عشتار تيفي كوم - الفاتيكان نيوز/
في إطار احتفالات يوبيل الكهنة، ترأس قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح الجمعة، في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان، القداس الإلهي بمناسبة عيد قلب يسوع الأقدس، الذي يصادف أيضًا يوم تقديس الكهنة. وقد تميّز هذا الاحتفال بمنح السيامة الكهنوتية لاثنين وثلاثين شماسًا قدموا من مختلف أنحاء العالم. وفي عظته، وجّه البابا كلمة مؤثرة إلى الكهنة الحاضرين، وبشكل خاص إلى الذين سينالون السيامة الكهنوتيّة، مشددًا على مركزية قلب يسوع كمصدر للحب والمصالحة والوحدة.
قال البابا لاوُن الرابع عشر اليوم، في عيد قلب يسوع الأقدس، وفي يوم تقديس الكهنة، نحتفل بفرح بهذه الإفخارستيا في يوبيل الكهنة. أتوجه، إذًا، أولاً إليكم، أيها الإخوة الكهنة الأحباء، أنتم الذين جئتم إلى ضريح الرسول بطرس لتعبروا الباب المقدس، لتغمروا مجدّدًا ثوب معموديّتكم وثوب كهنوتكم في قلب المخلّص. بالنسبة للبعض منكم، هذه البادرة تتمُّ في يوم فريد في حياتهم: يوم السيامة الكهنوتية. إنّ التحدّث عن قلب المسيح في هذا الإطار هو تحدّث حول سرّ تجسّد الرب وموته وقيامته، الذي أوكل إلينا بشكل خاص لكي نجعله حاضرًا في العالم. لذلك، وفي ضوء القراءات التي سمعناها، نتأمل معًا حول كيف يمكننا أن نُسهم في عمل الخلاص هذا.
تابع الأب الأقدس يقول في القراءة الأولى، يحدثنا النبي حزقيال عن الله كراعٍ يتفقد قطيعه، ويعدّ خرافه واحدًا تلو الآخر: يبحث عن الضال، ويضمِّد الجريح، ويعضد الضعيف والمريض. ويذكّرنا هكذا، في زمن مليء بالصراعات الكبيرة والمروعة، أن محبة الرب، التي نحن مدعوون لأن نسمح لها بأن تعانقنا وتصوغنا، هي محبة شاملة، وأنه لا مكان في نظره – وبالتالي في نظرنا – لأي انقسام أو كراهية من أي نوع كان. في القراءة الثانية (راجع رومية ٥، ٥-١١)، يذكّرنا القديس بولس بأن الله قد صالحنا معه "لما كنا لا نزال ضعفاء" و"خاطئين"، ويدعونا لأن نستسلم للعمل المحوِّل لروحه الذي يقيم فينا، في مسيرة ارتداد يومية. إن رجاءنا مؤسس على الوعي بأن الرب لا يتركنا أبدًا: بل يرافقنا على الدوام. لكننا نحن مدعوون للتعاون معه، وذلك أولاً من خلال وضع الإفخارستيا في محور حياتنا، لأنها "ينبوع وقمة الحياة المسيحية كلها"؛ ثم من خلال النوال المثمر للأسرار، ولا سيما سرّ الاعتراف المنتظم؛ وأخيرًا بالصلاة، والتأمل في كلمة الله، وممارسة المحبة، لكي يتطابق قلبنا أكثر فأكثر مع قلب "أب المراحم".
أضاف الحبر الأعظم يقول وهذا يقودنا إلى الإنجيل الذي سمعناه (راجع لوقا ١٥، ٣-٧)، والذي يحدثنا عن فرح الله – وفرح كل راعٍ يحب بحسب قلبه – بعودة خروف واحد من خرافه إلى الحظيرة. إنها دعوة لكي نعيش المحبة الرعوية بنفس روح الآب الكبيرة، فنزرع في داخلنا رغبته: ألا يضيع أحد، بل أن يعرف الجميع، ومن خلالنا أيضًا، المسيح وينالوا فيه الحياة الأبدية. إنها دعوة لكي نكون متحدين بيسوع بشكل حميم، هو بذرة الوئام وسط الإخوة، ونحمل على أكتافنا الذي ضلّ، ونمنح المغفرة للذي أخطأ، ونبحث عن الذي ابتعد أو تم استبعاده، ونعالج الذي يتألم في الجسد أو في الروح، في تبادل محبّة عظيم، يولد من جنب المسيح المطعون على الصليب، ويغمر جميع البشر ويملأ العالم. وقد كتب البابا فرنسيس في هذا السياق: "من جرح جنب المسيح لا يزال يتدفق ذلك النهر الذي لا ينضب، ولا يزول، والذي يُقدم نفسه مجدّدًا وعلى الدوام لمن يريد أن يحب. وحده حبه يجعل إنسانية جديدة ممكنة".
