في الجزء الثالث كتبنا عن معارك داعش الصورية بإختصار شديد و دور أَمريكا في رسم الخارطة الجغرافية لتمدد داعش و تَحَكُمَها بكل الأَطراف المُحيطة والمُجاورة للأَراضي التي إحتلها داعش و أسس عليها ... و هذا ليس بغريب أَو مُخجِل للإِدارة الأَمريكية التي أَصبحت تَتَفاخر في أنها ساهمت و بشكل كبير في صناعة منظمة القاعدة الإرهابية في أفغانستان و دعمها و تمويلها من أَصدقاء لها أنعم الله عليهم بنفط وفير و غباء كثير فحكموا الشعوب و إنتقموا منها ... بل أَن أمريكا تَتَباهى و على رؤوس الأَشهاد أَنها بذلك أَلحقت الهَزيمة بالقوات الروسية في أفغانستان ( حرب الوكالة ) ... لذلك يُمكن القول أَن منظمة القاعدة الإرهابية كانت بداية صناعة الإرهاب العقائدي في عصرنا الحالي و بالتأكيد فقد تم دراسة و تحليل ردود الأفعال للمجتمعات و مدى تفاعلها و مواقفها و كيفية تهيئتها لإحتضان الإرهاب المستند على العقيدة و نتائج هذه الدراسات بالتأكيد كانت مُشجعة جدا لبداية الإنطلاق نحو إستغلال الأفكار المُتخَمَة بها الشريعة الإسلامية و بحسب تفسيرات المسلمين قبل غيرهم بما يمكنها من الإستناد عليها لتأسيس المنظمات الإرهابية العقائدية ...
و الأمر الغريب جداً وهو ما تم توثيقه وقد ظهر جلياً و بدون أي مجال للشك فيه هو أَن ما سبق بدايات منظمة القاعدة كان هناك نشاط على الأرض بنشر التعاليم الإسلامية الوهابية و الإخوانية و السلفية التي تعتبر العمق الستراتيجي للمجاهدين ,,,,!!!! ومصدر حقيقي و أساسي لأمداد المنظمات بالمقاتلين الى الدرجة التي كانت ترافقها حملات إعلامية داعمة لها من أنظمة سياسية كانت تُصنف في خانة الدكتاتورية العلمانية و التي كانت على الأقل تَغُض البصر عن التنامي الواضح للفكر الإسلامي المتطرف في ربوعها و إنجذاب الشباب خاصة نحو هذه الأفكار لأسباب عديدة قد تكون منها تفشي الأمية والتخلف و البطالة و الكَبت الإجتماعي و مثال على تنامي الأفكار الإسلامية و الخطاب التحريضي يمكن أن نورد إختصاراً بعض الأمثلة مع مراعاة الفترة الزمنية لها ( نشاط الحركة الوهابية و تمكنها في السعودية والتحرك نحو العالم الغربي.. تأسيس ولاية الفقيه في إيران ...... توسع القاعدة الجماهيرية للإخوان المسلمين و السلفيين في مصر ... أحداث الجزائر و مزاحمة الأحزاب الإسلامية غيرها في عالم السياسة... حركة طالبان في أفغانستان.... إنطلاق منظمة حماس في فلسطين ... تأسيس حزب الله و حركة أمل في لبنان ... الصعود الإسلامي في السودان ... صعود حزب العدالة و التنمية في تركيا ... حملة إيمانية في العراق ..و غيرها الكثير ) و كأن هذه الانظمة العلمانية لا تعلم أن الإسلام السياسي هو أَلّدُ أعدائها و هو الذي يُفتي و يُشرعن الإرهاب ضدها و يحارب الأفكار العلمانية في عمق أفكاره و لكنه لا يمانع في أن يكون بوقاً للدكتاتورية حتى يُحَقِقَ أهدافه.... بل و كأن أمريكا لا تعلم أن الإسلامين هم أشد الأعداء لها و يتوقون لإزالتها مع إسرائيل عن وجه البسيطة.
