قداسة البطريرك مار افرام الثاني يحضر رسيتال "صوم وصلاة وتوبة، نحن أبناء القيامة" والصلاة من أجل المطرانين المخطوفين      مدينة القامشلي تحيي الذكرى الـ109 على الإبادة الأرمنية      غبطة البطريرك يونان يشارك في احتفال ذكرى مذابح الإبادة الأرمنية في بطريركية الأرمن الكاثوليك، بيروت      المطران مارنيقوديموس داؤد متي شرف يستقبل البروفيسور لازلو كوكزي وسعادة القنصل الهنكاري      الرئيس بارزاني يستقبل بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وأساقفة المجمع المقدس      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يترأس الاحتفال بالقدّاس الإلهي ‏لمناسبة تذكار مار كيوركيس الشهيد‏ - نوهدرا (دهوك) ‏      أحتفالية بمناسبة الذكرى 109 للأبادة الجماعية الأرمنية - كنيسة القديس سركيس في قرية هاوريسك      بحضور السيد عماد ججو .. انطلاق المهرجان الادبي الاول للغات الام (الكردية والتركمانية والسريانية ) في محافظة اربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل راعي الكنيسة المشيخية في اربيل      بالصور.. انطلاق اعمال المجمع السنهادوسي لكنيسة المشرق ‏الآشوريّة ‏- أربيل      حملة لرفع 300 طن من النفايات والبلاستيك من بحيرة سد دربندخان      مستشار حكومي يحدّد موعد البدء بتنفيذ مشروعي مترو بغداد وقطار النجف – كربلاء      للمرة الثانية.. جراحون أميركيون يزرعون كلية خنزير لمريض حي      فيلسوف يبشر بـ "يوتوبيا" للذكاء الاصطناعي الخارق: ليس كارثة      فرنسا: قوة التدخل السريع الأوروبية ستبصر النور العام المقبل      "أكثر مما تعتقد".. ماذا تفعل تطبيقات المواعدة بمستخدميها؟      "قطار" مان سيتي لا يتوقف.. رباعية في مرمى برايتون بالدوري      فرنسا.. إلقاء القبض على "إرهابي" الأولمبياد      كهرباء كوردستان: التيار الكهربائي سيعود إلى طبيعته غداً الجمعة      بدء عملية أمنية واسعة في البتاوين ببغداد تستمر عدة أيام
| مشاهدات : 3981 | مشاركات: 0 | 2018-09-13 03:15:39 |

الذهب والعاصفة .. الخوري الياس الموصلي الكلداني أول رحالة شرقي إلى العالم الجديد

بدري نوئيل يوسف

 

قراءة في كتاب رحلة الياس الموصلي الى أمريكا الجنوبية، التي تعتبر اول رحلة شرقية الى العالم الجديد (1668 ـ 1683).في عام 1905 بينما كان الأب أنطوان رباط اليسوعي، يفتش في مكتبة مطرانيه السريان في حلب، عثر على مخطوطة عربية بعنوان (سياحة الخوري إلياس الموصلي)، وبعد قراءته للمخطوطة اكتشف أهميتها فهي تمثل رحلة أول سائح شرقي إلى أمريكا الجنوبية، فكتب دراسة عن المخطوطة ونشرها في العدد 18 من مجلة (المشرق) الصادر في أيلول عام 1905، مع تحقيق جزء من المخطوطة، ثم أكمل بقية التحقيق في أعداد أخرى من المجلة تحت عنوان (رحلة أول سائح شرقي إلى أمريكا)، وهو أول من نشرها في كتاب.

في عام 2001 صدرت الرحلة بتحرير وتقديم نوري الجراح عن دار السويدي، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، تحت عنوان (الذهب والعاصفة)، رحلة إلياس الموصلي إلى أمريكا.

يضم هذا الكتاب (الذهب والعاصفة) بين دفتيه أقدم نصّ عربي عن القارة الأميركية الجنوبية، وضعه الرحالة العراقي إلياس حنا الموصلي، الذي انطلق من بغداد سنة  1668 م، في رحلة إلى (العالم الجديد) استمرت نحو عشر سنوات، ليكون بذلك أول رحالة شرقي يغامر في الوصول إلى أميركا الوسطى الجنوبية، في النصف الثاني من القرن السابع عشر.

