عشتار تيفي كوم - اعلام البطريركية الكلدانية/
افتتح صباح يوم الاربعاء 15 تشرين الاول 2025 غبطة البطريرك الكردينال لويس روفائيل ساكو كنيسة الطاهرة في الموصل بمشاركة قداسة مار اغناطيوس افرام الثاني، بطريرك انطاكية وسائر المشرق والرئيس الاعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية ومشاركة سيادة المطران نجيب ميخائيل راعي الابرشية وعدد من السادة الاساقفة والآباء الكهنة والرهبان والراهبات وحضور معالي وزير الثقافة والسياحة والآثار السيد احمد فكاك البدراني والسيد عبد القادر الدخيل محافظ نينوى ومسؤولين في الحكومة وفي الدوائر الرسمية وسعادة السفير الفرنسي في العراق ومدير منظمة عمل الشرق الخيرية ووفد من اليونسكو وهيئة الآثار وجمع غفير من المؤمنين.
وفيما يلي كلمة غبطته :
شكر خاص لأخينا قداسة مار اغناطيوس افرم الثاني بطريرك انطاكيا وسائر المشرق وألرئيس ألاعلى للكنيسة السريانية في العالم
كما أرحب بمعالي وزير الثقافة والسياحة والآثار والسيد محافظ نينوى والسفير الفرنسي لدى العراق Patrick Durel. والقنصل العام في الموصل Fabrice Desplechin على حضورهم.
وكل الشكر والتقدير لسيادة المطران ميخائيل نجيب السامي الاحترام لمحافظته على تراثنا المكتوب “مركز المخطوطات”، وأيضا على متابعته شؤون كنيستنا في الموصل.
ولأصحاب السيادة الحضور من أساقفة وكهنة وراهبات وعلمانيين مع حفظ الألقاب.
شكر خاص للمحسنين منهم l’œuvre d’Orient , Mgr Hugues de Woillemont, qui a succédé à Mgr Pascal Gollnisch ومنظمة أليف التحالف الدولي لحماية التراث (اليونسكو)) بالتعاون مع الهيئة العامة للاثار والتراث في الموصل والمعهد الوطني للتراث الفرنسي. سنذكرهم وعوائلهم في صلواتنا لكي يكرمهم الرب على صدق محبتهم وسخائهم.
كما أتقدم بايات الشكر والامتنان لحكومة إقليم كردستان التي استقبلت المهجرين من بعض المدن العراقية بسبب الخطف والفدية والقتل قبل تهجير داعش للمسيحيين في الموصل وبلدان سهل نينوى عام 2014 ، فقد قدموا الى مدن وقرى الإقليم لما يتمتع به من أمان واستقرار انفتاح اجتماعي، وقد قامت الكنائس بتوفير السكن لهم والطعام والدراسة، فشكر خاص لبلدة عنكاوا و رئاسىة اسقفيتها والبلدات المسيحية الأخرى في عموم الإقليم على ما قدمته لهم.
أتذكر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانت للكلدان 13 كنيسة في الموصل بين قديمة وجديدة وثلاثة اديرة كبيرة في ضواحيها لدي اسمأؤها،كما كانت للطوائف الأخرى كنائسها. للأسف اليوم كلها متروكة. كان مقر البطريركية الكلدانية في محلة المياسة بالموصل قبل نقله الى بغداد في عام 1960.كانت هذه الكنائس تعجّ بالمؤمنين، وكنا نصلي من أجل نهاية حرب الخليج الأولى والثانية، وعودة السلام الى الوطن والحياة الطبيعية ووفرة العيش للعراقيين.
الموصل كانت حاضرة مسيحية قبل مجيء المسلمين في نهاية القرن السابع، كانت مليئة بالكنائس والأديرة. وكنيسة الطهرة التي نحتفل الآن بإفتتاحها كانت ديراً كبيراً يسمى الدير الأعلى. فيه رُتِّبَت طقوسنا الليتورجية جميعها في عهد البطريرك إيشوعياب الثالث المتوفى سنة 659. وهو من إستقبل المسلمين القادمين من شبه الجزيرة العربية.
