قلعة اربأئيلو " اربيل " , جامع اللقلق , مقهى مجكو ...... وجولة مع " ميشو "

* ميشو , نقطة ورأس السطر .

ميشيل , أو ميشو كما نسميه تحببا , حفيدي الأصغر , يحمل أربع وردات , هو آخر ما أنتجته شجرة " نمرود قاشا " قبل أشهر من اجتياح قطعان داعش لبلداتنا .

ميشو ... يحمل الرقم ( 11 ) من قائمة الأحفاد من الأولاد والبنات , ولكنه  الأكثر دلالا فهو الأكثر مشاكسة أيضا , فالكل رفعن رايات بيض بحجة التهجير وعدم استقرار الأمور , ولكن كسرن هذا " الاحتجاج " بعد أن اقتنعن بان الفترة طالت ولا بد من التجديد ... إذن ففي الطريق أشقاء أو شقيقات لميشو .

قبل أشهر , كان من السهولة جدا أن تجد لك رفيقا يرافقك في جولة ما , كانت عنكاوا تضج بالمهجرين وقد اتخموا مقاهيها واشبعوا أرصفتها انتظارا إلى اللاشيء في ساحة الدركة وأمام مارت شموني أو في شوارع مار يوحنا ومار إيليا وكذلك هو الحال عند مجمع نشتيمان في القلعة حيث تجد عشرات من أهلنا يفترشون ساحاتها والنافورة المقابلة للقلعة من أحبائنا المهجرين , ولكن ألان من الصعوبة عليك العثور على شخص يرافقك , فقد غادروا إلى بلداتهم , ليستقروا بشكل نهائي هناك .

عليه بذلت جهدا ليس بقليل من اجل إقناعه , اقصد ميشو  بمرافقتي في جولة حرة إلى القلعة حيث النافورات وأسراب الحمام المنتشر في ساحاتها مع وعد بزيارة سوق الطيور والحيوانات هناك إضافة إلى كل ما يرغب من العصير والدوندرمة واللفات .. وهكذا كان , بعد ان استقلينا باصا من عنكاوا الى القلعة , وفي كل مرة يحرجني مع سائق الباص وهو ينادي عليه ( نازل كاكا  دابازين ) بعد أن سمعها من احد الركاب .

*  قلعة اربأئيلو , قصة أقدم مدينة في التاريخ 

تعد قلعة اربيل من أهم الوجهات السياحية في المنطقة، حيث يبلغ عمرها 6 آلاف عام، وهي أقدم مدن العالم الواقعة في إقليم كردستان العراق ، ففي مساحتها البالغة 1200 متر مربع  ، على ارتفاع  30 مترا فوق سطح الأرض هذه المدينة الأثرية المأهولة بالسكان يعود تاريخ بنائها إلى ستة آلاف عام قبل الميلاد، وتعد مدينة اربيل أقدم مدينة في العالم من حيث بقائها مأهولة منذ إنشائها حتى ألان، لذا لا يعرف بالضبط كيفية إنشاءها والذين ساهموا في بنائها وتطويرها. وتقع مدينة اربيل على مفترق طرق مهمة مما جعلها محط أنظار الغزاة وقد توالت عليها الغزوات وخضعت للعديد من الإمبراطوريات من اليونانية والمقدونية والفارسية والتركية .

سميت المدينة بأربيل لأن القلعة كانت اسمها اربأيلو والمنطقة التي فيها القلعة كان اسمها قبل إنشاء القلعة عليها (اراستيوم) حيث كان هذا أحد الأسماء الأشورية القديمة وكلمة أربيل مأخوذة من (اربأيلو) يعني الالهه الأربعة في اللغة الاشورية وسميت بالقلعة لانها كانت عالية وكانت أشبه بالدرع في الحرب. وعدا عن كونها معلماً أثارياً ومعمارياً قديماً فانها أيضاً تحوي العديد من المباني والآثار الأخرى التي تحكي قصصاً عن مراحل مختلفة وشخوص مشهوراً عبر تاريخ المدينة فلا زالت عالقة في أذهان أهالي المدينة المعمرين. ولقد أصبحت قلعة أربيل جزءاً من التراث العالمي بقرار من منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وهي تشهد حالياً أعمال ترميم واسعة.

