قداسة البطريرك مار افرام الثاني يحضر رسيتال "صوم وصلاة وتوبة، نحن أبناء القيامة" والصلاة من أجل المطرانين المخطوفين      مدينة القامشلي تحيي الذكرى الـ109 على الإبادة الأرمنية      غبطة البطريرك يونان يشارك في احتفال ذكرى مذابح الإبادة الأرمنية في بطريركية الأرمن الكاثوليك، بيروت      المطران مارنيقوديموس داؤد متي شرف يستقبل البروفيسور لازلو كوكزي وسعادة القنصل الهنكاري      الرئيس بارزاني يستقبل بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وأساقفة المجمع المقدس      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يترأس الاحتفال بالقدّاس الإلهي ‏لمناسبة تذكار مار كيوركيس الشهيد‏ - نوهدرا (دهوك) ‏      أحتفالية بمناسبة الذكرى 109 للأبادة الجماعية الأرمنية - كنيسة القديس سركيس في قرية هاوريسك      بحضور السيد عماد ججو .. انطلاق المهرجان الادبي الاول للغات الام (الكردية والتركمانية والسريانية ) في محافظة اربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل راعي الكنيسة المشيخية في اربيل      بالصور.. انطلاق اعمال المجمع السنهادوسي لكنيسة المشرق ‏الآشوريّة ‏- أربيل      حملة لرفع 300 طن من النفايات والبلاستيك من بحيرة سد دربندخان      مستشار حكومي يحدّد موعد البدء بتنفيذ مشروعي مترو بغداد وقطار النجف – كربلاء      للمرة الثانية.. جراحون أميركيون يزرعون كلية خنزير لمريض حي      فيلسوف يبشر بـ "يوتوبيا" للذكاء الاصطناعي الخارق: ليس كارثة      فرنسا: قوة التدخل السريع الأوروبية ستبصر النور العام المقبل      "أكثر مما تعتقد".. ماذا تفعل تطبيقات المواعدة بمستخدميها؟      "قطار" مان سيتي لا يتوقف.. رباعية في مرمى برايتون بالدوري      فرنسا.. إلقاء القبض على "إرهابي" الأولمبياد      كهرباء كوردستان: التيار الكهربائي سيعود إلى طبيعته غداً الجمعة      بدء عملية أمنية واسعة في البتاوين ببغداد تستمر عدة أيام
| مشاهدات : 19453 | مشاركات: 0 | 2015-09-30 16:18:21 |

تأمل في الوصايا او الكلمات العشرة (التطويبات) للعهد الجديد

الأب توما ككا

 

 

ترتيب التطويبات:

طوبى للمساكين بالروح، لان لهم ملكوت السماوات.

طوبى للحزانى، لانهم يتعزّون.

طوبى للودعاء، لانهم يرثون الأرض.

طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لانهم يُشبعون.

طوبى للرحماء، لانهم يُرحمون.

طوبى لأنقياء القلوب، لانهم يعاينون الله.

طوبى لصانعي السلام، لانهم أبناء الله يدعون.

طوبى للمطرودين من أجل البر، لانّ لهم ملكوت السماوات.

طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين، افرحوا وتهللوا، لانّ أجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم.

المقدمة:

معنى طوبى هو: هنيئا، يا للسعادة...

نلاحظ احبتي كلام الرب يسوع موجه الى الجميع صفة الغائب الشخص الثالث، وايضا موجه الى الحاضرين الشخص الثاني المخاطب.

راينا الوصايا او الكلمات في العهد القديم كان عددها عشرة (10)، والوصايا او الكلمات في العهد الجديد عددها تسعة (9)، ولكن بعد التطويبات على الجبل اعطى الرب يسوع المسيح وصية جديدة لكي تصبح بذلك عشرة وصايا او كلمات ايضا مثلها مثل العهد القديم، والوصية هي المحبة، "وصية جديدة اعطيكم ان تحبوا بعضكم البعض". بهذا اعطى الرب يسوع المسيح مفهوما بلأن العهد الجديد يوازي العهد القديم. ليس هناك فرق بين العهد القديم والعهد الجديد، واحد يكمل الاخر. أي العهد القديم هو قاعدة وتهيئة العهد الجديد، والعهد الجديد هو المكمل والمتمم للعهد القديم.

