنّي للرسم رأيتُ الأخير هو الأهم لأنّه أعطى الملامح النهائية الحقيقية للوحة. في الحقيقة أميل في لوحاتي إلى الواقعية التعبيرية التي أتناول من خلالها المواضيع الإنسانية، أمّا بالنسبة لأنتمائي دون شك أنتمي إلى المدرسة الفنية الحديثة (modren) التي أتذوّق فيها المدارس الأُخرى.

 

 

- ماذا يعني لك الرسم؟

الرسم يعني كلّ شيء بالنسبة لي، فهو الوسيلة التي أستطيع من خلالها أن أُطلّ على العالم، ويعني لي أيضاً الحياة، فهو لغة الألوان والتعبير. أنا فنان أرسم وأُسلوبي سريالي وانطباعي، أُركّز على الدراسة الأكاديمية والتي هي شرط أساسي لكلّ رسام. لم أختر أُسلوب فنان قبلي، أرسمُ بصدق مع نفسي وهذا سرّ نجاحي، وحين أرسمُ أضعُ نُصْبَ عينيّ الهدف الفكري وأُوظّف خبرتي التشكيلية لبلورة هدفي الأول وتلك مسألة ربّما أبدو فيها من أكثر الفنانين الخُديديين عناية بذلك، ولهذا حقّقتُ ما أصبو إليه بأمتياز.

- ماذا يعني لك الفن؟

الفن يعني رسالتي المقدسة السامية وأساس وجودي، فهو أصدق حقيقة أُقدّمه للمجتمع. وأيضاً أستطيع أن أقول بأنّ الفن يعني كُلّ معاني النقاء والتأمّل والتجذّر وهو العبور فوق الزمان والمكان وتماس مع الخلود. يمكنني أن  أُحدّد علاقتي بالفن بالعلاقة الصميمية السرمدية، من خلالها أتفاعل مع الحياة بأحساس مرهف لأرصد ومضات الإنسان وفق رؤية فنية دقيقة.

- بمَنْ تأثّّرتَ من الفنانين العراقيين؟

تأثّرتُ بأساتذتي المبدعين من كبار عمالقة الفن التشكيلي العراقي أمثال: (حازم جياد، ماهر حربي ولوثر ايشو). بفضل هؤلاء وصلتُ إلى هذا التألّق في الإبداع.

- ما هي مشاريعك وطموحاتك وتطلّعاتك في المستقبل؟

أطمح أن أُعلّم الأطفال الموهوبين كيفية الرسم وجماله وأهميته، لأنّه يُعتبر بحدّ ذاته لغة التعبير الخلاقة. أُمنيتي أَنْ أُكمل دراستي العُليا في مدينة الفن والجمال (باريس) وهذا ما أحلم به مسقبلاً. ومن تطلّعاتي الفنية أن أُواصل مسيرتي الفنية وأُترجم مقولة (ديكارت): " أنا أُفكر إذن أنا موجود.. إذن أنا أرسم.. إذن أنا موجود".

- ماذا عن رحلتك الفنية؟

إنتهجتُ خطّاً واقعياً في أغلب أعمالي واستطعتُ أن أخلق لنفسي أُسلوباً خاصاً ومتميّزاً من خلال المزاوجة بين التراث والمدرسة الحديثة. شاركتُ في أغلب معارض (بغديدا "قره قوش"، الموصل، بغداد، دهوك، السليمانية، عينكاوا، القوش، برطلة، تلكيف وكرمليس). أغلب أعمالي الفنية تحمل موروثاُ تاريخياً، وما يدلُّ على ذلك ظهور الطابع العراقي القديم وتراثه الأصيل على لوحاتي، وهذا يعني عشقي الكبير للحضارة العراقية القديمة.

- كيف ترى الفن التشكيلي في بغديدا؟

لا يزال الفن التشكيلي في بلدتنا العزيزة بغديدا يتراوح..؟ والسبب في ذلك يعود إلى أنّ أغلب الفنانين الخُديديين الشباب يفتقرون إلى الدراسة الأكاديمية والتعبير الفني. إنّ الخطأ الفادح الذي يقع فيه معظم الرسامين الشباب اليوم هو الدخول في تجربة الفن الحديث بشكل مُبكّر، لأعتقادهم بأنّه تعبير عن التجارب الشخصية.

- هل من كلمة أخيرة؟

شكراً لأُسرة تحرير مجلة (النواطير) أتمنّى لها مزيداً من التألّق والنجاح خدمةً لبلدتي عروس السريان (بغديدا)، وأطلب من الله أن يحفظ عراقنا الغالي ويعمّ الأمن والسلام في ربوعه.

 

البطاقة الشخصية:

- الفنان لميع نجيب آل سقط من مواليد 1975بغديدا (قره قوش)- موصل/ العراق.

- خريج معهد الفنون الجميلة/ الموصل- القسم التشكيلي- رسم عام 1995.

- خريج كلية الفنون الجميلة/ جامعة الموصل عام 2001.

- عضو نقابة الفنانين العراقيين.

- عضو جمعية التشكيليين العراقيين.

- له تجارب خاصة في السيراميك والتخريم على الخشب وصناعة الميداليات.

- له أعمال فنية منتشرة في الكثير من الكنائس والأديرة والدور في العراق وخارجه.

- يعمل حالياً مدرّساً لمادة التربية الفنية في كرمليس.