كثر من مستخدمي دواء "أوزمبيك" يعتادون المكافأة النفسية والاجتماعية المرتبطة بفقدان الوزن (غيتي)
عشتارتيفي كوم- اندبندنت/
حتى الآن، يعد ظهور أدوية إنقاص الوزن الجديدة أحد أهم الإنجازات الطبية في العقد الحالي. ومع نهاية العام الماضي، كان نحو 500 ألف بريطاني قد شرعوا فعلاً باستخدام حقن "سيماغلوتيد" semaglutide أو "تيرزيباتيد" tirzepatide، المعروفة شعبياً بالاسمين التجاريين "أوزمبيك" Ozempic و"مونجارو" Mounjaro. وبفضل هذه الأدوية "المعجزة"، كما يحلو للبعض وصفها، خسر سكان المملكة المتحدة ملايين الكيلوغرامات من الوزن الزائد. ولكن ما الثمن الذي ندفعه في المقابل؟
لما كنت طبيبة نفسية متخصصة في علاج اضطرابات الأكل النفسية [من قبيل فقدان الشهية العصبي، والشره المرضي العصبي، واضطراب الأكل بنهم...] أتوقع أن تتسبب حقن إنقاص الوزن بتأثير جانبي خطر إنما لا يحظى بالنقاش المطلوب: نحن إزاء طوفان من اضطرابات الأكل نتيجة الاستخدام غير السليم لهذه الأدوية.
في الأساس، صممت حقن إنقاص الوزن بغية مساعدة الأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة في إنقاص وزنهم، وفي أوساط هؤلاء، تتفوق فوائدها الصحية الطويلة الأمد على أخطارها وآثارها الجانبية بأشواط. ولكن هذه الأدوية لم تعد حكراً على هذه الفئة من الناس، إذ صارت متاحة بسهولة أمام من لا يعانون السمنة المفرطة، ولا داء السكري، وتندرج نسبة الدهون في أجسامهم ضمن المعدلات الصحية تماماً. ورغم التعديلات التي أدخلتها الجهات المعنية على معايير التحقق من أهلية الاستخدام [بناء على الحالة الصحية والعمر والوزن ومؤشر كتلة الجسم...]، فإنها لا تزال فضفاضة نوعاً ما. يبدو أن الجميع يعرف شخصاً يأخذ هذه الحقن. لقد أصبح استخدامها جزءاً من الحياة اليومية، وموجوداً في كل حدب وصوب.
نقرأ ونسمع باستمرار قصص نجاح لا تنتهي لنساء حققن الوزن الذي يحلمن به مع أنهن كن أصلاً يتمتعن بصحة جيدة منذ البداية. وتعج المنتديات الإلكترونية بفيض من النصائح حول كيفية استخدام "جرعات صغيرة" من الدواء للتمتع بالجسد المثالي.
الحصول على الدواء سهل جداً إلى حد أن علماء النفس مثلي لم يعودوا متأكدين مما إذا كان المرضى الذين نعالجهم من اضطرابات الأكل يستخدمونه أم لا، ما يزيد من صعوبة عملنا فيجعل العلاج أكثر تعقيداً [لأننا لا نعلم ما إذا كان الدواء جزءاً من المشكلة].
في الحقيقة، عدم وجود قوانين صارمة تنظم عملية استخدام هذا النوع من أدوية إنقاص الوزن يسهم في نشوء مشكلة قد تتفاقم في المستقبل. مثلاً، التقييم الطبي المستخدم للتحقق مما إذا كان الشخص مخولاً على المستوى النفسي لأخذ الدواء لا يزال محدوداً، ورغم أن الصيادلة يستفسرون عما إذا كان المريض مصاباً باضطراب في الأكل أو مر باضطراب تشوه صورة الجسد في مرحلة ما من حياته، في وسع للناس الحصول على هذه الأدوية من دون الحاجة إلى الإفصاح الكامل عن تاريخهم الطبي.