والرقم (10) احبتي يرمز العدد عشرة الى النعمة والكمال حيث تختصر الوصايا او الكلمات العشر واجبات المسيحي نحو الله والقريب. اذ ان عملنا بالوصايا او الكلمات العشرة نكون قد عشنا انسانيتنا بما يرضي الله.

"ويشير لكمال السعادة والبر حين تلتصق الخليقة (يعبر عنها برقم 7) مع الله (يعبر عنه برقم 3) 10= 7+3. فالوصايا عشر فهي تحتوي لكل ما هو ضروري وكامل ويكمل الإنسان. فرقم 7 يمثل الإنسان الكامل 7= 3+4 (3يمثل النفس المخلوقة على صورة الله) + 4 (الجسد المأخوذ من تراب العالم) والإنسان ملتزم بتقديم عشوره لله كاعتراف أن الكل من الله. وخيمة الاجتماع يتكرر فيها رقم 10 كثيراً، (ومضاعفاته). والعشر عذارى يمثلون البشرية." }مقتبس{.

1: طوبى للمساكين بالروح، لان لهم ملكوت السماوات:

يعلمنا الكتاب المقدس بان كل شيء في الحياة يبدا بالتواضع لأننا لا نستطيع ان نقبل كلمة الله، ولا نستطيع السير في طريق القداسة ما لم نكون متواضعين. لذلك نرى ان التطويبات بدأت بالتواضع. "طوبى للمساكين بالروح"

حتما هنا لم يتكلم ويقصد الرب يسوع عن الفقر المادي، بل الفقر الروحي.

ماهو الفقر الروحي؟ الفقر الروحي احبتي هو الانسان المذلول والمهمش بين الشعوب، الشعوب المتكبرة الانانية التي لا تعمل الا لمصالحها وانانيتها، الانسان الذي يعمل كعبد لدى الاخرين لا حول له ولا قوة.

وحتى ايضا على نطاق الايمان يوجد اشخاص كثر مهمشين كنسيا وايمانيا وتبشيريا وعلميا وثقافيا و...الخ.

الفقراء بالايمان وبالمعلومات والثقافة والمعرفة و...الخ. وهذا كله (المعرفة والعلم) هو الفقر الروحي، لأن الانسان يكون مفتقرا من الروح القدس، لأن الروح القدس هو مصدر العلم والمعرفة و...الخ.

لم تصل اليهم رسالة الانجيل المقدس، لماذا لأنهم من الطبقات الفقيرة والمهمشة. رسالتنا الانسانية والمسيحية على الارض هي من اجل الجميع، الفقراء والاغنياء. حتى الاغنياء بحاجة الى الاهتمام والمعرفة والتعليم كي يعلموا ما هي رسالتهم بالحياة من اجل الفقير.

المادة مهمة في الحياة لا شك في ذالك، ولكن المادة دائما هي الوسيلة التي تخدم الانسان، ان نخدم الاخر من خلال المادة، ان نزرع السعادة في الفقراء من خلال المادة، ان نزرع الفرح والامل في قلوب المرضى من خلال المادة و...الخ. هذه كلها مهمة في حياتنا اليومية، ولكن تبقى المادة وسيلة وليست غاية او هدف نضع كل اهمامنا به ونترك وننسى الاخر. بل لنجعل من المادة سبب سعادة الاخر، وسعادة الاخر تكون مصدر راحتنا وسعادتنا. وبذلك نكون قد ارضينا الاب السماوي الذي يطلب منا ان نضع كل طاقاتنا وامكانياتنا المادية والثقافية والمعلوماتية ....الخ من اجل خدمة الحياة والبشرية.

احبتي ان كنا فقراء او اغنياء ماديا، ليكن لدينا التواضع الانساني الذي من خلاله نرى كل الاشياء خدمة لنا وللاخر وللحياة. التواضع نعمة من الله يجب ان نتنعم بها في حياتنا. 

