للأب
ابراهيم حداد
إرسالية
قلب مريم البرىء من الدنس. للحب المقدس. الاتحاد المقدس
ملبورن-
استراليا.
صُمَمَت
المبخره الشرقية للصلوات الطقسية. فيها نعبد مَلـِكنا وإلهنا مُقدمين
له
البخور المحترق تعبيرا
عن:
1- قدسية
ألوهيتهُ وجلال
مجدهُ.
2- حضوره
معنا بحلول روحه القدوس اثناء الصلوات. روحه القدوس
يحل
ويهيمن في الكنيسه ليعلمنا كيف نصلي. ويحمل صلواتنا الى العُلى، ويستجلب النِعمة
الإلهية مستجيبا لصلواتنا الليتورجية. فالبخور الذي يتصاعد كالغمام يُعبر عن حضور الله وهيمنة حضورهُ
في
الكنيسة، فكما ان الغمام
في
العهدين القديم والجديد قد حَمَلَ صوت الله، فكذلك البخور الذي يمثل أيضا ذبيحة
شهداء الكنيسة التي بذبيحة المسيح تحمل صوت الله الشاهد له في الكنيسة.
3- رفع
صلواتنا وأبتهالاتنا وتقادمنا أمام ملكنا وإلهنا.
والمبخرة
هي مكان المحرقة او مكان الذبيحة، فهي تمثل المذبح التاريخي الذي يحكي لنا قصة
الذبيخة الإلهية او مخطط الله الخلاصي، الذي كان منذ البدء مخططاً ذبائحياً، يتمَ
عليه الخلاص لجميع البشر.
فحيثما
يخرج دخان المحرقة هناك يكون الذبح، لذلك تـُشبه المبخرة بالمذبح.
والمذبح
بالمبخرة الثابتة. وتأرجح المبخره الدوري بيد الكاهن يرمز الى تدخل يد الله بشكل
مباشر، وغير مباشر في تاريخ البشر الذي قدم ذبائح خلاصية كثيرة وبشكل دوري عبر
الاجيال، التي علمها الله كيف تقدم ذبائحها
من خلال ذبيحة المسيح.
تأرجح
المبخرة أيضا يذكرنا ان مبادرة تقديم الذبيحة هي بيدنا،فتحثنا على ان نقدم على
التنازل والتواضع والتسامح والخدمة والتضحية التي هي بخور عمل أيدينا.
إذا لم
نـُقدم نحن لفعل ذلك بأيدينا فمن إذاً سيفعل!
رموز
مخطط الله الخلاصي في أجزاء المبخرة:
1- الحلقة الكبرى:
ترمز الى
الآب الذي بتواصلهِ الذاتي لا بداية لهُ ولا نهاية. هودائرة الوجود المطلق التي
لاوجود خارجها. وكل وجود نسبي في الزمن أو مطلق في الآزلية- الابدية هو امتداد
لوجوده(الله) المطلق. وحيثما تبدء على دائرة وجوده المطلق تنتهي، وحيثما تنتهي
تبدء. هذه هي صفة اللانهاية واللابداية، صفةآزليته وابديته التي نحن داخلون اليها
أي اننا داخلون من تواصلهِ الخارجي فينا الى تواصلهِ الذاتي الجوهري.
بذلك
الدخول نتبع يسوع المسيح في العودة الى الآب( تعال وأتبعني لو5: 27-28).
يُدخلُ
الكاهن اصبعيهِ في الدائرتين الكبرى( رقم1) والصغرى(رقم2) ليتمكن من التحكم بالمبخرة
عند التبخير، وهذا يرمز الى دخول الله في
حياة الانسان بالتجسد الإلهي ومن ثم دخول الانسان في حياة الله. وهذا لا
يتم إلا بتحكم الله ومشيئتهُ في حياة الانسان، وبتحكم الانسان بكبح مشيئته
الانسانية وشهواتهِ البشريه، وذلك بتعلق الانسان بالآب الذي يعلو كل مصدر خلاص
والأبن الذي نزل الينا وأصعدنا معه، وبالروح القدس الذي ربط السماء بالأرض والارض
بالسماء.
الإله
الثالوثي الذي به وحدهُ يُناط كل خلاص على الارض وفي السماء لذلك تعلو الدائرة كل
أجزاء المبخرة.