 ويعتبر بحق وثيقة فريدة من نوعها عن أوضاع القارة الأميركية الجنوبية، في فترة شهدت حمّى البحث عن الذهب والفضة، فضلاً عن قيمته كأثر أدبي لا يخلو من طرافة.

الرحالة إلياس ابن القس حنا الألقوشي الكلداني من عائلة عمودة، كان قس نسطوري وقيل كاثوليكي ويبدو أن لعائلته روابط وثيقة بالفاتيكان والبابوية منذ القرن السادس عشر الميلادي.

المعلومات عن سيرته قليلة فلا نعلم تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته، غير انه ذكر ان له ابن أخ اسمه يونان اكمل دراسته في روما ثم رجع بعدها إلى حلب عام 1670 م.

بدأت رحلة إلياس بن حنا الكلداني الموصلي إلى أمريكا في ربيع عام  1668 م، إذ انطلق من بغداد إلى الشام قاصدا بيت المقدس، ثم توجه بعدها إلى مدينة حلب التي مكث فيها أياما ليغادرها إلى ميناء الإسكندرونة، بعدها استقل مركبا قاصدا أوروبا، وأمضى 70 يوما من الإبحار، مر خلالها في قبرص وكريت، حتى وصل إلى البندقية، ومكث في الحجر الصحي 40 يوما، وبعدها أخذ يتنزه لمدة 20 يوما، ثم غادر إلى روما ومكث فيها ستة أشهر، ثم غادرها عبر فلورنسا وليفورنا وجنوا إلى فرنسا، فتوجه من مرسيليا إلى أوبنيون فليون التي فيها التقى القنصل الفرنسي السابق في حلب وبغداد، وفي باريس زار الملك لويس الرابع، ونال منه حفاوة وتكريما، ثم قصد إسبانيا ووصل مدريد حاملا رسائل من البابا إكليمونس التاسع إلى ملكة إسبانيا، ثم مضى بجولات بين المقاطعات الإيطالية وجزائرها، ليعود بعدها إلى مدريد فاستقبلته الملكة ثانية، ومنها توجه إلى البرتغال، وفي لشبونة أقام مدة سبعة أشهر، ثم عاد إلى مدريد والتقى ملكة إسبانيا التي أعطته تصريحا يجيز له العبور إلى أمريكا أو كما يسميها (بلاد هند الغرب).

في شباط عام 1675 بعد مرور سبع سنوات على مغادرته بغداد، وصل الرحالة إلياس الكلداني الموصلي إلى قادش، وفيها التقى دون نيقلاس ده كوردووا جنرال السفن الذي خصص له غرفة في السفينة الملكية التي تبحر إلى أمريكا مرة كل ثلاث سنوات، وفي طريقه إلى أمريكا مر الموصلي بجزر الكناري ليصل بعد ذلك إلى أول مدينة في العالم الجديد وهي كراكاس، فجزيرة مرجريتا، فكرتاخينا، وبورتوبيلو في فنزويلا، ثم إلى بنما، ومر خلالها بعديد من المدن والقرى والجزر، وتجول في البيرو وكواتيمالا، وكولومبيا، وتشيلي وبوليفيا، ووصل إلى مناطق خط الاستواء، وزار مناجم الفضة والذهب والزئبق في المستعمرات، وفي طريق عودته إلى أوروبا، بعد سياحة دامت ثماني سنوات، زار المكسيك أو كما يسميها بلاد ينكي دنيا، وأمريكا الوسطى، وتوقف في جزيرة كوبا.

