في زمن الصوم الأربعيني المقدّس، رتب الآباء الصلوات خلال كل أيام الأسبوع،وتُعرف عند الشعب بصلاة" يا رب القوات" والمدائح ورتبة الأقداس السابق تقديسها.
مقارنة بالليترجيا اليهودية نجد ذات الأمر على مدار الفترة قبل الفصح، تكثر الصلوات خلال كل الأيام ولمدة ثلاثين يوما للتهيئة والاستعداد لفصح.
لن ندخل هنا بتاريخ خدمة صلاة النوم الكبرى ومن واضعها،نسرد بعض الشرح للمزامير{كنا قد أسهبنا بالشرح في كتاب النوم الكبرى ومعنى الأيام ولماذا تختلف القراءات من يوم ليوم عامة}التي نقراها خلال هذه الخدمة المباركة.
المزامير
{عن اللفظة بالساميات والمبنى للسفر،نشرنا مادة منفصلة تعقيبا لترجمة العلامة قدس الأب الراقد بيتر مدروس،في وسائل التواصل}
تشمل صلاة النوم الكبرى مثلها مثل أي خدمة كنسية، العديد من سفر المزامير. المزامير التي نقراها في يومي الاثنين والأربعاء.
هي: 4 و6 و12 و24 و30 و90 و 50 و101 و69 و142
وفي أيام الثلاثاء والخميس:
50 و101 و 69 و 142.
فيما يلي الحالات التي تُقرأ المزامير فيها بحسب القديس ارسانيوس الكبادوكي.
+ مزمور 4 : حتى يمنّ الله بالشفاء على الضعفاء أو المتعبين جدا والذين المّت بهم الأمراض بسبب الحزن والكآبة الناتجة عن تصرفات أناس قساة القلوب.
+ مزمور 6 : حتى يحرّر الله إنسانا قد وقع عليه السحر.
+ مزمور 12 : للمرضى الذين يعانون من أمراض بالكبد.
+ مزمور 24 : للناس الذين يعانون من الحسد، وهذه التجربة.
+ مزمور 30 : حتى يعطي الله وبغزارة الحبوب والثمار للنبات وخصوصا عندما تكون أحوال الطقس غير مواتية.
+ مزمور 90 :حتى يختفي الشيطان عندما يظهر لأي إنسان ويرعبه.
+ مزمور 50 :عندما وبسبب خطايانا يقع علينا تأديب الله، فيُنزل غضبه {الأوبئة والأمراض والموت للبشر والحيوانات}.
+ مزمور 101 :من اجل أن يبارك الله الأشخاص ذوي المراتب العليا فيساعدوا الناس بطريقة حسنة وبتفاهم تام.
+ مزمور 69 :من اجل أن يقوّي الله الناس السريعي الضيق والحزن عندما يُلمّ بهم أقل مكروه فيصبحوا في ضياع.
+مزمور 142:من اجل أن يحمي الله الأم الحامل أثناء حملها وحتى لا تجهض جنينها.
ومزامير يومي الثلاثاء والخميس
+مزمور 50 : : راجع أعلاه
+مزمور :101 : راجع أعلاه
+مزمور69 : : راجع أعلاه
+مزمور142 : راجع أعلاه
" أقيموا اٌلصّلاة وانتم صُحاة".
هل اختيار هذه المجموعة من المزامير من باب الصدفة؟ هل من قاسم مشترك بين المجموعة؟ هل من مرجعية عقائدية لهذه المجموعة؟
هذه الأسئلة وغيرها نجيب عليها لاحقا في شرحنا المفصّل للمزامير،نقف بشكل مسهب بعرضنا لكلّ مزمور ومزمور.
ما يميّز هذه المجموعة من المزامير إنها بمثابة "مرثيّة فردية" أو " عزاء ذاتي"، ولولة ذاتية.،وهي بمثابة صُراخ ودعاء واستغاثة مستعجلة للرب، يطلُب المُصلّي الإغاثة من الرب لينجّيه وليهزم أعدائه.
المزمور الرابع:
يتميّز المزمور بكونه صلاة فرديّة،صلاة الشخص في ضيق،كذلك يطلب المُصلّي الإغاثة بشكل مفصّل متوجّهًا لله ان يرسم وجهه عليه ويُريه الخيرات.
ألمُصلّي يعي ان الله هو الوحيد الذي يستطيع منحه الثقة والأمان، كذلك يُخبرنا المزمور مدى ثقة المصلّي بالربّ.
توجّه المُصلي رافع الصلاة للخطأة هو من بين الأمور المشتركة لهذه المزامير،يطلب المصلّي من الناس السلوك الحسن والعودة للرب ويتكرّر التعبير :" توكّل على الربّ" الأمر الذي يمنح الفرح والنوم الهادئ والسكينة.