علاوة على ذلك، يبقى أي شخص عرضة للإصابة بأحد اضطرابات الأكل، وتشكل الآلية التي تعمل بها هذه الأدوية في الجسم [كبح الجوع وتعطيل إشارات الجسم الطبيعية...] المزيج المثالي لظهور اضطرابات غذائية في المستقبل. تكبح الحقن شعورك بالجوع، مما يمنعك من التفاعل مع جسمك وفهم إشاراته. أضف إلى ذلك أن فقدان الوزن السريع يندرج ضمن العوامل التي تفاقم خطر الإصابة باضطرابات الأكل، وأنا قلقة في شأن المستخدمين الذين يبدأون برحلة إنقاص الوزن وهم يعانون سمنة مفرطة، ثم يدمنون المكافأة النفسية والاجتماعية لفقدان الوزن [مثل نيل إعجاب الآخرين...]، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف عاجزين عن التوقف.
عندما أعطى "المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية" ("نايس" Nice) موافقته على استخدام هذه الأدوية في المملكة المتحدة، حرص على أن يشارك في القرار فريق طبي متعدد التخصصات يضم أطباء نفسيين. فالسمنة ليست مشكلة جسدية فحسب، بل نفسية أيضاً. في الواقع، اضطرابات الأكل لا تتعلق بالطعام أو بالوزن [بقدر ما هي اضطرابات سلوكية وعاطفية]. ومع ذلك تباع هذه الحقن الآن على أنها علاج شامل [حل سحري] للمشكلات المرتبطة بالوزن، يعدك بأن خسارة الكيلوغرامات الزائدة ستجعل حياتك أفضل، رغم أن الأبحاث في هذه المرحلة لا تدعم بصورة كافية فكرة أن الحقن تساعد الأشخاص الذين يعانون مشكلات مثل الشراهة في تناول الطعام.
ينقسم الإفراط في تناول الطعام إلى نوعين: نوبات شراهة فسيولوجية يسببها الشعور بالجوع، ونوبات شراهة نفسية تحركها مشاعر القلق والاضطراب العاطفي. والحقيقة أن كبح الشهية ليس قراراً بسيطاً، فإيقاف إشارات الجسم من دون مقدار مناسب من الدعم [نفسي وسلوكي] قد ينطوي على خطورة بالغة. من المهم أن يتعلم الناس الإنصات إلى أجسادهم، وفهمها، وبناء علاقة صحية معها، لا أن يقطعوا هذه العلاقة الحيوية. حتى الذين يكتفون بجرعات صغيرة من أدوية إنقاص الوزن ليسوا بمنأى عن هذا الخطر الجسيم، خصوصاً إذا كانوا يعتزمون الاستمرار في استخدامها على المدى الطويل.
أثارت وسائل الإعلام كثيراً من النقاش والجدل حول الطريقة التي تتعامل بها هذه الأدوية مع ما يسمى "ضجيج الطعام"، أو الأفكار المزعجة حول الطعام كما اعتدنا تسميتها في السابق. لا ينفك بعض الناس يفكرون في الطعام باستمرار، وبالنسبة إليهم، يساعد "أوزمبيك" و"مونجارو" في تهدئة جزء من تلك الأفكار. ولكن تكمن المشكلة في أنها لا تعالج الجذور الحقيقية [النفسية والعاطفية] الكامنة وراء هذه الأفكار [مقدمة حلاً سطحياً موقتاً لمشكلة نفسية أعمق مرتبطة بالعلاقة مع الطعام]. سواء كان يعاني فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام، يبقى السؤال الأهم، لماذا يشغل الطعام تفكير هذا الشخص طوال الوقت. ما السبب الفعلي خلفه؟
هل يحصل الأشخاص المؤهلون طبياً لأخذ هذه الجرعات على الدعم النفسي الضروري لإعادة ضبط علاقتهم بالطعام وبأجسادهم؟ لست مقتنعة بذلك. جل ما يفعله هذا "الحل السريع" أنه يجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بأزمات [نفسية أو اضطرابات في الأكل] في المستقبل.
في الوقت نفسه يعزز الاستخدام الواسع النطاق لحقن إنقاص الوزن الفكرة الخطأ القائلة بوجود معيار واحد للمظهر المرغوب في المجتمع. نحن الآن بعيدون جداً عن تقبل شكل الأجسام ذات الاستدارات الطبيعية [مثل الأجسام الممتلئة]. تسبب هذه الضغوط الاجتماعية مشكلات حتى داخل العائلات وبين الأصدقاء. واستخدام أدوية إنقاص الوزن، سواء علناً أو سراً، وما يصاحبه من فقدان سريع للكيلوغرامات يثير كثيراً من المقارنات والحسد.
