أنور كاكو
الصورة الظاهرة تُمثل وجه الرب يسوع على منديل، وهي صورة لم يرسمها رسام بل توارثها البشر جيل بعد جيل الى أن وصلت الى جيلنا هذا ولها قصة أيضا توارثها البشر جيل بعد جيل الملك. تعود قصة هذه الصورة الى زمن الملك أبجر الخامس Abgarالذي عاش ما بين 13 ق.م الى 50 ب.م وأبطال هذه القصة هما الملك أبجر نفسه والرسول أدي Addai.
تقول القصة: "كان في زمن المسيح ملك يدعى أبجر الخامس المعروف بـ (أوكاما) كان هذا الملك مصاباً بمرض (النقرس Gout)وهو مرض يصيب مفاصل القدم. وحينما سمع بالعجائب التي كان الرب يسوع يعملها. كتب إليه طالباً منه أن يشفيه من مرضه.
نص رسالته: "من الملك ابجر اوكاما الخامس إلى يسوع الرجل الصالح في مقاطعة اورشليم، السلام معك: لقد بلغني انك تطهر البرص، وتشفي المقعدين، وتخرج الأرواح النجسة، كما علمتُ بانك تشفي كل الذين يتعذبون بمرض طويل الأمد، وتقيم الموتى. وعرفت انك إله وابن إله القدير، وقد اتيت الخليقة كلها لتشفي امراضها. وانا مُبتلي بداء عضال، أسألك ان تاتي اليّ وتشفيني من مرضي. علاوة على ذلك بلغني ان اليهود يضطهدونك ويطلبون هلاكك فإذا ما أردت لي مدينة صغيرة، حسنة جداً تكفي لي ولك، فتعال ونحيا فيها بامـان وسـلام معا".
ولما اطلع الرب على رسالة الملك أبجر، وجد انه ليس من المناسب ان تنتشر بشارته بين الامم قبل مماته وانتقاله إلى امجاد السماء، فبعث برسالة الى الملك ابجر: " طوبى لك يا ابجر لانك امنت ولم ترني. اما بخصوص ما كتبته اليّ، بان اتي اليك، فعليّ ان اكمل كل ما ارسلت لانجازه. وبعد قيامتي وصعودي الى السماء سأرسل اليك واحداً من تلاميذي ليشفيك من مرضك ويمنح لك ولكل الذين معك الحياة. كما اني ابارك مدينتك ولن يقوى عليها عدو ".
ولما تلقى الملك ابجر رسالة الرب يسوع فرح جداً. لكنه تحسر كثيرا لانه لم يستطع مشاهدة الرب. فدفعت رغبته الشديدة الى إرسال حنانياس وهو من امهر الرسامين أنذاك، ليتعرف على الرب قبل أن يرسل له من يشفيه من مرضه.
قائلاً له "يا حنانياس سارسلك بمهمة إلى اورشليم لترسم صورة المسيح له المجد". وعند وصول حنانياس إلى أورشليم وعندما قابل الرب يسوع، علم الرب برغبة حنانياس وما في قلب الملك ابجر من رغبة جياشة في مشاهدته، فأخذ منه منديلاً ووضعه على وجهه فطبعت صورة الرب على المنديل واعطاه لحنانياس ليعطيه للملك ابجر.
وعندما وصل المنديل الى الملك ابجر وضعه على وجهه وقال: "انا الملك أبجر اشهد بان صاحب هذه الصورة هو ابن الإله الحي". ثم وضعه بتبجيل في اروع واجمل غرفة في قصره بعد ان كتب على المنديل "ايها المسيح الإله لا يهلك كل من يثق بك".
وبعد صعود الرب يسوع إلى السماء أرسل القديس توما تلميذه أدي وهو من التلاميذ 72 إلى مدينة الرها (أورهاي Edessa)ليشفي ملكها أبجر الخامس.
وعند وصول الرسول ادي الى الرها نزل عند رجل يدعى طوبانا. وبدأ أدي يصنع العجائب باسم الرب يسوع. وعندما سمع الملك ابجر بالعجائب التي يصنعها الرسول ادي استدعى طوبانا وقال له "بلغني ان في بيتك رجلا قديرا يصنع عجائب، فآتني به".
