اسوأ اللحظات التي مر بها صدام عندما مثل امام القضاء وايقن ان القانون سيأخذ مجراه
قواعد الادانه ارتكزت على ((21 )) طنا من الوثائق و ((280 )) موقعا للقبور الجماعيه
في 30 -6-2004 استلمنا المتهم صدام حسين وخلال 24 ساعه باشرنا بالتحقيقات الاولية معه
الجهات العراقيه لم تصرف درهما واحدا في عمليات البحث عن القبور الجماعيه
بنينا قاعدة معلومات الكترونيه لدراسة وتحليل ستة ملايين وثيقه عمل فيها ((175 )) من قضاة التحقيق والمدعين العامين والمحققين
تلقيت تهديدات كثيره والقضاء العراقي فقد اكثر من ((30 )) قاضيا
اقمنا مدنا متكامله وبسرية تامه في الصحراء ضمت مقرات سكن وانترنت ومختبرات وشبكة اتصالات عبر الاقمار الصناعيه
اكبر المقابر الجماعيه كانت في الحضر وضمت قبورا منفصله للرجال والنساء وللاطفال
افظع المناظر مأساوية كان جثة طفل رضيع قتل بأحضان والدته وزجاجة الحليب كانت ما تزال في فمه
القسم الاول
حــــوار : مال اللـــــــه فـــــــــرج
مدخــــل
في الوقت الذي اثارت فيه محاكمة رئيس النظام السابق ردود افعال متباينة، بل وعنيفة غالباً وهي تكشف حقائق مأساوية عن فظائع المقابر الجماعية التي غيبت الاف العراقيين، وفي مقدمتها جرائم الانفال التي راح ضحيتها اكثر من (180) الفاً من الرجال والنساء والاطفال الكورد ولم ينج حتى الرضع من مآسيها، فان ما كان يجري وراء الكواليس من استعدادات مختلفة وتحقيقات قضائية ومن عمليات جمع الوثائق والادلة الجنائية ما سيبقى يثير رغبات الملايين للوقوف على تفاصيل ربما اهم وابرز عملية محاكمة لنظام كان مثار جدل المنطقه والعالم وتحمل وزر واحدة من اكبر عمليات الابادة الجماعية
لتوثيق جوانب مهمة من ذلك، التقينا القاضي رائد جوحي قاضي المحكمة الجنائية العراقية العليا الذي نهض بمهمة رئيس قضاة التحقيق في مواجهة رئيس النظام السابق صدام حسين وقاد ميدانياً فرق التقصي والبحث عن المقابر الجماعية واشرف على دراسة (21) طناً من وثائق الادانة و تحليل ستة ملايين وثيقه ، واستطاع بخبرته القضائية في ميدان القانون الجنائي وبالتزامه القانوني ان يفشل محاولات رئيس النظام السابق في تحويل تلك المحاكمة التي استحوذت على اهتمام ومتابعة الملايين من محاكمة جنائية الى محاكمة سياسية، غير مبال بالضغوط التي تعرض لها ولا بالتهديدات التي حاصرته... على مدى ثلاث ساعات وبضيافة وحضور الاستاذ الفاضل زهير كاظم عبود الذي نعتز به كثيرا تواصل الحوار وتشعب حول تفاصيل دقيقه فتحنا خلاله معظم ملفات التحقيق الساخنه وكان القاضي رائد جوحي بخبرته القضائيه وبروحه الشبابيه وبتلقائيته وتجاوبه الذي نقدره عاليا ما مكننا من الخوض في جميع التفاصيل واشباع فضولنا الصحفي لتكون حصيلة حوارنا كالآتي :
مال اللـــــــه فــــــــــرج
من بوابة هويتك الشخصيه
سندخل ساحة الحوار فمن انت ؟
انا القاضي رائد جوحي قاضي المحكمه الجنائية العراقيه العليا من مواليد بغداد عام 1971 بكالوريوس قانون من جامعة بغداد سنة 1993 وخريج المعهد القضائي في بغداد ايضا عام 2002 وماجستير في القانون الدولي من الولايات المتحده الامريكيه عام 2010 من هواياتي الرياضه وبالذات كرة السله اضافه الى القراءه بشكل متواصل والمشاكسه في الكتابه
