لم تتخل إسرائيل عن خطة التهجير بل تواصل البحث عن موطن للفلسطينيين (أ ف ب)
عشتارتيفي كوم- اندبندنت/
تتواصل التقارير الصحافية الغربية حول محادثات جارية بين حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ودول في الشرق الأوسط وأفريقيا تتعلق بإعادة توطين سكان قطاع غزة، في تأكيد على خططه تهجير فلسطينيي غزة مستخدماً صياغة إنسانية، على رغم الضغوط الدولية والإقليمية لمنع التحرك باعتباره انتهاكاً محتملاً للقانون الدولي وعملية تطهير عرقي.
وعلى رغم نفي وزارة الخارجية في دولة جنوب السودان قبل أيام، تقريراً يفيد بوجود مناقشات مع إسرائيل لنقل سكان غزة إليها، والتأكيد على أنها "مزاعم غير صحيحة ولا تعكس الموقف الرسمي أو سياسة حكومة جنوب السودان"، تواصل إسرائيل والولايات المتحدة جهودهما لنقل مئات آلاف الفلسطينيين من غزة. ووفق أشخاص مطلعين على الأمر تحدثوا إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية اليوم السبت، فإن المسؤولين الإسرائيليين تحدثوا مع نظرائهم في ست دول وأقاليم، بما في ذلك ليبيا وجنوب السودان وأرض الصومال وسوريا حول استقبال الفلسطينيين الذين يوافقون على مغادرة غزة.
صفقات مالية
وأفاد بعض الأشخاص للصحيفة الأميركية بأن محادثات إسرائيل لإعادة توطين سكان غزة في جنوب السودان أو ليبيا مستمرة، في حين أفاد آخر بأن المحادثات السابقة لتوطين الفلسطينيين في سوريا أو أرض الصومال، وهي منطقة انفصالية عن الصومال، لم تحرز تقدماً يذكر.
وقال ممثل عن حكومة أرض الصومال إن المحادثات لا تزال جارية، فيما لم يستجِب المسؤولون في ليبيا وسوريا لطلبات الصحيفة بالتعليق. وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن الولايات المتحدة لم تشارك في المفاوضات بين إسرائيل والدول الأفريقية حول إعادة توطين الفلسطينيين.
وتعاني معظم الوجهات قيد الدراسة مشكلاتها الخاصة مع الصراعات الأهلية والاضطرابات الاقتصادية، ومن المرجح أن تواجه صعوبة في استيعاب مئات آلاف المهاجرين. ومع ذلك، فإن ظروفها المتدهورة فتحت المجال أمام إبرام صفقات قد تمنح دعماً اقتصادياً أو مزايا أخرى مقابل استقبال الأشخاص الذين نقلوا من غزة أو أي مكان آخر.
رفض وضغط مصريان
وبعد أسابيع من اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، بدأ المسؤولون الإسرائيليون التحدث علناً عن خطط لتهجير سكان القطاع، وحظيت الفكرة بأكبر صدى لها مطلع العام الحالي عندما طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب نقل مليوني فلسطيني إلى مصر والأردن، وقال إن على الولايات المتحدة السيطرة على القطاع وإعادة تطويره كوجهة سياحية دولية في خطط وصفها بـ"ريفييرا غزة".
وأدت هذه المطالب إلى توتر بين واشنطن والقاهرة التي رفضت الانصياع لضغوط إسرائيل والولايات المتحدة لإعادة توطين سكان القطاع في سيناء، في حين أشار بعض الأشخاص الذين تحدثوا إلى "وول ستريت جورنال" إلى أن هذه الضغوط لات زال مستمرة.
وتعارض مصر بشدة فكرة تفريغ القطاع من سكانه باعتبارها عملية تطهير عرقي تخالف القانون الدولي وتدفع إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأدت الضغوط الأميركية إلى عدد من الاجتماعات المثيرة للجدل، بما في ذلك مشادات كلامية بين مسؤولين إسرائيليين ومصريين، وفقاً لبعض المصادر.