إذن كان هناك من أَجبر هذه الأنظمة و وضعها رغما عنها في موقف العاجز عن محاربة هذه الحركات المتشددة بحجة حقوق الانسان و الديمقراطية و إطلاق الحريات ( بريطانيا كانت الوجهة الاولى لرجالات هذه الحركات ... و بالتأكيد أن بريطانيا تنفذ ما تُوَكِله لها أمريكا ) ... أو هناك من أوحى لها أن الإسلام هو الحل و هو الحامي لعروشها و هو الحصن الذي تتحصن به من شعوبها المقهورة و تحافظ على حكمها من خلال مَنحها شرعية المراجع الدينية بفتاوي شيوخ السلاطين و سَوّق القَطيع حيثما يريد الحاكم و بالتأكيد أن أمريكا كانت مطمئنة أن هذا التنامي لن يتسبب لها بأي أذى يستحق الإهتمام بل هو مجرد خطابات و معارك في القنوات الإعلامية هنا و هناك ...و هو تنامي مُسيطر عليه من قبلها بشكل دائم و من قبل الحكام الى حين......
إن الشريعة الاسلامية المُتخمة بآيات قرآنية و أحاديث نبوية و روايات السلف الصالح التي تشجع على الإرهاب و القتل بحسب تفسيرات الشيوخ والأئمة و الدعاة المسلمين الذين مَكَنوا الولايات المتحدة الامريكية لأن تبني مفردات إبداعها في صناعة الارهاب من خلال إستخدام الشريعة و الفقه الإسلامي الذي تتوق اليه الشعوب الإسلامية بما يخدم مصالحها و أهدافها الستراتيجية البعيدة المدى . و ذلك بإن إستغلت و بكل بساطة هذه الأفكار بذكاء و إحترافية و عملت على إنمائها في المجتمعات الإسلامية بوسائل عدة و ظهر ذلك جليا من خلال غَض البصر عن إنتشارها و إحتلالها حيزاً كبيراً في حياة الشعوب و طريقة تفكيرهم و توجهاتهم و هي بذلك إنما كانت تخطط لإستغلال هذه الأفكار حينما يحين الوقت الملائم لها بما يخدم حروبها المستقبلية و مصالحها .... أيضا كان تسترها على الفضائع التي أرتكبت بحق الشعوب المستضعفة المسالمة التي جعلت منها الطُعم الذي ألقته لغول الإرهاب لأن يتمدد و يطغى بشكل يظهره على حقيقته مما يولد رعب عالمي حقيقي من تنامي هذا الفكر الارهابي حينها تبدأ أمريكا بمحاربة هذا الفكر و تدميره بطريقتها التي وضعتها وفق مخططاتها الستراتيجية .... بموافقة و دعم أُممي و بمباركة شعبية و أنظمة سياسية و مرجعيات دينية إسلامية تتحكم بها أمريكا عن طريق أطراف أخرى
إن الإبداع الحقيقي الأمريكي في صناعة داعش يكمن في أن داعش يستمد شرعيته و قوته من الشريعة الاسلامية و بالتالي جَعَل هذا الامر أن المسلمين يواجهون مُعضِلة حقيقية هي أقرب الى الكارثة ،فهم غير قادرين على مواجه داعش و محاربته لأن المؤيديين و المصفقين له ممن يتسلحون بالشريعة هم بالملايين و هم إنما بذلك سوف يحاربون الشريعة.... وهم كذلك غير قادرين على الطعن بأفكاره و نَبذ و إستنكار أعماله و التبرئ من مَنهَجِه و فِقهه لأنهم إن فعلوا ذلك فإنهم بذلك ينقضوا ما جاء بالشريعة التي يستند عليها و هي ذات الشريعة التي يؤمنون بها و بذلك يحكمون عليها بالتدمير و لا هم قادرين على تكفيره لأنهم غير قادرين على تقديم إسلام مغاير لما يقدمه داعش و يرفع رايته .....إذن أمريكا جعلت المسلمين يعيشون معضلة حقيقة لا يمكن أيجاد حل لها إلا بما ترغب به أمريكا ........!!!!!!!!
