الأب الأقدس لمسيحيي الشرق الأوسط: أنا قريب منكم      غوجيروتي: المجزرة ضد كنيسة مار الياس هدفُه حمل المسيحيين على ترك الشرق الأوسط      مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق يندد بحادثة التفجير النكراء التي تعرضت لها كنيسة مار الياس في دمشق      رئيس طائفة الادفنتست السبتيين الانجيلية في العراق واقليم كوردستان يستنكر ويعزي ذوي الشهداء في كنيسة مار الياس في دمشق      بالصور .. صلاة الجناز المهيبة لراحة نفوس الشهداء الذين ارتقوا على مذبح الشهادة إثر التفجير الإرهابي في كنيسة مار الياس      ‎قداسة البطريرك مار اغناطيوس يتفقد المصابين جرّاء تفجير كنيسة مار إلياس في الدويلعة في المشافي      المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري يدين الهجوم الذي طال كنيسة مار الياس في سوريا      رئيس حكومة إقليم كوردستان يدين الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق      ‎قداسة البطريرك مار اغناطيوس يشارك في الصلاة من أجل راحة نفس شهداء تفجير كنيسة مار إلياس في الدويلعة      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يوجّه رسالة تضامن إلى غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي بشأن التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في سوريا      "لم تعد كما قبل الحرب بعد".. وقف إطلاق النار يعيد حركة معابر إقليم كوردستان الحدودية      ارتفاع كثافة الدم قد يهدد حياتك      بكاميرا 3K.. "ميتا" و"أوكلي" تقدمان نظارة المستقبل      بنفيكا يحقق فوزا تاريخيا على بايرن ميونيخ في مونديال الأندية      مسرور بارزاني: بغداد سترسل وفداً الى اقليم كوردستان لحل مشكلة الرواتب      البابا يبرق معزياً بضحايا الهجوم على كنيسة مار إلياس في دمشق      بريطانيا ستعيد العمل بالردع النووي المجوقل في إطار حلف شمال الأطلسي      البرلمان الإيراني: مستعدون لأي هجوم والنووي سيتقدم      دواء للسكري يقلل من عدد نوبات الصداع النصفي      عودة الرحلات الجوية في مطار أربيل بعد توقف بسبب التوترات الإقليمية
| مشاهدات : 3251 | مشاركات: 0 | 2016-02-16 10:53:28 |

اطلس عزران البغدادي رواية للكاتب خضير فليح الزيدي

مروان ياسين الدليمي


تغريب الواقع بسلطة التخييل

مروان ياسين الدليمي

في روايته المعنونة(اطلس عزران البغدادي) بطبعتها الاولى والصادرة عام 2015عن دار افكار للدراسات والنشر في دمشق ودار ميزو بوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد،يواصل خضير الزيدي رسم ملامح تجربته الذاتية وفق رؤية فنية تتعالق فيها ارهاصات  تشكيل رواية عراقية جديدة لايمكن للنقاد تجاهلهاوهي تعلن عن نفسها عبر منتوج روائي كمّي ملفت للنظر،يترشح منه عدد لابأس به من الاعمال المهمة التي تستحق القراءة والمتابعة النقدية .

إن الذي تم انتاجه خلال العقدين الماضيين من اعمال روائية  قد اخذ بالرواية المنتجة في العراق الى ان  تقطع طريقها بثقة ونضج أكبر مما كانت عليه قبل العام 2003 الى الحد الذي يمكن ان يكون هذا التاريخ علامة فارقة مابين زمنين لمن يود قراءة مسارها الفني والتاريخي،مع الاحتفاظ بمكانة مميزة لعدد محدود جدا من الاسماء الرائدة في تاريخ الكتابة الروائية العراقية التي كان لها شرف التجديد سواء في الإطار العام أوفي اطارتجربتها الشخصية بعيدا عن المحددات  الفنية للرواية الفلوبيرية(نسبة الى فلوبير)واقترابا من الفضاء البروستي(نسبة الى بروست ).والزيدى يحسب على هذا الجيل الجديد الذي بات يفرض حضوره وبقوة بعد العام 2003 ، وإن كان قد بدأ اولى محاولاته في منتصف الثمانينات،إلاّ ان مشغله السردي لم يبدأ بالعمل بالشكل الذي يفصح عن هويته الذاتية الاّ بعد العام 2003 حاله حال آخرين ظهروا في هذه الفترة مستفيدين من مناخ الحرية وغياب الرقيب الرسمي  .

