يسعى الإنسان ويبحث عن المتعة ليشعر بالراحة والسعادة والفرح . فالشعور بالمتعة ينبع من أمور قد تكون خارجية مادية أو سياسية أو روحية صوفية أو غيرها.
أما الأمل فهو شعور داخلي ينبع من عمق الإنسان وقد يحتاج إلى زمن طويل لتحقيقه ما يتأمل به في المستقبل، وقد يكون المستقبل بعيداً. قد يتعلق الأمر بالفرح المستدام، وقد يصادف الإنسان بالمشاكل والمخاطر قبل الوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوة.
رغبة الإنسان في الحياة السعيدة تحتاج إلى العيش بالفرح اليومي بعيداً عن الحزن واليأس والمشاكل لكي يتمتع بحياة هادئة ومستقرة. الفرح لا يصنعه المرء بمفردهِ بل يأتيه من الاخرين بوقوفهم معه وتشجيعهم له خاصة في أوقات معينة وضرورية يحتاج فيها إلى مؤازرتهم ومساعدتهم له في أعماله، ينال منهم المديح وأقوال وآراء مفيدة ليجعلوا منه شخصاً ناجحاً وسخياً فيشعر بمتعة النجاح والفرح.
الفرح هو سر الحياة والذي يبرز في أوقات معينة فتبرز العلاقة الحميمة بين القريبين والبعدين ويملأهم شعوراً بالانتماء إلى الحضيرة الإنسانية جمعاء في تنوعها واختلافها. في جمالها وألمها ومشاكلها، فعلى كل إنسان أن يكون مع القريبين منه والبعيدين في الأفراح والأحزان. وكما يطلب منا الرب في قوله: أفرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين . " رو 15:12".
المسيح يريدنا أن نكون فرحين في كل حين وذلك لأن الفرح هو وعدهُ لنا، لأن الفرح يعطينا معنى الحياة، والفرح الحقيقي يكمن عندما نجد أنفسنا في قلب يسوع، أو يسوع في قلوبنا والذي هو مصدر الفرح العظيم.
المتعة تتجلى في فرحنا. والفرح هو وعيّ يجب أن يزداد عمقاً يوماً بعد يوم فنكتشف به شخص المسيح في القريب، فنلتقيه ونفرح به من خلال علاقاتنا بالناس في آلامهم وأفراحهم. كل إنسان له رغبة في الفرح لكي تحرر من كل ما يعوق سعادتهِ وهذا يتم بمشاركته واتحاده مع القريب في السراء والضراء، حينذاك سيكتشف روعة حضور المسيح معه كما شعروا تلميذي عمواس، هكذا يظهر الفرح ويشع نور هذا الإنسان على كل من حوله. وبعيداً عن المسيح لا يمكن أن نشعر بالمتعة والفرح الحقيقي لوحدنا في السهرات الراقصة وفي الطعام والشراب والسفرات والتسوق ولا في إقتناء الأشياء الثمينة أو في الغنى، وذلك لأن فرح هذا العالم يبعدنا من آلام الآخرين فلا نستطيع أن نشاطرهم في أحزانهم لكي نواسيهم بسبب تجاهلنا لهم لانزلاقنا في منحني الفرح والمتعة. ومتعة هذا العالم هي خدعة الفرح الحقيقي. لأن متعة حياتنا الإنسانية تقوم على أساس علاقتنا بشخص آخر نتبادل معه الكلمة لكي ندخل معاً في دائرة حياة البشرية والتي تبدأ من الله الذي يعطي الحب الحقيقي لكي تحيا العلاقة والفرح في الصدق والحق متحررين من الفراغ والعزلة الداخلية والأنانية التي هي النقص الذي يؤدي إلى القلق والتقوقع على الذات، حينذاك نفقد متعة الفرح فنشتاق إلى حضور شخص بجانبنا لكي يملأ حياتنا فندخل في متعة الحياة مرة أخرى. والمتعة في حياتنا الزمنية تأخذ أشكالاً مختلفة. فهناك متعة حسية تأتينا أثناء تناول الطعام الشهي الذي نرغبه، أو عند الراحة والاستجمام، أو أثناء الجنس وشهوته، وسرعان ما يستسلم المرء للإدمان والسقوط والفشل فيشعر بالألم لأنه تجاوز الخط الفاصل بين المتعة والألم.
العالم من حولنا ينهال علينا بصور مختلفة تنادي أبعادنا الحسية، وتثير فينا المتعة في الغنى والالتهام والاستحواذ وتجعلنا ننزل بسرعة في طريق البحث عن المتعة بلا هوادة. فمن يستهويه الأكل والخمر والمخدرات يندفع نحوها بلا تعقل فيلتهم كل شىء بطمع.. ومن يستسلم لنزعاته الجنسية فيخسر الكثير من حياته من أجلها، لكنه سيكتشف لاحقاً بأنه خطأ إختيار الطريق الصحيح فيصطدم بجدار الفشل.
المتعة الحسية لها أبعاداً نفسية ومعنوية. فهناك من يجد متعة في التسلط على الآخرين والتحكم في مشاعرهم ومصائرهم مستغل ضعفهم وحاجاتهم.
ومتعة الإنسان قد تكون فكرية أو فلسفية فيجد باستخدام الكلام لإثارة إعجاب الناس والاستئثار بهم. أي المتعة تجعل الإنسان أنانياً فيتجاهل مشاعر وإحترام الآخرين فيبتعدون منه لكي يعيش في ظلام الفشل
والألم، وهكذا يقطع الخط الكائن بين المتعة والألم. وفي ظل متعة الخاطئ لا مكان للنصيحة، لأن لا موضع للآخرين في حياة الإنسان الذي يتجاوز الحدود.
متعة هذا العالم لا تستطيع أن تشبع الإنسان بمعزله، فيجب عليه أن ينتظر إلى الآخرين لكي يعلنوا له عن ذواتهم وآرائهم وحبهم، عندئذ يجد الفرح ممزوجاً بالمتعة.
في الصلاة يجد المؤمن المتعة فيضعها في خانة التعزية الروحية، لأنه لا يجد نفسه وحيداً بل مع الآخر الذي هو الله الذي يلمس قلبه ويعطي له الرجاء والفرح والسلام والاطمئنان. وهذا ما يجعله يحب كل الأشياء لا في لذاتها ، بل في خالقها.
المتعة والألم تختلط في أذهاننا تدريجياً فيتحول الألم إلى متعة بسبب الهدف الذي نسعى إليه فلا نهاب من الاضطهاد والآلام بل نريد الإستمرار من أجل التخطي نحو الأمام. هكذا يختلط الألم مع المتعة فيشعر في وقت الألم بالفرح والانتصار.
بين المتعة والألم خيط رفيع، ففي نهاية المتعة يشعر الإنسان بالإرهاق والإحباط، فهو لم يصل إلى الآخر كما ينبغي، فيجد نفسه في الفراغ والحسرة والألم. متعة الفرح تكمن في لقاء الآخر في حقيقته وبفضل حضوره فيتحول اللقاء إلى إنطلاقة جديدة نحو الفرح. ومعه يخطو على طريق الحياة، فنعرف معنى البذل والعطاء الذي يحررنا من أوهام المتعة وأشجان الألم فيقودنا نحو الفرح الحقيقي والنور والحياة الدائمة.
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"