في عام 1683 ركب سفينة متوجهة من كوبا إلى إسبانيا ثم روما، ويرجح أنه عاش بقية عمره في روما، ومات ودفن فيها، لوجود إشارة إلى كتاب طبع بالعربية في روما عام 1692 على نفقة إلياس الموصلي، تحدث الموصلي في رحلته عن مشاهداته وفي بعضها غرابة، ومن عناوين فصول رحلته، جزيرة السلاحف، خزنة الملك، النبات القاتل، وصف التمساح قيمان، القصب الشاهق، مدينة الذهب، جبال من ذهب، أرض الزئبق، المياه المتحجرة، سهام الهنود ورصاص الإسبان، الزلزال.

صاحب الرّحلة قسّ كاثوليكي قام برحلته لأسبابٍ ودوافعَ غير معروفة على وجه الدقّة، وإن كان من المرجّح لدى معظم الباحثين، ولدى كراتشوفسكي صاحب (الأدب الجغرافي العربي) أنه ربّما قام بمهمّة لحساب البابوية، أو التّاج الإسباني، أو لكليْهما معاً، لا شكّ إذن أن هذه الرحلة كانت لها أهداف وقد تمّت بمعرفة البابا، وفي ذلك يقول (فأنعم عليّ البابا إينوسينسيو الحادي عشر صاحب الذّكر الصالح بوظائف (وظائف) لم أكن أهلا لها، كما أنّ هذه الرحلة تمّت بموافقة ملك إسبانيا، إذ كما يقول هو نفسه: ( لأنه لا يقدر غريب أن يجوز إلى بلاد الهند إن لم يكن معه أمر من الملك، وكان في ذلك الزّمان رسول البابا في مدريد يسمّى الكاردينال ماريسكوتي وهذا المبارك ساعدني، كما يفصح الموصلي عن الغاية التبشيرية لرحلته فيقول: (فسبيلنا أن نبرهن ونبيّن رجوع هذه الطوائف إلى الإيمان الحقيقي واحتضانهم للكنيسة).

ولا شكّ أن لهذه الرحلة أهمية تاريخية لما تتضمّنه من أخبار وقصص وحكايات عن تلك البلدان النائية، خاصة أنّ كلّ ما تمّ تسجيله فيها كتبه الموصلي بلغته الأصلية وهي العربية، وقد عمل الرحالة على ترجمة الكلمات الإسبانية فيها وردّها إلى اللغة العربية، والطريف أنّ بعض الكلمات التي ظنّها إسبانية هي من أصل عربي!

وأهمها الدافع الديني المستضيء بسيرة المسيح وأتباعه من المخلصين الذين(كانت أشعة أنوارهم تشرق وتنير تلك الأقاليم المظلمة، حتى إنهما بكرازتهم طهروا المسكونة من عبادة الأوثان، وأرجعوهم من الضلالة والطغيان، واختاروا لهم تلاميذ وأخلافا، وخولوا تلك المواهب وإنعام الروح القدس، لكي يتولوا من بعدهم الرئاسة والتدبير، جيلا بعد جيل، مداومين إلى انقضاء العالمين، والمقولة تشير الى دور رجال الدين في تأسيس مملكة الله من طرف جماعة التبشير بعد زيارة القدس، بملابساته الدعوية، والذي سيكون المحفز على السفر نحو العالم الرابع، (العالم الجديد أو الهند الغربية)، الذي (كان مخفيا عن الأبصار ومستورا عن الأفكار، حتى أن القديس العظيم معلم الكنيسة المقدسة مار أغسطينوس كان يظن أن هذا الإقليم غير مسكون من البشر).

سجّل الموصلي خلال رحلته مختلف عادات وتقاليد السكان ألأصليين ومنها ما بدا له أنها مستحبّة، ومنها ما بدا له مستهجنه ممّا يضفي على نصوصه قيمة تاريخية مهمة، وهكذا يصف لنا عادات الزواج في بانكاي فيقول: (وهذا الحاكم لمّا وصلنا إلى ليما تجوّز (تزوّج) مع بنت أعطته نقداً مئة وخمسين ألف غرش كعادة بلاد النصارى، أن البنت تعطي نقداً للرجل حسب حالها)، ويقول عن عادة أكل لحم البشر: (هؤلاء الهنود عندما كانوا يحاربون السبنيولية (الإسبان) كانوا إذا أمسكوا أحداً منهم يشوونه ويأكلون لحمَه، وأما الرأس فيقطعون جمجمته ويعملونها طاسة ويشربون بها)، وفي ضواحي كيتو يصف لنا أناساً (يصير لهم مثل غدة كبيرة نازلة تحت حلوقهم، وليس لهم ذقون بل بعض شعرات ثابتة في حنكهم، وأنا لأنني كنت رجلاً كاملَ اللحية كانوا يتعجّبون منّي قائلين إنني ذو شجاعة شديدة بحيث جزتُ تلك البلاد).

