تشير تجارب شعوب العالم التي عانت من ظلم وجبروت المستبدين، كما تؤكد الكثير من الدراسات الخاصة بالنظم الدكتاتورية وشخصيات الدكتاتوريين، وكذلك الروايات الجادة التي تطرح نماذج لمثل هؤلاء المستبدين، ومنها رواية الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز الموسومة بـ "خريف البطريرك، أو رواية الروائي العراقي زهير الجزائري الموسومة "المستبد"، (عن معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت, 2006)، إلى إن هؤلاء المستبدين جميع يتميزون بسمات مشتركة أبرزها:
** عدم الثقة بالشعب وعدم الاعتراف بحقوقه وشخصيته وإرادته الحرة.
** الشك في الجميع وفي أقرب الناس إليه، وهو مستعد لتصفية من يزداد الشك به في كل لحظة.
** الرغبة في الاستحواذ على كل السلطات الثلاث وعلى المال العام، وعلى الإعلام، وكذلك على المجتمع، وتهميش الجميع دون استثناء.
** احتقار الدستور والقوانين والأعراف والتقاليد، واعتبار أقواله وما يريد تحقيقه من أهداف هي القوانين النافذة المفعول.
** الكراهية الشديدة لكل المثقفين، عموماً والعضويين منهم على وجه الخصوص، من علماء وأدباء وفنانين وإعلاميين، ولكل صاحب رأي أو رأي آخر.
** لا قيمة للإنسان وحياته ومصالحه في حسابات المستبد بأمره، فحياته ومصالحه وإرادته والأهداف التي يسعى إليها لها الأولوية المطلقة.
** لا يعترف بالهيئات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان ويعتبرها أجهزة معادية له ولطموحاته.
** إيلاء اهتمام خاص بالعناصر الانتهازية ووعاظ السلاطين والمدّاحين الذين يمجدون استبداده وحماقاته، ويعمقون فعلياً من سلوكه الاستبدادي وتجبّرهِ وكراهيتهِ للآخرين.
ويلاحظ هنا بأن المستبد بأمره يشعر بكونه أما من طينة غير طينة البشر، أو نصف إلهٍ، أو وكيل الله على الأرض، وله الحق في أن يفعل ما يشاء بغير حساب وأن يتحكم بإرادة ومصالح البشر!
هكذا كان صدام حسين، ومعمر القذافي وحافظ الأسد وعمر البشير ومن لف لفهم، وهكذا هو نوري المالكي، الذي لم تسمح له ظروف العراق والمنطقة والعالم أن يقوم بنفس الدور الذي مارسه صدام حسين بالعراق، إلا إنه يملك ذات الخصائص والسمات التي لدى صدام حسين. وهكذا نتابع بقلق كبير كيف بدأ رجب طيب أردوغان يتحول من مدعي التحرر والديمقراطية، على مستبد شمولي بعد وقوع الانقلاب الفاشل في 15/7/2016 بتركيا.
لقد كان نوري المالكي يرى في كل حركة شعبية مطلبية فعلاً مناهضاً له ولحكمه ورغبة في التخلص منه، وبالتالي كان يواجه هذه الحركات بالغضب والعنف، فيبدأ بتشويه سمعتها والإساءة إليها، ومن ثم الانقضاض عليها بأجهزته القمعية لتدميرها. هكذا كان الموقف من الحركة المطلبية الشعبية، ومن اعتصامات الفلوجة، ومن موقف الكرد، ومن مطالب جماهير الموصل. وكان عليه توجيه الضربات لكل هذه الحركات بأي شكل كان ومهما كانت العواقب ليحافظ على وجوده على رأس السلطة.
في مثل هذه الظروف المعقدة والمتشابكة والمليئة بالصراعات الطائفية على السلطة بين القوى الإسلامية السياسية، إضافة إلى الصراع المحتدم بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول العديد من المسائل المهمة والجوهرية التي لم تعالج على وفق بنود الدستور، كما لم توضع القوانين القادرة على معالجة ما ورد أو لم يرد في الدستور بشأنها أو بشأن العلاقة بين الطرفين، وبدعم إقليمي واسع النطاق، تسنى لداعش اختراق الحدود بسهولة والسيطرة على الموصل وعلى المعسكرات ومخازن الأسلحة والعتاد والمعدات بكميات هائلة، وعلى الأموال والتصرف بها ضد شعب العراق.
ومن الواجب هنا أن نشير إلى أن محافظ نينوى أثيل عبد العزيز النجيفي، وهو شقيق أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب العراقي السابق، كان معروفاً بكونه من البعثيين ومن الذين تعاون على ناطق واسع مع الخلايا الداعشية التي كانت تعمل علناً بالموصل وتفرض على أصحاب المحلات والأغنياء بنينوى، وخاصة بالموصل، دفع الإتاوات مقابل عدم قتلهم أو تهجريهم ومصادرة محلاتهم. وتؤكد الكثير من المصادر إلى واقع هذه العلاقة بين محافظ نينوى ومجلس محافظة نينوى والمسؤولين في الموصل من الجماعات النية والبعثية المتنفذة.
ووجود مثل هذه الخلايا المتنفذة في الإدارة والمجتمع والاقتصاد ساعد على تسهيل مهمة عصابات داعش الإجرامية في اقتحام الموصل وبما لديها من معلومات للسيطرة على المناطق الحساسة وعلى الأموال المتوفرة في البنوك والقاصات الحكومية.