الراحل زياد الرحباني | مصدر الصورة: صفحة زياد الرحباني في فيسبوك
عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
بقلم: سهيل لاوند
بيروت, الأحد 27 يوليو، 2025
رحل زياد الرحباني، فيلسوف الموسيقى الشرقية المعاصرة، والمبدع الذي أنشأ مدرسة فنية فريدة. لم يكن ظلًّا لوالديه فيروز وعاصي، بل شقَّ طريقًا مستقلًّا وأسّس نهجًا اتسم بأعلى درجات التحرر والتجريب، لحنًا وكلمة.
كان زياد من الأشدّ جرأة في عصرنا، إذ خاض المحرّمات الاجتماعية والسياسية والدينية بوعي الفنان وصدق الإنسان وتواضعه. لمست أعماله الفنية قلوب الناس وضمائرهم بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم؛ وحتى أبناء الكنيسة لم يكونوا في منأى عن مشروعه الفنّي، فخصّهم بترانيم تحفظها كلّ شفة وقلب أبرزها «المجد لك أيها المسيح»، و«العالم جائع»، و«إلهي رفعت إليك يدي»، و«سيدي».
كشف الاقتصادي والأديب والباحث في التراث الرحباني جون طوبال عبر «آسي مينا»، أنّ زياد نشأ في بيئة فنية استثنائية، متأثرة بالموسيقى الكنسية، ولا سيما السريانية والبيزنطية. فقد تشرّبها والده وعمه، عاصي ومنصور، من الراهب الأنطوني بولس الأشقر الذي غرس فيهما أصولها.
وأضاف طوبال: «ولد زياد موهوبًا، وأتقن العزف على البيانو في سنّ السادسة. وبفضل عبقريته، كتب في عمر الثالثة عشرة خواطره الوجودية بعنوان "صديقي الله". وقبل أن يبلغ سنّ الرشد، لحّن عشرات الأغاني لخالته هدى ولمروان محفوظ، ثم لفيروز نفسها. وعندما لامس العشرين من عمره، قدّم خمس تراتيل روحية كتب كلمات بعضها، ضمن ألبوم ديني شمل أيضًا ترنيمتين من ألحان بشارة الخوري».
ووصف طوبال هذا الألبوم بـ«المدهش»، مشيرًا إلى أنّ زياد راعى فيه القوالب الكنسية البيزنطية والمارونية، ودمجها بتنويعات موسيقية حداثية، كما في ترنيمة «نحن ساهرون» التي لحنها بأسلوب الجاز وإيقاعاته. وذكر طوبال أنّ منصور الرحباني استعان بترتيلتَين من ألحان ابن شقيقه زياد -«كيرياليسون» و«طوبى للساعين إلى السلام»- ضمن عمله الكبير: القداس الإلهي الماروني، مطلع الألفية الجديدة.
وبيّن طوبال شغف زياد بالابتكار الموسيقي، واصفًا إياه بـ«كيميائي الموسيقى»، إذ كان يميل إلى مزج المقامات والسلالم الشرقية والغربية. ومن أبرز تجاربه في هذا السياق، إعادة توزيعه ترنيمة «يا مريم البكر»، ذات الأصل الحلبي، والتي غنتها فيروز؛ فضلًا عن توزيعه الجديد لأغنية «أنا لحبيبي وحبيبي إلي»، والتي يستند مطلعها إلى سفر نشيد الأنشاد في الكتاب المقدس.
وشدّد طوبال على أنّ زياد كان «إنسانًا» بملء المعنى، وأعماله الفنية تحمل الهم الإنساني بمآسيه وأفراحه. وختم: «قال عاصي الرحباني ذات يوم: "الفن ابن الوعي". وزياد هو الابن الأوفى لهذه المقولة، جسّدها من خلال أغانيه التي تنضح بالهم الإنساني الوجودي وحالاته مثل "إيه في أمل"، و"رفيقي صبحي الجيز"، و"كيفك إنت"، و"نزل السرور"، وغيرها».
الراحل زياد الرحباني. مصدر الصورة: صفحة تراتيل حمراء في فيسبوك