بقلم : سالم إيليا
تمر هذه الأيام ذكرى وفاة جهبذ من جهابذة العراق وفلاسفته ألا وهو الأب الدكتور يوسف حبّي فيلسوف كنيسة المشرق الذي رحل عنّا في الخامس عشر من تشرين الأول سنة 2000م في حادث مروري على الطريق البري بين بغداد وعمّان داخل الحدود الأردنية تاركاً خلفه فراغاً معرفياً كبيراً ليس من السهل إشغاله .
لقد كتبَ الباحثون والمهتمون بتاريخ وادي الرافدين الكثير عن فيلسوف كنيسة المشرق الأب الدكتور يوسف حبّي وعن مؤلفاته البحثية الفريدة التي تطرق في معظمها الى الدور الريادي لأبناء شعبنا الرافديني في إغناء الحضارة الإنسانية بالعلم والمعرفة، وسأورد في هذه المقالة مقتطفات مما قيلَ عنهُ من قِبل البعض من أعلام العراق :
حيث قال عنهُ الدكتور الفاضل سيّار الجميل في مقالته المعنونة بـ " حقيبة ذكريات 8 :::: رجال عشقوا أم الربيعين . . . وكتبوا التاريخ " التي نشرها على موقع "ملتقى أبناء الموصل " في الحادي عشر من أيلول سنة 2011م ما يلي : " كان الرجل ( يقصد الأب د. يوسف حبّي ) نشيطاً ودؤوباً جداً ولهُ معرفة واسعة في تواريخ المسيحيين والمجتمعات الشرقية والأديرة والكنائس . . . وكُنتُ قد تعرفتُ من خلاله على العديد من الأصدقاء ، منهم الأب الدكتور لويس ساكو " إنتهى .
ويقول عنه شيخ المؤرخين العراقيين وإستاذ مادة التاريخ في جامعة الموصل الدكتور الفاضل إبراهيم خليل العلاّف في مقالته المعنونة " يوسف حبّي وإسهاماته في خدمة الفكر والتراث العراقيين " والتي نشرها في موقع " ملتقى أبناء الموصل " في السابع من نيسان سنة 2010م ، إنّ الأب الدكتور يوسف حبّي : " إستطاع إستقطاب عدد كبير من الباحثين وأساتذة الجامعات العراقية للكتابة في المجلّة ( يقصد بها مجلّة بين النهرين ) ويرجع السبب في نجاحه في هذا الإتجاه الى أخلاقه وطيبته وثقافته العالية وأريحيته الكبيرة وإبتسامته الودودة " إنتهى . ثمّ يكمل الدكتور العلاّف في مقطع آخر من مقالته قائلاً : " وقد وجدتهُ مهتماً بالقرآن الكريم ويقتني معظم تفاسيره، ويحاول بإستمرار من خلال أحاديثه وكتاباته أن يستشهد بآياته، ويجري مقارنة مع ما وجده في الكتاب المقدس " إنتهى . ثم يستطرد الدكتور الفاضل إبراهيم بتعداد عدد كبير من مؤلفاته ودراساته وبحوثه وتحقيقاته التي تجاوزت المئات بعضها نُشر في مجلات عراقية وعربية وعالمية والبعض الآخر لم يُنشر . ومن الجدير بالملاحظة بأن بحوثه وأعماله التي لم تنشر مع كامل مكتبته العامرة قد وَضَعَت الكنيسة الكلدانية يدها عليها ولا نعلم بأي ركن من أركان مخازنها قد الحقت ، والذي نتمناه أن يتم الحفاظ عليها لأنها أرث تاريخي وثقافي قومي ووطني وليس فقط أرث كنسي ، وأن لا يكون مصيرها كمصير الآف المخطوطات والمؤلفات التي دُفِنت في أقبية الأديرة حيثُ أتت عليها الرطوبة وتراكم السنون فلم تبقي منها غير صفحات سوداء تنبعثُ منها الروائح العفنة بعد أن كان ينبعث منها عبق التاريخ الذي أفنى الباحثون على مر الأجيال سنوات عمرهم لجمعها وكتابتها .