كما أفادت مصادر في تقرير سابق لوكالة "أسوشييتد برس" بأن مصر تضغط أيضاً على دولة جنوب السودان لعدم قبول العرض الإسرائيلي بنقل سكان غزة إليها في إطار صفقة أوسع. وقال مسؤولان من مصر إنهما على علم منذ أشهر بجهود إسرائيل لإيجاد دولة تقبل الفلسطينيين، بما في ذلك اتصالاتها مع دولة جنوب السودان التي ترتبط بحدود مع السودان. وأقرا بضغوط من القاهرة على جنوب السودان لمنع استقبال الفلسطينيين.
وبالنسبة إلى دولة جنوب السودان، قد يساعدها هذا الاتفاق على بناء علاقات أوثق مع إسرائيل. وقال جو سزلافيك وهو مؤسس شركة ضغط أميركية تعمل مع جنوب السودان لتحسين علاقاتها مع واشنطن، إنه تلقى إحاطة من مسؤولين جنوب سودانيين في شأن المحادثات. وأضاف أن وفداً إسرائيلياً يعتزم زيارة البلاد لبحث إمكان إقامة مخيمات للفلسطينيين هناك. وقال إدموند ياكاني، وهو رئيس منظمة مجتمع مدني جنوب سودانية، إنه تحدث أيضاً إلى مسؤولين في جنوب السودان حول المفاوضات.
ووفق سزلافيك فإن الولايات المتحدة على علم بالمحادثات مع إسرائيل، لكنها ليست مشاركة بصورة مباشرة. وأوضح أن دولة جنوب السودان تريد من إدارة ترمب رفع حظر السفر المفروض عليها، ورفع العقوبات عن بعض النخب في البلاد. وقد استقبلت البلاد بالفعل ثمانية أفراد ضمن عمليات الترحيل الجماعي لمهاجرين غير شرعيين التي نفذتها الإدارة الأميركية، في ما قد يكون محاولة لكسب ود ترمب.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي، إنه "كثيراً ما دعا الرئيس ترمب إلى حلول مبتكرة لتحسين حياة الفلسطينيين، بما في ذلك السماح لهم بالاستقرار في مكان جديد وجميل بينما يعاد إعمار غزة. ومع ذلك، يجب على ’حماس‘ أولاً أن توافق على نزع سلاحها وإنهاء هذه الحرب، وليست لدينا أية تفاصيل إضافية لتقديمها في الوقت الحالي".
مغادرة طوعية أم تهجير قسري؟
وفي حين قد يرغب كثير من الفلسطينيين في مغادرة غزة، موقتاً في الأقل، هرباً من الحرب وأزمة جوعٍ تلامس حد المجاعة، لكنهم يرفضون أية إعادة توطين دائم. وشككت منظمات قانونية وجماعات إنسانية وبعض الحكومات في ما إذا كانت عمليات الخروج طوعية حقاً. وحذرت بعض الجهات، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة "هيومن رايتس ووتش"، من أن الفكرة قد تعد بمثابة تطهير عرقي.
وبموجب اتفاقات جنيف، يعد التهجير القسري جريمة ولا يسمح به إلا في ظروف ضيقة مثل الإخلاء الموقت لسلامة المدنيين أو الضرورة العسكرية. وقال خبراء قانونيون إسرائيليون ودوليون إن استيفاء هذه المعايير صعب وإن بيئة غزة التي مزقتها الحرب تعقد الحجج القائلة إن عمليات النقل ستكون طوعية.
وتفيد تقارير بأن كثيراً من سكان غزة، بخاصة الشباب أو العائلات التي لديها أطفال أو أقارب يعانون أمراضاً، يرغبون في المغادرة. ومن بين فلسطينيي غزة الذين استطلع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية آراءهم في مايو (أيار) الماضي، قال أكثر من الثلث إنهم على استعداد للهجرة بعد الحرب.
ووفق مدير المركز خليل الشقاقي، فإن الفئة السكانية الأكثر عرضة للمغادرة هي الشباب المتعلمون، مما قد يسهم في هجرة العقول من غزة. وأضاف أن من بين هذه المجموعة، واستناداً إلى استطلاعات رأي أجريت قبل الحرب، أعرب ما بين ثلثي وثلاثة أرباع المشاركين عن استعدادهم لمغادرة غزة والتوجه إلى أماكن أخرى لأسباب اقتصادية وأمنية. وأبدى كثرٌ اهتماماً بالانتقال إلى أوروبا أو الولايات المتحدة أو كندا أو دول الخليج العربي أو تركيا.