وعن دار السكّة في البيرو يقول: (ورحتُ إلى البيت الذي يضربون فيه سكّة الدنانير من غروش وأنصاف أرباع، وفي هذا البيت (السكتخانة) رأينا الغروش مكوّمة على الأرض ويدوسونها بأرجلهم مثل ما يدوسون التراب الذي لا قيمة له). وعن ليما يقول (وفي هذه البلدة زلازل عدّة وفي ذلك الحين صارت زلزلة كبيرة فخرج الناس من البلدة لخوفهم لأنه سقطت منازل كثيرة مع بعضها كنائس). وعن الغلاء في ليما عاصمــــة البيرو يقول: (وهذه البلدة غالية المعاش بهذا المقدار حتى أنّ الدجاجة تساوي غرشاً ونصف غرش).

وعن كوبا يقول: (هذه الجزيرة هواها مليح، وماؤها طيّب، وأناسها محبّون، فلما أردت أن أخرج منها حتى أتوجّه إلى إسبانية جاءني حاكمها بشاكيش (البقشيش أو البخشيش) تسعة صناديق سكّر مع مرطّبانات المُربّى)

لم يتعرّض الموصلي خلال هذه الرحلة للجوانب الاجتماعية في العمق ولِمَا كان يعانيه السكّان الأصليّون من تعنّت، وتعذيب وملاحقة من طرف الغزاة الإسبان، وما كانوا يسومون هؤلاء السكّان من سوء المعاملة والاحتقار، ومن إتلاف لآثارهم، وتدمير لمعالمهم التاريخية، وتشويه لحضارتهم، وطمس لعاداتهم، وتقاليدهم، وإحراق لكتبهم ومخطوطاتهم.

كما لم يتعرّض البتّة إلى التأثير الإسلامي في مختلف هذه البلدان، خاصّة في فنون العمارة والمعمار وفي اللغة والطبخ والموسيقى ومختلف أوجه الحياة العامة في ذلك الوقت المبكّر، حيث نقل الاسبان هذه التأثيرات والفنون معهم إلى العالم الجديد كما يؤكّد ذلك معظم الدارسين والباحثين المتخصّصين الثقات في هذا المجال، خاصّةً أنّ جميع المدن والحواضر الكبرى التي زارها الموصلي ما زالت تحتفظ إلى يومنا هذا بالعديد من المآثر والآثار والمباني والدّور والقصور ذات التأثيرات الأندلسية الواضحة، والفنون الإسلامية التي لا يرقى إليها شكّ ولا ريبة .

يصف الخوري الياس العجائب والغرائب في هذه الرحلة الطويلة، فالرحلة وسيلة الإنسان لكسب المعرفة، والتعرف على البيئة والإنسان الذي يعيش فيها منذ أقدم العصور، ولاتزال الرحلة من أنجح وسائل الإنسان في الحصول على المعرفة، ولهذا السبب حظيت الرحلة باهتمام القدماء والمحدثين على حد سواء، كما احتفى العلماء بما قدمته الرحلة من إسهامات ساعدت على اكتشاف مختلف البيئات، والتعرف على نشاط الإنسان في رحابها، ومن ثم تسابق العلماء والباحثون على تقديم الأوصاف الجليلة، التي أسبغوها بكرم شديد على الرحلة.