ابرز هذه المجموعة من المزامير "الصلاة الفردية"،بداية المزمور عبارة عن مناجاة الله ليرحمه ويغفر له لوضعه الجسدي والنفسي" عظامي ترتجف ونفسي في اضطراب شديد".
كما أسلفنا يشدّد المزمور على الحالة الفردية للمُصلّي وحالته اليائسة البائسة دون ذكر الأعداء:" مسكين أنا وعظامي ترتجف،نفسي تضطرب،موجع أنا في أنيني،بدموعي أبلّل فراشي،عَشِيَت مِن الغمِّ عيناي".
من اللافت للنظر في هذا المزمور السادس الآية الأولى المحذوفة من الترجمة العربية، استخدام " على الثمانية" أو " على ثماني" والقصد عن آلة العزف ذات ثمانية أوتار والقصد عن ثماني الحان_ أصوات.
ومن هنا الألحان الثمانية في الكنيسة البيزنطية.
ترد العبارة" إلى متى يا ربّ" كثيرًا في هذه المجموعة من المزامير_مزامير الصلاة،كذلك عبارة" من يحمد الربّ" نجدها كثيرا في هذه المزامير.
كذلك المزمور الثاني عشر يعدّ من مزامير "غيرة_رثاء الفرد" يعبّر الكاتب عن تذمّره وشكوى، يتذمّر أمام الله من فوز الأعداء عليه وتدميرهم له.
فالمزمور مبنيّ بشكل واضح متسلسل يبدأ بالتذمّر والشكوى وثمّ الصلاة وأخيرا الشكر للربّ.
المزمور الرابع والعشرون هو ايضًا من فئة" غيرة _تذمر_رثاء الفرد" وكذلك ينتمي لتسع مزامير المسمّاة" "من اليونانية akros متطرف+ stichos سطر ; بالانجليزية Acrostic عبارة عن تسلسل أبجدي" ويقسّم هذا المزمور لثلاثة أقسام رئيسية هي:
+الطلبات ومديح الله.
+ الاتكال على الله.
+وتكرار الطِّلبات.
المزمور الثلاثون ينتمي لنفس المجموعة من المزامير" المزامير الفردية" التي تعتمد على قرابة الله للإنسان وان الربّ سريع الاستجابة في وقت الضيق.
يجسّد هذا المزمور علاقة القربى بين الله والمصلّي واستخدام زمن الحاضر في كل المزمور واستعمال أفعال الدالة على الطلب والتضرّع.
المزمور التسعون" مزمور الحجاب"،يُحصي مصائب وكوارث وينجو منها المتّكل على الله وهذه الكوارث_المصائب:فِخاخ،خوف ،رعب،أوبئة،السقوط والفشل.
هذه الكوارث واقعية وليست من نسج الخيال وان ترتبط بالسحر والشعوذة والمعنى الديني لهذه المصائب،انه لا وجود لمصائب خارقة فوق الطبيعة ولا حاجة للوقاية منها.
استُخدم هذا المزمور من قِبل خدَمة الهيكل " اللاوي" كاهن او شاعر الهيكل الذي يُمثِّل الله وذلك بالرغم من عدم ذِكر الهيكل أبدًا وهدف المزمور ان يُقرأ بكلّ لسان وليمنح الثقة والأمان في كلّ مكان.
المزمور يرتبط ارتباطًا وثيقًا لقصيدة "اصغوا...".
المزمور الخمسون هو بمثابة اعتراف شخصي لداود بعد خطيئته وبت شيبع. المزمور من فئة" رثاء _عزاء الفرد".
يُعبِّر المزمور عن الاعتراف بالخطيئة وطلب المغفرة،ولهذه الميزة اعتبرته الكنيسة قديمًا من بين سبعة مزامير النّدم وهو أبرزهم وكان باستخدام الكهنة استنادا لنص الآيات 11 _8 .
الاعتراف صُلب فحوى المزمور، وما من اعتراف دون وعي ومعرفة الخطيئة وليس صُدفة او هل الاعتراف نتيجة داخلية أم ضائقة خارجية.
المزمور المئة والواحد نصيب الأسد في المزمور:الرجاء الشخصي والتضرّع الشخصي إضافة لموضوع "العزاء الفردي_ الرثاء الذاتي"." العزاء-الرثاء الفردي".
