عشتار تيفي كوم - وكالات/
وسط مدينة العقبة جنوب الأردن، وفي أجواء هادئة للغاية، يجد الزائر أمامه تحفة معمارية وحضارية وأثرية يكاد لا يعلم مدى أهميتها أو عظمتها، إلا بعد أن يذهب إليها وينظر بدقة إلى قواعدها وأحجارها التي تقوم حاليا مؤسسات وهيئات ترميم الأثار الأردنية بالعمل على إعادتها للحياة مرة أخرى، أنها كنيسة العقبة القديمة التي تعد "أقدم كنيسة" في العالم بحسب روايات من ساهم في اكتشافها.
في يونيو 1998، تم العثور على لقى (آنية) فخارية يرجع عمرها إلى ما بين 293م-303م أي في نهايات القرن الثالث وبدايات القرن الرابع، وأطلق عليها كنيسة العقبة وهي كنيسة من القرن الثالث الميلادي وتعتبر أقدم كنيسة في العالم، بكونها أقدم بناء مسيحي مخصص للعبادة، بينما كانت سابقاتها مبانٍ محولة عن استخدامات أو ديانات أخرى.
فريقِ من جامعة ولاية كارولاينا الشمالية، قام بأعمال الحفريات، وعثر بالقرب منها على 24 هيكلا عظميا بداخل قبور بسيطة الصنع إحتوى أحد القبور على صليب نحاسي، فيما كشف عالم الآثار في الجامعة توماس باركر، والذي قاد عمليات التنقيب، مبنى الكنيسة على شكله البازيليكي واتجاهه شرقا وبعض الاكتشافات المحددة مثل المصابيح الزجاجية.
احتواء إحدى المقابر بجوار الكنيسة على أجزاء من صليب برونزي، يؤشر إلى أنها تخص أحد المسيحيين، وتم توثيقه أنه في عام 325 في مجمع نيقية الأول كان أسقف "أيلا" من بين المشاركين، فيما يمثل "أيلا" الاسم الروماني والبيزنطي لمدينة العقبة، هو حاليا أحد أبرز الأماكن السياحية والترفية في المدينة تم تدشيه مؤخرا تحت مسمى "أيلة".
خلال موجة الاضطهاد ضد المسيحيين تم تدمير أجزاء من الكنيسة، فيما تم عام 330 تجديدها،وبقيت قيد الاستخدام حتى تدميرها خلال الزلزال الكارثي الذي ضرب المشرق وعرف بـ"زلزال الجليل" عام 363، في حين يتم حاليا ترميم ما تبقى من أجزاء الكنيسة لتكون مزارا سياحيا ودينيا.
يقول الصحفي الأردني ابن محافظة العقبة، رياض القطامين، إن هذه الكنيسة تمثل واحة نحو السلام والتعايش السلمي الذي يتميز به الأردن، مشددا على ضرورة الاهتمام الإعلامي والثقافي بهذه الأثار والحضارات التي تتمتع بها المملكة.
وأضاف القطامين، أن الأردن يتميز بتعدد الحضارات والأديان التي مرت في تاريخه، مؤكدا أن وجود مثل هذه الكنيسة والذي يعتقد أنها الأقدم في العالم، يمثل منبرا رئيسيا للدعوة للسلام والأمن والاستقرار والتعايش في منطقتنا.
ودعا الهيئات الحكومية ذات الاختصاص إلى ضرورة العمل على إبزاز مزار هذه الكنيسة بمحافظة العقبة وغيرها من المناطق السياحية والأثرية، مؤكدا أن سكان العقبة لديهم حالة من التعايش السلمي وقبول الأخر ما يفوق العديد من المدن الأجنبية التي تدعي حقوق الإنسان وحمايته.
وتوصف الكنيسة على أنها ذات نظام بازيليكي، وجهتها إلى الشرق، وغير منتظمة التخطيط، قياسها (16 م × 26م)، بنيت من الحجر والطوب الطيني وغطيت جدرانها الداخلية بالألون، ويعتقد إنها كانت ذات طابقين، فيما كان أسقف من أيلة حاضرا في مجمع نيقية الذي بدأه الإمبراطور الروماني قسطنطين عام 325 لمناقشة مسائل لاهوتية مختلفة.
ويشير وجود أسقف أيلا إلى أن مجتمع المدينة كان له بعض الأهمية بالفعل وقد كان المبنى على شكل كاتدرائية كبيرة ذات ثلاثة ممرات مع رواق، تبلغ أبعادها 85 قدما في 53 قدما، ومن المحتمل أن يكون لها صحن وممرات مقببة ولها أبواب مقوسة.
وتظهر آثار الطلاء الأحمر والأسود على الجبس الأبيض على جانب واحد من صحن الكنيسة، ولكن لا يوجد تمثيل مرسوم يمكن تحديده، فيما تشير بقايا الدرج وهي سبع درجات حجرية إلى أنه كان مكونا من طابق ثانٍ.
وكانت الكنيسة تتسع في البداية لحوالي 60 مصليا، وتم توسيعها بعد اضطهاد دقلديانوس لتستوعب ما يصل إلى 100 مصلي، فيما يحاول البعض حاليا اعتبارها مركزا لإقامة الحفلات والأعياد لتكون بداية لإحياء تراث هذه الكنيسة نظرا لموقعها الجغرافي الفريد بوسط المدينة.