كيف بدأت الاستعدادات لعملية
تشكيل المحكمة التي تولت محاكمة
رئيس النظام السابق صدام حسين؟
-دعني أتكلم بصراحة، انا لم اكن جزءاً من الهيئة او الجهة التي كانت تختار الهيئة القضائية، لكن في تلك الفترة، كنت قاضياً في المحكمة الجنائية المركزية، وقد تكون عملية التدقيق او الاختيار قد سبقت هذا الامر، لا اعلم، في بداية 2003 كنت قاضياً في النجف، بعد ذلك نقلت الى بغداد، وفي 2004 تحديداً كنت اشغل منصب قاضي تحقيق في المحكمة الجنائية المركزية، واتصل بي احد الاشخاص رحمه الله وكان قاضياً ايضاً، اغتيل على ايدي زمرة من الغادرين الخونة وابلغني بان هنالك شائعات تدور حول امكانية ان العب دوراً في المحكمة الجنائية المختصة في تلك الفترة، انا في الحقيقة فوجئت لأنني لم ابلغ من قبل، واعتقد كانت هنالك مجموعة اسماء لأشخاص دخلوا دورة معينة، كذلك... فان طرفاً ثانياً قال لي ان اسمك بدأ يتردد، اجبت بأنه لم يتصل بي احد واوضحت له بأن هنالك اسماء اخرى كثيرة، لكنه قال نعم، لكن عدداً كبيراً من القضاة بدأ يعتذر اما خشية او لأسباب خاصة بهم لا نريد الخوض في تفاصيلها، لكن وقع الاختيار عليّ في وقتها، وسألني، هل لديك مانع، اجبته: كلا.. ليس لدي اي مانع لأنني مؤمن بالعملية القضائية في العراق.
في اي تاريخ وقع الاختيار عليك؟
ومن الذي بلغك؟
_تم اختياري في الثلث الثالث من شهر ايار من عام 2004، والذي بلغني بالاختيار كان الاستاذ الفاضل قيس هاشم رحمه الله امين مجلس القضاء.
ماذا كان رد فعلك عندما تم
تبلغيك رسمياً بالمهمه؟
-دعنا نكن واقعيين، لكل شئ بداية، انا عندما عملت محققاً كان لدي حب بالقضاء الجنائي. ثم عملت قاضياً، وقاضي تحقيق حيث سبقت هذه القضية قضايا كبرى عملت فيها، وعلى سبيل المثال، كانت هنالك قضية تتعلق بالفساد الاداري في محافظة النجف في عام 2003 والقينا القبض في تلك الفترة على محافظ النجف أول محافظ بعد سقوط النظام وكان مبلغ الفساد لا يقل عن خمسين مليون دينار عراقي في تلك الفترة، وقياساً بالوقت الحاضر لم يكن المبلغ كبيراً، لكن الجريمة جريمة سواء كان مبلغ الفساد ديناراً واحداً، أم مليون دينار ليس هنالك فرق، اضافة لوجود مسألة في غاية الأهمية في تلك الدعوى،و هي خرق حقوق الانسان حيث استغل المحافظ في تلك الفترة نفوذه باحتجاز اشخاص ابرياء، بلغنا بالامر وانتقلنا فور الابلاغ الى موقع الاحتجاز وفعلاً وجدنا الاشخاص المحتجزين موجودين وقمنا باخلاء سبيلهم، وباشرنا بالاجراءات التحقيقية ضد المحافظ والتي اوصلتنا الى قضايا فساد اخرى، والقي القبض عليه وتم التحقيق معه وتمت ادانته والحكم عليه في تلك الفترة.
اذاً انت كنت مقتنعاً عندما تم
تبليغك وقبلت بالمهمة؟ الم تخف
من تلك المهمة وفي تلك الفترة بالذات؟
-والله استاذ فرج.. اذا كان القاضي يخشى من القضية المنظورة امامه فعليه ان يترك منصة القضاء ويذهب الى منزله.
