
عشتار تيفي كوم - سيريك برس/
تشكّل الهوية السريانية المارونية في لبنان نتاج مسار طويل من الثبات الروحي والسياسي، تجلّى في محطّات مفصلية كان للقديس يوحنا مارون الثاني فيها حضور أساسي. فقد حمل هذا البطريرك إرث الكنيسة المارونية في أزمنة مضطربة منذ أواخر القرن السابع، وساهم في ترسيخ معالم الجماعة المارونية ككيانٍ ديني وثقافي مميّز داخل الجغرافيا اللبنانية، ففي تقرير لقناة MTV اللبنانية، تحدث والأستاذ الجامعي أمين إسكندر عن التاريخ الطويل للهوية السريانية التي شكلت الهوية الحاضرة للبنان.
فأينما تلتفت في لبنان ترى الحروف السريانية منحوتة على صخوره، بدءا من جباله امتدادا لكنائسه، ففي كنيسة عين ورقة مكتوب على المذبح باللغة السريانية الآية التالية من إنجيل متى الرسولي 19 : 21 “إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً، فَاذْهَبْ وَبِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي“.
كما أن كنيسة مار يوسف في غوسطا، وتحديدا فوق قبر البطريرك يوسف استيفان، نحتت في 1793 أي في السنة التي توفي فيها استيفان ترنيمة سريانية وبيت شعر يصف البطريرك الراحل بعمود الأمة السريانية (الكلدانية – الآشورية – الآرامية).
أما الحجرة الأهم في الكنائس اللبنانية فهي تعود لعام 1188، في كنيسة مار سركيس وباخوس في إهدن، وهي عبارة عن مذبح متنقل، وضع على مذبح الكنيسة التي كانت مقصدا للبطريرك مار أغسطينوس الدويهي، ونقش على تلك الصخرة الصليب السرياني وكتب عليها المزمور 44 : 5.” بِكَ نَنْطَحُ مُضايِقِينا. بِاسْمِكَ نَدُوسُ القَائِمِينَ عَلَيْنا“.
كما كتب عليها بطريرك لبنان، وليس كما هو متعارف عليه أي بطرير أنطاكية وسائر المشرق، أو بطريرك الموارنة، بل جمع البطريرك كل الطوائف تحت ظل لبنان الواحد، وتاريخ تلك المنحوتة هي 1500 بحسب السنة في أنطاكيا وتتناسب مع 1188م أي تعود للقرون الوسطى، وهو ما يؤكد الوعي بالهوية السريانية (الكلدانية – الآشورية – الآرامية) آنذاك، ليتقدم بعدها الإمارة التي جمعت بين الموارنة والدروز، وبعدها للمتصرفية، واليوم للبنان الحديث.
وبالتالي فإن صياغة هوية وطنية فريدة تجمع بين الجذور السريانية والتطلّعات اللبنانية الحديثة، لا يمكن إلا بفهم الهوية المارونية التي لعبت الدور الأكبر في تأسيس لبنان، تلك البلاد العريقة تاريخيا وثقافيا.