نافع البرواري
لقد وصف داود الرب كالراعي ,من
أختباره الشخصي ,لانّ داود نفسه كان راعي
الغنم قبل ان يصبح ملكا على الشعب اليهودي (اصموئيل 16:10,11).
فالغنم تعتمد اعتمادا كليّا على الراعي ليقوم باطعامها وارشادها
وحمايتها ،
فهو يخرج فجرا ماسكا بيده اليسرى عكازا يستخدمها كمسند له عند المشي
أو يمسك بها الشاة لأنّ راس العكازة تكون
مقوّسة ويحمل بيده اليمنى عصا ليسوق غنمه الى مكان وجود المرعى واحيانا يستعملها
لطرد الذئاب المفترسة او قتل الحيايا ...الخ) وفي الظهيرة يقودها الى مكان يتواجد
فيه الماء لتشرب. أمّا في المساء فهو يجمع الخراف الى داخل الحضيرة لحمايتها من
اللصوص ومن البرد وعوامل الطقس ومن الحيوانات المفترسة. والحضيرة اما كهف أومغارة
اوسقيفة أو مكان مفتوح تحوطه اسوار من الحجارة او سياج مشبك باغصان الشجر. وكثيرا ما كان الراعي ينام
في الحظيرة لرعاية خرافه وحمايتها.
يعيش الراعي حياة قاسية,
وخاصة في الشرق الأوسط , لأنّه يعاني من حرارة الصيف القاسية حيث في بعض الأحيان
تصل درجة الحرارة 50 مئوية بينما في الشتاء يكون الجو باردا وقد تصل درجة الحرارة
تحت الصفر هذا بالأضافة الى ذلك فالراعي يجب ان يكون متيقضا ، ويسهرالرعاة ليلا
على شكل مجاميع خوفا من الذئاب المفترسة التي تهاجم قطيع الغنم او من اللصوص الذين
يأتون ليسرقوا الغنم عندما يروا الرعاة نائمين. ويخبرنا الكتاب المقدس في ليلة
الميلاد أن الملاك ظهر للرعاة ليلا وكانوا سهرانين على غنمهم (وكان في تلك الناحية
رعاة يبيتون في البرية يتناوبون في الليل على رعيّتهم ,فظهر ملاك الرب
لهم..)"لوقا 2:8 ".
ان الرعاة في الشرق محسوبين من افقر الطبقات الأجتماعية في المجتمع
وكان عملهم يعتبر من احقر الأعمال في ايام داود وفي ايام المسيح وحتى في ايامنا
هذه
, والمعروف أنّ الراعي يعرف اسماء أغنامه ويدعوها باسمائها وهي تعرف
صوت الراعي الذي يقودها فعندما تسمع صوته تطمئن فترعى بأمان وتنام بأمان طالما
الراعي يحرسها ويسهر عليها وأحيانا قد تخرج نعجة من القطيع وتتيه في البراري
فالراعي الحقيقي الحريص على غنمه يترك القطيع ويبحث عن النعجة الظالة ليعيدها الى
القطيع وكان يفرح بايجادها ولهذا عندما كان الرب يسوع المسيح يتكلم في انجيل يوحنا
البشير فهو كان يتحدث مع رعاة يفهمون كل كلمة يقولها لانّ الرب كان ياتي بأمثلة
وقصص عن واقع الحياة اليومية ومن الطبيعة ، فكان كلامه بسيطا ولكنه يحمل رموزا
واسراراً روحية عميقة المغزى هكذا عن الخروف الظال وكيف كان الرب يرمز بها الى
الناس الذين ظلّوا طريقهم الأبدي ولكن الرب (الراعي الصالح) يفتش عنهم الى ان
يجدهم ويحملهم على أكتافه وهو في غاية الفرح .
وكما يهتم الراعي بخرافه ويرعاها هكذا يهتم الرب يسوع ,الراعي الصالح
بقطيعه (وقطيعه يتبعونه).
وفي العهد القديم كان الرب يدعو القادةالذين يقودون شعبه بالرعاة (الملوك
والرؤساء) ولا زال هذا اللقب يطلق على القادة الروحيين في الكنيسة في العهد الجديد
وحتى يُطلق على قادة الشعوب ، ها هو الرب على لسان النبي حزقيال يقول لرعاة
اسرائيل بانهم لايرعون الشعب بل يرعون انفسهم وتسلطوا على شعبهم بقسوة وعنف, عليه
سيتحملون مسؤولية ما حدث للناس الذين كان من المفترض ان يرعوهم ويتفقدوهم ويعيدوا
الظالين والمطرودين والمتشردين منهم ويبحثوا عن المفقودين ليعيدوهم فيقول الرب:
"تاهت غنمي
في جميع الجبال وعلى كل تلة عالية, وتشتّتت على وجه الأرض ولا من يسأل ولا من
يبحث"(حزقيال 34) ".
