التعليم بين ماضيهِ وحاضرهُ

المعلم، لا شك بإنه حجر أساس المجتمعات، وعمود الدول الذي بفضله اصبحت دولاً عظمى، من يزرع بذور الرحمة والحب والمعرفة في قلوبنا، ويسقيها بالعلم حتى تنمو، لتشق تربتها بصعوبة كبيرة، من اجل ان تظهر على سطح الارض، ويحرسها كالفلاح النشيط، يسقيها بالماء، ويكافح كل الحشرات والادغال التي تفكر بالقضاء عليها، من اجل ان تكبر تلك النبتة الصغيرة، وتمد جذورها داخل التربة لتثبّت نفسها ..من يشارك آبائنا في تربيتنا، ويعلمنا الاخلاق قبل التعليم، شمسنا التي لا تغيب، يبث علمه كأشعتها، لتصل الى كل ظلمات الارض، طاردة ظلام العقل ..كالمقاتل في ساحات الجهل، يقاتل بالقلم بدل السلاح ..من كاد ان يكون رسولاً برسالته التعليمية والتربوية، هذا المعلم وافضالة التي لا تعد ولا تحصى ابداً.

كان العراق الاول دائماً في التعليم بين دول العالم، وعلى مر العصور، فهو اول من اخترع الكتابة في بلاد الرافدين ليستخدمها الجميع في كوكب الارض اداة اتصال وتفاهم بينهم، وبقي منذ ذلك الوقت متقدماً في التعليم والتربية، حتى اواخر القرن الماضي، وتحديداً في سبعينياته وثمانينياته، كان الاول والافضل في الشرق الاوسط، بكل مجالاته، من حيث التدريس الجيد، والمناهج الرصينة، وبشهادة اغلب المنظمات الدولية الخاصة بالتربية والتعليم والثقافة كاليونسكو مثلاً، عكس ما نمر به الآن من تراجعٍ كبيرٍ في التعليم، من ضعفٍ المناهج الدراسية، والمدارس المتهالكة التي تكاد ان تسقط على طلبتها وتلاميذها، وقد سقطت البعض منها دون اهتماماً حكومياً بها، بالإضافة الى سوء حال المعلمين والمدرسين ومعاناتهم الكبيرة التي بدأت في تسعينات القرن المنصرم، من سوء المرتبات التي جعلت الاغلب يتركون مهنة التعليم باحثين عن اعمالاً اخرى، وعدم اعطائهم ابسط حقوقهم كالتأمين الصحي وقطع الأراضي، وضعف حجم الأمتيازات للمعلم.

وفي سنة 2003 اصبحت الوظيفة الشيء الأساسي للعيش، فملئت الجامعات والمعاهد بالطلبة، وتخرج مئات الآلاف من اجل البحث عن تلك الوظيفة، الشيء الذي جعل الحكومة بإستغلال تلك الشريحة التربوية للعمل مجاناً دون مقابل تحت مسمى (محاضرين مجانيين) على امل التثبيت، وقد خدموا سنوات طوال وعجاف، بإنتظار حلم التعيين دون جدوى، تظاهروا من اجل حقوقهم، وضربوا، واعتصموا تحت اشعة الشمس الحارقة، دون تلبية او استماع لتلك المطالب الحقة.

فعلى الحكومة انصاف هذه الشريحة واعطائهم حقوقهم للنهوض بواقع التعليم، والإمتثال لقوله تعالى ((وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)).