إسطنبول، إحدى حور الجنان، وعجائب الخالق في الأرض، ما اجمل تلك الصباحات البهية فيها، ويالشمسها المشرقة، التي تبعث اشعتها علينا، لتنسج الأمل والحب معاً، وتخبرنا ببداية يومٍ جديدٍ، وتبعث السعادة في القلوب، وما اطيب نسائمها الباردة وارقها، وهي تشق طريقها في الرئة، لتسكن الحويصلات الهوائية وتستقر فيها، وصوت عصافيرها المزقزقة، وكأنها تقول: اهلا بك في بلدنا، كانت رائعة جداً، بسمائها الزرقاء المتشكلة ببياض الغيوم، وبحارها الكتومة للأسرار، تستمع لكل همومنا، لتلقيها في قعرها، وحسن نسائها، ذوات الشقار الذهبي، والبياض الناصع، والعيون المتلونة، والاصوات التي تخجل منها البلابل، والعطر التركي الذي يصل لإبعد ما يكون، ممتزجاً مع الرياح، والشعر الذي يتفاعل مع الهواء، اشد من تفاعل (الثرميت) كيميائياً، والطول المتمايل، والأنوثة والنزاكة التي لم تخلق الا فيهن، كأن الحسن لم يخلق إلا بإسطنبول.
كل ما احب اجتمع هناك، بآنٍ واحدٍ، لكن كل تلك الاشياء لا يمكن تجعلني سعيداً، كوجودي ببغداد، حبيبتي وعشيقتي الأبدية، فلم اشعر بالدفئ الا من شمسها، ولا أأمن بإلقاء اسراري سوى في دجلة، فهو اكثر كتماً من بحارهم، ولم استطيع التنفس الا من هواء بغداد، ونسمات شارع الرشيد التي تعادل الكون بإكمله، ولم يعجبني صوتاً غير اصوات بلابل سوق الغزل، ولم استطيع الاعجاب، الا بالبغداديات، ذوات الحسن الممتزج بالخجل، والعيون العسليات الحارقة، والانوثة التي تزداد بقصر قامتهن، ليس لكوني ولدت بها، لكن هذه الحقيقة على مر العصور التأريخية، فمهما كبرت وشاخت ستبقى جميلة، حاملة كل ملامح الحسن، ذات الحاجبان الوسيمان، احدهما دجلة، والاخر الفرات، فسلاماً على بغداد.
كتبت عند ضفاف مضيق البسفور، في زيارتي لإسطنبول.