ويقول الرب على لسان النبي ارميا:
"لذلك هذا ما يقوله الربُّ اله اسرائيل عن الرعاة الذين يرعون
شعبي "أنتم بدّدتم غنمي وطردتموها وما تفقدّتموها. فسأُعاقبُكم على شر
أعمالكم"(ارميا23:2 ) .
المسؤولون عن قيادة بني اسرائيل في طريق الله, كانوا هم أنفسهم المسؤولين
عن المأزق الذي عاش فيه شعبهم, ولذلك أصدر الله عليهم حكما قاسيا, فالقادة مسؤولون
عمّن أوكلت اليهم رعايتهم ، وماذا يكون قصاص هؤلاء الرعاة؟ يقول الرب على لسان النبي
ارميا : " ويل للرعاة الذين يَبيدون ويبدّدون غنم رعيّتي يقول
الربّ"(ارميا 23:1 ) .
ويقول على لسان النبي حزقيال : "حيُّ أنا, يقول الرب, بما انّ
غنمي صارت نهبا ومأكلا لكل وحوش البرية . وبما انها من غير راعِ ولا يسال رعاتي عن
غنمي ...لذلك ايّها الرعاة اسمعوا كلمة الرب ،أنا أقوم ضد الرعاة فاسترد غنمي من
ايديهم وأمنعهم من أن يرعوا الغنم, فلا يرعوا الرعاة أنفسهم من بعد, وأنقذ غنمي من
أفواههم فلا تكون لهم مأكلا"حزقيال 34 ".
نعم تنبأ حزقيال النبي عن مجيء المسيح و يدعوه راعيا " "واقيم
عليها راعيا واحدا ليرعاها كعبدي داود, فهو يرعاها ويكون راعيا صالحا وأنا الرب
أكون لغنمي الها ويكون الراعي الذي كعبدي داود لها رئيسا ........ أنا أرعى غنمي.
وأنا أعيدها الى حظيرتها, فأبحث عن المفقودة وأردُّ الشاردة وأجبر المكسورة واقوي
الضعيفة ( حزقيال 34:23 ).
وقد دان النبي ميخا بشدّة القادة الدينيين الذين كانوا يخدمون فقط
عندما ينالون الأجر
"فرؤساؤها يحكمون بالرشوة وكهنتها يعملون بالأجرة "(ميخا
3:11 ).
لقد كان هذا الفساد في العهد القديم سببا رئيسيا لسقوط ونهاية مملكة
يهوذا بسبب سلوك قادتها الدينيين ، وما اشبه اليوم بالبارحة (علما بأننا في العهد
الجديد) عندما يقبل الكثيرون الرشوة فتسقط
كل القيم الروحية والأخلاقية ويسكت الراعي عن قول الحق عندما يجب أن يتكلم بما هو
حق, وللأسف هناك من المسيحيين من يستخدم ماله للتأثير على خدام الله وهذه هي
الرشوة التي تفسد الرعاة والمؤمنين على حد سواء. نعم في مقابل رعاة شعب الله
الأشرار سيرسل الله راعيا كاملا، فقد جاء الرب يسوع المسيح ليخدُم لا لكي يؤسس
مشروعا تجاريا بالأنجيل , فعندما نخدم الناس بقصد المكاسب الشخصية , تفقد الخدمة
قيمتها وتصبح خاوية لا عطاء فيها ،
فالرب يسوع المسيح اتخذ الصورة النبوية في العهد القديم (المسيح)الذي
هو الراعي الصالح وهذا الأسم يدل على الوهيته لانه ليس هناك انسان صالح الآ الرب
يسوع المسيح كما يقول الرسول بولس:"لان الجميع زاغو وفسدوا ليس هناك من يعمل
الصلاح ولا احد".
ويتكلم يعقوب عن الله كمن
"رعاه"كل ايام حياته, فصوّر نفسه كشاة في حاجة الى حكمة الراعي وارشاده
ليقوده في أفضل الطرق"الله الذي رعاني طول حياتي الى اليوم"تكوين5:4 ".
وقد وصف داود الرب كالراعي, من اختباره الشخصي (كما قلنا) في أروع
واشهر مزمورمن مزاميره فيقول:
"الربُّ راعيًّ فلا يعوزني شيء.
في مراعي خضر يريحني,
ومياها هادئة يوردني
ينعش نفسي, يهديني سبل الحق من أجل اسمه
لو سرت في وادي ظل الموت
لاأخاف شرّا, لانّك معي
عصاك وعكازك هما يعزّيانني"مزمو 23 ".