الرّحلة سياحة حافلة بالمفاجآت والقصص والحكايات، وهناك جوانب عديدة فيها تستحق التأمّل إذ أن المعلومات التي تتضمّنها غزيرة ومتنوّعة وقد يتقبّلها العقل أو تنأى عن التصديق، ولكنها لا تخلو من طرافة. ولا يترك رحالنا صغيرة ولا كبيرة إلا ويوفيها حقّها من الوصف، حيث نقل لنا مختلف التقاليد والأوضاع، والحيوان والطيور والجوارح والعمران والبنايات، والمعادن وكيفية استخراجها والمواشي والزواحف وعمليات القرصنة، فضلاً عن الطقس والمبادلات التجارية والمقايضة وتجارة العبيد وعادات الدفن والزّواج، والزلازل، وغيرها من الأخبار المثيرة.

يؤكد الخوري أن العناية الالهية كانت معه، والعذراء مريم حمايته ونجته من عدة مواقف صعبة في البحر والبر وهنا نذكر جزء بسيط من رحلته على سبيل المثال، عندما يصف المناخ يقول: (ثمّ صعدنا إلى جبل ولا زالت الرياح والبرد شديدا، فابتدأت تتغيّر أمزجتنا وتقيّأنا بسبب اننا خرجنا من أرض شديدة السخونة، وجزنا عاجلا إلى أرض باردة، ويتابع حديثه ما كان لهم في هذه المدينة مواشي، سوى واحد يشبه الجمل بقدر الحمار وحدبته في صدره يحملون عليه ويأكلون لحمَه، ولكنه لا يسافر بعيداً فلمّا يتعب ينام، ويزبد ويتفل على أصحابه).

ويتابع وصفه لبعض الجزر والمدن يقول: وصلنا إلى جزيرة  تسمى مرغريتا، (ذكروا لنا عن الجزيرة أنها من مدة عشرين سنة كان الغطاسون في البحر، يخرجون صدف اللؤلؤ البليغ في الكبير والشريف باللون، فذات يوم بينما كانوا يستخرجونه، نذروا على انفسهم أن أول شيء يخرجونه في ذاك النهار من اللؤلؤ، يدفعونه إلى كنيسة مريم العذراء، فلما نظروا أنهم اخرجوا لؤلؤ كبير غالي الثمين ندموا بذاتهم، وقالوا أن غدا يكون على اسم مريم العذراء، وأيضا غطسوا وأخرجوا اللؤلؤ فوجدوه اجود واحسن من الأول، فطمعوا كذلك وقالوا نهار الغد نفي بوعدنا إلى العذراء، حتى اليوم الرابع انحدر الغطاسون كعادتهم ليخرجوا اللؤلؤ فما وجدوا شيئا ابدا والى يومنا هذا ما بقوا يجدون لؤلؤ في  ذلك البحر).

وعن قلعة ماتشو بيتشو (Machu Picchu) في بيرو يقول: (وجدنا أجناساً من الحيوانات منها أيّل وبقر وحشية، وجنس حيوان آخر يسمّى بيكونيا (Vicugna) وهو قويّ وأنيس لمّا يرى أناسا أم دواباً مجتازين، ينحدر من الجبل ليتفرّج عليهم ولحمه لا يأكله غير الهنود، وفي بطنه يوجد حجر البازهر (الترياق)  (Bezoar) بين كليتيه فيخرجونه ويبيعونه بثمنٍ غالٍ لأنه نافع للسّموم).

ويقول: (سافرنا إلى بلدة تسمى بورتو بلو (Portobello) في هذه البلدة نوع من الدبيب إذا تغافل عنها الانسان تدخل في جسمه، ومن بعد أربعة أو خمسة أيام تكبر وتصير قدر حمصة ويخرجونا بإبرة دون ان يفقعوها ويضعونها على جمرة نار تنفجر مثل الفرقعة، وإذا لم يخرجونها أو يفقعوها داخل الجسم فيتورم الجسم ويموت الانسان المصاب بها)، (وفي هذا البلد يوجد خفاش الليل، كبير يجيء إلى الانسان وهو نائم ويبدأ مص دمه وستفرغه، وبجناحي يهوى على ذلك الانسان ليطيب له النوم، ولايزال يمص الدم ويتقيأ الدم إلى ان يفيق الانسان نصف غثيان من كثرة الدم الذي خرج منه).