وإدخال
إصبعي الكاهن في الدائرتين للتبخير يرمز الى اشتراك الانسان بكهنوت خدمة جلالته في
خلاص النفوس التي أوكلَ الله بها الى الانسان بعد غيابهُ المنظور عن العالم(يو21:
15-17) فالأصبعين يمثلان طبيعتي ابن الله الذي يحمل كهنوت المسيح
( أي
كهنوت الخاص والكهنوت العالم) والمتمثلين بأنسانية يسوع المسيح فينا ، وألوهيته
التي منحنا إياها بالكلمة والروح القدس. وهاتين الطبيعتين تقوما بالعمل الخلاصي
بمؤازرة الله ومحبة الكاهن في الزمن.
2- الحلقة الصغرى:
تمثل
الابن الكلمة الذي تجسد في صورة جوهر الله" هو صورة الله الذي لايُرى"
(كولي1:
15)"فمع انه في صورة الله"(فيليبي 2: 6)، وأيضا" من رآني رأى
الآب.."(يوحنا14: 9-10). لذلك نتلو أيضا قانون الايمان قائلين عن
الابن"نور من نور، إله من إله، مساوٍ للآب في الجوهر" لكن الفرق بين رمز
الأب في الحلقة الكبرى والابن في الحلقة الصغرى أن الحلقة الكبرى الثابتة، وترمز
الى الله الآب الذي لم يَرَهُ
أحد قط
" وماذلك أن احداً رأى الاب سوى الذي أتى من لدن الآب فهو رأى الآب"
(يوحنا6:
46). فالآب سُر الاسرار، وسرُ مطلق وثابت الى الابد، يقول عنه القديس
باسيليوس"... الملائكة ترتعد وترتجف منه لانها لاتراهُ ولاتدركهُ".
أما
الحلقة الصغرى التي تمثل الابن فهي متحركة لترمز الى خروج الابن من لدن الآب
وأنحدارهُ من السموات وصعودهُ الى الآب ثانية. فهذهِ الحلقة عندما تنزل تغلق غطاء
المبخرة( رقم 8)لتـُهيء الجمرة للاشتعال ويُرمز بهذا ان انحدار الكلمة الى رحم
العذراء قد رافقهُ الروح القدس فأوقد الروح في رحم الانسانية، المُزمعة ان تحمل
كلمة الله بهِ( أي الروح القدس) في عمق الكينونة البشرية وعدا عن ان الحلقة المُتحركة
ترمز الى أنحدار الأبن وتجسده وصعوده، فهي ترمز أيضا الى مرونة الرحمة الإلهية،
وإمكانية المصالحة مع الله بالابن، وانحدار النعمة الإلهية بكل
خيرات الاسرار السماوية،وأنحدار الملائكة
الخـُدام على المذبح السماوي للحمل المذبوح منذ إنشاء العالم. كل هذا التحرك يرمز
الى السماء التي تنزل بنِعَمها على
الارض
وتصعد بشهدائنا، وقديسينا، وصلواتنا، وأبتهالاتنا الى المذبح السماوي القائم امام عرش الله (رؤيا8: 3-4) لذلك
فالحلقة مربوطة بسلسال يربطها بالصليب.
والسلسال(رقم4)
هنا يرمز الى :
4- السلسال
المربوط بالحلقة الصغرى:
والسلسال
هنا يرمز الى الروح القدس الذي أنحدر به الكلمة الآزلي الينا، وهو الذي قام به من
بين الاموات، الابن البكر في الحلائق كلها، وهو روح التجسد الذي به تجسد الكلمة
وصار بشرا. وبما انه يمثل روح القيامة فهو مربوط مباشرةً بالصليب، يقول الابن في
بستان الزيتون ساعات قليلة قبل موته" أبت أن امكن الامر فأبعد عني هذه الكأس.
ولكن لا كما انا اشاء بل كما أنت
تشاء..."( متى 26: 39)"... ياأبتً نجني من تلك الساعة. وماأتيت ‘إلا
لتلك الساعة"( يوحنا 12: 27). فالرباط إذاً رباط مباشر ويرسم لنا الطريق
الحقيقي الى الآب، والطريق هو طريق العبور. هنا يتجلى عبورنا الى الملكوت مع موسى
الحقيقي ، فنرى الرابط الذي بين السلسال والصليب المعلق بهِ:- فالسلسال هو عمود
النار، ورمز الروح القدس الذي يقودنا لنعبر بحر الموت.
