
عشتار تيفي كوم - بطريركية السريان الكاثوليك/
في تمام الساعة السابعة من مساء يوم الإثنين 15 كانون الأول 2025، قام غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بزيارة أبوية تفقّدية إلى إرسالية القديس مار اسحق النينوي السريانية الكاثوليكية، في مدينة ستراسبورغ – فرنسا.
رافق غبطتَه في هذه الزيارة صاحبُ السيادة مار أفرام يوسف عبّا، والمونسنيور حبيب مراد.
وكان باستقبال غبطته المونسنيور أنيس حنّا، متقدّماً بعض الآباء الرهبان الدومينيكان في ستراسبورغ، والشمامسة، وأعضاء المجلس الراعوي، وجمع من المؤمنين من أبناء الإرسالية، والذين حضروا للترحيب بغبطته ونيل بركته الأبوية، رغم أنّ الزيارة تأتي في يوم عمل وطقس بارد، مع مطلع الأسبوع.
بدايةً، رحّب المونسنيور أنيس حنّا بغبطته، معبّراً عن عميق فرحه مع أبناء الإرسالية بهذه الزيارة الأبوية، رغم قصر مدّتها ومصادفتها في أول يوم عمل في الأسبوع، شاكراً غبطته على بادرته الأبوية بتفقُّد المؤمنين أينما كانوا ومهما كانت الظروف، معرباً عن محبّته الكبيرة لغبطته: "سيدنا، نحن نحبّكم حبّاً جمّاً ونقدّركم، ونكنّ لكم المحبّة والودّ والطاعة والتقدير، ونثمّن عالياً قدومكم إلى ستراسبورغ لتزورونا وتجتمعوا بنا، ونحن نفرح بزيارتكم، وأنتم تفرحون أيضاً، وهناك الوحدة الكنسية تجمع بينكم وبيننا، وحدة الأب والرأس والراعي مع أبنائه وبناته".
وأضاف: "تأتي زيارتكم إلينا، صاحب الغبطة، بعدما ترأّستم الإحتفال بمئوية تأسيس رعية مار أفرام السرياني في باريس في الأيّام الماضية، وقد شئتم أن تلبّوا دعوتنا لمرور قصير في زيارة أبوية سريعة رغم عناء السفر. أهلاً وسهلاً بكم سيدنا، ونسأل الله أن يديمكم، ويمتّعكم بالصحّة والعافية، ويقوّيكم في رعايتكم لكنيستنا السريانية في كلّ مكان في هذه الظروف الصعبة".
ورحّب أيضاً "بحرارة وبطيبة القلب بسيدنا المطران مار أفرام يوسف عبّا الذي نعرفه من طفولتنا ومن رعية مار يوحنّا المعمدان في قره قوش، منذ كان تلميذاً في معهد مار يوحنّا الحبيب الدومينيكي الكهنوتي في الموصل. أهلاً وسهلاً بكم سيدنا، وأنتم تعرفون كم نحبّكم وما هي مكانتكم في قلوبنا، ونحن نقدّر خدمتكم المتفانية ورعايتكم الصالحة. كما نرحّب بالمونسنيور حبيب مراد، ونشكره على جهوده في الخدمة وفي إعطاء المعلومات وتقديم التواصل بيننا وبين البطريركية. شكراً جزيلاً لحضور الآباء الدومينيكان الأعزّاء، وحضوركم، إخوتي وأخواتي، كي تشاركونا فرحة اللقاء بغبطة أبينا البطريرك ونيل بركته الرسولية".
ثمّ ألقى الأستاذ سمير فرَيِّح، رئيس المجلس الإداري في الإرسالية، كلمة من القلب ترحيباً بغبطته، فقال: "إنّه لَمِن دواعي الفخر والسرور، وبكلّ امتنان صادق، وبقلوب مفعَمة بالمحبّة، باسمي كرئيس للمجلس الإداري لهذه الكنيسة، وباسم هذه الإرسالية، أن أستقبلكم، للمرّة الثالثة، حول هذا المذبح في كنيسة مار اسحق النينوي، التي، وإن ابتعدت جغرافياً عن أرض الآباء والأجداد، إلا أنّها لم تبتعد يوماً عن أنطاكية ولا عن التراث السرياني ولا عن العراق الذي تحمله في الذاكرة والروح. في هذا الزمن المقدس، وعلى أبواب عيد ميلاد السيّد المسيح، نعتبر زيارتكم لنا زيارة أبٍ لأبنائه، بالروحانية العميقة التي تتحلّون بها، وبالإنفتاح الثقافي والحسّ الراعوي الهادئ الذي تتميّزون به".
