البعض منا، للأسف، يجد متعة في الخوض في حياة الآخرين، وتحليل أخبارهم، ونشرها، وكأنها رياضة مفضلة. تتجلى هذه السلوكيات في النميمة، النفاق، ومراقبة الناس وتداول أخبارهم بشكل معيب ومخجل. إنها هوايات مدمرة لا تضر فقط من يتحدث عنهم، بل تدمر أيضاً سمعة من يمارسها، وتجعله مكروهاً في عيون الناس، و"نجساً" في نظر الآخرين، كما ينبهنا الكتاب المقدس.
ثقافة النميمة والتطفل: سموم في المجتمع
تخيل مجتمعاً يقوم أفراده فيه بنسج شبكة من الأقاويل والظنون حول بعضهم البعض. هل هذا مجتمع صحي؟ بالتأكيد لا. النميمة ليست مجرد أحاديث عابرة، بل هي سموم تنتشر في النسيج الاجتماعي، وتقوض الثقة، وتخلق العداوات. عندما تتداول أخبار الآخرين، خاصة تلك التي قد تكون خاصة أو محرجة، فإنك لا تنتهك خصوصياتهم فحسب، بل تظهر أيضاً قلة احترام ونقصاً في الأخلاق.
وفي هذا السياق، يذكرنا الكتاب المقدس بكلمات بليغة وذات مغزى في (رسالة أفسس ٤: ٢٩) لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ."
لتكن كلماتنا دائمًا نعمةً تُعلي من شأن من يسمعها وتُقويه ونتجنب الكلام المُسيء .كم هو مُدمرٌ ومُدمرٌ حقًا عندما تتدفق الكلام الفارغ وغير اللائق، أو كلمات النقد والقذف والغيبة، من أفواهنا، مُهدمةً شخصية الآخرين. فلنبذل قصارى جهدنا لضمان عدم خروج أي كلمة مُسيئة من أفواهنا. وأن نحرص إلى الحديث البنّاء والمثمر الذي يرتقي بالناس ويزرع فيهم الخير، بعيدًا عن العبارات المُحبطة التي تبث الشقاق والبغضاء.
يجب أن تكون كلماتنا مصدر نعمة، تُبني وتُشجع كل من يُصغي.إنه لأمرٌ مُؤذٍ ومُدمرٌ للغاية عندما نُطلق تعليقاتٍ تافهة وغير لائقة، أو عباراتٍ قاسيةٍ كالحُكم والإدانة والهجوم على سمعة الآخرين. يجب أن نكون يقظين، ونسعى جاهدين لمنع أي كلامٍ مُفسدٍ من النطق به.
كم هو مؤذٍ وهادم أن يخرج من أفواهنا "كلام السفاهة والهزل الذي لا يليق"، أو أقوال النقد والمذمة والطعن في سير الآخرين، وكذلك النميمة والتطفل على خصوصيات الناس أو نقل أقاويلهم ليتنا نحرص على ألا تخرج من أفواهنا كلمة رديئة.
الانشغال بالآخرين: إهدار للوقت والطاقة
بدلاً من التركيز على تطوير الذات، وتحقيق الأهداف الشخصية، وتنمية المواهب، نجد البعض يغرق في تفاصيل حياة الآخرين. هذا الانشغال المفرط يؤدي إلى إهدار الوقت والطاقة الثمينتين، واللتين يمكن استغلالهما في أمور أكثر فائدة وبناءة. تخيل لو أن كل الطاقة التي تستهلك في النميمة استُثمرت في تعلم مهارة جديدة، أو مساعدة محتاج، أو حتى قضاء وقت ممتع مع الأحباء. بالتأكيد سيكون العالم مكاناً أفضل.
التحذير من النميمة في الكتاب المقدس
لا يقتصر التحذير من النميمة على الأخلاق العامة فحسب، بل نجده أيضاً في النصوص الدينية. الكتاب المقدس، ونجد الكثير من التنبيهات والتحذيرات المتعلقة بالتكلم عن الآخرين، على سبيل المثال، يحذر بشدة من هذه السلوكيات المدمرة. ففي( سفر الأمثال ٢٠: ١٩) نقرأ: "السَّاعِي بِالنَّمِيمَةِ يُفْشِي السِّرَّ. فَلاَ تُخَالِطْ مُتَفَتِّحَ الشَّفَتَيْنِ." هذه الآية تحذرنا من التحدث عن أسرار الآخرين، وتنصحنا بالابتعاد عن الذين يفعلون ذلك.
وفي (رسالة تيموثاوس الأولى ٥: ١٣ ) يُحذر من النساء اللواتي "يَطُفْنَ فِي الْبُيُوتِ مُتَعَلِّمَاتٍ وَبَطَّالاَتٍ، يَقُلْنَ وَيَفْعَلْنَ مَا لاَ يَلِيقُ." هذا يوضح أن التطفل والتدخل في شؤون الآخرين ليس مجرد عادة سيئة، بل هو سلوك غير لائق ومخالف للمبادئ الأخلاقية.
كن بناءً لا هدّاماً
في الختام، التدخل في شؤون الآخرين، ونشر النميمة، ومراقبة الناس هو سلوك مدمّر يعود بالسوء على فاعله قبل غيره. تذكر أن سمعتك تُبنى على أفعالك لا على ما تقوله عن الآخرين. كن شخصًا يبني، لا يهدم، وادعم مجتمعك بالاحترام والثقة، لا بالظنون والشائعات. اترك للآخرين خصوصيتهم، وركز على حياتك، وستجد أنك أكثر سعادة وقبولاً لدى الجميع.