إذ نوجز ونقول،ليس صدفة اختار الآباء القديسين هذه المجموعة من المزامير فكلّها عبارة عن "رثاء ذاتي" وكلّها صلاة تضرّع وابتهال للرب ففي زمن الصوم زمن انسحاق الجسد وكبح جماح الشهوات الجسدية، ويطلب المُصلّي هزم الأعداء وإغاثة المظلوم واتكال المصلّي على الرب، فيطلب معونة الله طالبًا الخزي لطالبي نفسه.وليهزمهم الرب ويرتدّوا للوراء ليفرح الذين يبتغون الله فالرب يسمع دعاء المُصلّي وحافظ حقّ المُتضرّع.
في زمن انسحاق الجسد وزمن الصوم الجسدي وكثرة الأعداء لضعف المصلّي والساخرين منه فهو مستقيم، عظامه ترتجف مضطربة من كثرة حزنه وبكائه يبلّل الفراش بالدموع وساء نظره من حدّة البكاء والنحيب فيرفع صلاته إلى متى يا ربّ تنساني ولماذا لا تنظر إليّ وأنا إنسان لا استطيع ان أتحمّل كل الغمّ والهمّ، وحتّام يتغلّب العدوّ عليّ ويظنّ انه تغلّب عليّ، لذلك يا ربّ ارفع نفسي وعلى الله أتوكّل فأنا لا أخزى إلى الأبد وعندها لا يشمت بي الأعداء فيعلمون ان من يتّكل على الربّ يخلص.
في صلاة النوم الكبرى تمييزًا عن الصغرى، نتضرع للرب ان يهدينا لتعاليمه ويرشدنا فالرب رحمته وحنانه منذ الدهر.
في الزمن الذي يسبق الفصح المجيد، خاصة نصلّي للرب طالبين بألّا يذكر خطايانا لا بل يتذكّرني برحمته. اختيار هذه المجموعة من المزامير في زمن الصوم الأربعيني لغزارة المعنى وشمولية المضمون،مخاطبة المصلّي للرب،عليك توكّلت أنقذني ونجّني، أمل إليّ أذُنك أنت ملجإي ومرشدي.
أنت يا رب حصني وملجإي تظلّلني بجناحيك احتمي تحت كنفك لذا يا ربّ،لا أخشى أهوال الليل ولا السهام المصوّبة عليّ ولا أخشى من الوباء ولا من الشرّير. دومًا نردّد قول اشعياء النبي:" معنا هو الله فاعلموا أيها الأمم وانهزموا لان الله معنا".
هذه المزامير والصلوات في زمن الصوم المقدّس هي بمثابة مراحل عملية حسابية، كل منها يعتمد لفهمِه على ما سبق للوصول إلى الجواب الأخير والنهائي_الخلاص.
هذه المزامير والصلوات الأخرى في صلاة النوم الكبرى تذكّرنا بالهدف الأسمى: ألا وهو انتظار الختن لنعبر من عبودية الخطيئة إلى الخلاص بالمسيح.
صلاة النوم الكبرى في الزمن الصوم الأربعيني، تكون بشكل مكثّف أيام الاثنين والثلاثاء والخميس وخدمة الأقداس السابق تقديسها يوم الأربعاء،فنحن كمسيحيين وكأفراد حسب المزامير نشارك،ويشارك الفرد ضعفاته ومآسيه ليعلن ويكشف قدوم الرب المُخلّص قبل الدخول لخدر الربّ المزيّن، يجب ان نُزيّن ونبتهج نفسيًّا روحيًّا لأنه بعد التوبة والصلوات المكثفة دون ملل تُعلن لنا الكنيسة المقدسة فضيلة الأمانة وفضيلة اليقظة.
فضيلة الأمانة مثل يوسف العفيف مثالا في صلوات الاثنين وصلوات الثلاثاء مثل العذارى.
التسمية الشعبية " يا ربّ القوات "هي مقتبسة من المزامير ايضًا. ما يذكر المترجم في الكتاب ص 38 {ترجمة الاب ميشال نجم}:" اشعياء الفصلان الثامن والتاسع من الواجب العلمي التنويه بملاحظة ان الاقتباس ليس بالكامل من الإصحاحين بتاتا وهناك ايضًا آيات لا ندري من ابن استقاها انظر مثلا ص 40:" فسأتوكل عليه، واخلص به، لان الله معنا" و ص 42 :" مضيرا عجيبًا ..لان الله معنا" و ص 44 :" إلها قويّا مهيمنا رئيس السلام.لان الله معنا، أبا الدهر الآتي" من المهم ان نذكر ان نص اشعياء ص 38 _44 يتماشى ومعنى المزامير وبإيجاز الربط بينهم الاتكال على الله وثقة المصلّي بالرب وفي النهاية سينهزم الأعداء ولا فرح لهم لا بل خزي وعار وقهر وانهزام بالنهاية.
يوسف جريس شحادة
كفرياسيف _ www.almohales.org