ثم يتابع حديثه: (قاسينا في هذه البلدة من الحر والمطر اربعين يوماً، والتجار يبيعون بضائعهم، فلما ادخلوا خزينة الملك إلى هذه البلدة، ارسلني الجنرال حتى اتفرج عليها، فرأت شيئا لا يحصى من الفضة والذهب، بعد ذلك احببت الذهاب إلى مدينة تسمى صانتافة (Santa Fe) يستخرجون حجر الزمرد، لكن الجنرال نصحني ومنعني من ذلك لوجود حيات مسمومة تقتل الناس والمسافة بعيدة والذهاب اليها بواسطة النهر). 

بعدها وصلت إلى البيرو بمرافقة بعض التجار، استكريت ثلاثة بغال بتسعين قرشا، وأما الحاكم فلن يسمح لي الذهاب وحدي إلى الجبال، (بسبب وجود فيها نوع من الحشيش يشبه الخيزران الرفيع، فلما يمر عليه رجل ابيض عابر الطريق يرتفع من الأرض مثل العمود ويمس الانسان، ولا يشفى منها المصاب بهذه اللمسة إلى الموت، ولكنة لا يمس الهنود العبيد ولا يضرهم، فلما سمعت هذا الكلام من الحاكم، قلت له لا اصدق، إن لم أرى بعيني، فقام وارسل معي خادمه، وهو احمر حتى يريني ذلك الحشيش، جاء الخادم إلى جانب فرسي واختفى، رأيت الحشيش وهو بعيد عشرة اذرع عن الدرب، إلا وارتفع وأمتد أن يجيء يلدغني فخرج الأحمر، وصاح دونك يا كلب، فلما صاح عليه وقع على الأرض وأنا شاهدت بعيني. )

(وأيضا في هذا الجبل رأيت اغصانا معدلة من غير ورق، ففي كل غصن ثلاث جوزات مثل القطن، فإذا انفتح    جانب الجوزة رأيت داخلها حمامة بيضاء، بجناحيها ومنقارها الاحمر وعيونها السوداء، فهذه يسمونها زهرة الروح القدس، وكثير من الحكام ارادوا أن يحضروها ويزرعوها في إسبانيا لكنهم لم يقدروا ).

وصلنا إلى ميناء يسمى سانتا ايلينا (أي القديسة هيلانة) (مقاطعة سانتا إيلينا هي مقاطعة في الإكوادور في المنطقة الساحلية)، بقينا على الأرض خمسة أيام ومن خوف شر البحر قصدنا أن نمشي في البر وصار لنا تعب عظيم لبعد الدرب، حينئذ أخبروني ان في هذا الميناء رجل من الهنود عمره مائة وخمسون سنة، فقصدت أن اروح أزوره فنظرته صحيح الجسم عتيق الايام، فأبتدئ يحكي لنا الأيام السالفة وذكر لنا أن بالقرب من الميناء على بعد فرسخ واحد يوجد مغارة وهناك مدفونون أناس من الجبابرة، وكان والده قد أخبره (أن الهنود يظنون أن المراكب حيتان، وقلاع المراكب يظنونها جناح الحيتان، لأنهم لم يروا مركبا من قبل، ولما كان ينظرون إلى الخيل وراكبيها كانوا يظنون انهم قطعة واحدة).