2: طوبى للودعاء:

" سمعتم أنه قيل : عين بعين ، وسن بسن ، أما أنا فأقول لكم لا تقاموا الشرير . من لطم خدّك الأيمن فأدر له الآخر  ( متى 5/38 ? 41 ) . أهو موقف ضعف ؟ حتما لا لأننا اذا حاولنا عدة مرات ان نتخذ هذا الموقف سنرى أننا بحاجة إلى قوة إلهية في مثل هكذا مواقف.

لأننا اذا سلكنا بطريق القداسة يتطلب منا ان نترك اشياء كثيرة وان نضحي بها من اجل الوصول الى الملكوت. لماذا؟

لان في حياتنا يوجد الكثير من الاهتمامات الارضية الزائلة والتي لا وجود لها في ملكوت الله. ولسنا بحاجة اليها مثلما لها تاثير على الارض. لذلك يجب ان نبدا بالتخلص منها ونحن نعيش على هذه الارض، لكي نبدأ بالسير في طريق القداسة والملكوت.

والمسيح يسوع اعطى لنا امثلة عديدة في حياته على الارض تاركا هذه الاشياء كلها مثل موقف " العبد المتألم  الوديع والمتواضع القلب  وديع ، راكباً على جحش " (متى 21/9) فوداعته لا تقف عند حدود الدماثة ، ونبذ العنف ، بل تكمن في عزمه على معاناة العنف إلى أقصى الحدود بدلاً من ممارسته . وهكذا انتصر عليه وتخطى التصعيد الأرعن الذي يدفع الناس إلى التقاتل . يسوع يحمل صليباً ساحقاً ، ولكنه يقدم نفسه أيضاً ليحمل أثقالنا " تعالوا إليّ يا جميع المتعبين  وأنا أريحكم " ( متى 11/28 ? 30 ) .

وايضا عندما انحنى وغسل ارجل التلاميذ في علية صهيون قبل ان يتناولا العشاء السري.

الودعاء الذين يقتدون بيسوع يملكون الأرض ، يرثونها كأبناء مثل الابن . فالأرض هي أرض الميعاد . الارض الخصبة التي تعطي ثمارا جيدة، وليست الارض التي تنتج الخطيئة والكراهية و...الخ.

بهذا نلتقي مع ملكوت الطوبى الأولى طريق الوداعة: " الميراث " وموضوعه الملكوت ، الحياة الأبدية ، أي الله بشخصه . " أما أختار الله مساكين هذا العالم ، وهم أغنياء في الإيمان وورثة للملكوت الذي وعد به الذين يحبونه ؟" ( يع 2/5 ).

3: طوبى للحزانى:

حالة الحزن التي يتكلم عنها الرب يسوع هي حالة الانسانز الانسان الغني والفقير، لأن حالة الحزن هي حالة عدم الارتياح. ليست فقط بمعنى الحزن الانسان الذي يبكي من مشكلة ما او ظرف ما او...الخ.

بل الانسان الذي يكون في حالة القلق يكون ايضا في حالة الحزن، الانسان الذي يقع في التجارب يكون في حالة الحزن و...الخ يوجد الكثير من هذه الحالات التي تؤدي بنا الى حالة الحزن. وهذه كلها يقع فيها الغني والفقير.

وهنا ايضا يقصد الرب بقوله (حزانى) يقصد بهم المهمشين عن المجتمع، المنبوذين، المحتقرين، والمبعدين... الخ.

الذين ليس لديهم أي دور في المجتمع، مثل الفقراء، البرص، المرضى بمختلف امراضهم، وايضا الشعوب التي كانت منبوذة ومحتقرة مثل الغير اليهود.

 

ولكن بيسوع المسيح ، نصل إلى الملكوت. إلى التعزية الحقيقة بالرب يسوع. لأنه هو الذي رفع من شأن المحتقرين والمنبوذين والمهمشين. واعطاعم السعادة باعترافه بهم كابناء لله.