لكن بعض القضاة اعتذروا
-اجل.. لكن لكل قاضٍ ظروفه الخاصة، بينما انا لدي قناعتي الشخصية، القاضي قاض، لا يجزأ ولا يصنف، واذا ما وضعت امامه قضية وليس هنالك سبب وجوبي او جوازي باستشعار الحرج في نظر القضية، فعليه ان يقوم بواجبه وكانت قضية التحقيق مع صدام وبناء الهيكل التحقيقي للمحكمة الجنائية العراقية العليا.. تعتبر الى جانب انها شرف وطني؛ مهمة تاريخية في بناء فلسفة قانون في البلد وفي احقاق الحق، واظهار تاريخ القضاء العراقي والقانون العراقي، ويجب ان لا ننسى ابداً ان القانون والقضاء والفقه القانوني قد خرج من هذه الارض، ومسلة حمورابي قبل ثلاثة الاف سنة وضعت القوانين، وحالياً هنالك 282 نصاً قانونياً محفوراً على حجر التالوك في فرنسا كل تلك النصوص علمت الانسانية وعلمت الحضارات معنى القانون، فهذه الاصالة القانونية الاولى من اين جاءت؟! جاءت من العراق من بلاد الرافدين، هذه الفلسفة كانت مزروعة في اعماقي شخحصياً.. اما مسألة التحقيق وبناء القضايا التحقيقية مع صدام او غيره كنت اعتقد انها سوف تشكل نقلة، او انعطافة نوعية في القضاء العراقي لأنه لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط ودول العالم الثالث وفي البلدان العربية تجري محاكمات عادلة لرئيس دولة بغض النظر، وبدون احكام مسبقة، وهذا اساس تاريخي ممتاز للعراق وللقضاء العراقي.
ما ابرز الاستعدادات التي اتخذت من
اجل محاكمة عادلة ودقيقة لصدام ؟
-لنكن امناء ونعط لكل ذي حق حقه، المحكمة أسست بارادتين، ارادة عراقية وطنية، ورغبة امريكية عالمية مع هذا الاتجاه.
كان المجمتع الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا واستراليا يصب جل اهتمامه على الجوانب الامنية والفنية للمحكمة، وسوف اتطرق تباعاً الى مراحل التحقيق لأن الناس لا تعلم ما الذي جرى وراء الكواليس وخلال التحقيق بشكل خاص، يمكن ان الناس شاهدوا جلسات المحاكمة، لكن كيف وصلت هذه الأمور الى المحاكمة سوف اوضح تباعاً هذه النقاط، ولا انسى هنا ان اذكر ان حكومة الدكتور علاوي كان لها الفضل الكبير في وضع الأسس الاولى وفي توفير الجانب الأمني والاهتمام بالجانب القضائي، بعد ان وضعت حكومة الدكتور علاوي اسس هذا الموضوع، اي اساس العمل، والبناء الاساسي لتأسيس محكمة بهذا المستوى، جاءت حكومة الدكتور الجعفري واكملت ما تم وضعه في تلك الفترة بتوفيرها جوانب امنية وجوانب سكنية مؤمنة للقضاة العاملين في هذه المحكمة.
اما جوانب المحاكمات والمحكمة والمباني فقد كانت المحكمة ومكتب الارتباط للولايات المتحدة الامريكية والسفارة البريطانية تساعدان كثيراً في هذا الموضوع، فيما يتعلق بالمبنى المحصن لأجراء المحاكمات والدورات لان العراق منذ ثلاثين سنه كان منغلقا على ً نفسه،و هنالك تجربة دولية، والعراق كان بعيداً عنها، كان المدعون العامون والقضاة من بريطانيا ومن الولايات المتحدة الامريكية على تماس مباشر في قضية يوغسلافيا وفي قضية سيراليون وقي قضية رواندا، ساعدونا كثيراً في هذا الموضوع، وقد نظمت دورات في لندن وفي روما للارتقاء بالمستوى التحقيقي والقضائي بشكل عام او للتعريف باهم المعايير الدولية في المحاكمات العادلة، وفي تحديد القضايا التي يمكن ان ينظرها المجتمع الدولي في مثل هذا النوع من المحاكمات. فقد تم توفير دورات خصوصاً للاخوة قضاة الجنايات في انكلترا وفي ايطاليا لأكثر من مرة فضلاً عن الاخوة قضاة التحقيق والمدعين العامين في ذات السياق، كان هنالك دورات، وتهيئة متكاملة، اثناء عملية التحقيق.
هل تعني ان التحقيق مع صدام
بدأ قبل الاستعدادات؟
-نعم... بدأنا في التحقيق قبل هذه الاستعدادات لاننا بصراحة كلفنا بالامر وقبلنا به وبدأنا ببناء الدعاوى، فقد كنت رئيساً لقضاة التحقيق للمحكمة الجنائية العراقية العليا على مدى دورتين، وعملنا على تدوين اقوال الشهادات واقوال الضحايا و جمع الادلة ووثائق بحجم ((21 )) طنا , أؤكد يا استاذ فرج (( 21 )) طنا لاحظ انني اتحدث عن اطنان من الوثائق الى جانب ((280 )) .