صار لي رغبة بالذهاب إلى تلك المغارة، بعد ما سمعت عن الذي جرى للجبابرة، (اخذت معي اثني عشر نفرا من الهنود مع سلاحهم قاصدين تلك المغارة، فعند وصلنا اليها أشعلنا الشمع الذي كان معنا، خوفا من أن نضيع داخل المغارة، وكل عشرة خطوات اوقفنا رجلا في يده الضوء، وأنا اتقدمهم وبيدي سيف مسلول، وصلت إلى موضع العظام، فنظرتها ثخينة وأما الجماجم فكانت كبيرة جدا، فقمت وقلعت من أحد الجماجم ضرسا يزن مائة مثقال لثقله، وأيضا تأملت في عظام الساق وقست أحدها فكان خمسة اشبار، وعمل أحد المصورين قياسا وتخمينا لهذا الجسم، فوجد ارتفاعه خمسة وعشرين شبرا، ثم خرجنا من المغارة متعجبين واخذت الضرس المذكور معي) 

وعن بلدة غواياكيل(Guayaquil) يقول: توجد بساتين فيها جنس أشجار تشبه التوت تحمل ثمرة تسمّى كاكاو ويعملون منها الشكولاتة، وهذا الثمر تراه مثل البطيخ متعلقاً وملتصقاً على جسم الشجرة فلما يبلغ ويصفرّ يأخذونه ويقطّعونه وفي داخله يخرج الثمر وهو حبوب أخشن من الفستق، ثمّ ييبّسونه حتى ينشف، وبعد ذلك يلقونه فتراه كالقهوة في اللون والطعم والرائحة، لكنه كثير الدّهن ومن دسامته يصير مثل العجين. وعن قصب السكّر يقول: وفي كيتو (عاصمة الإكوادور حالياً)، يوجد جنس قصب ارتفاعه أربعون ذراعاً يجعلونه الصّواري أعني غطاء لسقف البيوت والبعض منه ممتلئ ماء أبيض وحلو وأنا شربتُ منه.

سجّل الموصلي خلال رحلته مختلف عادات وتقاليد السكان الأصليين ومنها ما بدا له أنها مستحبّة، ومنها ما بدا له مستهجنه ممّا يضفي على نصوصه قيمة تاريخية مهمة، وهكذا يصف لنا عادات الزواج في بانكاي فيقول: (وهذا الحاكم لمّا وصلنا إلى ليما تجوّز (تزوّج) مع بنت أعطته نقداً مئة وخمسين ألف قرش كعادة بلاد النصارى، أن البنت تعطي نقداً للرجل حسب حالها)، ويقول عن عادة أكل لحم البشر: (هؤلاء الهنود عندما كانوا يحاربون الإسبان كانوا إذا أمسكوا أحداً منهم يشوونه ويأكلون لحمَه، وأما الرأس فيقطعون جمجمته ويعملونها طاسة ويشربون بها)، وفي ضواحي كيتو يصف لنا أناساً (يصير لهم مثل غدة كبيرة نازلة تحت حلوقهم، وليس لهم ذقون بل بعض شعرات ثابتة في حنكهم، وأنا لأنني كنت رجلاً كاملَ اللحية كانوا يتعجّبون منّي قائلين إنني ذو شجاعة شديدة بحيث جزتُ تلك البلاد).

في الختام تعتبر رحلة الموصلي الكلداني، أوّل رحّالة أو سائحٍ كلداني، وأوّلَ سيّاحة شرقية حافلة بالأخبار والمعلومات، التي سجّلها لنا هذا الرحال، ويصف لنا تلك الدّيار البعيدة والأصقاع النائية. ولا شكّ أن لهذه الرحلة أهمية تاريخية لما تتضمّنه من أخبار وقصص وحكايات عن تلك البلدان النائية، خاصة أنّ كلّ ما تمّ تسجيله فيها كتبه الموصلي بلغته الأصلية وهي العربية، وأهمها الدافع الديني المستضيء بسيرة المسيح وأتباعه من المخلصين.

 

اعداد: بدري نوئيل يوسف

----------------

المصدر

الأب انطون رباط اليسوعي مجلة المشرق.

الذهب والعاصفة.. نوري الجراح صدر عن دار السويدي كتاب عن هذه الرحلة بعنوان (الذّهب والعاصفة)

نشرت النشرة الثانية بعد سبعين سنة على يد الباحثة العراقية ابتهاج الرّاضي.

عبد الرحيم مؤدن . الرحالة والرحلة المضادة: رحلة إلياس الموصلي إلى أمريكا .

 












أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6065 ثانية