والصليب
المعلق بالسلسال هو عصا موسى الحقيقي، والحق، والإلهي أي يسوع المسيح، به نضربُ
بحر الموت لنعبر الى الملكوت حيث يَملكُ ملكنا السماوي وهو يسوع المسيح القائم من
بين الاموات والذي عَبَرَ قبلنا ليكون البكر في القائمين من الموت، ونلاحظ هنا ان على السلسال لم يُعلق جرسُ واحد من
الاجراس(رقم6)
التي ترمز الى المبشرين الرسل الذين بَشروا العالم بصياح ونداء في الساحات
والمجامع. لذا فتجريد هذا السلسال من
الاجراس يرمز الى تبشير يسوع المحلي في اسرائيل فقط لا في
العالم كله كما فعل الرسل. ويشير الى صمتهُ ووداعتهُ فهو لم يأتي ليدين العالم أو
يؤنبهُ بل جاء ليموت صامتا كالحمل، كما يقول عنه اشعياء(عُوملَ بقسوة فتواضع ولم
يفتح فاهُ، كحمل سيق الى الذبح، وكنعجة
صامتةً امام الذين يجزونها، ولم يفتح فاهُ... لأنه أسلم نفسهُ"(أشعياء53:
7-12).إذا هذا السلسال الصامت يعني بشارة يسوع الحياتية التي جائت بموتهِ
وقيامتهِ، فلو تكلم يسوع كلاما فقط ثم مات ولم يقم فما كان هناك من ذكر للمسيحية.
فموتهُ وقيامته، كانا عملا تبشيريا صامتا حدث بين الصليب والسماء ليُعطيهِ حكمة
السماء" لاقيامة بالمسيح إلا
بالموت
معهُ" فهذا السلسال الصامت هو الرباط الحقيقي هو رمز الروح القدس الوحيد
الذي
يربط بين الموت والقيامة، وهو رمز لروح
القيامة الذي لروح القيامة الذي يربط عالمنا المائت بالملكوت الحي وملكوت الاحياء.
يرمز
أيضا الى العذراء مريم والدة الإله الفائقة القداسة. العذراء هي سُلمُ يعقوب الذي
يربط بين السماء بالارض ، هي جسد الله الذي أظهر الله لنا.
فبجسدها
ونفسها أوجدت الرباط المشترك بيننا وبين الله فربطت بذلك السماء بالارض والارض
بالسماء. وبما انه لم يُعَلق أي جرس على السلسال فهو عندما يرمز الى العذراء مريم
يرمز ايضا الى من أتى بالله الينا بصمت وبدون ان ينبس بكلمة واحدة.
فالرسل
بشروا بالكلمة بأفواههم وبالحجة والمنطق وجاؤوا بالكلمة الى نفوس المؤمنين، لكن
العذراء جاءت بالله، وبالله كله الينا بصمت مطلق. لذلك عندما نرى الحلقة الصغرى
التي ترمز الى الابن مربوطة بالسلسال، الصامت، نرى فيها تجسد
الكلمة
الذي ربط الله بالانسان ونرى ايضا كيف أن أمنا الإلهية قد تجسدت من أجل الصليب
.فهو تألم في الظاهر اما هي فقد تألم جسدها الذي أعطتهُ لله في الله نفسه، وفي
باطنها ، وفي نفسها وبصمت، رهيب وعجيب.
5-
السلاسل الثلاث الحاملة الأجراس:
ترمز هذه
السلاسل الى حضور الله الثالوثي الذي يعمل في الكنيسة.فالآب يعمل والابن
يعمل
ايضا والروح القدس يشهد لأغمالهم" الحق الحق أقول لكم: لايستطيع الابن أن
يفعل شيئا من عندهُ ، بل لايفعل إلا مايرى الاب يفعلهُ، فما فعلهُ الآب يفعلهُ
الابن على
مثالهُ،
لأن الآب يَحُب الأبن ويريهِ جميع مايفعل..."(يوحنا5: 19-20).
إذا الآب
يعمل والابن يعمل أيضا والروح القدس يشهد من خلال الرسل، والقديسين،
والشهداء،
والمبشرين، كما يعملهُ الآب والأبن في
الكنيسة" مَن آمن بي يعمل هو أيضا الاعمال التي أعملها أنا بل يعمل أعظم منها
لاني ذاهب الى الآب"(يوحنا14: 12). فالسلاسل هذه تحمل الاجراس لتشير الى
المبشرين المخلصين للكلمة،الذين
يعملون
لمجد الله لا لمجد العالم وللخبز السماوي لا للخبز الارضي(يوحنا6: 27).
لذلك
فالسلاسل هذه تجسد المسيح برسلهِ وقديسيه الذين كمثل العذراء مريم، أعطوا
جسدهم
للكلمة، لكن لابصمت بل بالبشارة الكلامية المتمثلة بالاجراس.