احبتي عندما نقرأ هذه الكلمات من الانجيل لا نقرأها وكأنها مكتوبة لنا (الانا) بل ننظر من خلال هذه الكلمات الى الاخر، لأننا نرى الاخر برسالة المسيح. وبهذا عندما نرى الاخر نكون قد اعترفنا به، ولكن اذا راينا انفسنا بكلمات الرب نكون قد بقينا في الانا لأننا فقط نرى ذواتنا.

بمجيء الرب يسوع وموته وقيامته اعطانا الامل لحياتنا، وهذا الامل هو السعادة والفرحة الدائما، بذلك يجب علينا ان نتبع الامل والرجاء في حياتنا، والامل والرجاء هما في الرب يسوع. وايضا لأنه هو قال في الانجيل انا هو الطريق والحق والحياة، أي في اخر المطاف لهذا الطريق يوجد حياة، الحياة هي عكس الموت. أي الموت رمز الحزن والفشل والانهيار و...الخ، والحياة رمز القيامة والسعادة والرجاء والامل و...الخ.

4: طوبى للجياع:

 " طوبى لكم أيها الجياع الآن : فإنكم ستشبعون " ( لو 6/ 21 ) ...

" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله " ( تث 8/3 ) .

لم يقصد الرب يسوع فقط الجياع عن الطعام والشراب والملبس، بل الجوع الروحي ايضا. وغيرها من الاحتياجات مثل: الجياع عن كلمة الله، الجياع للايمان الحقيقي. الجياع للرحمة من الاخرين، الجياع للاحترام، الجياع لكلمة الانجيل المقدس، والجياع الى البر، الجياع للراحة "راحة البال والنفس والجسد" و...الخ.

كثير من الناس هم محرومين من هذه الاحتياجات وغيرها بسبب الحروب والظروف القاسية والحصار و...الخ.

ولكن هذا لا يشمل الجميع، لأن يوجد البعض يعيش حياة الكسل والغباء في حياتهم، أي لا يعملوا كي يعيشوا، ولا يرغبوا في الاقتراب الى الله والاشباع من تعاليمه ووصاياه وكلماته، ولا يرحموا في حياتهم كي يرحموا من الاخرين، و...الخ.

الجياع والعطاش إلى البر: البر هنا هو بر المسيح، فهو صار لنا برًا من الله. وطوبى لمن يشتاق أن يشبع من الله، طوبى لمن يجوع للطعام الروحي أي معرفة الله ومعرفة المسيح. وكما أن الجوع الجسدي علامة صحة، فالجوع الروحي علامة صحة روحية. ومعرفة الله والمسيح حياة (يو 3:17)، كما أن الشبع بالطعام يعطى حياة للجسد. ومن يجوع ويعطش لله يشبعه الله ويرويه، يعطيه الله الروح القدس ليثبته في المسيح ويُعَرِّفَه المسيح ويشبعه بالمسيح (يو 37:7-39) هكذا صرخ المرنم " كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله (مز 1:42) + " أرفع يدىَّ فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز63: 4، 5). فالحب الإلهي مشبع للنفس. والحياة هي رحلة نحو الكمال، والكمال هو بدون حدود. الجوع والعطش إلى الله هو شعور دائم بالاحتياج لله وللامتلاء به. ومن تذوق هذه المتعة يقول لكل إنسان مع المرنم "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8).

5: طوبى للرحماء:

"طوبى للرحماء لأنهم يرحمون"

جاء الرب يسوع المسيح ووضع الرحمة فوق كل الذباح والطقوس والعادات والتقاليد والاعمال و ...الخ. عندما قال "اريد رحمة لا ذبيحة".

لأن كل عمل نقوم به او أي ذبيحة او قربان او عادات وتقاليد او ...الخ ان لم تكون الرحمة اساسها لا تنفع بشيء.

الرحمة تحمل معاني كثير: المحبة، التضحية، التواضع، الصدق، الطهارة، و...الخ.

لا نستيع ان نفعل أي شيء في حياتنا بدون الرحمة، لأن الله يترحم علينا دائما، ويطلب منا ان نترحم على الاخرين. الرحمة هي مثل كل الصفات الالهية مجانية، لا نستطيع ان نقسمها كما نشاء، أي هذا الشخص نترحم عليه كثيرا وهذا لا قليلا، وهذا يستاهل وذاك لا. الرحمة عطاء مجاني من الله لنا، وهكذا يجب ايضا علينا ان نعطيه للاخرين مجانا وبدون أي مقابل.

