

قال يسوع: أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة. " يو 12:8"
يسبق عيد الميلاد الصوم، والصوم هو تهيئة وشوق إلى ميلاد المسيح في العالم، فبالصوم والصلاة تتحرك مشاعر الإنسان نحو كلمة الله المتجسد ليدخل قلب الإنسان منذ فترة الصوم . ميلاد النور النازل من السماء في داخل كل مؤمن بمشروع تجسد إبن الله في هذا العالم يحتاج إلى تهيئة، لهذا خصصت الكنيسة المقدسة شهر خاص لإستعداد كل مؤمن لإستقبال ميلاد الرب الإله، فعلى كل مسيحي أن يهىء قلبه ويطهره من كل دنس ليعده للمسيح لكي يحضر فيه بدل المغارة. يطلق على فترة الإستعداد ب " شهر التبريكات" و الخاص بمريم العذراء التي كانت تحمل النور في أحشائها دون أن تحترق بنار إبنها. العليقة التي كانت مشتعلة دون أن تحترق والتي رآها موسى على الجبل كانت ترمز إلى العذراء التي حملت نور ونار لاهوت المسيح الحارق ، تقول الآية: لأن إلهنا نار آكلة. ( طالع تث 24:4 و أش 14:33 و عب 29:12 ). العذراء حبلت بإبن الله بحسب النبوءة: ولكن يعطيكم السيد نفسهُ آية: ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو اسمهُ عمانوئيل الذي تفسيره اله معنا. " أش 14:7". في شهر التبريكات يصوم شعب الله، والصوم يعتمد على ثلاث ركائز وهي: الصلاة والصفح والصدقة. إنه صوم الرحمة لأن الرحمة هي من يرحم المحتاج، ومن يرحم الفقير يكافؤه الله. تقول الآية:
من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه. " أم 17:19". فمن يريد أن يستقبل مولود المغارة عليه أن يتهيأ ايضاً بتنقية النفس من الخطايا فيعلن توبته ويعترف بزلاته ليستحق تناول جسد ودم الذي تجسد ومات من أجله، وبهذا سيولد المسيح في يوم العيد في مغارة قلب الإنسان الطاهر لأن روح الله لا يسكن في هيكل نجس.
ولد يسوع في مغارة بيت لحم من العذراء مريم، حضر في العالم الذي تسوده الخطيئة بظلامها، تنبأ ميخا النبي عن موقع ميلاد يسوع على هذه الأرض وقال: أما أنت يا بيت لحم أفراتة، مع أنكِ صغيرة بين ألوف قرى يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجهُ منذ أيام الازل.
أي الذي كان موجوداً منذ الأزل ولد في الزمن، في قرية بيت لحم. وذكر هذا الزمن المحدد من قبل الله الرسول بولس، قال: عندما جاء ملء الزمان ولد من إمرأة. " غل 4:4".
في يوم مولد يسوع في المذود ظهر ملاك الرب على الرعاة وبشرهم بميلاد المسيح، فقال لهم:
إنَهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ." لو2: 11-12".
أما المجوس الذين قادهم نور النجم الذي كان يسير أمامهم فلم يزوروا المولود في المغارة كالرعاة، أي في اليوم الذي ولد فيه المسيح بل بعد فترة طويلة تتجاوز عدة أشهر وأقل من سنتين، فزاروه في بيت لحم في البيت الذي كانت فيه العائلة المقدسة، لهذا تقول الآية: فدخلوا البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه. " مت 11:2". لهذا السبب أتخذ هيرودس قرار قتل أطفال بيت لحم الذين هم دون السنتين ليضمن قتل المسيح ملك اليهود المولود في تلك الكورة. ومن الواضح بأن العائلة لم تهرب إلى مصر مباشرةً بل ظلت في تلك المنطقة. في اليوم الثامن تم تقديم الطفل إلى الهيكل على يد سمعان الشيخ وتم تطهيره كعادة اليهود.
بميلاد المسيح تبدد الظلام فينا لندخل في نور النهار، فعلينا أن نتهيأ لخلع أعمال الخطيئة فينا ونلبس نور المسيح وفق الآية:
قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. " رو 11:13". كان العالم يسكن في الظلمة ، لكن بعد ميلاد المسيح أشرق نوره على العالم لكي لا يسير الإنسان في ظلام الخطيئة بل في نور المسيح الذي قال: أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة. " يو 12:8".
كتب يوحنا عن نور المسيح وقال: والنور يضىء في الظلمة، والظلمة لن تدركهُ. " يو 5:1 ". أي أن يسوع هو النور الإلهي الذي يقهر ظلام هذا العالم ، وطبيعة المسيح المولود نورانية سماوية لا تستطيع قوات الظلمات في هذا العالم إدراكها وتحديها، أو إطفاء ذلك النور، فالمسيح المولود هو نور العالم، وكما قال: أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة. " يو 12:8". إنه نور الله الذي يضىء الظلام الروحي لهذا العالم. هذا النور الإلهي الذي تجسد في وسط اليهود، واليهود لم يستوعبوا أو يفهموا طبيعة المسيح الإلهية وقدراته العجائبية والآيات التي إجترحها في وسطهم . إنتقد يسوع اليهود لعدم معرفة زمن مجيئه، لأنهم لم يفرزوا زمان مجيئ مسيحهم الذي ينتظروه منذ قرون رغم إخبار قادتهم من قبل هيرودس متى وإين يولد المسيح بعد زيارة المجوس له! تنبأ بموقفهم هذا النبي إشعياء لعدم إيمانهم بالمسيح المتجسد ، فقال: الشعب الساكن في الظلمة أبصرَ نوراً عظيماً. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نوراً . " أش 2:9". المسيح المولود هو نور العالم ، تقول الآية: النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان . " يو 9:1 ". والمؤمنون به مدعوون لكي يلبسوا نور المسيح ليصبحوا هم أيضاً نوراً لهذا العالم ، لهذا قال يسوع لتلاميذه: أنتم نور العالم. " مت 14:5". أي يجب أن يعكسوا نور المسيح الذي هو مصدر النور إلى العالم بأعمالهم الصالحة وتعليمهم ومحبتهم حتى لأعدائهم ومسامحة كل من يخطأ إليهم.
أخيراً نقول: المسيح تجسد وولد في عالمنا متخذاً جسداً بشرياً من العذراء القديسة. ولادته في المذود هو درس عظيم لنا يعلمنا درس الإتضاع ، وقصة ميلاده بدون إتضاع كانت تفقد جوهر رسالته المبنية على التواضع والمحبة والمسامحة والفقر. كذلك كان في حياته على الأرض يعيش فعلاً حياة الفقر وهو ملك الملوك ورب الأرباب لكنه إختار الحمار في تنقلاته من الناصرة إلى بيت لحم في زمن ولادته ، وكذلك لهروبه إلى مصر وعودته منها ، كما إختار نفس الوسيلة في يوم النصر عندما دخل إلى أورشليم راكباً على جحش إبن أتان. مجداً لإسمه القدوس .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"