لديَّ صديقٌ
أراه على كتف الجسرِ
يجترُّ أيامه ويبلل واقعه
بندى الذكريات،
وفي جيبه غيمة هي
ما عنده من نقودْ،
وكان إذا حل ركب المساء
يلوذ بكهف المنى
ويصيح:
"وداعا أيا قرية العنب المرِّ
منك تعبت...وداعا
إليك أنا لن أعودْ".
يساوره قلق العمرِ
حتى إذا صدره ضاق
آوى لحصن السكوت
كيَمٍّ يموج ببطن المحارْ،
يصاب ببذْخ الرؤى
فيقوم ويرسم حول المدينة
نصف مدارْ.
له ولع بالمجازِ
ونهر الكناية يجري
على شفتيه،
بسيط... بسيط كعادته
يعشق الشاي صحبة
خبز الشعيرْ،
يوزع أحلى التحايا على الأصدقاء
ويهوى الجلوس على الأرضِ
والنوم فوق الحصيرْ.
وكم مرة
أرهق النفس بالبحث عن نجمة
في زوايا الظلامْ،
وقد يزدهيه هبوب الظلال رويدا رويدا
فينتابه هاجس غامضٌ
لا يقيم ببيت الكلامْ.
وقد يصطفي وجعا ناعما
كي يسير عليه ويعرفَ
معنى العذاب الجميلْ،
نواياه مُثْلَى،
وحسب امرئ مثله أنه
يحب الحياة كثيرا،
ويمتاز عن آخرين
بإبحاره في خضم النضال النبيلْ.