}الرحماء= كلما نتلامس مع الله ونعرفه ونشبع به ويسكن فينا فهو يسكن عند المنسحقين نتمتع بسماته خاصة الرحمة. "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم لو 36:6". والذي لا يرحم أخاه لن يذوق من رحمة الله. والرحمة تشمل الفقراء والمحتاجين وأيضًا تشمل الخطاة فلا ندينهم بل نصلي لأجل توبتهم وخلاصهم. وكما يغير المسيح طبعنا الشرس لطبع وديع، هكذا يغير قساوتنا إلى طبع رحيم.الرحمة هي الإحساس بالآخر ومشاركته مشاعره. وتسديد احتياجاته.

إن كان الجوع الروحي يدفعنا بالروح إلى التمتّع بالسيّد المسيح وانطلاقنا إلى حضن الآب، فإن علامة هذا الشبع هو تمتّعنا بسماته فينا خاصة الرحمة المملوءة حبًا. يقول السيد: "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم" (لو 6: 36)، ليس كوصيّة نلتزم بها بقدر ما هي هبة إلهيّة ننعم بها خلال شركتنا مع الله الرحيم في ابنه.

الرحمة هي وصيّة الله لنا وعطيّته المجّانيّة، تفتح قلبنا لا عند حد العطاء المادي للفقراء، وإنما يحمل طبيعة الرحمة في كل تصرفاتنا. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [هنا يبدو أنه يتحدّث ليس فقط عن الذين يظهرون الرحمة بتقديم المال، وإنما أيضًا الذين هم رحماء في تصرفاتهم، فإن إظهار الرحمة متعدّد الأشكال، والوصيّة واسعة.]

ويلاحظ أن كلمة "الرحمة" هنا لا تُشير إلى مجرّد العطاء المادي أو حتى العاطفة وإنما المشاركة الفعليّة للآخرين، وكأننا نحتل مكانهم، فنشعر بآلامهم وأتعابهم، كما فعل السيّد المسيح نفسه الذي رحمنا باقترابه إلينا وقبوله طبيعتنا وحمله آلامنا، لذلك يوصينا الرسول بولس قائلاً: "اذكروا المقيّدين كأنكم مقيّدون معهم والمذلّين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). فإن كنّا ندخل مع إخوتنا تحت آلامهم لنسندهم بالحب والرحمة يدخل إلينا ربّنا يسوع نفسه تحت آلامنا ليهبنا حبّه ورحمته! وعلى العكس "الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة، والرحمة تفتخر على الحكم" (يع 2: 13).{" مقتبس"

6: طوبى لانقياء القلب:

"طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله".

قال الرب يسوع المسيح في الانجيل من فائض القلب ينطق اللسان... القلب هو مصدر كل افعال الانسان أي تفكير الانسان (عقله) وميوله (غرائزه) كلها تجمع في قلب الانسان والقلب هو الذي يختار، اما عقل الانسان او غرائزه، أي اما ان يختار صوت الله في ضمير الانسان، او ان يختار غرائزه ورغباته وشهواته. 

فأذا قلب الانسان هو مركز انطلاق قرارات الانسان. لذلك حدد الرب يسوع في هذه التطويبة انقياء القلوب، أي الذين يسمعون صوت الله في الضمير، ويقرروا مشيئة الله في اعمالهم وايمانهم.

}ينقى الله القلب فيصبح بسيط، والبسيط عكس المركب، أي أن القلب البسيط له هدف واحد، لا ينقسم بين محبة الله ومحبة العالم، يصبح هذا القلب غير محباً للخطية. وأصل كلمة النقاوة في اليونانية تشير للغسل والتطهير كإزالة الأوساخ من الملابس، وتعنى أيضاً تنقية ما هو صالح مما هو رديء كفصل الحنطة عن التبن هكذا قلب المؤمن، يغسله ربنا يسوع المسيح بدمه من كل شائبة{ " مقتبس".

