تصرف الدولة مبالغ طائلة لإعداد الفرد في تعليمه وتثقيفه منذ رياض الأطفال حتى الدراسة الجامعية والدراسات العليا كالماجستير والدكتوراه ،ومن المعروف أن الإنسان في المجمل يحبّ وطنه ومسقط رأسه ، حيث ذكريات الطفولة تترسخ في وجدانه وكيانه وتأثيرها البيّن في تكوين شخصيته ،وأغلب الأحيان لا يهاجر الشخص من وطنه إلا مضطراً ، ولنأخذ العراق نموذجاً .
هاجرت العقول والكفاءات العراقية بشكل لافت بعد 2003 بسبب عمليات القتل والإختطاف ، وفي تقرير للصليب الأحمر سنة2008 أن اكثر من 2200 طبيب وممرض قتلوا و250 إختطفوا واكثر من عشرين الفاً إضطروا لمغادرة العراق بينما إختفى عشرات الآلاف منهم ، وأغتيل عدد كبير من الأكاديميين وعلماء الذرة العراقيين .
وقد إستفادت دول المهجر من هذه الكفاءات والعقول والكوادر العلمية العراقية بعد أن ضاقت بهم السبل وتعرضهم لعمليات القتل والخطف والتهديد .
وفي سنة 2015 ذكرت ثلاث منظمات في بيانات لها أن العشرات من الكفاءات العراقية قتلوا في بغداد ومدن أخرى ، معظمهم أساتذة جامعات وخبراء ومستشارين في قطاعات مختلفة ، وقال رئيس منظمة (عون) العراقية لحقوق الإنسان حسين الوكيل لِ ( العربي الجديد) أن المنظمة سجلت إغتيال 53 عالماً عراقياً وإختفاء 27 آخرين لم يعرف مصيرهم ،وجميعهم من حملة شهادة الدكتوراه .
واضاف أن آخر الكفاءات العراقية التي أغتيلت هو الدكتور وليم بطرس شابا أخصائي أمراض الدم والأمراض السرطانية ، ونائب نقيب المهندسين العراقيين عبدالله الجبوري ، وهواحد من ثلاثة علماء عرب حصلوا على إعتماد دولي في إنكلترا بهندسة النفط وحلول التنقيب ، واغلب الإغتيالات تمت بعبوات ناسفة او مسدسات كاتمة للصوت .
وسجلت دائرة الجوازات العراقية مغادرة أكثر من 400 عالماً عراقياً في مختلف المجالات عبر مكاتب الهجرة التابعة للأمم التمتحدة في اسطنبول وعمان وابو ضبي
وهذا غيض من فيض وما حصل بعد 2015 ولحد اليوم ونزيف هجرة العقول والكفاءات جارٍ وسيستمر ما دامت الأسباب آنفة الذكر موجودة ، وما لم يتم تقدير وتثمين العقول التي يعوّل عليها الوطن والتي خسرها للأسف الشديد .