
عشتار تيفي كوم - اعلام البطريركية الكلدانية/
القى غبطة ابينا الكاردينال البطريرك لويس روفائىل ساكو كلمة اثناء مشاركته فيمؤتمر عن السلام Daring Peace والذي نظمته جماعة سانت ايجيديو الايطالية، يومي ٢٧ و 28 تشرين الثاني واليكم كلمة غبطة البطريرك ساكو
التزام المسيحيين الشرقيين برسالتهم في نهضة بلدانهم
الكاردينال لويس ساكو
لقد حصَلتْ عِبْرَ التاريخ توتُّرات وإتهامات ومهاترات غير مُجدِية بين المسيحيين والمسلمين واليهود، لكن العلاقة لا تُبنى على الماضي، بل علينا أن نتعلم منه لنبني مستقبلاً أفضل برؤية جديدة تُمَهِّد لعلاقة من التعاون والمؤازرة تعزز الصمود والتكاتف الوطني، بعيداً عن نزعة التسلُّط والتطرُّف. اليوم ليس لنا مستقبل إلّا عندما نعيش معاً بوئام ونعمل كشركاء في الإنسانية والوطن من أجل إيجاد حلول مستدامة عِبر الحوار والتفاهم. علينا أن نؤكد بجرأة وصراحة، على المشترَك بيننا، ونعترف بالمختلَف عليه بصدق، على قاعدة: إن الله خلقَنا مختلفين لنتحابَب ونتعاون. وهو يَبسط كنَفَ محبّته ورحمته على الجميع.
الدولة كيَان معنوي محايد، تهتم بالشأن العام، والمؤسسات والخدمات وتحقيق العدالة وإحتضان الجميع وحمايتهم، وضمان عيش كريم لهم، بما يبعث الطمأنينة في نفوسهم.
الدين للافراد، “شأنٌ بيني وبين ربّي“. للدين رسالة روحية وقيَم أخلاقية ثابتة لإصلاح ذات الإنسان والحثّ على التسامح وفعل الخير وتجنُّب التطرُّف. اليوم، باتَ من الأهمية بمكان، الخروج من عقلية دين ودولة. الدين لا يبني دولة. الدين يتدخل عندما تضطرب العدالة والشأن العام كما يفعل البابوات والمرجعيات المسلمة.
دور المسيحيين الشرقيين:
ليس من باب الصدفة أن يعيشَ المسيحيون اليوم كأقليّة في بلدانهم وسط غالبية مُسلمة، لا يمكن اعتبارها ” أغلبية ساحقة” بل أغلبية مَدعوّة لتكون منفتحة وحاضِنة.
اليوم بالرغم من إنحسار عددنا بسبب خطة مبرمجة لتهميشنا، لا نزال نعدّ أنفسنا جزءًا أصيلاً مهمّاً من النسيج التاريخي الإجتماعي والثقافي لبلداننا، ونحمل رسالة مَحبّة وخير وسلام أساسية. ونؤمن بان لنا دعوة للشهادة لشيء مختلف، ودوراً مهماً في الحوار والتغيير والتأوين، وترسيخ قيَم الاخوّة والعيش المشترك. وبكوننا نشترك مع الغالبية المسلمة في نفس الأرض والتاريخ والمصير واللغة، ونعرف الإسلام أكثر من غيرنا، جعلتنا هذه الخبرة أكثر تأهيلاً للحوار والمساعدة، لكننا نحتاج الى الدعم المعنوي والمرافقة.
هذا ما أدركه البابا فرنسيس وشيخ الازهر من خلال إصدار وثيقة الاُخوّة الإنسانية في أبو ظبي في الرابع من فبراير / شباط عام 2019. كما اُشيرُ الى لقاء البابا فرنسيس بالمرجع الشيعي آية الله العظمى السيد علي السيستاني في جوٍ أخَويّ في منزله بالنجف الأشرف صباح 6 آذار 2021، عندما قال سماحته عبارة تنمُّ عن إنسانيّة وروحيّة نقيّة: “نحن جزءٌ منكم وأنتُم جزءٌ منّا”.. أليست هذه وثيقة “فتوى” أخرى بالرغم من قِصرها.
ورسالة البابا لاون الرابع عشر الموجهة اليَّ في 14 تموز 2025 والتي تضمّنت تشجيعاً كبيراً لنا: “اُشجّعكم على ان تبقوا ثابتين راسخين في أرضكم. وتحافظوا على جذوركم وتضعوا ثقتكم بالله الذي لا يخيّب آمالنا والذي يسندنا دائماً بنعمته”.
هذه الرسائل تأكيد على أن وجودنا في هذه الأرض ليس مجرد حضور جغرافي، بل هو إمتداد للرسالة والتاريخٍ والحضارةٍ، التي شاركنا في صنعها. وتشجعنا نحن المسيحيين الشرقيين لنلعب دورنا، إلى جانب المسلمين وأتباع الديانات الاُخرى والكثير من ذوي الإرادة الطيبة، في تكثيف العمل لبناء نموذج متناغم للتنوع والعيش المشترك الذي لا يُبنى بالكراهية والقوّة، بل بالتسامح والمحبّة والإنفتاح وإحترام التنوع الإنساني، والإيمان بأن الحوار بين الأديان والثقافات هو أساس متين لتحقيق السلام وبناء مستقبل أفضل.
فيما يلي بعض محاور العمل الضرورية