تابع الأب الأقدس يقول إنّ الخدمة الكهنوتية هي خدمة تقديس ومصالحة من أجل وحدة جسد المسيح. ولهذا، يطلب المجمع الفاتيكاني الثاني من الكهنة أن يبذلوا كل جهد "لكي يقودوا الجميع إلى الوحدة في المحبة"، من خلال تناغم الاختلافات، لكي "لا يشعر أحد بأنه غريب". كما يوصيهم بأن يكونوا متحدين بالأسقف وبالجماعة الكهنوتية. لأنه كلما ازدادت الوحدة بيننا، استطعنا أن نقود الآخرين إلى حظيرة الراعي الصالح، لكي نعيش كإخوة في بيت الآب الواحد. لقد تحدث القديس أوغسطينوس في هذا السياق، في عظة ألقاها بمناسبة ذكرى سيامته، عن ثمرة فرِحة للشركة التي توحد المؤمنين والكهنة والأساقفة، وتجد جذورها في الإحساس بأننا جميعًا مفتَدَون ومخلَّصون بالنعمة عينها وبالرحمة عينها. وقد قال في ذلك السياق عبارته الشهيرة: "من أجلكم أنا أسقف، ومعكم أنا مسيحي".
أضاف الحبر الأعظم يقول في القدّاس الاحتفالي لبداية حبريّتي، عبّرت أمام شعب الله عن رغبة عظيمة: "كنيسة متّحدة، علامة للوحدة والشركة، تصبح خميرة لعالمٍ متصالح". وأعود اليوم لأشارككم هذه الرغبة جميعًا: متصالَحين، متّحدين، تحوِّلنا المحبّة المتدفقة بغزارة من قلب المسيح، لنسِر معًا، في أثره بتواضع وعزيمة، ثابتين في الإيمان ومنفتحين على الجميع في المحبّة، ولنحمل إلى العالم سلام القائم من الموت، بتلك الحريّة التي تنبع من وعينا بأننا محبوبون، مختارون، ومرسَلون من الآب.
والآن، تابع الأب الأقدس يقول قبل أن أختم، أوجّه كلمتي إليكم، أيها الأعزاء، أنتم الذين ستصبحون كهنةً بعد قليل، بوضع يد الأسقف، وبحلول متجدد للروح القدس. أقول لكم بعض الأمور البسيطة، لكني أعتبرها أساسية لمستقبلكم ولمستقبل النفوس التي ستوكل إليكم: أحبّوا الله والإخوة. كونوا أسخياء، متحمّسين في الاحتفال بالأسرار، في الصلاة، ولاسيما في السجود أمام القربان، وفي الخدمة الكهنوتية. كونوا قريبين من قطيعكم، وأعطوا وقتكم وجهودكم للجميع، بدون أن توفّروا أنفسكم، وبدون تمييز، كما يعلّمنا جنب المصلوب المطعون ومثال القديسين.
أضاف الحبر الأعظم يقول وفي هذا السياق، تذكّروا أن الكنيسة، في تاريخها الذي يمتد لألفي سنة، قد أنجبت – وما زالت تنجب – شخصيات رائعة من القداسة الكهنوتية: منذ جماعاتها الأولى، عرفت الكنيسة بين كهنتها شهداء، ورسلًا لا يعرفون التعب، ومرسلين، وعمالقة في المحبة. إكتنزوا هذا الغنى الكبير: اهتمّوا بسيرهم، ادرسوا حياتهم وأعمالهم، اقتدوا بفضائلهم، واسمحوا لحماستهم بأن تُلهب قلوبكم، واطلبوا شفاعتهم بإلحاح. إن عالمنا اليوم يقدّم لنا غالبًا نماذج باطلة للنجاح والمكانة، فلا تنخدعوا بها! ولكن انظروا إلى النموذج الثابت والثمار الخفية والمتواضعة للرسالة، الذين خدموا الرب والإخوة في حياتهم بإيمان وإخلاص، وواصلوا ذكراهم بأمانتكم.
وفي الختام، خلص البابا لاوُن الرابع عشر إلى القول لنوكل أنفسنا جميعًا للحماية الوالديّة للطوباوية مريم العذراء، أمّ الكهنة وأمّ الرجاء: لترافقنا وتعضد خطواتنا، لكي نتمكّن، يومًا بعد يوم، من أن نصيغ قلوبنا على مثال قلب المسيح، الراعي الأسمى والأبدي.