خلال العشرينات، كان هناك حوالي 500 منزل داخل القلعة. وبدأ عدد السكان ينخفض تدريجيا خلال القرن العشرين عندما انتقل السكان الأكثر ثراء للعيش خارج القلعة في منازل أكبر بها حدائق. وفقا لتعداد عام 1995، بلغ عدد سكان القلعة 1600 نسمة يعيشون في 247 منزلا.

كانت القلعة تضج  بالسكان حتى  عام 2010 حين اتفقت حكومة الإقليم مع إحدى الشركات العالمية،  لتأهيل القلعة وتحويلها الى احدى المعالم التاريخية وجلب القنصليات والممثليات العربية والأجنبية اليها، إضافة الى جعلها مكانا سياحيا على أعلى المستويات، وسكان القلعة  تم تعويضهم بقطع أراض وأموال ليتمكنوا من بناء منازل لهم في مناطق أخرى بالمدينة".

* جامع اللقلق وأسراب الحمام .

في الساحة  التي أمام الجامع الكبير مقابل القلعة , حيث النافورات وأحواض المياه والحدائق المنتشرة هناك تنشر أسراب الحمام بعد أن اعتادت ان تعيش مع رواد هذه الساحة بعد ان يوفروا لها الحبوب والماء , وهي متعة للصغار والكبار في ان يقتربوا منها ويقوموا بإطعامها مثلما  هو في باريس ولندن وأنقرة .

ميشو قضى وقتا ليس بالقليل يطعم الحمام ثم يطاردها ويلمسها أحيانا دون أن تطير مستمتعا بهذا الجو الذي لم يعتد عليه .

أما عن الجامع المعروف بـ«جامع اللقلق»، فيقول كنعان المفتي «هذا الجامع هو في الأصل كان مقاما لمولانا خالد النقشبندي مؤسس الطريقة الصوفية المعروفة، وتولاه بعده أبناؤه وأحفاده من شيوخ الطريقة. وكان في الأساس يعرف بـ(جامع القاضي)، ولكن غلب عليها شعبيا اسم جامع اللقلق كناية عن العش الذي علا مئذنته. وفي حين أن أحدا لا يعرف بالضبط تاريخ تشييد هذا الجامع، فإنني أعتقد أن عمره يمتد إلى مئات السنين، وخاصة أنه قريب من ربض القلعة التي كانت مركزا للمدينة، تحيط بها مناطق عمرانية قليلة قبل قرن. فلم تتجاوز محلات أربيل أصابع اليد الوحدة قبل مائة سنة، ومن هنا نستنتج أن الجامع بإنشائه في ذلك المكان قديم جدا».

أبناء الجيل السابق في كردستان العراق، وإلى حد ما الجيل الحالي أيضا، يتذكرون عش طائر اللقلق، الذي كان يشمخ فوق مئذنة أحد جوامع محلة الخانقاه بمدينة أربيل، ، حتى بات يعرف شعبيا بـ«جامع اللقلق». وهو بالمناسبة، لا يبعد سوى بضعة أمتار عن جامع الخانقاه الكبير. غير أن أجيالا في أربيل كانت لهم ذكرياتهم مع ذلك الطائر الجميل الذي كان يتركهم في الشتاء مهاجرا، ويعود مع تباشير الربيع حاملا البشرى لأهل المدينة بحلول «عيد النوروز»، وهو يرمز إلى يوم جديد.

هذا اللقلق الذي اتخذ من منارة الجامع مكانا له " اغتيل " في تشرين الثاني 1994 ، ذهب دم لقلق أربيل المهدور ظلما وعدوانا حين تلقى رصاصة غدر فوق عشه بسبب  الاقتتال الداخلي المرير  بين الزعيمين الكرديين مسعود بارزاني وجلال طالباني الذي خاضه حزباهما في كردستان العراق من منتصف عام 1994 إلى عام 1998، ومنذ ذلك اليوم لم يعد أي لقلق يعشش فوق مآذن الجوامع بأربيل.

* مقهى مجكو .

ويقع مقهى (مجكو) بالقرب من الباب الرئيسي لقلعة أربيل التاريخية والتي تتوسط عاصمة إقليم كردستان وكان يرتاده المغنون والمثقفون منذ نهاية العقد الثلاثيني من القرن الماضي. 