وتابع: "نستقبلكم اليوم وأنتم تحملون في شخصكم وفي مسؤوليتكم ثقل التاريخ وجراح المشرق، وخاصّةً المسيحي منه، ورجاء المستقبل. تحملون، يا صاحب الغبطة، اللغة والصلاة والطقوس السريانية وآلام أبنائكم ودموعهم منذ الهجوم عليهم وتشريدهم من أرض نينوى. أنتم راعٍ ابتعد عن الصخب والشعبَوية، واختار الصمت الحكيم والعمل الدؤوب، فبحثتم عن الإنسان المتألّم لمؤازرته، ولم ترفعوا صوتكم إلا حين كان الصمت خيانة، وحين كان الدفاع عن كرامة المسيحيين وحماية الأقلّيات واجباً، لا خياراً سياسياً".
وأردف: "نرحّب بكم باسم هذه الأسرة السريانية التي تضمّ قرابة ألفَي مؤمن، أي: ألفَي قصّة حنين وآلام في الغربة، وألفَي ذاكرة كنيسة وأجراس وأعياد، وألفَي صلاة رُفِعَت باللغتين السريانية والعربية، وألفَي قلب لا يزال مؤمناً بأنّ الكنيسة لا تُقاس بالمكان، بل بالأمانة والإخلاص. وجودكم بيننا هذا المساء، يا صاحب الغبطة، هو تأكيد لنا أنّ كنيستنا الأمّ لم تنسَ أبناءها في الغربة، وأنّ بطريركيتنا ليست عنواناً جغرافياً في بيروت، بل قلباً ينبض على وقع قلب أبنائه حيثما كانوا وأينما وُجِدوا".
وأكمل: "نصلّي معكم، وندعو معاً أن يمنحكم الرب صحّةً وقوّةً وحكمة الآباء القادة الشهداء وشجاعتهم، لتظلّوا كما عهدناكم: صوت الإعتدال في عالم منقسم، وصوتاً جامعاً بين إخوة يغنّون لحن التمرُّد والإنقسام، وجسر حوار في زمن القطيعة والإنشقاق، وأباً سريانياً أصيلاً لشعبٍ أنهكَتْهُ الحروب والإضطهادات، لكنّه لم يفقد الإيمان. وأنتم، كالبيت المبنيّ على الصخرة، لا يخشى العواصف والزوابع وهبوب الرياح، ولا يهاب السيول والأمطار، بل يبقى شامخاً كشموخ الجبال".
وختم قائلاً: "أهلاً وسهلاً بكم، يا أبانا وبطريركنا، الذي يحمل أنطاكية في قلبه، والشرق في صلاته، والكنيسة الجامعة في رؤيته. مباركٌ الآتي باسم الرب، ليكن حضوركم فرحاً، وكلمتكم نوراً، وبركتكم سلاماً ثابتاً في قلوبنا وكنيستنا وعالمنا".
كما وجّه سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا كلمة من القلب، عبّر فيها عن سروره "بمرافقة غبطة أبينا البطريرك الذي أراد بإصرار أن يلتقي بكم في هذا المساء، رغم التعب والبرد وقساوة السفر، بعد أن ترأّس خلال الأيّام الأخيرة الإحتفال بمئوية رعية مار أفرام السرياني في باريس. فغبطته، قوّاه الرب، أبى إلا أن يأتي ويزوركم، وهذه هي الزيارة الثالثة لغبطته إلى هذه الإرسالية المبارَكة في ستراسبورغ، وهو يحبّكم كثيراً، وأنتم في قلبه وصلاته وفكره دائماً".