وكما أنّ الرب يسوع هوالراعي الصالح فنحن ايضا غنمه ولكن لسنا
كحيوانات صماء بل أتباعا مطيعين , لنا من
الحكمة أن نعرف من نتبع لأنّ الروح القدس يوهبنا روح التمييز لكي نعرف ونُميّز
الراعي الصالح من الراعي المأجور ،
الرب يسوع المسيح نعرف صوته وهو يعرف صوتنا
فيقودنا الى الأماكن الصالحة"المراعي الخضراء" وفي الطرق القويمة
المؤدية الى نبع الحياة "ومياها هادئة يوردني"هذه المياه الحيّة تنعشنا
وتروي عطشنا الروحي كما قال للمرأة
السامرية "أما من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش أبدا. فالماء الذي أعطيه يصير فيه
نبعا يفيض بالحياة الأبدية"يوحنا 4:14 ".
ولكن للأسف هناك اليوم من أختار و فضّل (مثل بني اسرائيل في العهد
القديم) ان يبحث عن المياه في الابار المتشققة التي فيها المياه الاسنة التي لا
تروي عطش الأنسان بل تقوده الى الموت والهلاك , فكما قال للمرأة السامرية "كل
من يشرب من
هذا الماء(ماء البئر الذي يرمز الى من يريد التشبث بالحياة الزائلة
ومغريات هذا العالم) يعطش ثانية(يوحنا 4: 13 ) .
و هناك رعاة يعكرون صفاء المياه للآخرين سواء باثارة شكوك لا داعي لها
أو تعليم أفكار باطلة أو السلوك الخاطئ الذي يقود الى تسميم غذاء رعيّتهم الروحي
فالرعاة الفاسدين لايكونون انانيين فقط بل يعاملون رعيتهم بخشونة
وقسوة ويهملون ويشتتون القطيع "حزقيال34:18,19,20.
لكن راعينا الصالح يسوع
المسيح يعرف أنّ في العالم انبياء كذبة ورعاة مأجورين لا يهمّها رعيّتها لأنهم
يرعون الخراف من أجل المال ويقودون القطيع(الناس )الى الموت والهلاك "وما
الأجير مثل الراعي , لان الخراف لاتخصه فاذا راى الذئب هاجماً ترك الخراف وهرب
فيخطف الذب الخراف ويبدّدها "يوحنا 10:12 ".
أما الراعي الصالح فيرعاها من
أجل محبته والتزامه بها حتى يضع ذاته وحياته من اجلها والراعي الصالح يرعى ليس
افرادا معينين فقط بل هو يرعى كل المؤمنين الذيين قبلوا وسلّمواحياتهم لقيادته كراعي
ليقودهم في طريق الحق والحياة الأبدية
ويصف حتى العهد القديم هذا الراعي الصالح فيقول على لسان النبي اشعيا
"يرعى قطعانه كالراعي ويجمع صغارها بذراعه , يحملها حملا في حضنه
ويقود مرضعاتها على مهل"اشعيا40:11 ".
أما في العهد الجديد نقرأ بأنّ الرب يسوع جاء لتحقيق النبوات ليكون
الراعي الصالح وها هو نفسه يقول "أنا الراعي الصالح , أعرف خرافي
وخرافي تعرفني "(يوحنا 10:11 )".
"أنا الراعي الصالح ,والراعي الصالح يضحّي بحياته في سبيل الخراف
. "(يوحنا 10:11 )".
وأنه راعي الخراف العظيم (عبرانيين,21 13:20 ).
ورئيس الرعاة"ومتى ظهر راعي الرعاة تنالون اكليلا من المجد لا
يذبل" (1بطرس48:15 ).
وعن واجبات ومسؤوولية
الرعاة(رعاة الكنائس) الصالحون يقول بولس الرسول:
"....فأسهروا على أنفسكم وعلى الرعيّة التي أقامكم الروح القدس
فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي أكتسبها بدمه(دم المسيح)"(أعمال 20:28
)".
فواجب الرعاة (الصالحون) هو أن يكونوا قدوة يقتدون براعيهم الصالح
يسوع المسيح الذي هو المثل الأعلى لهم لمحبته التي تتوّجت ببذل نفسه من أجل
شعبه فكما الرب يرعي شعبه هكذا الرعاة
عليهم أن يرعوا المؤمنين ويسهروا عليهم ، وايضا من واجبات الرعاة هو أن يُغذّوا
المؤمنين من كلمة الله وبالحق الألهي وأن
يُجسدوا هذا الحق في حياتهم ويعيشوه ، فالراعي يجب أيضا أن لا يهمل خدمة الكلمة
بسبب الأعباء الأداريّة. وينبغي الآ يحاول أن يقوم بكل شئ بنفسه فلا بد أن يوزع
أعباء الكنيسة على أعضائها.
شكرا والى اللقاء في مقالة اخرى.