الموصل مدينة الحضارة والثقافة والأصالة والتنوّع والتسامح والتلاحم بين الثقافات والأديان. في أحلك الظروف عبَّرت عن هذه الهوية المتنوعة والمتناغمة. في حملة نادر شاه على الموصل ومحاصرته لها سنة (1743)، تَجمَّع المسيحيون والمسلمون في هذه الكنيسة التي كانت مزارًا للمسيحيين والمسلمين، ورفعوا الصلوات من أجل مدينتهم ودافعوا عنها.فتراجع جنود الغزاة ونجَت المدينة بفضل وحدتهم.
عند استحواذ عناصر الدولة الإسلامية (داعش) على الموصل سنة 2014 وقاموا بتهجير المسيحيين منها، نهض الدكتور محمد العسلي في جامعة الموصل وقال لهم: ان هؤلاء مواطنون نعيش معهم بسلام فلماذا تقتلونهم وتهجّرونهم، فاُرديَ قتيلاً. أنا شخصياً أعتبره شهيداً حقاً.
ثم بعد التحرير كان الشباب المسلمون ومنهم محمد آل زكريا ورفاقه هم من نظفوا كنيسة البشارة وأعدّوها لأحتفل فيها بأول قداس. هذه العلامات المضيئة للعيش المشترك، تؤكد ان المشكلة ليست في المسيحية أو الإسلام، إنما في إستغلال الديانة لغايات أخرى.الدين معاملة.
علينا المحافظة على هذه الأصالة والتلاحم والتنوع الفريد بعيداً عن تدجين الدين والطائفية والفساد.
ما نحتفل به هذه الأيام إحتفاءً بترميم كاتدرائية مار توما للسريان الأرثوذكس وكنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك وكنيسة الساعة للاباء الدومنيكان وجامع النوري واليوم كنيسة الطهرة” للكلدان، ما هو إلّا أقوى تعبير عن اصالة الموصل وانفتاحها على الجميع. هذه علامات رجاء ورسائل ليست للموصليين، بل لكل العراقيين.
كل الشكر للمحافظ عبد القادر الدخيل على كل هذه الجهود المباركة. اما يستحق أن ندعوه بــ “الأصيل”! كما لا انسى مواقف سلفه الفريق نجم الجبوري الذي تعاونت معه وجلبت عدة شاحنات اغطية وأطعمة للموصل التي لم يكن فيها مسيحيون، لانهم هجروا؟
نحن المسيحيين، ليست لنا ميليشيات وإن وجدَت لا تنتمي الى الاخلاق المسيحية بشيء ولا نعترف بها على الاطلاق. نحن مسالمون لا نحمل السلاح، لان سلاحنا هو المحبة والاُخوّة والتعاون .. بالنسبة لنا العراق أولاً، ولاؤنا له وليس لغيره، ونحترم ونمد يدنا الى من يبني دولة قوية، دولة قانون وعدالة، ودولة مواطنة ومؤسسات. نحن المسيحيين نطالب بان نعيش بكامل حقوقنا كمواطنين متساوين من خلال استراتيجيات سياسية وقانونية واقتصادية وأمنية منسقة.
يجب ان يعود الموصليون خاصة والعراقيون عامة الى تجديد الثقة ببعضهم البعض وإقامة علاقات إنسانية وأخوية ووطنية صحيحة ولا فرق بين مواطن وآخر، للمحافظة على كرامتهم وتعزيز الاندماج الاجتماعي والوطني. وعلى المرجعيات الدينية دعم هذه الروحية الإنسانية والوطنية. الُتطرف والطائفية والموروثات الخاطئة لا تبني الدولة ولا السلام ولا العيش المشترك. بعد كل هذه الازمات التي عاشها العراقيون، ينبغي إعطاء الأولوية لبناء الانسان على قيم الاُخوّة الإنسانية وقبول الآخر المختلف واحترامه. هذه القيم ينبغي ان تكون مشروعاً أساسياً نتربّى عليه ونجسّده في حياتنا اليومية.
أسال الله الأمن والأمان للجميع.