ماجد عزيزة
امراة من جيل المبدعين العراقيين ، شهدت النور تحت اشجار النخيل في
البصرة ، وتنفست نسيمات شط العرب ، وعاشت في بغداد على ضفاف دجلة .. غنت كما لم
يغن ِ مثلها من قبل احد ، بصوت كانه ترانيم عصافير تتراقص فوق اشجار العراق في
صباح مشرق بارد النسمات ، وتالقت وراح اسمها يعلو ويصطف بين مبدعي الاغنية
العراقية الاصيلة .. ثم فجاة قررت ان تتوقف عن الشدو .. وتعجب الجميع ، لماذا
؟ وكان الجواب سرا من اسرارها .. لكنها
اجابت عن ذلك في تورونتو قبل ايام ، في الامسية التكريمية التي اقامها لها اتحاد
الفنانين العراقيين الكنديين .. قالت : كان قرارا شخصيا ... لم اندم عليه ، لانه
كان مدروسا وفي وقته .. ( صفقنا لها جميعا ) واحترمنا قرارها الحكيم الذي اتخذته
قبل 25 عاما ..
في الامسية التكريمية تحدثت سيتا هاكوبيان عن حياتها وبعضا من آرائها عن
الفن العراقي والموسيقى ، وكان الحديث شفافا كشخصيتها التي تقطر محبة للآخرين ،
وخاصة زميلاتها الفنانات وزملائها الفنانين ، وفي نفس الامسية ابدعت ( ابنتاها )
اللتان رافقتاها في الامسية .. ابدعت ( نوفا ) في الغناء واداء اغاني ( الوالدة )
التي جلست قبالة ابنتها تردد في دواخلها معها ...( زغيرة جنت وانت زغيرون ..) ثم
تصفق للفنانة الجديدة ( نوفا ) مع الجمهور الذي ملا القاعة .. وابدعت ( نايري ) في
الافلام التي نفذتها ( للوالدة ) ايضا .
ساترك قاعة الاحتفال واتحدث عن زيارتي للفنانة سيتا هاكوبيان في البيت
الذي تسكنه ابنتاها ( نوفا ونايري ) هنا في تورونتو .. فقد قادتني قدماي لجلسة
عائلية جمعتني بالام سيتا والابنة نوفا ( نايري كانت في العمل) طرقت الباب
فواجهني ( جبل المحبة ) : مرحبا ست سيتا ! قالت اهلا ، وبلا ( ست) انا سيتا هكذا
اريد ان يناديني الجميع . جلسنا وفتحنا احاديث العراق ، والفن والذكريات .. ودارت
( فناجين القهوة) بيننا ونحن نستذكر ايام المحبة العراقية الجميلة .. ولم يغب
الفنان المخرج عماد بهجت ( زوج سيتا) عنا الا بجسده ، فقد كان محورا لنصف حديثنا (
بالمناسبة هو من اعز اصدقائي القدامى ) ..
و( سيتا ) نشات في بيت موسيقي رياضي، فوالدها أرشاك بدروس، لاعب تنس
مثل العراق في عدة بطولات في الخمسينات والستينات بالإضافة إلى كونه عازف بيانو.
وعمها الربٌاع البطل جميل بطرس الذي مثل العراق في بطولات رفع الاثقال وهو الفائز
بالمدالية الفضية في القاهرة لعام 1954
بالإضافة إلى كونه عازف drums. بدأت سيتا اولا باغنية
الوهم، شعر نازك المائكة والحان حميد البصري، ثم شاركت في اوبريت " بيادر
الخير" وهي الاطلالة الثانية على المسرح بعد ادائها اغنية "اعطني الناي
وغني". ادت سيتا عددا كبيرا من الاغاني مع عدد من الملحنين الكبار وابرزهم طارق
الشبلي، خالد ابراهيم، كنعان وصفي وفاروق هلال إضافة إلى تعاملها مع العديد من
الملحنين العرب الكبار ومنهم الياس رحباني من لبنان واحمد قاسم من اليمن. كما أنها منحت العديد من المواهب
الشابة في منتصف السبعينيات الفرصة لتلحين اغنيات لها ومنهم جعفر الخفاف ودلشاد
محمد سعيد. وهي من المطربات القلائل اللواتي تسيدن فترة السبعينات وذلك لأمتلاكها
صوتا نسائيا ملائكياً. ابتدات سيتا مشوار حركة تجديد الاغنية العراقية عن طريق
ادخال الالات الغربية في اغنياتها، حيث انها اول من ابتدأ بحركة (الغناء المعاصر
–البوب ميوزك) في العراق وكان أهم ما يميزها أيضاً بأنها كانت تدندن أصعب الالحان
بحنجرة رقيقة وعيون ضاحكة. ورغم تركها الغناء، فإن اعمالها الإخراجية كانت متميزة
وتحمل طابعا خاصا بها ومن ثم تركت العـراق وهاجرت مع عائلتها إلى إحدى دول الخليج العربي. ومن أجمل ماغنته سيتا هي أغنية "دروب
السفر" والتي يسميها العراقيون "صغيرون" واعاد غنائها عدد كبير من
المطربين العراقيين والعرب، ومن أغانيها الشهيرة أيضاً "الولد" وأغنية
"ما اندل دلوني" وأغنية "بهيدة".
قالت وهي تودعني عند الباب : ساتصل (بعماد) واقول له ، كان (ماجد)
عندنا .. وراح يزعل كثيرا لانه لم يشاركنا الجلسة . قلت : قولي له كنا في (
استراحة الظهيرة )!