فذهب الرسول ادي مع طوبانا إلى الملك ابجر، ولما دخل الرسول ادي وامتثل امام الملك قام الملك عن عرشه وسجد امام الرسول ادي وقال له "بلغني انك تصنع العجائب وتقوم بامور فوق الطبيعة. كما عرفت انك تلميذ يسوع الذي كتب اليّ في رسالته: اني بعد قيامتي سارسل اليك واحداً من تلاميذي ليشفيني من مرضي".فاجابه الرسول ادي "إذا امنت، تنل رغبتك، لان كل شيء مستطاع لمن يؤمن" فقال له الملك "انا امنت به منذ زمن، وانا لولا خوفي من الرومان لارسلت جيشا لابيد اليهود القتلة الذين صلبوه". فوضع الرسول ادي يده على رأس الملك وطلب من الرب يسوع ان يشفيه من مرضه، وفي اللحظة تعافى من جميع امراضه. ومن شدة فرح الملك ابجر امر بان يعطى للرسول ادي فضة وذهبا. إلا أن الرسول ادي امتنع عن قبول الفضة والذهب قائلاً له " يا ايها الملك الموقر، انا لا استطيع ان اخذ ما ليس لي؟ فانا قد تركت ما كان لي. لان الرب يسوع قد اوصانا ان لا نأخذ اكياساً، ولا حقائباً، ولا اي شيء، بل نحمل الصليب على اكتافنا ونعلن بشارته في المسكونة كلها".
واعلن الملك ابجر مرسوماً بان يسود الايمان المسيحي في جميع المناطق والبلدان المحيطة التي تحت امرته. حتى كادت منطقة ما بين النهرين برمتها تصبح مسيحية.
تعتبر هذه القصة من إحدى القصص التي لها قيمتها التاريخية والجغرافية. حيث ذاع صيتها إلى يومنا هذا، وكانت إحدى أجمل القصص التي تناقلتها ألسنة آبائنا وأجدادنا. وكان لهذه القصة شأن في كنيستنا. ففي القرن العاشر للميلاد كانت الحروب لا تخمد نارها بين ملوك القسطنطينية Constantinople وملوك العرب في الرها، وحاول كثير من ملوك القسطنطينية أن يحصلوا على ذلك المنديل. حيث عرض قسطنطين برفيروينيتس 905-959. والامبراطور رومانس الاول لوكابينس 920- 944 ملك القسطنطينية على ملك الرها أن يشتري منه المنديل المقدس بأي ثمن كان، ويطلق له سبيل 200 اسير من العرب الذين كانوا اسرى عندهم، و1200 دينار فضة. فلم يرضى ملك الرها بذلك. فهاجم الملك رومانس مدينة الرها بجيوشه، وشدد عليها الحصار وكاد يدخلها عنوة، فأرسل ملك العرب وسطاءه إلى ملك القسطنطينية يطلب منه الصلح مقابل إعطاء المنديل المقدس له، على شرط أن يعده بكتاب مكتوب بماء الذهب ويوقع عليه ويتعهد به، هو وحلفاؤه من بعده، أن لا يعودوا إلى محاربة الرها والمدن الثلاثة التابعة لها. فعمل الملك رومانس مثلما طلب منه ملك العرب. وهكذا حصل على ذلك الكنز العظيم، وحمل المنديل المقدس إلى القسطنطينية وبقي مكرماً في كنيسة(اكيا سوفيا) حتى سنة 944،. ثم نقل المنديل المقدس إلى مدينة اورشليم وبقي في كنيسة (هوذا الرجل) والآن يوجد هذا المنديل المقدس في روما عند الاباء اللعازريين في دير (القديس سلفستيرس) في الكويرينالي - ايطاليا. وقد نلتُ النعمة وشاهتُ شخصياً هذا المنديل في معرض الفاتيكان العالمي في سان دياكو عام 2004.