 يعاينون الله = ليس بالمعنى الحرفي اننا سوف نرى الله بصورة مجسمة، فالله فوق واسمى حواس الانسان، بل نستطيع معاينة الله ايمانيا، بحواسنا الداخلية والتي هي: ضمير وقلب الانسان. بل الافضل عندما يخلص الانسان من الخطية تنفتح بصيرته الداخلية بل حواسه الداخلية كلها فيرى ويسمع ويتذوق بمعاينة الله. فحين يقول داود النبي "تأملت فرأيت الرب أمامى في كل حين إنه عن يمينى لكي لا أتزعزع" (مز35: 10) فهل رأى داود الرب عيانا ؟! قطعا لا، إنما كان هذا بإيمان قوى يصل لدرجة أنه كما لو كان بالعيان، فيها يكون شاعراً دائما بحماية الله ومساندته له. نحن نعاينه هنا على الأرض بالإيمان أما في السماء فسيكون هذا عيانا. فالخطية هي التي تحجب رؤية الله، وبدون قداسة لن يرى أحد الرب (عب 14:12).

}الله يُرى ويُحَّس ويُحَّبْ بالقلب إذا تصفى من شوائب محبة العالم والخطية. أمّا من يعيش للخطية يصبح قلبه غليظاً لا يشعر ولا يُحِّب الرب. لذلك هتف داود "قلباً نقياً إخلقه فىَّ يا الله". مثل هذا الإنسان الذي له القلب البسيط يقال عنه أيضاً أن له عين بسيطة لا تبحث إلاّ عماّ هو لله، هذا الإنسان يكون جسده كله نيراً، أي يكون نوراً للعالم يرى الناس الله من خلاله فالله نور. وهذه يصل لها من يقمع جسده وأهواءه ويضبط شهواته ويصلب نفسه عن العالم{ "مقتبس".

7: طوبى لصانعي السلام

 "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون"

السلام هو السلم ، الهدوء، الطمأنينة، الراحة ... الخ. عكس الحروب، الخلافات، النزاعات .... الخ.

من هم صانعي السلام ؟ كل انسان الذي يعاين الله ويتنعم بمجده ويشتهى أن يعمل بمشيئة الله الاب  ولحساب مجد الله، والرب يسوع المسيح هو الذي اسس السلام على الارض، وهو رئيس السلام اتى ليؤسس ملكوته على الأرض وهذا الملكوت هو ملكوت السلام.

والسلام الذي يتكلم عنه الرب يسوع هو السلام الداخلي ايضا أي ان يكون الشخص مسالما مع نفسه اولا، وبعد ذلك يستطيع ان يكون مسالما مع الاخرين.

 هل توقف الشر بعدما اسس المسيح السلام على الارض؟

كثير منا يقول ان كان الرب يسوع اتى الى العالم وخلصنا من الخطيئة ومن الموت فلماذا لم ينتهي الشر وبقي السلام؟

 اذا نظرنا الى التطويبة ماذا يقول الرب يسوع؟ لم يقل الرب طوبى للبشرية لأنهم صانعي السلام، بل قال طوبى لصانعي السلام. فاذا السلام فقط هو ويكون لمن يصنع السلام.

 والرب يسوع المسيح عمل ويعمل من اجل هذا الملكوت واسسه بين الناس. "أبناء الله ملأ الله قلوبهم سلامًا فاندفعوا يعملونه ويعلنونه بين الناس، متشبهين بسيدهم يسوع المسيح الذي صنع سلامًا بين السماء والأرض. وكل من يصنع سلامًا فهو ابن لله". لهذا دعانا الرب يسوع طوبى لصانعي السلام لأنهم ابناء الله يدعون.

صانعي السلام ليس فقط بالافعال بل بالكلام ايضا، كثير منا نكون سبب الخلافات والنزاعات بسبب كلماتنا او تصرفاتنا. السلام في الانسان يكتمل بالافعال والكلمات، الاساليب التي يمارسها في حياته مع نفسه اولا وبعدها مع الاخرين، وكذلك ايضا بكلماته.

