عشتار تيفي كوم - آسي مينا/
ما زال النقاش دائرًا حول الموقع الذي احتضن أولى الكنائس في تاريخ المسيحيّة. لكنّ الأنظار تتّجه بشكل متزايد نحو دول المشرق العربيّ، تحديدًا إلى الأردن، إذ ثمّة اعتقاد بأنّ أقدم كنيسة في العالم بُنيت في بلدة إرحاب في الشمال الأردنيّ. وإلى جانبها، تبرز كنيسة العقبة على البحر الأحمر بوصفها واحدةً من أقدم الكنائس المكتشفة، ما يُعزّز المكانة الدينيّة للمملكة الأردنيّة.
يزخر الأردن بعشرات المواقع الأثريّة والدينيّة الشاهدة على أهمّية هذا البلد في التاريخ الإنسانيّ، وتاريخ المسيحيّة ونشأتها، بدليل انتشار الآثار والكنائس القديمة في طول البلاد وعرضها، من محافظتَي المفرق وإربد في الشمال، إلى مدينة العقبة في أقصى الجنوب.
ويُعتبَر المسيحيّون في الأردن من أقدم الجماعات المسيحيّة المقيمة في وطنها، وقد ظلّت حاضرةً على مدى قرون، رغم كلّ ما شهدته المنطقة من تبدّلات. ويعود ذلك إلى علاقات التجاور والتداخل بين الأردن والأراضي المقدّسة، وهي علاقات مميّزة وقائمة حتّى اليوم.
تضمُّ أراضي المملكة الأردنيّة خمسة مواقع للحجّ المسيحيّ يعترف بها الفاتيكان وسائر الكنائس المسيحيّة، هي: المغطس، وجبل نيبو، ومكاور، وكنيسة سيّدة الجبل في عنجرة، ومار إلياس. وإلى هذه المواقع المعروفة عالميًّا، ثمّة مواقع أخرى مهمّة، لكنّها غير معروفة أو أنّها ما زالت تشهد أعمال بحث وتنقيب، ومنها قرية إرحاب.
وثمّة اعتقادٌ بأنّ أوّل كنيسة مسيحيّة في العالم قد بُنِيَت في هذه البلدة الواقعة على حافّة الصحراء. ويعود تاريخ هذه الكنيسة إلى الفترة ما بين 33 و70 من القرن الأوّل الميلاديّ، ونعني كنيسة القدّيس جاورجيوس الكهفيّة، وهي كهفٌ منحوتٌ في الصخر يمتدّ بطول 12 مترًا وبعرض سبعة أمتار، فيما قد يتجاوز ارتفاعه المترَين، وقد اكتُشِف عام 2002.
وتقع الكنيسة الكهفيّة تحت كنيسة أخرى هي كنيسة القدّيس المظفّر جاورجيوس العائد تاريخها إلى العام 230 الميلاديّ بحسب النقوش والكتابات المكتشفة.
ويُرجّح باحثون أنّ جماعةً من 70 شخصًا عاشت في مطلع القرن الثالث واهتدت إلى الإيمان المسيحيّ ومارست عباداتِها وطقوسَها سرًّا، وجدت في هذا المكان البعيد نسبيًّا ملاذًا لها من بطش الحكم الرومانيّ الوثنيّ. يَدعم هذا الافتراض أنّ الكنيسة الأولى بُنيت في كهفٍ مستتر، وبعد ذلك أصبحت المسيحيّة علنيّة، فشهدت الكنيسة تَوسِعة وأُنشِئ بناء علويّ.
ويوجد في القسم العلويّ من الكنيسة نقشٌ فسيفسائيّ نُقِشت عليه عبارة: «باسم الثالوث المقدّس، تقدمة من ثوماس ابن جايانوس، تمّ الانتهاء من بيت العبادة للقدّيس جورج، بشهر ولاية أپيلايوس بوقت الإعلان الثامن من السنة أربعمائة وأربعة وعشرين، بمباركة من سيرجيوس الحارس».
ويُذكَر أنّ ثمّة أكثر من 30 كنيسة تقع في البلدة نفسها، منها كنيسة القدّيسة مريم العذراء العائد تاريخها إلى العام 543 الميلاديّ، فضلًا عن كنائس القدّيسين بولس وصوفيا وإسطفانوس.
وحتّى بداية العهد الإسلاميّ، كانت الكنائس لا تزال تُبنى في بلدة إرحاب، مثل كنيسة القدّيس مينا التي أُقيمت في العام 634 الميلاديّ.
ونظرًا إلى مكانته الدينيّة المميّزة، حظِي الأردن بزيارة أربعة من بابوات الفاتيكان، هم: بولس السادس عام 1964، ويوحنّا بولس الثاني عام 2000، وبنديكتوس السادس عشر عام 2009، ثمّ البابا فرنسيس الذي شكَّل الأردن المحطّة العربيّة الأولى لزيارته عام 2014.