هولاء
القديسون هم صورة الله الحيَةَ قد تمت وأكتملت فيهم،أي صورة الثالوث الاقدس
التي
تكتمل بثلاثيتها المقدسة في شركة القديسين المتمثلة بالرسل وأسباطهم
الروحيين. فلو لم يمت الرسل كشهود البشارة
لما بقيت الكنيسة الى اليوم.
لذلك فالسلاسل
الثلاث هما رباطنا بالله وبنعمه الآلهية والباقية الى اليوم، بسبب أعمال
الله في
الكنيسة بواسطة إيمان وأمانة الرسل وأسباطهم من الشهداء والقديسين والمبشرين في
العالم بالكلمة والشهادة.
6-الاجراس:
صنعت
الاجراس على شكل كروي لتمثل صورة كواكب السماء او القديسين الرسل
وأسباطهم
الذين بأنوار بشارتهم الكلامية والحياتية يضيئون في سماء هذا العالم.
لذلك
عُلقت الاجراس تحت القبة السماوية، لتشير انها بكهنوت المسيح الذي فيها، تعكس
أنوارالمسيح الساطعة من فوق على العالم. وانعكاس هذه الانوار هو ترداد كلمة الله
على افواههم واقتدانهم بالمسيح، وتقديم أنفسهم للموت من العالم شهادة له
ولبشارتهُ. فكلما تحركت السلاسل الثلاث عند التبخير، أي كلما عمل الله فيهم ومن
خلالهم، تحدث الاجراس صوتا مبشرا يقول قولاً صامتا ، اوبالأحرى يقول ماقالهُ
يسوع
بصمت :" توبوا، فقد اقترب ملكوت الله". فكما ينذر جرس الكنيسة بصوتهِ
للناس لتهرع الى لقاء الله في الصلاة وفي حياتها، كذلك صوت الاجراس المبخرية
تنذر
بالتأهب لحضور الله في القداس، وبالاستعداد للتوبة.
كما
نلاحظ هناك أحدى عشر جرسا لا إثنى عشر. فالإحدى عشر11 جرسا ترمز الى الرسل الاحدى
عشر، أما الرسول الثاني عشر فهو غائب من المبخرة لأنه متمثل بقارىء الرسالة،
والانجيل، والواعظ. وهنا نرى مدى الانصهار بيننا وبين المذبح
بكل
مستلزماتهِ عندما نكون في القداس الإلهي او في كل باقي الصلوات الطقسيه.
فكلما مع
كل مايلزم المذبح نصبح قطعة ليتورجية واحدة، ومسيحا كونيا واحدا بجسده
السري،
يصلي صلاتهُ الكهنوتية ممجَداً ، ومبتهلاً، وشاكراً الله الثالوثي بربنا يسوع
المسيح. الروح القدس يحرك الرسول بحرارة ليخرج من صمتهُ مبشرا وصارخا في الساحات،
مؤنباً وموبَخا الاشرار والهالكين، معلماً الابرار اسرار التقوى والايمان
والقداسة. فكلما تحركت السلاسل تتحرك احشاء المبخرة وتـُصعدُ البخـُور المبتهل
والممجد لله، فتحرُك السلاسل هنا يرمز الى تحرُك روح المسيح في الرسل الذين تتحرك
قلوبهم وأذهانهم فتنفتح أفواههم للكلمة وقلوبهم للابتهال والتمجيد والشكر.
3-حاملة
السلاسل:
تمثل هذه
القطعة قبة السماء التي يعلوها الآب كعرش لهُ، والابن عن يمينهُ على العرش
السماوي. كلُ ماينسب في الارض الى السماء مربوط بقية السماء.
فالدائرة
أو الحلقة الكبرى ملتحمة ومثبتة بالقطعة هذه لتشير الى أن لا سماء بدون
الله ولا
الله بدون سماء، فالله والسماء واحد، ولا سماء تستطيع أن تحمل حامل الكون.
فالسماء
إن حملت الله تـُظهر ان الله محدودا ، والله لاحدود له، ولاشيء يستطيع احتواء
الله. إذا فما السماء إلا امتداد سري ومبدئي لله، وماهي إلا وحي لحضورهُ الذي
لايرى فهي تقول لنا" هاهو ههنا حاضر فوقكم ومعكم وحولكم ويحملكم، وقدرته
تظللكم ، ورحمته تحميكم، لكنكم لاتستطيعون
ان تدركوه لانه يفوق كل شيء، وسماء
السماوات لاتدركهُ أيضا مع انها توحي بوجودهُ".
