يحل علينا عيد الصعود المجيد، هذا الحدث الفريد الذي يمثل تتويجًا لرحلة الفداء التي بدأها السيد المسيح على الأرض. إنه ليس مجرد ذكرى لحدث تاريخي مضى، بل هو دعوة متجددة لنا نحن المؤمنين، دعوة إلى الارتفاع الروحي والارتقاء بقلوبنا وعقولنا نحو السماويات.
يُعتبر عيد الصعود من أهم الأعياد المسيحية في العقيدةالمسيحية، حيث يمثل تتويجًا لسر الفداء الذي بدأ بتجسد المسيح واستمر بآلامه وموته وقيامته. يؤمن المسيحيون بأن صعود المسيح إلى السماء هو علامة على انتصاره النهائي على قوى الشر والموت، وإعداد مكان للمؤمنين ليكونوا معه في المجد الأبدي. كما يمثل الصعود وعدًا بإرسال الروح القدس الذي حل على التلاميذ بعد عشرة أيام من الصعود في يوم العنصرة.
بعد أربعين يومًا من قيامته الظافرة من بين الأموات، وبعد أن ظهر لتلاميذه مرارًا وتكرارًا مؤكدًا لهم حقيقة انتصاره على الموت، حانت اللحظة التي وعدهم بها: صعوده إلى السماء ليجلس عن يمين الآب. هذا الصعود لم يكن نهاية لحضوره، بل كان بداية لعهد جديد من العلاقة الروحية بين المسيح وكنيسته، بين السماء والأرض.
في مشهد الصعود، لم يترك المسيح تلاميذه يائسين أو وحيدين. لقد وعدهم بإرسال الروح القدس المعزي والمقوي، الذي يحل عليهم ليمنحهم القوة والشجاعة لإكمال الرسالة التي أوكلها إليهم: نشر الإنجيل إلى أقاصي الأرض. هذا الوعد تحقق في يوم العنصرة، ليؤسس لبداية الكنيسة المسيحية وانتشارها عبر العالم.
عيد الصعود يحمل في طياته معاني عميقة ودروسًا قيمة لنا اليوم. إنه يذكرنا أولاً بسيادة المسيح المطلقة. بصعوده إلى السماء، أكد المسيح على أنه الرب المتفوق على كل سلطان وقوة، وأن ملكوته أبدي لا يزول. هذا الإيمان يمنحنا الرجاء والثقة بأن حياتنا وقضايانا في يد أمينة وقادرة.
ثانيًا، عيد الصعود هو دعوة لنا للارتقاء بأنفسنا فوق مستوى الأرضيات والاهتمامات الدنيوية البحتة. كما ارتفع المسيح، يجب أن نسعى نحن أيضًا للارتفاع بقلوبنا وأفكارنا نحو الأمور الروحية والأبدية. لا يعني هذا إهمال مسؤولياتنا الدنيوية، بل يعني أن نضعها في إطار أوسع من منظور إيماني، وأن نسعى دائمًا لما هو أسمى وأبقى.
ثالثًا، عيد الصعود هو تذكير بمسؤوليتنا كحاملين لرسالة المسيح في العالم. كما أوكل المسيح إلى تلاميذه مهمة نشر الإنجيل، فإن هذه المهمة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. نحن مدعوون لأن نكون شهودًا للمسيح بأقوالنا وأفعالنا، وأن ننشر قيم المحبة والسلام والعدل التي بشر بها.
في هذا العيد المبارك، فلنتأمل في معنى الصعود وأبعاده الروحية. لنجدد عهدنا مع المسيح، ونسعى جاهدين للارتقاء بحياتنا الروحية والأخلاقية. لنرفع قلوبنا وعقولنا نحو السماء، متذكرين أن لنا كنزًا وميراثًا أبديًا هناك. ولنعمل بروح الوحدة والمحبة لنشر رسالة الخلاص إلى كل العالم، منتظرين مجيئه الثاني بكل شوق ورجاء.