سلطة المكان

بعد  اكثر من عمل روائي قدمه الى القراء خلال الاعوام الماضية بات من السهل معرفة عالمه السردي الذي ينتمي بمجمله الى المدينة بكل تشعباتها وارهاصاتها وشخوصهاوامكنتها،وتحديدا مدينة بغداد التي استحوذت عليه شخصيا ولم يستطع الافلات من اسرها رغم انه ابن مدينة الناصرية التي يضمها الجنوب بين ذراعيه،كمااستحوذ الزيدي هو الآخر على بغداد في عالمه السردي،وكأنه قد عثر على كنز ثمين جدا،يحتاج الى جهد ووقت لكي يعرف مغاليقه واسراره."نزل سامر ونورا من جسر الشهداء مهرولين نحوساحة الشهداء العابقة برائحة السمك اللابط بعربات البيع المباشر في الشارع الضيق المحاذي لدائرة التقاعد العامة في صوب الكرخ قرب سوق الشواكة ..ثم ما نفكا الانعطاف ليتجاوزا حشود المتقاعدين المراجعين لدائرة التقاعد العامة ،انعطفا نحو اليمين بسرعة وفضلا قطع المسافة المتبقية مشيا على الاقدام .."

الزيدي يبدو متيماً ببغداد ،وسلطتها المكانية حاضرة في هذه الرواية بقوة كما لوأنها ارض بكر يحاول اكتشافها من جديد،وهي في اعماله ــ ومنها هذا العمل ــ لها دلالة تتجاوز حضورها المكاني الى علاقة فنية بدرجة رفيعة،من خلالها يمنح لغته السردية قدرتها على أن تغرّب العالم الواقعي الذي يتعامل معه(حسب شكلوفسكي )والطرق التي يسرد بها الحكايات عن هذا العالم .

ذاكرته السردية تبدو معادلاً فنيا لذاكرة المدينة ،تتوزع فيها الاحداث والازمنة ،وشخصياته لن تتمكن من العيش بعيدا عنهامثلما هي علاقة الاسماك بالماء داخل الحوض الزجاجي(كما وردت تفاصيلها اكثرمن مرة في الرواية ) وفيما لو خرجت فإنها ستعود اليها سواء بإرادتها او بدونها كما هو الحال مع (سامر ونورا ووالدها)فالثلاثة قد غادروا بغداد في لحظة ما ،إلاّ انهم عادوا اليها.

المتن الحكائي

يتمحور المتن الحكائي على قصة حب تنشأ مابين(سامر ونورا) بعد ان يلتقيا للعمل في احدى منظمات المجتمع المدني التي تكرس عملها بعد العام 2003 لانقاذ ماتبقى من اليهود والاقليات في العراق ،بعد أن اصبح وجودهم مهددا بالخطر الشديد  .

لم يكن في هذه العلاقة ماهو غير عادي إلاّ الشرخ الطائفي الذي يفصل مابينهما ويمنع استمرار هذه العلاقة ،فالاثنان ينتميان الى طائفتين متعاكستين لاتلتقيان في زمن يشهد احترابا بينهما،نور تنتمي الى الطائفة السنية وسامر الى الطائفة الشيعية،والدها كان ضابطا برتبة عميد في لواء الحرس الخاص قبل سقوط نظام البعث عام 2003 ،وبعد ان يتم حل الجيش العراقي يضطر الى الخروج من العراق والاقامة في سوريا خشية ان يتعرض الى الاغتيال كما حصل لعدد من زملائه الضباط ،لكنه يعود مرغما الى بغداد بعد ان تتدهور الاوضاع في سوريا، ولمّا يُرفض طلبه اكثر من بالعودة الى العمل في صفوف الجيش يختارالبقاء حبيس البيت، ليأتي مقتل ولده على يد ميليشيات طائفية سببا كافيا حتى يزيد من عزلته وغضبه واصراره على عدم القبول بتزويج ابنته عندما تقدم سامر لخطبتها ،إلاّ ان كليهما نورا وسامر ارادا ان لايخضعا لما فرضه هذا الواقع .

نور:" قررنا في لحظة طيش وتحد الذهاب بعيدا لنعيش حياتنا الخاصة بعيدا عن ساحات الاحتراب " .

