كتب يونان النبي سفره بإرشاد من روح الله، في نحو القرن الثامن ق.م.
كان النبي
يونان من مواليد إسرائيل (2مل 14: 25) وقد دعاه الله ليحمل رسالة
التوبة إلى (مملكة أشور) التي كانت عاصمتها (نينوى)، وهي المملكة
التي قامت بتدمير مملكة إسرائيل في سنة 722 ق.م. وعندما تسلم يونان الرسالة من الله أبت عليه
روحه الوطنية أن يبشر بالخلاص أُمة وثنية، فحاول الهرب من الله على ظهر سفينة،
ولكن بعد سلسلة أحداث طُرِحَ يونان إلى أعماق البحر فابتلعه حوت. ثم ما لبث الحوت أن
لفظه عند شاطيء البحر. وأخيرا أذعن يونان إلى أمر الرب فانطلق إلى نينوى ليبشر
أهلها بالخلاص. بيد أن نجاحه هناك وإقبال الناس على التوبة أثارا غضبه، فلقنه الله
درسا عمليا مستخدما مثال النبتة. لقد أشار العهد الجديد إلى قصة يونان واختباره في
بطن الحوت (متى 12: 3841) واستشهد بها كرمز لدفن يسوع. ونجد خلاصة موضوع هذا الكتاب في (4: 11) حيث عبر
الله عن محبته لكل الجنس البشري سواء كانوا من بني إسرائيل أو من الأمم. لم يكن في
وسع يونان أن يُخْلِص الحب لشعب أشور، غير أن الله لم يشأْ لهم سوى كل خير وخلاص ، لهذا أرسل لهم نبيا ليعرض عليهم التوبة فيحيون. كذلك، يجسد هذا
الكتاب قوة الله وتحكمه بقوى الطبيعة .
وان الرب قال ليونان ثانية قائلا قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة وناد
لها المناداة التي انا مكلّمك بها ، فقام يونان وذهب الى نينوى بحسب قول الرب.
اما نينوى فكانت مدينة عظيمة للّه مسيرة ثلاثة ايام. فابتدأ يونان يدخل المدينة
مسيرة يوم واحد ونادى وقال بعد اربعين يوما تنقلب نينوى ، فآمن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم
الى صغيرهم. وبلغ الأمر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس
على الرماد ونودي وقيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا
البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا. لا ترع ولا تشرب
ماء. وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد
عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم.
سردت هذه القطعة نقلا عن مصادر عديدة ، ولتكون مدخلا لما وددت التكلم
فيه عن البعض ممن لا يؤمنون بأن شعبنا ( الكلداني السرياني الآشوري ) هو شعب واحد
، فيحاول هذا البعض الإبتعاد عن الآخر بل والغاء صلة القربى به ، لشيء في نفسه .
ان صوم الباعوثه هو صوم أهل نينوى ، وأهل نينوى هم الآشوريون القدماء الذين سكنوا
هذه المدينة بل أصبحت عاصمة دولتهم العظمى ، فالصوم هو صوم الآشوريين اذا قبل أن
يكون صوما لأي قوم آخرين ... هنا أسأل : لماذا نلتزم نحن الكلدان وكنيستنا
الكلدانية على وجه الخصوص بهذا الصوم ، الذي اصبح هوية لنا ؟ لماذا نلتزم به وهو
في الأصل طقس آشوري من خلال الوثائق والكتابات ؟ ألا يعبر الإلتزام بهذا الصوم على
أننا نحن الكلدان شعب واحد مع الآشوريين ؟ ألا يعطينا هذا الإلتزام واقعا لا
يستطيع أحد أن يحيد عنه أو يفنده ، لأنه موجود أصلا ، ومنفذ وملتزم به حتى الوقت
الحاضر ؟
حسب البطريركية الكلدانية الموقرة، فإن (صوم
الباعوثة له علاقة بصوم نينوى) لأنه بسبب إنتشار وباء الطاعون الذي اكتسح مناطق
عديدة من
العراق في القرن السابع، والذي بسببه قرر البطريرك والأساقفة وقتذاك
القيام بهذه العبادة لرفع الصلوات، والصوم على نية وقف الكارثة التي
حلت بالناس، فكانت النتيجة أن بطل الموت وزال شبح الطاعون، فاتفق رؤساء الكنيسة،
منذ ذلك الوقت، على أن يحيوا هذه الذكرى سنويا من خلال صوم الباعوثة الذي تواصل
الكنيسة القيام به إلى يومنا هذا..
لقد أضاف الكاتب الأستاذ سـامي بلو لهذا الموضوع
معلومة تاريخية سامية وضح فيها ماهية هذا الصوم حين قال في مداخلة له بعنوان (الباعوثا
صومنا القومي )
:
قد يجهل الكثيرين ، وقد يغيب عن بال الاخرين بان صوم نينوى او كما
يطلق عليه ابناء شعبنا "صوم الباعوثا" هو صوم قومي (لامتنا الاشورية)
بالاضافة
الى ارتباطه بمسيحيتنا ، وقد انفردت به كنيستنا المشرقية دون سواها من
كنائس اللـه الاخرى . إن صلوات هذا الصوم ، او كما تسمى كنسيّا (ميمري
دباعوثا) تنسب الى الملفان الكبير مار افرام بحسب ما مذكور في كتاب
الصلاة لطقس السريان المشارقة (الحوذرا)
، ولكن بحسب معلوماتي فان ميامر الباعوثا هذه ، قد كُتبت ووُضعت الحانها من
قبل اكثر من كاتب من اباء الكنيسة ، وجمعت على مر فترات زمنية متعاقبة ، حتى وصلت
الينا بهذه الصورة الجميلة المتكاملة .
ووزعت هذه الصلوات على ثلاثة ايام التي تمثل هذا
الصوم تبدأ بيوم الاثنين وتنتهي الاربعاء ، ويبدأ صوم الباعوثا قبل الصوم
الكبير بثلاثة اسابيع . لقد ابدع اباؤنا في كتابة صلوات الايام الثلاثة لهذا الصوم
، ورغم عمق ايمانهم المسيحي ، فان هذا لم يمنعهم من اظهار انتمائهم الى هذه الامة
بحسب مفاهيم زمانهم ، وقد لا يكون شعورهم هذا يتطابق مع مفاهيمنا القومية الجديدة
، وخاصة بعد تصاعد الوعي القومي بين ابناء هذه الامة ، ولكنه يفي باظهار انتمائهم . يكفي ان
نقول لولا شعورهم بالانتماء لما اوجدوا هذا الصوم دون سواهم من
الكنائس الاخرى. .
اذن ما دامت ( امتنا الكلدانية ومعها كنيستنا )
تمارس هذا الطقس الكنسي القومي الرائع فإن ذلك دليل واضح على أن ( الكلدان
والآشوريون) أمة واحدة .. يمكنها أن تمارس خصوصياتها كيفما تريد وترغب ..
لقد التزمت بطريركيتنا الكلدانية الموقرة ومنذ زمن طويل بوضع زمن هذا
الصوم في تقاويمها السنوية التي تصدرها نهاية كل عام ، وسارت على هذا النحو
الأبرشيات والخورنات الكلدانية في كل بقاع العالم ، حيث يتم تثبيت ( صوم الباعوثة
) في التقاويم المذكورة للأيام ( 25 -27) كانون الثاني ، مع وضع جملة الصيام عن
الزفرين حتى الظهر .. وليسامحنا الله جميعا عى زلاتنا .