
رسالة البابا إلى مدينة روما والعالم بمناسبة عيد الميلاد ٢٠٢٥ (@Vatican Media)
عشتارتيفي كوم- فاتيكان نيوز/
25 ديسمبر 2025
"ها هو سبيل السلام: المسؤولية. لو أن كل واحد منا – وعلى كافة المستويات – بدلاً من توجيه أصابع الاتهام للآخرين، اعترف أولاً بنقائصه وطلب الصفح عنها من الله، وفي الوقت عينه وضع نفسه مكان المتألمين، وتضامن مع الضعفاء والمضطهدين، لتغيّر وجه العالم" هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في رسالته إلى مدينة روما والعالم بمناسبة عيد الميلاد ٢٠٢٥
في يوم عيد الميلاد وجه البابا لاوُن الرابع عشر، كما جرت العادة، رسالته التقليدية إلى مدينة روما والعالم، قال فيها "لنبتهج جميعاً بالرب، فقد وُلد مخلصنا في العالم. اليوم نزل إلينا السلام الحقيقي من السماء". هكذا ترنم الليتورجيا في ليلة الميلاد، وهكذا يتردد في أرجاء الكنيسة إعلان بيت لحم: إن الطفل الذي وُلد من العذراء مريم هو المسيح الرب، الذي أرسله الآب ليخلصنا من الخطيئة والموت. هو سلامنا، وهو الذي غلب الحقد والعداوة بمحبة الله الرحيمة؛ ولذلك، فإن "ميلاد الرب هو ميلاد السلام".
تابع الأب الأقدس يقول وُلد يسوع في حظيرة، إذ لم يكن له موضع في المضافة. وفور ولادته، قامت أمه مريم فقمطته وأضجعته في مذود. إن ابن الله، الذي به خُلق كل شيء، لم يجد من يستقبله، فكان مهده مذوداً فقيراً للحيوانات. إن كلمة الآب الأزلي، الذي لا تسعه السماوات، اختار أن يأتي إلى العالم بهذه الطريقة. وبدافع الحب، شاء أن يُولد من امرأة ليشاركنا بشريتنا؛ وبدافع الحب، قبِل الفقر والرفض، وتماهى مع المنبوذين والمهمشين.
أضاف الحبر الأعظم يقول في ميلاد يسوع، تتجلى بوضوح الخيارات الجوهرية التي ستوجه حياة ابن الله كلها، وصولاً إلى موته على الصليب: خيار ألا يحمِّلنا ثقل الخطيئة، بل أن يحملها هو عنا، ويأخذها على عاتقه. هذا العمل لم يكن بمقدور أحد سواه أن يفعله، لكنه في الوقت عينه، أرانا ما لا يستطيع سوانا القيام به: وهو أن يتحمّل كل واحد منا نصيبه من المسؤولية. نعم، لأن الله الذي خلقنا بدوننا، لا يمكنه أن يخلصنا بدوننا، أي بدون إرادتنا الحرة في المحبة. فمن لا يُحب لا يخلص، بل يضلّ. ومن لا يحب أخاه الذي يراه، لا يمكنه أن يحب الله الذي لا يراه.
تابع الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، ها هو سبيل السلام: المسؤولية. لو أن كل واحد منا – وعلى كافة المستويات – بدلاً من توجيه أصابع الاتهام للآخرين، اعترف أولاً بنقائصه وطلب الصفح عنها من الله، وفي الوقت عينه وضع نفسه مكان المتألمين، وتضامن مع الضعفاء والمضطهدين، لتغيّر وجه العالم.
أضاف الحبر الأعظم يقول يسوع المسيح هو سلامنا؛ أولاً لأنه يحررنا من الخطيئة، وثانياً لأنه يرشدنا إلى الطريق الواجب اتباعه لتجاوز النزاعات، كل النزاعات، بدءاً من الخلافات الشخصية وصولاً إلى الصراعات الدولية. فبدون قلب متحرر من الخطيئة، قلب نال الغفران، لا يمكننا أن نكون رجالاً ونساءً مسالمين وصانعي سلام. ولأجل هذا وُلد يسوع في بيت لحم ومات على الصليب: ليحررنا من الخطيئة. هو المخلص، وبنعمته نستطيع – بل ويجب علينا – أن يقوم كل منا بدوره لنبذ الكراهية والعنف والتصادم، وننهج نهج الحوار والسلام والمصالحة.
أضاف الحبر الأعظم يقول في يوم العيد هذا، أود أن أوجه تحية أبوية ودافئة إلى جميع المسيحيين، وخصوصاً إلى الذين يعيشون في الشرق الأوسط، الذين أردتُ لقاءهم مؤخراً في زيارتي الرسولية الأولى. لقد أصغيتُ إلى مخاوفهم، وأعرف جيداً شعورهم بالعجز أمام صراعات القوى التي تتجاوزهم. إن الطفل الذي يولد اليوم في بيت لحم هو يسوع نفسه الذي يقول: "ليكن لكم بي السلام. تعانون الشدة في العالم ولكن ثقوا إني قد غلبت العالم".