لأن كما قلنا اعلاه، لا يستطيع أي انسان ان يكون مسالما مع الاخر وهو في نزاع مع نفسه. السلام ينبع من داخل الانسان وليس من خارجه، لأن مصدر السلام هو الله، والله يكمن في داخل الانسان، في عقل الانسان (الضمير)، وعواطف ومشاعر الانسان (القلب). لذلك يجب ان نكون اولا مسالمين مع الله الذي هو في داخلنا، وبعدها نظهر هذا السلام للاخرين وعكسه في حياتنا اليومية.

8: طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السماوات.

ان مصير أبناء الله اتباع الرب يسوع المسيح ينالهم ما نال المسيح (يو15: 18)، فكما ان الشيطان حارب المسيح، هكذا سيطارد ويحارب اتباعه المؤمنين، فالشيطان والعالم الذي يتبعه ويخدم لصالحه يبغضون المسيح أي يبغضون البر والخير، وبالتالي يبغضون كل من يطلب البر والخير ويحرمونه من ملكوت الأرض.

المطرودين هم المنبوذين في هذا العالم، هم اللذين يعملون بضميرهم في اعمالهم ويسلكون في طريق الحق والادب والاخلاق في حياتهم، المخلصين في واجباتهم،  اللذين يعيشون المحبة تجاه الاخر، الرحماء والمسامحين.... وغيرهم.

مع الاسف عالمنا الذي نعيش فيه بعيد كل البعد عن هذه الصفات التي ذكرناها، لا بل يعمل العالم الى تشويهها وانكارها ونفيها. وكثير من الشعوب اليوم تستعبد شعوب اخرى اضعف منها وافقرها وتستخدها لمصالحها واهدافها الخاصة، وخاصة الشعوب التي تعيش بأمان وسلام.

 لكن الله يمنحهم ملكوت السموات الملكوت الحقيقي ملكوت الفرح والسعادة مع الله الاب، ليس الملكوت الذي يعيشه العالم بعيدا عن الله الاب.

 نرى بأن كل من طوبه المسيح اصبح منبوذا في العالم. فحامل الطوبى يعمل لحساب الله ولكن العالم لا يعمل لحساب الله فهو لا يعرف الله (يو 25:17).

لذلك فحياة البر على الأرض تتلخص في ألم وتجارب ومحاربة من الناس، وتعزية وقوة من الله الاب. والانسان المؤمن والبار يرى الامل ويعيشه في حياته رغم كل الصعوبات والتجارب التي يعيشها. لأنه يرى الله دائما في حياته، صحيح يعيش الالم ولكن هو يرى الله. شيء جميل في الانسان البار ان يعيش الالم ويرى الله. هذا هو معنى ومفهوم الرجاء في المسيحية.

 9: طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم.

نلاحظ هنا الرب يسوع يوجه كلامه للسامعين طوبى لكم اذ جعل الرب حتى السامعين تلاميذه، وبقوله لهم طوبى لكم شجعهم ليكونوا من تلاميذه المؤمنين، وأعطاهم (لتلاميذه والسامعين) خارطة الطريق التي سوف يسلكون فيها المليئة من الالم والضيق والعذاب والموت. وان يحتملوا ما سيواجهونه كأولاد لله فشركاء الألم شركاء للمجد (رو 8: 17).

 عيروكم اي شتموكم في وجودكم، وقالوا عليكم في غيابكم. كلمة شريرة أي اتهامات باطلة... هذا هو حالنا الى اليوم نلاقي اناس يعيروننا ويشتموننا وجها لوجه، وايضا في غيابنا. ومع الاسف هذه الظاهرة اصبحت ايضا ما بين المسيحيين، كثير من الناس لديهم مرض اسمه القيل والقال، وقتل الاخر أي قتل سمعته وشخصيته و...الخ.

الرب يسوع نبهنا من العدو الذي سوف يأتي ويضرب بنا لأننا اتباع المسيح، ولكن المؤلم اكثر عندما نضطهد من قبل اصدقائنا واحبابنا واقربائنا و...الخ.