قبة
السماء هذه هي قبة الكنيسة الكونية التي تعلو الكنائس الثلاث( بحسب القديسين):
الكنيسة
المنتصرة المتمثلة بالحلقات الصغيرة الملتحمة بالقبة(رقم10) ، والكنيسة المجاهدة
المتمثلة بالاجراس(رقم6)، والكنيسة المتألمة المتمثلة بالحلقات المثبتة على بطن
المبخرة(رقم9). هذه قبة قدس الاقداس السماوي الذي يجلس الله الآب عليه معبودا
والذي يتحرك فوقهُ المسيح(رقم2) الذي دخل قدس الاقداس السماوي بذبيحة انسانيتهُ،
ليكون لنا أمام الله الآب كاهنا أعلى وأعظم على رتبة ملكيصادق ليقدم لنا
كفارة عن
ذنوبنا.
فكما نرى
الكنيسة المجاهدة تتوسط الكنيستين المنتصره- كنيسة القديسين وشركتهم بالمسيح في
السماء والكنيسة المتألمة المتألفة من الاحياء الذين لا رجاء لهم، ومن الموتى
المنتظرين الرحمة من لدن الآب.
وهذا
التوسط يقوم على متانة إيمان الاحياء، وقوة شهادتهم الصادقة، فعلى إيماننا
وشهادتنا وقداستنا تبقى الاواصر مرتبطة بين السماء والارض" انتم ملح الارض
فإذا فسد الملح فأي شيءُ يُملحهُ؟ لانه لايصلح بعد ذلك إلا لان يطرح في خارج الدار
فيدوسهُ الناس" (متى5: 13). هذا يعني أن هذا العالم سيضيع ويبقى خارج السماء
فيدوسهُ الموت اذا تقطعت سلاسل الكنيسة المجاهدة، التي تربطها وتربط العالم كله
بالسماء الخلاصية لهذا العالم. اذا تـُمثل السلاسل الثلاث روابط الكنيسة المجاهدة بالكنيستين المنتصره
والمتألمه. وهذه السلاسل هي إيماننا وشهادتنا، وقداستنا .
كما تمثل
الاجراس الكنيسة المجاهدة ببشارتها الرنانة في العالم. هي تتحرك لتعلنَ
لنا أننا
في زمن العمل" اليوم اذا سمعتم صوته( الله) فلاتقسوا قلوبكم"(عب4: 7).
في الوقت
الذي تتحرك السلاسل والاجراس، نرى الحلقات المثبته في قبة السماء(10)
والحلقات
المثبتة في بطن المبخرة(9)، ثابتة لاتتحرك أبداً
لتعلن لنا أهمية" اليوم" للكنيسة المجاهدة، التي يجب ان تعمل
اليوم وليس غداً، فللننظر الكنيستين المنتصره(10) والمتألمه(9) وكيف انهما مثبتين
لاتتحرَكن، لأن فرصة لان فرصة
"اليوم"
لهنَ قد أنتهت، أما دورلا الفرصه الوحيد هو دور المسيح المتجسد في الكنيسة( يسوع
الناصري في العالم) والذي هو فقط في الزمن ليلعب دور الوسيط، فسيتجلب النِعمة
والمغفرة من الكنيسة المنتصرة للكنيسة اللمتألمة.
7-الصليب:
هو مفتاح
باب السماء، الباب الضيق الذي ،أدخلنا الى المجد والحياة.
نرى هنا
انه هو النقطة الوحيدة الذي نلتقي ونرتبط فيها بالمسيح" من لم يحمل صليبهُ
ويتبعني،
فليس أهلاً لي"( متى10: 38) اذا لايمكن أن يكون هناك علاقة أرتباط
متينة
بيننا وبين المسيح إلا بالصليب. وهذا يعني تقديم الذبيحة الذاتية مع ذبيحة المسيح.
فبما أن الذبيحة نقدمها مرة واحدة، في حياة واحدة، وفرصة واحدة أعطيت لنا تصبح
ذبيحتنا أبدية كذبيحة المسيح التي قدَمها مرَة واحدةً في تاريخ البشر ولاجل
الجميع. فذبيحتنا المتمثلة في الحلقة(رقم7a )هي ذبيحة كهنوتية تنتسب لذبيحة المسيح التي دخل بها الى قدس
الاقداس( رقم3)، وتربط ارتباطا مباشرا بذبيحة المسيح(رقم4+2).
