مأساة ومعاناة مسيحيي العراق المتفاقمة كانت محطة انظار الكثيرين من داخل العراق وخارجه سواء من المسيحيين او من غيرهم المؤمنين بالعيش المشترك وحرية التفكير والتعبير واحترام حق المواطنة بغض النظر عن الجنس والدين واللون والعرق، حيث رأى البعض في هذه المأساة بداية لنهاية المسيحيين في العراق وانقراضهم لذلك حاولوا كل جهدهم لتدويل قضيتهم وكشف معاناتهم امام انظار المجتمع الدولي املا في وضع حد لمآسيهم المتعاظمة وعدم تشتتهم في بلدان العالم وضياع هويتهم، اما البعض الاخر ( وهم الاغلبية مع الاسف ) فعلى العكس من ذلك تماما وجدوها فرصة ذهبية واستغلوا هذه المأساة بابشع الصور لتحقيق المآرب الشخصية وتسلق المناصب وتكديس السحت الحرام على حساب ابناء شعبهم من الفقراء واليتامى والمشردين ( اكبر مثال على ذلك قادة احزابنا وممثلينا في البرلمان وغيرهم من مسؤولي الطفرة المشاركين في الحكومة والمتاجرين بقضية ومستقبل شعبنا باشكال واسامي اخرى مثل نشطاء قوميين او جمعيات خيرية او منظمات مدنية او مؤسسات وهيئات اعلامية! ومجالس عشائرية ومنظمات حقوق الانسان وعشرات غيرها من التسميات المموهة ).
عندما يستشري الفساد بين صفوف شعب باكمله ويموت الاخلاص في النفوس ويضيع الاخيار بين الاشرار حيث يصعب التفرقة بين الصالح والطالح تموت القضية ويختفي المستقبل ويصبح الشعب تحت رحمة! الانتهازيين والسماسرة، وبذلك يفقد ابناء الشعب من العامة الثقة بالمستقبل او الشعور بالانتماء ويصبح كل فرد يناجي ليلاه، وبدلا من خطاب موحد وقادة مخلصين واحزاب قومية تدافع عن قضيتنا وتخفف من معاناتنا امتلأت ساحتنا القومية بالاحزاب والقادة والسادة المحترمين وسياسيي الصدفة، والتناحر اصبح في قمته والتصارع على المنصب وامتيازاته حجب عن انظارنا كل المذابح والمآسي والمعاناة والتطهير العرقي الذي يطال المسيحيين بكافة طوائفهم.
الشعور بالمسؤولية تجاه ما يعانيه الشعب وتحسس آلام ابنائه صفات لا يتحلى بها الا العظماء الذين نفتقدهم في زمننا العاهر ( لا استطيع الجزم بان شعبنا يخلو من العظماء والمخلصين، بل استطيع القول ان هؤلاء ضاعوا بين التجار والسماسرة الذين اصبحوا مسؤولين وقادة فجأة بصورة درامية وهزلية )، فالعظماء الذين نحن بحاجة اليهم في هذا الزمن العصيب هم المخلصين والنزيهين والصادقين مع انفسهم ومع شعبهم، وليس عظماء الخطب النارية مثيري المشاعر والعواطف الدينية والقومية لتسنم المناصب الكارتونية يجني محتكروها ملايين الدولارات على حساب اسمنا ومعاناتنا.
من المعلوم ان التاريخ لو كتب بانصاف وشفافية وبدون تحيز، بغض النظر عن الانتماء الديني والقومي والسياسي، فانه بالتاكيد سيذكر العظماء الذين حملوا هموم شعوبهم وكرسوا حياتهم لخدمة الانسانية بصورة عامة وابناء جلدتهم بصورة خاصة، وليس الانتهازيين والمتملقين والمخادعين الذين يتاجرون بمآسي وعذابات شعوبهم لخدمة مصالحهم، لكن في عصرنا التجاري ومع ازدياد عدد ( وعاظ السلاطين ) بنسبة كبيرة ومخيفة فان العظماء الحقيقيين اختفوا بين الصغار والوضيعين الذين اكتسحوا ساحتنا السياسية.
دعوة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو ( احد العظماء الذين سيتذكرهم التاريخ بلا شك لجهوده الاستثنائية المبذولة لتوحيد الكنيسة وخدمة ابناء رعيته على حد سواء ) لتأسيس رابطة كلدانية عالمية لم تأت من العدم او لتحقيق نيات دفينة ( كما يفعل اغلب السياسيين ) بل جاءت كضرورة تاريخية لترتيب البيت القومي وتوحيد خطابه السياسي في وقت يتعرض فيه المسيحيين العراقيين الى اشرس هجمة تهدد وجودهم في وطنهم الاصلي، لان اغلبية الاحزاب والهيئات ....الخ التي اسست باسم هذه الطائفة لم تحقق المطلوب من حيث رفع الغبن وتأمين المستقبل واسترجاع الحقوق المسلوبة او على الاقل تأمين حياة حرة كريمة لابناء هذه الطائفة، وذلك بسبب تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وتكريس قضية شعبنا القومية لتحقيق اهداف ومآرب شخصية بعيدة عن الهم القومي.
نعم الكلدان ( كنت اتمنى ان يكون مقترح التأسيس اكثر شمولا ويضم كل مسيحيي العراق بكافة طوائفهم، لكن ربما يكون هذا الامر شبه مستحيل او صعب في الوقت الراهن لاسباب معروفة ) بحاجة الى تأسيس رابطة كلدانية عالمية غير ربحية ( تختلف عن مكاتب التجارة والسمسرة التي تحمل ظلما اسمنا القومي ) يكون هدفها الاول والاخير الاهتمام بشؤون الشعب وتحقيق مطاليبه المشروعة وتأمين مستقبل اجياله القادمة في وطن هم اصلائه، رابطة يؤسسها وينتمي اليها المخلصين والخيرين والصادقين والنزيهين والمتواضعين وليس الخونة والمخادعين والحقراء، رابطة تكون موضعا للفخر وليس مركزا تجتمع فيه كل قاذورات الدنيا، رابطة يبجلها شعبنا لا يشتمها ويحتقرها ليل نهار.
كوهر يوحنان عوديش
gawher75@yahoo.com