أعود لأستشهد بما كتبه البعض الآخر من أعلامنا بحق خالد الذكر الأب الدكتور يوسف حبّي ، حيثُ قال عنهُ الكاتب القدير حبيب تومي في مقالته التي نشرها في موقع " الحوار المتمدن " العدد 1713 وتحت عنوان " الأب يوسف حبّي وعظمة بابل " ما يلي : " عن عظمة بابل كتب يوسف حبّي مقالة في مجلة نادي بابل الكلداني في شهر أيار سنة 2000 يقول : كنتُ أتشكك ومعي كلّ العراقيين ، حين أرى اللعنات والويلات مرسومة في العهد القديم ، تسود من المع وأبهى الأوجه الحضارية لبلادنا ، فأتساءل : أحقاً هكذا كانت بابل العظيمة ؟ إنّ تلك الأسفار تعترف بعظمتها وتقر بتمييزها عن سائر البلدان والأمم . فلماذا الطعن بها إذن ؟ ويجيب نفسه عن التساؤل عندما يقول إنّ المدن الكبرى والمترفهة تكثر فيها المُنجزات وتعج فيها الوقائع الغريبة بل الجرائم والفظائع أحياناً ، لقد كانت بابل كغيرها من محطات عظيمة هدفاً كبيراً إستهدفها فسلطت الأضواء السلبيات وحدها " إنتهى .
أمّا الفنان الموسيقار والناقد الموسيقي الكبير باسم حنّا بطرس فقد ذكر في مقالة خصّ بها طيب الذكر الأب يوسف حبّي في الذكرى العاشرة لوفاته والتي عنونها بـ " رحيل الأب يوسف حبّي وإنتقاله الى الأخدار السماوية " والتي نشرها على موقع " بخديدا " ، حيثُ جاء فيها : " وها هي ذي عشرة أعوام إنقضت على الحادث ، ولما تزال الأقلام تتناول الرجل الألمعي بالكتابات والمتابعة لأنه سعى الى الخلود " إنتهى . حيثُ قصد الفنان باسم حنّا بطرس خلود أسم الدكتور حبّي من خلال أعماله الذي تركها لنا .
لقد كُتِبَ الكثير وسيُكتَب الأكثر عن الراحل يوسف حبّي لِما قدّمه لنا من بحوث ودراسات عن تاريخ العراق القديم وخاصة تاريخ كنيسة المشرق ولٍما له علاقة بواجبه الديني الذي نذر نفسه لترجمته على أرض الواقع وذلك من خلالِ نشره للمحبة أينما حلّ ـ ـ ـ وللتاريخ أقول لم أجد في مسيرة حياتي كلّها إنساناً جمع حوله هذا الكم الهائل من البشرِ وبمستوياتهم المختلفة وشرائحهم الإجتماعية المتنوعة إلا الأب الدكتور يوسف حبّي ـ ـ ـ كنتُ دائماً أسئل نفسي من أين له كلّ هذا الوقت لينشر محبته ويمد أواصر صداقته مع البشر وهو المشغول دائماً ببحوثه ومسؤولياته الدينية والدنيوية !! وما هو السر الذي جعل الأستاذ الجامعي والمهندس والطبيب ورجل الدين من الأديان والملل المختلفة والطالب والإنسان البسيط ـ ـ ـ الرجال والنساء والأطفال من أبناء شعبه العراقي بمختلف أديانهم وقومياتهم ، لا بل الكثير من البشر من البلدان العربية والأجنبية أن يلتفوا حوله أينما ذهب ـ ـ فلم أجد جواباً إلا المحبة التي منحها لهم ، ولستُ مبالغاً إن قلت : لقد حضر العراق بل العالم كلّه في تشييعه الى عليين ، والذي شاهد مراسيم التشييع سيتفق معي الى ما ذهبتُ اليه .
لقد أحزنني جداً خلال متابعتي للإحتفال السنوي الذي أقامته كلية بابل اللاهوتية بمناسبة تأسيسها تغاضي من هم في قمة هرمها الآن على ذكر مؤسسها الأب يوسف حبّي الذي جاهد ليجعلها كلية معترف بها من قِبل الفاتيكان وهذا ما حصل ، حيثُ أحتفظُ برسالته التي أرسلها لي بخط يده في الثامن من حزيران عام 1998م يزفّ لي فيها خبر إعتراف الفاتيكان بكليته التي أسسها وكان عميدها أيضاً .
وفي ختام مقالتي هذه سأترك القارئ الكريم مع بعضٍ من الصور النادرة التي كان قد أرسلها الأب يوسف حبّي مع التعليق عليها بخط يده الى خاله الأستاذ يقين إيليا الأسود عندما كان طالباً في روما ، حيثُ كان يعتبر خاله مثله الأعلى ، كذلك سأعرض قسم من كتبه التي الّفها رحم الله الأب الدكتور يوسف حبّي وأسكنه فردوسه .
إنتباهة : إحدى الصور المعروضة هي للمطران الراحل طيب الذكر إسطيفان بابكا الذي كان أخاً وصديقاً حميماً للأب يوسف حبّي والذي رثاه في كلمة إرتجلها حين إبتدأها مخاطباً جمهور الحاضرين بقوله " مجبراً أخاكم لا بطل " ، أي مجبراً للوقوف لتأبين صديقه العزيز الذي فقده .