الصليب
مثبتُ على جبل الجلجلة(رقم 8)، فكلما أرتفع المسيح القائم فينا الى السماء، ترتفع
الجلجلة والصليب معا الى السماء ليقدَما الذبيحة المقبولة والمرضيَةَ لدى الله من
خلال ذبيحة المسيح. فيخرج دخان البخور الى أعلى ويعبُقُ في السماء(رقم 3),
فقد قال
يسوع عن ارتفاعه الى قدس الاقداس أنهُ" عندما يصعد إبن الانسان الى السماء
سيتجذب اليهِ الجميع"(يوحنا12: 32)وهذا يعني أنهُ فتح طريق السماء بالصليب
فلا أحد يستطيع الدخول اليها إلا اذا سار على نفس الطريق ودخل من نفس الباب"
من حفظ حياتهِ يفقدها، ومن فقد حياتهِ في سبيلي يحفظها"(متى10: 39).
8-غطاء
المبخَرة:
يمثل جبل
الجلجلة، الجبل الذي أزاحه يسوع بإيمانهِ، وشهادتهِ وكلمتهِ وموتهِ على
الصليب"الحق اقول لكم:إن كان لكم من الإيمان قدر حبة خردلَ قلتم لهذا الجبل
إنتقل من هنا الى هناك فينتقل.."( متى17: 20) الجبل الذي رُفَعَ يسوع عليه قد
ارتفع عنه.
وهذا
يرمز الى الذات والآنا، فعندما يصعد دخان البخور يصعد معه منا دخان محرقة الذات.
فالذات كغطاء المبخرة اذا بقى مطلقا على المبخرة لايسمح للبخور المحترق أن يتصاعد،
ومن ثم يطفىء الجمرة المشتعلة لفقدان الهواء، هكذا الذات ايضا اذا بقيت
مُطبقةُ على حياتنا الروحية ومنحصرة فقط في الحياة
العادية، تنطفىء فينا جمرة الروح القدس، وجمرة الحُب لله ، فنغدوا عابدين لذاتنا
في هذه الحالة تغدور صخرة تسدُ باب قبرنا البارد الذي إنطفأت فيه شعلة الحياة
وحرارتها الإلهية التي أعطيت لنا بالروح القدس. فأذا إنطفاء الروح القدس فينا فقد
أنطفىء روح القيامة وبذلك لن يكون هناك قيامة روحية أو أبديةَ، بل بالعكس موتا
أبدياً مختوما بحجر القبر الذي ختمتهُ شريعة الجسد، كما ختم اليهود باب قبر المسيح
فسدوا بذلك الصخر المختوم باب الرحمةَ الإلهيةَ.
لكن يسوع
أزاح القبر ورفع غطاءه وصعدت ذبيحتهُ ومحرقتهُ الى فوق كما صعدت ذبيحة هابيل الى
العلاء فهذا الجبل الجلجلي لم يعد مطبقا علينا إذ قد رفعهُ المسيح
"...لقد
محا الصك المكتوب علينا"(كولس2: 14) ومن ثن أصبح كل منا قادرا أن يقدم
لله ذبيحة مرضية صاعدة الى الله لتـُقبل منه من
خلال ذبيحة المسيح.
كذلك
غطاء المبخرة يمثل شريعة موسى التي أغلقت على الذبيحة الحقيقية الصاعدة الى الله.
فكانت ذبائح الشريعة مؤدَية للذبيحة الحقيقة فقط. فلم يكن بأستطاعة أحد ان يرفع
غطاء الشريعة عن الذبيحة الحقيقية.
لو لم
يأت المسيح ويكشف عن الذبيحة الحقيقية بذبيحتهُ هو. وهنا رفع الشريعة عنا
ومحا
الصك المكتوب علينا، كما يقول القديس بولس، وظهرت ذبيحة هابيل الحقيقي التي تضاهي
ذبيحة قايين الكاذبة.
9-الحلقات
الثلاث السفليةو10- الحلقات العلوية:
تـُمثل
ابناء المسيح الذي هم على صورتهُ، وعلى صورة الله ومثالهُ، كأبناء لله يشبهون أبَاهُم
السماوي . لقد خرجوا من بطن العذراء المُتمثل ببطن المبخرة
(رقم11)
فهي-أي العذراء- تلدُهم لله ومنهُ وأبن العذراء هو ابن الله، ومن تلدُهُ العذراء
يأخذ بنوَتَـهُ للآب من بطنها الذي قدَسَهُ الكلمة ودََشَنَهُ ليلد ابناء لله على
صورته ومثاله.ُ
هولاء
القديسين مكنوا الكنيسة المُتمثلة ببطن العذراء وبطن المبخرة(رقم11) أن ترتبط
ارتباطا قويا بالسماء، وبكنيسة شركة
القديسين السماويين المتمثلين بالحلقات العلوية للمبخرة(رقم10). والحلقات العلوية
للمبخرة هم القديسون ابناء العذراء الذين استشهدوا وسبقوا الاحياء الى السماء
وأنضموا الى شركة القديسن في الكنيسة المنتصرة.
