عشتار تيفي كوم - بيروت تايمز/
كتب الاعلامي جورج ديب
في وقت تتجه فيه الأنظار إلى التسويات السياسية ومناخات الهدوء النسبي، يطل العنف الطائفي من جديد على الساحة السورية، وهذه المرّة من بوابة المسيحيين الذين يدفعون ثمناً قاسياً لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. هجوم فجره الغياب الأمني واللامبالاة الرسمية، أصاب كنيسة القديس ميخائيل للروم الملكيين الكاثوليك في السويداء، وتسبب بتهجير عشرات العائلات من المسيحيين والدروز، بينما بقيت قاعات الكنائس المتبقية شاهدة على ما يشبه النكبة المحلية.
وفي طرطوس، أحبط الأهالي بالتعاون مع القوى الأمنية محاولة لتفجير كنيسة مار إلياس المارونية في مشهد آخر يعكس حجم التهديدات التي تحاصر الوجود المسيحي في سوريا، حتى في مناطقه الساحلية التقليدية. المفارقة أن الإرهابيين وصلوا حتى أسوار الكنيسة ومعهم متفجرات ومنشورات تحريضية، لولا التنبه السريع من سكان قرية الخريبات الذين جنبوا البلاد مأساة جديدة.
المؤلم في المشهد ليس فقط ما حدث، بل ما لم يحدث: غياب التضامن العربي، التنديد الرسمي السوري الخجول، والصمت الدولي المدوي. المسيحيون في سوريا باتوا عرضة لتكرار سيناريوهات التهجير والحرق والتخويف، في ظل انتشار المجموعات المتطرفة التي تستغل هشاشة الدولة وتحول الاختلاف الديني إلى مادة للبطش والإرهاب.
في هذا السياق، يجب التشدد على ضرورة حماية الدور التاريخي للمسيحيين في الشرق، ورفض تحويلهم إلى أرقام في قوائم المنكوبين. فكنيسة تُحرق في السويداء، وسيارة مفخخة تُكتشف في طرطوس، ليستا مجرد حدثين عابرين بل مؤشرًا خطيرًا على مسار يتطلب صحوة جماعية، وإعادة ترتيب الأولويات، حيث يصبح الحفاظ على التنوع الديني مهمة أمن قومي وإنساني في آن.
دماء السوريين لا تُقاس بالانتماء الطائفي، والمسيحيون ليسوا أقلية ضعيفة بل جزءٌ أصيل من هوية البلاد. فليكن هذا الحدث الجلل نقطة تحوّل لا مناسبة لرثاءٍ جديد. التاريخ يُكتب اليوم، فإما أن ننقذه أو نعيد تمثيل مأساة لا تنتهي.