و لأن أمريكا تتحكم بكل الأطراف في المنطقة و هذا لا خلاف فيه فإنها وزعت المكاسب و الغنائم و المصالح لكل الأطراف الفاعلة و المتعاونة معها كل بحسب إجتهاده و إخلاصه لها في مساندة خُطَطَها و أفكارها و هو الحاصل فعلا في الوقت الحاضر ... ففي العراق كل القيادات السياسية و الاحزاب حققت مكاسب من وجود داعش في العراق بل وحتى الدول الأخرى حققت مكاسب على حساب الأقليات و الشعب العراقي و كذلك الحال في سوريا .. تركيا إستفادت إقتصاديا من خلال النفط العراقي و السوري رغم قلته و إيران وجدت لنفسها الحجة لتُحِكم قبضتها في العراق و سورية و تثير الأحقاد القديمة و السعودية وقطر تحاولان تدمر هذين البلدين بالذات لتحققا الموقع الذي يؤهلهما للتحكم بهما و تمرير سياسات تخدم توجهاتهما العقائدية و في ذات الوقت فإن أمريكا و على المدى الطويل أسست مشاريع حروب و نزاعات مستقبلية دينية و قومية ....
الأن أمريكا تَتَحَكَم باللعبة بإحترافية شديدة و ليس خافيا على أحد في أنها قد قررت القضاء على داعش كقوة عسكرية لان الحاجة من وجوده قد إنتفت و بذلك سوف تنتقل الى مرحلة جديدة هي توسيع الحروب الطائفية بعد أن تم تهيئة المناخ الفكري الطائفي و تهيئة الأرضية لتقسيم المقسم و الأهم تجاوز الخطوط الحمراء برغبة إسلامية عارمة في تنقية التراث الإسلامي بما يلائم الحضارة الأنسانية و يتوافق مع الرؤية الأمريكية و الغربية ......
الإبداع الأمريكي في صناعة الإرهاب الداعشي هي أنها جعلت الحياة تَدُب من جديد و بقوة في الأفكار الإرهابية و إستخدمت هذه الأفكار بما يخدم مصالحها و أهدافها ..... و في ذات الوقت فإنها و بشكل علني تحارب داعش بما يُحَصِنُها من توجيه الإتهام لها بأنها هي من صنعت و تحكمت و قادة هذه العصابة الإرهابية التي إستفادت منها كل الأطراف و بالتالي ممكن إتهام أي طرف بصناعتها إلا أمريكا لانها لم تكن موجودة قبل 1400 عام هجري و يتناسون أن داعش تأسس فقط قبل سنوات معدودة بأفكار عمرها 1400عام هجري ...
أنه الإبداع الحقيقي أن تُحيّ أفكار عمرها 1400 عام و تسيطر عليها و تستخدمها برغبة معتنقيها بما يخدم مصالحك و يضر بعقيدتهم و مجتمعاتهم.....
و ما يزيد الطِّينَ بَلَّةًأن البعض من ضحايا السياسات الامريكية في صناعة الإرهاب هم أول المبادرين بالدفاع عنها و تبرئتها و يرون في أعترافهم بتفوق الفكر الامريكي بالتخطيط و التنفيذ و خلق الازمات التي تخدم مصالحها على تفكيرهم الضيق هو بمثابة إهانة لهم و فاتهم أن أمريكا فعلا متفوقة عليهم و قادرة على التلاعب بهم و إيهامهم بما تشاء و قتما تشاء لأن الجميع يدرك جيدا ان بداية الحروب الامريكية تبدأ نفسيا من خلال وسائل الاعلام لتزرع في النفوس ما تشاء و من ثم تبدأ بالتنفيذ و دائما تنجح خاصة إن كان الضحايا يبرؤون ساحة امريكا .... و يلقون الإتهامات كما توحي لهم أمريكا و يضنون أنهم بارعون في رؤية الحقائق و قرائتها .....
العملية جداً جداً بسيطة أن إنسان ذكي يستغل إنسان غبي......بتوافق و رغبة عارمة من الطرفين .....
و ما دام الغباء مُتَمَكِن من العقول فليس صعباً على الذكاء من أن يُنتِج دواعش بمسميات أُخرى ...
فكر كما تفكر أمريكا عندما تريد القضاء على أعدائها حينها تراها بوضوح و انها المسبب لمعاناتك ......
و ربما للحديث بقية في مواضيع أخرى ..................
عُذراً للإطالة .......
بعيدا عن بغديدا 5 آب 2017