وهكذا
أمنا الإلهية تلد أبنائها الحاملين صورة ابنها الوحيد فتحبل بهم في الارض من خلال
الكنيسة، التي هي بطن مريم الناصرية، وتلدهم في السماء التي هي بطن مريم الإلهية،
هكذا تلد العذراء المسيح الكوني المتمثل بالكناشس الثلاثة: المنتصرة والمجاهدة
والمتألمة. وهذا المسيح الكوني مترابط بأعضاء جسده السري ترابطاً قويا يظهر في
حلقات وسلاسل المبخرة.
11-بطن
المبخرة وجمرتها:
يمثل هذا
الجزء بطن مريم العذراء الذي تلقى نار الروح القدس مُوقدا فيهِ ومحرقا ذبيحة
العذراء في أبنائها يسوع المسيح بدون أن يحرقها هي. هذا مايُظهر في العهد القديم
في العُليقة لموسى، فقد رآها وقد إشتعلت فيها نار الألوهة بدون أن تحرقها.
هكذا
فالذبيحة التي أعدها الروح القدس في بطن مريم ذبحت في يسوع المسيح الذي تجسد من
مريم وقدم جسدها ذبيحة دون ان يذبح مريم نفسها. فالبخور المحترق والصاعد من بطن
المبخرة هو ذبيحة الروح القدس التي يقدهما روح الكاهن الاعظم فينا. روح الألوهة
يحرق كل شهوات الجسد الهشَة كالقش المحترق، فلايبقى منها شيئا، فكل ماهو عالمي
يحترق ويصعد دخانهُ ذبيحة قداسة مرضية لله، ولايبقى إلا ماهو سماوي روحي،يتأجج في
نار الروح القدس، ليعطي لمعَاناً إلهياً بهياً، فيكتسب لون النار الإلهية لان
النار أصبحت في داخلها وهو أصبح جزءاً منها.
وبطن
المبخرة يقول لنا أن لا ألوهة تعطى للانسان إلا من بطن مريم العذراء. فبطنها هو
مصنع
الإلوهة لأي انسان تـَلدُهُ العذراء ولاتلدُهُ حواء، فمن ولدته حواء فقط لايلبس
إلا
الانسالنية
العارية من الحياة الأبدية والساقطة في الموت. أما من ولدتـُهُ العذراء فتـَلدُهُ
قربانا محترقا محولاً بذبيحة المسيح من انسان الى إله
يدعى ابن الله، والذي هويتهُ هي
: إبن
الله الوحيد".
بطن
المبخرة يصبح حاراً ومحرقاً بسبب الجمرة المشتعلة فيه. فتمثل الانسان الذي على
مثال
العذراء مريم،الممتليء من الروح القدس، كما إمتلأت العذراء من نار ذاك الروح، فيصبح
ذاك الانسان، لتظهر في أعمالهِ وعباداته. بطن المبخرة يمثل الكنيسة المملوءة
بالروح القدس والذبيحة الروحية المشتعلة فيها دائما أبدا وبدون ان تـُطفأ. فهي
كنيسة العهد الجديد الذي سكن فيه الله بيننا بروحه القدوس. هي كنيسة العهد الروحي
والروح الذي لايظهر فينا إلا من احتراق الجسديات، والعالميات، والوقتيات، كما يظهر
دخان البخور من حجارته المحترقة.
فنار
البخور المحترق في بطن المبخرة يمثل نار العُليقة المحترقة امام موسى بدون ان
تحترق. هذا العمل الإلهي بالحرق واشعال النار أشار اليه موسى الحقيقي الذي أراد أن
يراه في
عينهُ، كما رأى موسى القديم عليقته، فقال" جئت لألقي على الارض ناراً،
وما أشد
رغبتي أن تكون قد أشتعلت! وعلى ان أقبل معموّدية، وما اشد ضيقي حتى تتمَ"(
لوقا12: 49-50) فهذه النار التي تشتعل في بطن المبخرة هي النار التي القاها يسوع
على الارص فقد ربط النار بذبيحته على الصليب. وهذا يعني ان النار ألقيت من السماء
بواسطة يسوع على الشجرة الخضراء التي في وسط الجنة. أي التي هي ألـ
( أنا)و(
الذات) الشجرة الخضراء التي تعيش خضرة بالشهوات الجسدية في جنة الزمن المؤقتة.