تابع الأب الأقدس يقول نبتهل إليه أن يمنّ بالعدل والسلام والاستقرار على لبنان وفلسطين وإسرائيل وسوريا، واثقين في كلماته الإلهية: "ويكون عمل البر سلاما وفعل البر راحة وطمأنينة للأبد". وإلى "رئيس السلام"، نودع القارة الأوروبية بأسرها، سائلين إياه أن يلهمها بروح التعاون والجماعة، أمينة لجذورها المسيحية وتاريخها، متضامنةً ومضيافة مع الذين هم في عوز. ونصلي بشكل خاص من أجل الشعب الأوكراني المعذب: ليتوقف دوي الأسلحة، ولتجد الأطراف المعنية، بدعم من المجتمع الدولي، الشجاعة للحوار بأسلوب صادق ومباشر ومُحترم.
أضاف الحبر الأعظم يقول ومن طفل بيت لحم، نلتمس السلام والتعزية لضحايا جميع الحروب الدائرة في العالم، ولا سيما المنسية منها؛ ولجميع الذين يعانون من الظلم، وعدم الاستقرار السياسي، والاضطهاد الديني، والإرهاب. وأخص بالذكر الإخوة والأخوات في السودان، وجنوب السودان، ومالي، وبوركينا فاسو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي هذه الأيام الأخيرة من "يوبيل الرجاء"، نصلي إلى الإله الذي صار بشراً من أجل شعب هايتي العزيز، لكي ينتهي كل شكل من أشكال العنف في البلاد، وتتقدم في دروب السلام والمصالحة.
تابع الأب الأقدس يقول وليُلهِم الطفل يسوع المسؤولين السياسيين في أمريكا اللاتينية، لكي يفسحوا في مواجهة التحديات العديدة مجالاً للحوار من أجل الخير العام، بعيداً عن الانغلاق الأيديولوجي والتحزب. ونسأل رئيس السلام أن ينير ميانمار بنور مستقبلٍ تسوده المصالحة: ليعيد الرجاء للأجيال الشابة، ويرشد الشعب البورمي بأسره على دروب السلام، ويرافق المشردين والمحرومين من الأمان والثقة في الغد. ونبتهل إليه أن تُستعاد الصداقة القديمة بين تايلاند وكمبوديا، وأن تواصل الأطراف المعنية السعي من أجل المصالحة والسلام. كما نوكله شعوب جنوب آسيا وأوقيانيا، التي تضررت بشدة من الكوارث الطبيعية الأخيرة والمدمرة. وأمام هذه المحن، أدعو الجميع إلى تجديد التزامنا المشترك بإغاثة المتألمين.
أضاف الحبر الأعظم يقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، في عتمة الليل، "كان النور الحق الذي ينير كل إنسان آتيا إلى العالم"، ولكن "ما قبله أهل بيته". لا نسمحنَّ بأن تغلبنا اللامبالاة تجاه الذين يتألمون، لأن الله ليس لا مبالياً ببؤسنا. باتخاذه الطبيعة البشرية، حمل يسوع ضعفنا على عاتقه، وتماهى مع كل واحد منا: مع من لا يملك شيئاً وفقد كل شيء، كأهل غزة؛ ومع من يفتك بهم الجوع والفقر، كشعب اليمن؛ ومع الذين يفرّون من أرضهم بحثاً عن مستقبل في مكان آخر، كالعديد من اللاجئين والمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط أو يجوبون القارة الأمريكية؛ ومع الذين فقدوا عملهم أو يبحثون عن عمل، كالشباب الذين يكافحون للحصول على وظيفة؛ ومع الذين يُستغلّون، كالكثير من العاملين الذين يتقاضون أجوراً زهيدة؛ ومع القابعين في السجون في ظروف غير إنسانية.
تابع الأب الأقدس يقول إن استغاثة السلام التي ترتفع من كل أرض تصل إلى قلب الله، وكما كتب أحد الشعراء: "ليس سلام وقف إطلاق النار، ولا حتى رؤية الذئب والحمل، بل بالأحرى، كما في القلب حين يهدأ الصخب، ولا يسعنا إلا الحديث عن تعبٍ عظيم. [...] فليأتِ مثل الأزهار البرية، بغتة، لأن الحقل في حاجة إليه: إنه السلام البري". في هذا اليوم المقدس، لنفتح قلوبنا للإخوة والأخوات الذين يعيشون في العوز والألم. وبذلك نفتحها للطفل يسوع، الذي يستقبلنا بذراعيه المفتوحتين ويكشف لنا ألوهيته: "أما الذين قبلوه فقد مكنهم أن يصيروا أبناء الله".
وختم البابا لاوُن الرابع عشر رسالته لمدينة روما والعالم بمناسبة عيد الميلاد بالقول بعد أيام قليلة ستنتهي سنة اليوبيل، وستُغلق الأبواب المقدسة، لكن المسيح، رجاءنا، يظل معنا على الدوام! إنه الباب المفتوح على الدوام والذي يدخلنا في الحياة الإلهية. إنها البشرى السارة لهذا اليوم: الطفل الذي وُلد هو الله الذي صار بشراً؛ لم يأتِ ليدين بل ليخلص؛ وظهوره لم يكن عابراً، بل جاء ليبقى ويبذل ذاته. فيه تلتئم كل الجراح، وفي قلبه يجد كل قلب راحته وسلامه. "إنّ ميلاد الرب هو ميلاد السلام". أتمنى لكم جميعاً من كل قلبي ميلاداً مقدساً ومباركاً!