بدلاً من توجيه طاقتنا نحو أمور أخرى بعيداً من مظهرنا الجسدي، يحملنا استخدام أدوية إنقاص الوزن على الانشغال بمظهرنا بصورة أكبر وأكثر قسوة. أصبح فقدان الوزن و"ضجيج الطعام" [سيل من الأفكار عن الطعام] جزءاً من الأحاديث اليومية بين الأصدقاء وداخل مجتمعاتنا. والآن، يتفحص الناس أجساد بعضهم بعضاً بشكل أكبر، ويصدرون الأحكام في شأنها ويعطون رأيهم فيها، فيقولون مثلاً "لقد فقدت وزنها! هل تتعاطى "أوزمبيك"؟"، "لم تخسر الكيلوغرامات الزائدة، ربما عليها أن تجربه؟".
وفي النتيجة، نسمع الآن عن أشخاص يتمتعون بوزن طبيعي ولا يستخدمون حقن إنقاص الوزن لأنهم لا يحتاجون إليها أصلاً، ولكنهم مع ذلك يشعرون بالإحباط لأن مستخدمي تلك الحقن يخسرون كيلوغرامات أكثر مقارنة بهم، رغم أن خسارة الوزن التي يحققها هؤلاء ربما تكون غير ضرورية من الأساس.
كذلك نسمع انتقادات وأحكاماً تطاول مستخدمي هذه الأدوية: الدواء المصمم في الأساس ليكون أداة طبية لعلاج حالات معينة [مثل السكري من النوع الثاني] يراه الناس الآن "حلاً سهلاً" وسريعاً للحصول على النتائج من دون بذل مجهود [حمية غذائية أو ممارسة التمارين الرياضية]، مع كل الدلالات السلبية المترتبة على ذلك. يشعر البعض بالحرج الشديد إلى حد أنهم يتناولون الدواء سراً، ويخفون وصفتهم الطبية هذه عن شركائهم وأفراد أسرهم وأصدقائهم. ولا ننسى أن الانفعال أحد الآثار الجانبية المحتملة لدواء "أوزمبيك"، الذي قد يرتبط بمستوى السكر في الدم، ما من شأنه أن يسبب توتراً كبيراً في العلاقات الشخصية، خصوصاً إذا كان أحد الشريكين يجهل السبب وراء ذلك.
استخدام أدوية تعمل على تغيير الجسم، مع إبقاء الأمر طي الكتمان، من شأنه أن يسبب الشعور بالخجل والتباعد، بل ويؤدي أحياناً إلى تدهور العلاقات. إذا كنت معتاداً على الخروج لتناول العشاء مع صديق، وفجأة أصبح يأكل فقط نصف الكمية المعتادة، ستشعر أن ثمة أمراً مختلفاً وغريباً، وأن الثقة بينكما ربما لن تبقى كما كانت.
المملكة المتحدة من جهتها شددت بعض الشيء قواعد تنظيم استخدام حقن إنقاص الوزن منذ طرحها للمرة الأولى في البلاد، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن من ناحية التصورات والمواقف المجتمعية، يبدو أننا لا نحرز أي تقدم بل نسير إلى الخلف [نتراجع، نسير القهقرى].
لذا، قبل أن تركب [أيها القارئ] هذه الموجة، تذكر أن هذا الدواء المعجزة أكثر تعقيداً بأشواط مما يبدو عليه للوهلة الأولى. حتى لو كنت تعاني زيادة في الوزن وتستوفي الشروط الطبية التي تسمح لك باستخدامه، تذكر أن جسمك، على الأرجح، لم يبلغ هذا الحجم لمجرد أنك تأكل كثيراً، وما إن تبدأ بأخذ الدواء، فمن الوارد جداً أن تجد صعوبة في التوقف عنه.
الدكتورة جو سيلفر كبيرة المعالجين النفسيين في عيادة "أوري" المتخصصة في علاج اضطرابات الأكل أسرت بما تقدم لهانا فيرن