ذرائع بائسة !

استغلت القوى والكتل المتنفذة احداث 30 نيسان الماضي، ودخول المتظاهرين والمعتصمين الى المنطقة الخضراء ومجلس النواب، استغلالا بشعا، وسعت الى توظيف كل امكانياتها لحرف الانظار وتوجيهها بعيدا عن المطالب التي نادى بها المحتجون على سوء الاوضاع وعلى الاداء السيء للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتردي الخدمات، وتفشي الفساد واستفحاله، وتفنن الفاسدين في ابتكار طرق ووسائل نهب المال العام.

فالمتظاهرون لم يعلنوا يوما ان هدفهم هو مجرد عقد جلسة (جلسات) مجلس النواب، فذلك، على اهميته وضرورته، ليس هدفا بحد ذاته، وكثيرا ما عقدت جلسات كانت بحق مضيعة للوقت والمال، وشهدت دخول النواب في سجالات لا تغني ولا تسمن من جوع، تتوجه بهم شرقا عندما تذهب الناس نحو الغرب!

نعم، مطلوب عقد جلسة للبرلمان، جلسة موحدة وكاملة النصاب، ولكن الاهم هو ان تواصل هذه الجلسة النظر في حزم الاصلاح وفي اكمال تشكيل الحكومة، وان يكون ذلك بداية الشروع في نهج الاصلاح الذي يشمل كل ما بني على خطأ، وما حوله المتنفذون في مجرى التطبيق الى خطيئة، ومن هنا تنبع ضرورة الاصلاح والتغيير وتقويم ما اعوجّ، وضمان سير اوضاع البلاد على سكة سليمة بعيدة عن كل ما رافق مسيرة العملية السياسية من هفوات ونواقص واخطاء قاتلة، وفي مقدمتها المحاصصة اللعينة.

على ان تشكيل الحكومة الكاملة ليس هو الآخر هدفا بذاته، قدر ما هو مطلوب لمباشرة مرحلة جديدة مختلفة عن التي سبقتها، والناس تريدها مختلفة ايضا في المنهج والاداء وطريقة التفكير، وان تكون هناك قطيعة مع حالة التردد والتباطؤ و "التوازنات"، والاقدام على ما هو غير اعتيادي من خطوات مدروسة وضمن خطة متكاملة للاصلاح.

المواطنون، ونحن معهم، يستغربون ارتفاع سقف مطالب الكتل واشتراطاتها للحضور في جلسة مجلس النواب التي غدت هي المنى والامل ! فماذا حدث حتى تطرح كل هذ المطالب دفعة واحدة؟ ومن هذه المطالب ما هو قديم قدم العملية السياسية ذاتها، فلماذا لم تتم معالجته قبل الآن؟ من الذي منعكم ياسادة من ذلك، وقد كنتم تصولون وتجولون، وكان قادة كتلكم يقررون كل شيء ويفرضونه على البرلمان ليتخذ القرار؟ اين كنتم خلال الـ 13 سنة الماضية ولماذا تركتم كل شي يتراكم، وحفرتم اخاديد بينكم، وفي المجتمع، والان بعد ان  انتفض الشعب مطالبا بالاصلاح عدتم الى رفع هذه المطالب والزيادة عليها ؟! انها العرقلة والاعاقة والهروب الى امام من استحقاق الاصلاح، وما يتبعه من تغييرات محتملة في الشخوص والمواقع.

ان اهداف مناوراتكم لا تخفى، ايها المتنفذون والفاسدون، ولن تخدعنا دعوات البعض منكم الى الاصلاح، وتحوله الى "حمامة سلام" بين ليلة وضحاها، فانتم برهنتم في اكثر من مناسبة على تمسككم بمصالحكم اللعينة ونفوذكم وامتيازاتكم، ومحاصصتكم التي توفر ذلك لكم وتحمي فاسديكم، وتسهل هروبهم من حكم القضاء.

لم تعد المواقف خافية على احد، ولا ينفع عسل الكلام في اخفاء حقيقة المواقف، كما لن ينفع كثيرا بكاؤكم على ما حصل في مجلس النواب، وانتم السبب الاول في وقوعه، وكان يمكن تلافيه لو كنتم صادقين مع الناس ومع انفسكم ولو لمرة واحدة، ولن ينفع النفخ في الخسائر، فبعد تصريح احد النواب بان قيمة الاضرار تقرب من 69 مليون دولار (لا اعرف ماذا سيقول الان؟) اذا  بمجلس النواب يعلن ان قيمة الاضرار لا تتجاوز 117 مليون دينار عراقي، وهو ما لا يعادل قيمة سفرة واحدة للرئاسة او حتى لاحد اعضائها، ولا يقترب حتى من قيمة العلاج الذي اخذه عدد من النواب وطار به الى الخارج، فيما الناس الفقراء والكادحون لا حول لهم ولا قوة، وبقية القصة معروفة، وقيمة هذه الاضرار ايضا، لا تعادل نصف قيمة سيارة مصفحة عند الرئاسات، وكم منها تملك؟ الجواب في تصريح النائبة ماجدة التميمي، وعلينا مقارنة هذه المبالغ البسيطة بالمليارات من الدولارات التي سرقت او اختفت، او اهدرت في مشاريع فاشلة ووهمية ؟ يا لبؤس حجج المتحاصصين وذرائعهم ! علما ان عنادهم واصرارهم على مواقفهم سوف يزيد الامور تعقيدا، وقد تزهق ارواح بريئة وتنزف دماء عزيزة، وقد نشهد  اياما دامية اخرى .. فمتى تراهم يتعضون ؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "طريق الشعب" ص2

الاحد 22/ 5/ 2016