واعتبر سيادته أنّ "ما نشعر به تجاهكم، خاصّةً أنا الذي أعرفكم جيّداً، إذ أنّ أغلبيّتكم كنتم من أبناء رعيتي، رعية مار يوحنّا المعمدان في قره قوش - العراق، ونشهد به أمام غبطته، هو الشعور برسوخ إيمانكم ومحبّتكم الكبيرة للكنيسة. بهذه الروح نعرفكم، وكذلك نعرف القادمين من الموصل وبغداد جميعاً. فاثبتوا في هذا الإيمان وهذه المحبّة التي تربّيتم عليها وتغذّيتم من حليب الإيمان الذي وهبكم إيّاه آباؤكم وأمّهاتكم في صغركم".
وختم سيادته بالقول: "نهنّئكم على التزامكم، ونشكركم لمجيئكم في هذا الطقس البارد، فلو لو يكن لديكم دافع المحبّة للكنيسة والتعلُّق بها، لَبقيتم مرتاحين وغير مكترثين. نشكركم على هذا الحضور، ونحن فخورون بكم، ونبقى فرحين معكم على الدوام، وندعو لكم بالصحّة والعافية، بارخمور سيدنا".
وكانت مسك الختام الكلمة الأبوية التي فاه بها غبطة أبينا البطريرك، والتي استهلّها بالقول: "نفرح كثيراً بالقيام بهذه الزيارة التي، ولئن كانت قصيرة في مدّتها، وفي يوم عمل وطقس بارد مع بداية الأسبوع، إلا أنّها تعبّر عن محبّتنا الكبيرة لكم، وعن تقديرنا لإيمانكم والتزامكم وتعلّقكم بكنيستكم السريانية. نتكلّم كثيراً عن فرح عيد الميلاد، عن الرجاء الذي يحمله هذا العيد الفريد، لأنّه ينشر خاصّةً الفرح والسلام في العالم، ونتكلّم عن المحبّة التي تبني".
وتحدّث غبطته عن "الزيارة الراعوية والرسمية التاريخية لقداسة البابا لاون الرابع عشر إلى تركيا ولبنان، هذه الزيارة كانت زمن نعمة، بشكل خاصّ للكنائس الشرقية، فقد لبّى قداسة البابا دعوة البطريرك القسطنطيني برثلماوس كي يزور تركيا بمناسبة مرور 1700 سنة على انعقاد مجمع نيقية، ودُعِينا من قِبَل الحكومة التركية كي نكون موجودين مع قداسته في أنقرة في الإحتفال الرسمي. وحين زار قداسة البابا لبنان، كان الفرح يبدو عليه، وكذلك الحماس والتقدير للمسيحيين في هذا البلد الصغير، إذ لاقاه المؤمنون بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف، منهم شاركوا في القداس، وفي لقاء الإكليروس، ولقاء الشبيبة، وآخرون شاركوا في استقباله في الشوارع، فقداسته كوّن فكرة عن المسيحيين الشرقيين، أكانوا كاثوليك أو أرثوذكس، لأنّها كانت أول زيارة لقداسته إلى لبنان وإلى الشرق. نأمل ونصلّي وسنتابع هذا الموضوع مع قداسته، أن يوجّه نظره إلى هذا الشرق المتألّم، فواجبنا اليوم أن نطلب من العالم الذي لديه التأثير الدولي، كي يتمّ احترام وجودنا ومساعدتنا لنبقى في أرضنا، وإعطاؤنا حقوقنا مثل البقيّة، وهي الأغلبيّة التي لا تنتمي إلى ديانتنا".
ولفت غبطته إلى أنّه "عندما نلتقي مع المسؤولين، أكانوا كنسيين أو مدنيين حكوميين، نذكّرهم أنّهم مثلاً في الغرب يهتمّون بإنقاذ بعض أنواع الحشرات أو النباتات أو الحيوانات المعرَّضة للإنقراض. نحن، المسيحيين في الشرق، إنّنا من أصل هذه البلاد، لسنا مستورَدين، ولسنا قادمين جدداً بهدف العمل، ولسنا نطلب امتيازات، بل نريد أن نبقى في أرضنا. وإنّ واجبكم، أيّها الأحبّاء، مدنيين أو كنسيين، هو أن تدركوا أنّ من حقّ المسيحيين الشرقيين أن يبقوا في أرضهم محترَمين، وهم لا ينشدون إلا الحقوق الإنسانية في هذا القرن الحادي والعشرين".