الشجرة التي أراد الله ان يُنزل عليها نارا إلهياً من السماء يُحرق ويُجفف خضارها لتصبح صليباً وخشباً يابساً
لايحيا فيهِ زمن ولاخضرة أرضية أو شهوات زمنية. هذه النارجففت شجرة الحية القديمة
وأسقطت اوراقها الخضراء وأعمالها الكاذبة
حتى لايتسنى للحية القديمة ان تتسلل الى الشجرة
مختبئة ومتخفية بأوراقها الخضراء.
فتنكشف
الحية على أغصان جافة عارية تـُرى لكل من أدم وحواء مكشوفة انكشافا فاضحا.
وإلقاء
الجمرة المُتإرجحة في باطن المبخرة يُمثل إلقاء الرب يسوع لروحهُ القدوس في العالم
بعد صعودهُ. فأينما توجد النار يوجد الدخان، وإينما يوجد الروح القدس توجد الذبيحة
لامحال. فحياتنا الذبائحية على الارض التي ملؤها البؤس والشقاء، تشبه حياة حجر
البخور على الجمرة. فإذا كان الروح القدس يحملني فلا مناص لي إلا أن أحيا على
المذبح، وأحيا مذبوحاً على صورة الحمل المذبوح منذ إنشاء العالم.
12-
قاعدة المبخرة:
هذا
الجزء من المبخرة يبقى بارداً مع انه يتصل ببطن المبخرة أتصالاً مباشرا. فكما يتصل
العهد القديم بالعهد الجديد إتصالاً مباشرا تتصل القاعدة الباردة- أي العهد الذي
لايسكن فيه الروح القدس- ببطن المبخرة المُجمر- أي العهد الذي يسكن فيه الروح
القدس. لقد استشهداللاهوتيون والاباء القديسون والرسل في كتاباتهم المقدسة،
وبشارتهم بالعهد القديم، ليدعموا بهِ بشارة العهد الجديد.
فالعهد
الجديد قد خرج من العهد القديم، كما يخرج الطفل من صلب أبويهِ وكما يخرج الغصن
المُطَعَم من الجذع المقطوع، هكذا يخرج بطن المبخرة من قاعدتها مدعوما بها
ومستنداً إليها. هذا مااشار اليه القديس بولس في(رومه11: 16-21).
وهذا
يعني أن المبخرة كلها تفقد توازنها ولاتكتمل إلا بقاعدتها، كذلك ألوهتنا لا تكتمل
إلا بأستنادها على ذبيحة الجسد.
فالعهد
القديم مات ليقوم عهدا مؤلها، كما مات يسوع الناصري كإنسان ليقوم مسيحا وسيداً لكل
زمان ومكان.
أيها القارىء
المقدس إقراء كل العلامات الحسية في الكنيسة، وفي ليتورجيتها الإلهية،
فتتكلم
مع الله وتعيش مخططهُ الخلاصي، وكأنك تشترك معه في عمل الفداء والخلاص.
ألأمَي
لايجيد قراءة الكلام المكتوب لكنه يجيد سماعها. فكل من يذهب الى القداس في الكنيسة
ولايستطيع قراءة العلامات الليتورجية بعيون اللاهوتي، يستطيع رؤيتها في قلبهُ.
لذلك عندما تحضر القداس أيها المؤمن حضَر قلبك قبل مكان الجلوس.
وقف على
ايمانك قبل أن تقف على قديمك. أفتح قلبك قبل أن تفتح أذنيك. أرفع ذاتك قبل أن ترفع
يديك. دع نفسك بكليَتها في حضن الأب قبل أن تجلس على مقعدك. تمعَن بالذبيحة
والمذبوح لابجمال الكنيسة وأزياء الناس. أفتح فم قلبك ليبوح بحبهِ لله قبل أن تفتح
فمك ان ليصلي بكلمات لايسمع الله صداها في السماء.
دع
الدموع المُسبحَه لله عجبا وتمجيدا تسبقك الى الارض قبل أن تسقط راكعا وساجدا على
ركبتيك. أدخل السماء خارجا من الارض قبل أن تدخل الكنيسة. عندها ستـَعلم ما لا
يَعلمَهُ
اللاهوتيون أنفسهم لان الروح يُعَلمَكَ ويُفهمك.