ورغم ارادتهما هذه إلاّ انهما يقعان تحت سلطة واقع بات يفرض شروطه الطائفية عليهما بكل قسوة ،وليفترقا،من بعد أن يكونا قد قطعا شوطا عميقا في العلاقة الحميمة بينهما الى الحد الذي يقعان في المحذور اثناء سفرهما الى الاردن في احدى الدورات التدريبية التي نظمتها المنظمة التي يعملان فيها .

في مثل هذه البيئة المحفوفة بصراعات اجتماعية حادة لايكون فيها للأنسان خيار واسع في تحديد مصيره يحرك الزيدي شخوصه بين خرائطها، لذا سيكون من الطبيعي أن تنمو قصة الحب في فضاء يتشكل ايقاعه من لحظات الرعب والخوف والعنف الدموي " في لبّة هذا الصباح الخريفي تبدأ الحكاية،عندما أوصت المعلمة المتقاعدة ابنها سامر الذي وصل الى سوق الشورجة سالما رغم ماشاب شعره اللماع من غبار الطرقات الترابية ..ليباشر عمله الميداني في المنظمة قالت له :

-انتبه جيدا ياوليدي ..الموت يتنزه في الشوارع المحيطة بالشورجة ،عزران يلتقط بملقطه الزينين والحلوين فقط ..حياتنا كسيحة مقعدة في البيت مثلي والموت لسانه مثل قحبة عوراء " .

لذلك تأتي توقعات القارىء بمصير مثل هذه العلاقة  في أن تنتهي بنهاية تنسجم مع قدرية المصائر التي يفرضها قانون الحرب على الافراد ،  وهكذا يفترق الاثنان بعد أن يمرا بحلاوة ومرارة التجربة .

بنية السرد

ولأن المؤلف الزيدي في مشغله السردي منشغل من الناحية التقنية بشكل كبير في أن تكون تجربته في لحظة فنية بعيدة عن الانماط التقليدية ،لذا لم ينساق الى أن يكون خياره الفني في سرد المتن الحكائي وفق بنية تقنية تقليدية،فاعتمد تقنية الرواية داخل الرواية،كما استثمر وحدات اسلوبية متنوعة في تشكيل المبنى السردي لمتنه الحكائي توزعت مابين: الرسائل(التي كانت مصدر اساسيا في هيكلة بنية الرواية)،الصحف ،الصور ،المقالات ،وثائق ويكليكس .

هذا التنوع في الوحدات الاسلوبية ،كذلك التنوع في(وجهات النظر) (التبئير) كما يطلق عليها الناقد جيرار جينت،تناوب على سرد و تشكيل المبنى،مابين شخصية السارد /المؤلف الضمني،وشخصية نور،من خلال الرسائل التي كانت ترسلها الى المؤلف الضمني.

 الزيدي/المؤلف،اختفى خلف قناع المؤلف الضمني / السارد للأحداث،وهذه التقنية تتيح له في ان يكون حاضرا في التعليق عليها لكن عبر آلية فنية يمارس من خلالها لعبة التمويه والمناورة مع القارىء كما هي اجتراحات رواية مابعد القص التي كانت ثمرة انجازات مابعد الحداثة.من هنا كان يعلن عن نفسه في كثير من المواضع داخل الرواية وهو يبني متن عالمه السردي،مذكِّرا القارىء بنفس الوقت بين فترة واخرى باللعبة الفنية:" الجميع،انا وشخوص الرواية والبشر الماشين بصف الحائط كنّا نعوم سوية في حوض اسماك زينة كبير نسبيا بعدما وصلنا الى لحظة انسداد تاريخي مقرف للخروج اليسير من مستنقع هذا الحوض الآسن " .

التخييل الروائي

في معظم اعمال الزيدي نجده معتمدا على طاقة التخييل الروائي في  تحديد المخطط السردي قبل أن يراهن على سلطة الواقع(بما يحمله من قوى ومحمولات اجتماعية وسياسية)التي ينهل من وحيها موضوعاته،وهذا مايتجسد بشكل كبير في هذا العمل،وكما يرى عديد من النقاد البارزين فان العلاقة مابين الواقع والخيال تشكلان القوتان الرئيستان اللتان تشكلان السرد.