القديس أغسطينوس قال عن تكامل التطوبيات:-

مثال ذلك أعضاء الإنسان الجسدية متعددة ولكن لكل منها عملها الخاص فنقول طوبى لمن لهم أقدام لأنهم يمشون، ولمن لهم أيدي لأنهم يعملون. هكذا نحن سنعاين الله بسبب نقاوة القلب. ولكن نقى القلب هو صانع سلام، لكن لن يعاين الله بسبب صنعه السلام لكن بسبب نقاوة قلبه. ونقى القلب هو رحيم ولكنه لن يعاين الله بسبب رحمته ولكن بسب نقاوة قلبه وهكذا.

جمع الرب يسوع كل اصناف وانواع البشر، من الجياع والمتألمين والمحزونين والمضطهدين و... الخ، واعطا لكل واحد منهم الدواء الشافي، مثل الطبيب الذي يكتشف دواءً لمرض ما، والرب شخّص المرض واعطى الدواء.

10: احبوا بعضكم البعض

المحبة هي قمة الوصايا والفضائل كلها هي الوصية والفضيلة الأولى والرئيسية. وهي الوصية الجديدة التي اعطاها الرب يسوع لتلاميذه ولنا، وهي ايضا مكملة كل الوصايا من الوصايا او الكلمات العشرة في العهد القديم، والوصايا او الكلمات التسعة (التطويبات) في العهد الجديد.

والوصية الجديدة تطلب من المؤمنين، أن يشتركوا في محبة الله لا أن يحبوا فقط، فقد صلى الرب يسوع للآب: "عرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). وقد نبعت هذه الصلاة من آمرين ذكرهما الرب يسوع: "هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم" (يو 15: 12)، "وكما أحببني الآب كذلك أحببتكم أنا" (يو 15: 9). فأن نحب كما أحبنا المسيح، هو أن نحب نفس محبة الله الآب للابن الرب يسوع المسيح (يو 17: 26 ). وكما يذكر يوحنا: "إن أحب بعضنا بعضاً، فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكملت فينا" (1 يو 4: 12 - ارجع أيضاً إلى 2: 5). وبذلك تكون " وصية المحبة " جديدة، لأنها تدعونا لا أن نعكس صورة هذه المحبة فحسب، بل ان نمارس عمليا محبة الله الآب لابنه - وهى محبة لم تظهر بمثل هذه القوة، قبل تجسد الرب يسوع المسيح وموته لأجلنا على صليب الجلجثة.

كان فكر الكثير من اليهود  يعتقدون اعتقادا خاطاً بأن الوصايا او الكلمات قد أعطيت للبشرية لكي يصبح الناس عن طريق حفظها مستحقين لبركة الله (رو 9: 12، غل 3: 2)، ولكن الرب يسوع أوضح و كشف لهم بأن المحبة هي النتيجة الطبيعية لبركة الله، بل المحبة هي بركة الله. مثل الاب والام عندما يحبون ابنائهم يباركونهم بهذه المحبة.

وفي ختام هذه الوصايا او الكلمات العشرة للعهد الجديد (التطويبات) نلاحظ ان الكلمات في العهد القديم كتبت على الواح من الحجر، ولكن هذه الكلمات في العهد الجديد كتبت في قلب الانسان من خلال الرب يسوع. لأن الكلمة في العهد القديم اصبح انسانا وحل بيننا وفينا.

الخاتمة:

التطويبات هي الوصايا او الكلمات العشرة الجديدة للعهد الجديد، متساوية بالوصايا او الكلمات العشرة في العهد القديم التي اعطيت لموسى من قبل الله. الله في العهد القديم اعطى الوصايا او الكلمات لموسى، وفي العهد الجديد الرب يسوع اعطى الوصايا او الكلمات للانسان. والوصايا او الكلمات في العهد القديم كتبت على الحجر، ولكن في العهد الجديد كتبت على قلوب البشر.



المصادر:

الكتاب المقدس,

موقع الاب بولس الفغالي.

موقع الانبا تكلا هيمانوت القبطي.










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6254 ثانية