يعد هذا المقهى ملتقى يوميا للكثير من الأدباء والكتاب الكرد والعرب حيث يتساجلون ويتحاورون حول الأدب والثقافة والفكر وبخاصة الحداثة الشعرية الكردية كما تدور نقاشات جدية وعميقة حول بعض النصوص الشعرية التي يبدعها الشعراء من رواد المقهى.

وجاء اسم ( مجكو ) تصغير لكلمة - مجيد – في اللغة الكردية وهو اسم مؤسسه المرحوم ( مجيد اسماعيل مصطفى)

وهناك أكثر من علامة بارزة في المقهى تدل على أن المقهى مقهى للمثقفين الذين يتعاطون مع الثقافة قراءة وإنتاجا فأحد أهم ابرز تلك المؤشرات هي المكتبة التي تتصدر احد جدران المقهى وتضم عشرات الكتب ويؤطرها غطاء زجاجي شفاف وتحتها عبارة "شيدت في عهد الأستاذ شوكت وزير مالية حكومة كردستان" في عام 1993 والذي قتل في احد التفجيرات في عيد الأضحى من عام 2004 ليترك هذه البصمة والهوية الجميلة كتذكار من المعاني التي يستحضرها الزائرون للمقهى سواء من الزبائن العاديين أو من مثقفي اربيل أو ضيوفها القادمين من مدن العراق الأخرى. 

اغلب زبائن المقهى تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والستين عاما و يتبادلون الأحاديث في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويستمتعون بالألعاب المسلية, مع تناول المشروبات الغازية والعصائر والمشروبات الساخنة كالشاي, والحامض, الدارسين,و تفتح هذه المقاهي أبوابها منذ الساعات الأولى من الصباح حتى الغروب, ولها اثر في نفوس زبائنها. فهي تعيدهم الى الذكريات السابقة والأحاديث القديمة, إضافة الى قضاء الوقت لقتل الملل والوحدة في نفوسهم, ألان أصبحت هذه المقاهي تعج بكبار السن والشباب, فما نلاحظه في اربيل هناك الكثير من المقاهي سواء كانت قديمة ام حديثة. ولكل منها ميزة تختلف عن الأخرى باختلاف الزبائن الوافدين اليها, لكن تبقى المقاهي القديمة ذات أصالة وحضارة بالنسبة للمجتمع الكردي.

في هذا المقهى كان لميشو استيكان شاي تلذذ به كثيرا بعد أن استعمل الملعقة في تناوله .

* لقاء مع الأحبة 

خلال جولتي في المقهى وفي بداية الطريق الصاعد الى القلعة التقيت بالأديب والشاعر الكردي فريدون سامان وبعد حديث عن الأمسية التي يستضاف فيها من قبل اتحاد الأدباء والكتاب السريان , طلبت من كاك فريدون ان نلتقط صورة تذكارية فتحدث مع احد الأشخاص الذي كان قريبا من بالكردية يطلب منه التقاط الصورة , خلفنا بوابة القلعة فلا يمكننا التحرك ويبدو من أمامنا حاوية نفايات كبيرة , فقال لنا المصور بالكردية : هل ترغبوا في  ان تظهر الحاوية في الصورة ؟ , قلنا له طبعا لا , ابتعد قليلا .. ولكنه التقط صورة توقعت بان الحاوية تحتل نصف الصورة فطلبنا منه الإعادة والرجوع أكثر أو الاقتراب منا بحيث يبعد الحاوية , المهم في الأمر انه اخذ ثمان لقطات كانت الحاوية فيها تحتل ربع الشاشة في ست منها .

وفي طريقي إلى مغادرة القلعة التقيت بالأب الفاضل اغناطيوس اوفي مع أخي وزميلي فارس عيسو وعائلته , المخرج في إذاعة صوت السلام وقد كانت  غرفته مع توأمه غسان إلى ما أشبه  بخلية نحل يعملون بدون ان تسمع همسا ..واحيانا اخرى تشبه بأستوديو المشاكسين وأصوات قهقهاتهم تصم الأذان , وعندما نفتح الباب للتأكد من مصدر الأصوات لا نجد غير صمت مطبق , تحية للأب اوفي ومثلها لاخي عيسو وعائلته