التتداخل مابين الواقعي والمتخيل في هذه الرواية  لم يكن من السهل فك الاشتباك بينهما،كما هو الحال مع شخصية عزران التي لايمكن الامساك بها،إذ تبقى تأخذ اشكالا وتفسيرات مختلفة "بعد أن اصبحت قضية عزران الشغل الشاغل في الاماكن العامة، فلاحديث سوى الخوف من شبحه الذي خيم على الفضاء البغدادي...يتنقل في شوارع بغداد بكل حرية أمام اعين السيطرات العسكرية..لاأحد يستطيع الامساك به..ماعرف عنه انه يرتدي قميصا ورديا وربطة عنق رمانية والبنطلون الغامق ومعطفا اخضر كمعطف الرئيس حامد كرزاي " .

يبدو عزران وكأنه استعارة رمزية للقدر المحيق ببغداد " إن عزران ليس سوى القدر المنزل من السماء،وهو نسخة من عزرائيل مُحدَّثْ دخل الحواسيب ببرنامج رعب محلي،يذوب بين تفاصيل الناس ويظهر وقت مايشاء ..".وكأنَّ المؤلف اراده أن يكون شاهداً على مايجري في بغداد  من احداث،فهو كائن يتنقل مابين الحضور والغياب،طالما لم يره احد،إلاّ انه ياكل ويشرب ويمارس الجنس مع زوجته مثل بقية البشر،فكان بنائه على هذا الشكل عاملا فنيا ساهم في زحزحة الحدود مابين المرئي واللامرئي وماعاد ممكنا الفصل مابين الواقع والمتخيل في بيئة كل مايحدث فيها ينتمي الى زمن غرائبي .

عزران شخصية تنتمي لزمنها بكل تفاصيله ومستجداته فهو يغرد معلقا على الاحداث في تويتر وفي تغريدة له كتبَ قائلاً: " الكل في قبضة يدي ..هم في حوض اسماك الزينة.الناس هنا تشبه بعضها " .وبنفس الوقت شخصية عزران فيها الكثير مما هو متخيّل"انه مكلف تكليفا ارضيا مؤقتا على مراقبة مسارات الناس ومعاقبتهم في بغداد بالذات وليس في افغانستان . كذلك له كامل الصلاحية للعفو عن اتباعه ومريديه وتسوية القبض على ارواح الفائض عند الحاجة منهم...هو رجل محسوس غير ملموس من لحم آدمي بنظارة شمسية سوداء وربطة عنق دموية " .

أكمل الزيدي لعبته الفنية في خلق شخصية عزران بالشكل الذي ادخل  القارىء الى عالم غريب ومدهش وبقدر ماينتمي الى الواقع ينتمي الى المتخيل،حتى ان المخيلة الشعبية تساهم هي الاخرى في دعم هذه اللعبة الى مستوى من التأويل والترميز عالية جدا كما جاء على لسان احدى عجائز الكاظمية :" عزران هو نفسه هذا ابو طبر وهو  نفسه صاحب عصابة الكف الاسود وهو نفسه الذي قتل اولادنا في الحروب ودفنهم بيده وبكى قبل المعزين واصحاب المآتم يمه هذا حرامي ميت " .  

السؤال عن شخصية عزران يبقى ملحا طيلة فصول الرواية لمعرفة من تكون.إلاّ أنَّ الشيء الوحيد الثابت في هذه الشخصية ان لها عمل وحيد تتجوهر فيه" كانت هواية عزران الوحيدة مراقبة الناس وملاحقة الجميع متشمما اخبارهم في الصغيرة والكبيرة ويسجلها بكشكول ملاحظاته " .

يبقي الزيدي خيوط اللعبة السردية ممسكا بها بالشكل الذي لايترك للقارىء فرصة ان يفك طلاسمها،ليبقيه في حالة من الحيرة والتساؤل المستمر الى النهاية عن هذه الشخصية التي لاتتحكم بمصائر الناس فقط بل تتعدى سلطتها لتصل الى حدود المؤلف الضمني السارد للاحداث،الذي لايسلم هو الآخر من مراقبته له " عندما اكتب فصلا من هذه الرواية احس بوجوده قربي واسمع صدى انفاسه المتناوبة تضرب على وجهي اشم رائحة فمه الكريهة تذكرني برائحة المرحاض " .

بهذا الشكل ارتقى الزيدى في تشكيل هذه الشخصية وهي تلعب الدور الرئيس في تحريك الاحداث واسقاط ظلها عليها،مثلما كانت الحرب الطائفية تلعب هذا الدور في تحديد مصائر البشر واحلامهم،وكأنهما يتبادلان لعب هذا الدور.

 

*عن صحيفة رأي اليوم

 

 

 










أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6018 ثانية