الصلاة هي صلتنا بالله ، وهي الجسر الرابط بين الخالق والمخلوق ، وهي مفتاح من مفاتيح السماء ،
وهي الخيط اللامرئي بين الروح الإنسانية والروح اللامرئية الميتافيزيقية ( ما وراء الطبيعة ) ، التي
نؤمن بوجودها ، التي هي روح الله ، وإلا لماذا نصلي ؟
وعندما نصلي يجب أن نقصد بعمق كل كلمة في صلاتنا ، ونقطع صلتنا بالعالم الخارجي روحيا ً ،
ونتكلم مع الله بتواضع وخشوع ، فمن نحن تجاه عظمته ؟ وعلينا الإيمان بالصلاة المعبّرة عن محبتنا
وشكرنا ، فخلقنا لأنه يحبنا ، وهو سبب وجودنا ، وأن لا تشغلنا عن خلوتنا وصلاتنا مشاغل العالم
ومشاكله ، وأن يكون تركيزنا على فلسفة الصلاة واهدافها .
واغلب الناس تصلي عند الشدائد والضيقات ، واكثرها طلبات ، تريد أن تأخذ ، وتريد الإستجابة
لطلباتها ، وعندما لا تستجاب ، تصاب بخيبة الأمل ، بل قد تفقد إيمانها ، والحقيقة في مثل هذه الحالة
تستند لقول المسيح له المجد ، أطلبوا تنالوا ، إقرعوا الباب يفتح لكم ، ولكن تنسى بأن علاقتها مع الله
علاقة مصلحة ، فهي غير متصالحة معه ، فعليها اولا ً أن تتصالح معه ، ومن ثمّ تطلب الإشياء الروحية
أولا ً ، فتطلب ملكوت الله وبره وغفران الخطايا ، وبقية الإشياء الدنيوية تتركها حسب مشيئته ، لأنه
أعلم منهم وما هو صالح لهم في دنياهم وأبديتهم .
أما طلب الأشياء المادية ، فيجب أن تكون فيما يحسن في نظر الله و تكون منطقية ، فلا يعقل أن نطلب
ربح ورقة اليانصيب أو الربح في كازينوهات القمار ، أو أن نطلب وظيفة لا تناسب مؤهلاتنا ، فالله
لا يستجيب لهكذا طلبات ، فعلينا أن نشكره على الدوام سواء إستجاب أو لم يستجب ، في ضيقاتنا
واحزاننا وافراحنا وفي كل أوقات حياتنا .
والصلاة ليس لها وقت محدد ، علينا أن نصلي في كل حين ، فهي تعلمنا الصبر والتواضع وتحدّ
من كبريائنا ، وتمد جسور الصداقة والمحبة مع الله ، وتعلمنا الندامة عن أخطائنا وآثامنا ، وعندما
نصلي من أجل الآخرين ، تنتهي الكراهية والحقد من أفكارنا ، فلا يعقل أن نكره إنسانا ً ونصلي من
أجله ، ونصلي من أجل المرضى والفقراء والمحتاجين والمشردين ومن أجل السلام في العالم ،
وبهذا نضع كل هذه المشاكل والطلبات أمام الله ونطلب منه الحل ، ولكن ! حسب مشيئته ، وهذا
يجلب لنا الراحة النفسية ، فالحمل الذي كان على اكتافنا ، وضعناه أمام الله ، كما قال المسيح لنا:
تعالوا إليّ أيها المتعبون وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم . الصلاة إذا ً تصنع المعجزات ، وما علينا
إلا المداومة على الصلاة وشكر الخالق ، وطلب غفران خطايانا ، وأن نعمل حسب تعاليمه
ووصاياه ، وندع بقية الأمور لمشيئته فهو أعلم بما هو صالح لنا ، وما يخبئه لنا المستقبل ، وأن
لا نتوقع الإستجابة السريعة لما نطلب ، بل إن الله طويل الأناة ، يستجيب في الوقت الذي يرتأيه
وقد لا يستجيب ، لأنه قد لا يصبّ في صالحنا في نهاية المطاف ونحن لا نعلم .