وأكّد غبطته أنّ "المسؤولية تقع علينا جميعاً، البطريرك والأساقفة والكهنة والإكليروس عامّةً، علينا أن نقوم بواجبنا، لكن أنتم أيضاً، عليكم أن تسعوا، بعيشكم الإيمان المسيحي، كي تعطوا هذه الشهادة من حولكم، أنّ المسيح ليس مجرَّد نبيّ جاء مثل سائر الأنبياء على ساحة الدول، إنّما المسيح هو المخلّص، هو ابن الله المتأنّس، هو الإله الكامل والإنسان الكامل، أتى كي يخلّص البشرية، وهذا ما لا يجب أن نستحي أو نخجل به، بل أن نعلن إيماننا بالرب يسوع على الملأ".
وأشار غبطته إلى أنّ "زيارتي لكم قصيرة، وكنتُ أتمنّى، كما قال الأستاذ سمير فرَيِّح في كلمته الترحيبية اللطيفة، والتي أشكره عليها، أن تكون زيارة أطول، وأنا أعرفكم جيّداً، أحبّاءنا الشمامسة وأعضاء الجوق والمريمات أي لجنة السيّدات والشباب ومعلّمي ومعلّمات التعليم المسيحي، أنتم غيورون، تحاوِطون كاهنكم الفاضل أبونا المونسنيور أنيس، كي تبقى إرساليتكم نابضةً بالإيمان، وشاهدةً للمحبّة، فتكون رعية رجاء للمستقبل، وبشكل خاصّ لأولادنا وشبابنا. لا نطلب منكم أن ترجعوا إلى بلادكم الغالية التي نحبّها جميعنا، أكان في العراق أو سوريا أو لبنان أو الأراضي المقدسة أو سواها، لكنّنا نحترم خياركم، ونعرف جيّداً أنّ علينا اليوم أن نبقى جميعنا شهوداً للرب يسوع، وأنتم تدركون الصعوبات التي تلاقونها في هذه البلاد التي كنّا نعتقد أنّها بلاد تدافع عن المسيحية، ماذا يحصل من ناحية الميول نحو العلمنة والمادّية، والتي تخلق الكثير من الشكوك والضياع لأولادنا وشبابنا. لذا لا يجب أن نبقى سلبيين، إنّما علينا أن نكون أقوياء وندافع عن الحقّ بمحبّة".
وختم غبطته كلمته الأبوية قائلاً: "إنّنا موجودون اليوم في خضمّ أوضاع غير سهلة أبداً، لكن مع ذلك، علينا أن نكون شعب الرجاء. وفي الرسالة إلى العبرانيين، يذكّرنا كاتب هذه الرسالة بأنّ ابراهيم الذي رجا، فوق كلّ رجاء، ترك أرضه كي يذهب إلى الأرض الموعود به، وكان مثالاً لكلّ مؤمن ومؤمنة بالثقة بكلام الله. هذا ما نرجوه ونطلبه من الرب، أن يقوّي إيماننا، ويعزّز رجاءنا، ويثبّتنا بالمحبّة له ولبعضنا البعض وللجميع".
هذا وقد تخلَّلت هذا اللقاء صلوات وترانيم باللغتين السريانية والعربية، تمحورت حول عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد. كما أنّ غبطته استمع إلى بعض المؤمنين الذين رحّبوا به ووجّهوا إليه بعض الاسئلة والإستفسارات، والتي أجاب عليها غبطته بروح الأب والراعي الصالح.
وفي نهاية اللقاء، منح غبطة أبينا البطريرك إرسالية القديس مار اسحق النينوي، كاهناً ومجلساً وشمامسةً ومؤمنين، بركته الرسولية عربون محبّته الأبوية. ثمّ التقى غبطته مع المؤمنين الذين تحلّقوا حوله في لقاء جمع الأب بأبنائه وبناته في جوّ من الفرح الروحي.