موقعاً جغرافياً لقبور جماعية، كل موقع يحتوي ما بين 8_10 قبور، وكل قبر يحتوي على ما لا يقل عن (80) جثة او رفاتاً.
هذه العملية وضعنا ستراتيجية عمل لها كرئيس قضاة تحقيق، اول عملية كانت وبهدف تغطية البلد جيولوجياً وتحقيقياً شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، قمنا بفتح مكاتب، مكتبين في اقليم كوردستان لأن جرائم النظام السابق كانت كثيرة في الاقليم، مكتب في السليمانية وآخر في اربيل، مكتب السليمانية كان يغطي السليمانية وكركوك والمناطق المحيطة بهما ومكتب اربيل كان يغطي اربيل ودهوك والمناطق المحيطة بهما، كذلك فأن مكتب البصرة كان بغطي المنطقة الجنوبية، ومكتب النجف يغطي منطقة الفرات الاوسط، اما مكتب بغداد فقد كان يغطي المركز، ومركز التحقيق الرئيس في مقر المحكمة، اما من جهة الوثائق، فقد تم نقلها الى موقع سري جداً للغاية، اما لماذا سرية الموقع بالنسبة للوثائق، لأنه كان هنالك من يراهن على افشال عملية المحكمة وكانت هنالك اموال طائلة من المحيط الاقليمي والمعادين للعملية القانونية والديمقراطية في العراق والمعادين للمحكمة بحد ذاتها، بحيث كانت هنالك مبالغ مرصودة لتصفية القضاة في هذا الموضوع، لذلك نقلنا تلك الوثائق الى مقر رسمي وسري وقمنا باستنساخها بأربع نسخ لكل وثيقة.
كم استغرقت عملية استنساخها واستخراج
الوثائق المهمة والتي تشكل دلائل ادانة؟
قمنا بتشكيل فريق ضخم يتكون من مائتي شخص منهم خبراء دوليون من المختصين بعملية فرز وتصنيف الوثائق وبينهم (( 120 )) عراقيا .
هل كانت الوثائق حصراً بمراسلات
القصر الجمهوري ام ببقية الجهات الامنية؟
-الوثائق كانت عبارة عن ارشيف ديوان الرئاسة المتكامل، اما لماذا اخترت انا بأن نضع اليد على ارشيف ديوان الرئاسة في ذلك الوقت؛ لأني كنت اعلم ان ديوان الرئاسة ترده نسخة من كل مخاطبة تصدر من الامن والمخابرات والامن الخاص والاستخبارات والعمليات العسكرية وبالتالي حتى لا نشتت بحثنا، بل نأخذ المصدر الرئيس للوثائق والمعلومات، وفعلاً عملنا على هذا الاتجاه
وتم تصنيف هذه الوثائق من قبل فريق متخصص حيث كنا دقيقين جداً في تعيين العاملين في ذلك الفريق، وقسمنا اولئك العاملين الى اربع مجاميع رئيسة.
الاولى مهمتها تصنيف نوعية الوثائق ما بين عادية وغير عادية، المقصود بالوثيقة العادية ورقة ليست لها اية صلة بالعمل القانوني او القضائي، اما الفريق الثاني فكانت مهمته تصنيف الاوراق القانونية ما بين اوراق ممكن ان تفيد المحكمة والورقة التي لا تفيد المحكمة.. اما الفريق الثالث فقد كانت مهمته تصنيف هذه الوثائق ما بين وثيقة ممكن ان تسخدم كدليل وأخرى لا تستخدم كدليل.
اما الفريق الرابع فكانت مهمته تصنيف الوثائق حسب القضايا التي كنا قد انشأناها واسسناها، الفريق الرابع ايضاً مع متخصصين دوليين كان يقوم بعمل مسح الكتروني للوثيقة ولبناء قاعدة معلومات الكترونية، وتدخل تلك الوثائق في قاعدة المعلومات الالكترونية، في نهاية عام 2006 تمكن الفريق الذي كان يعمل تحت اشرافي من مسح و الاستفادة من ستة ملايين وثيقة الكترونية، هذه الوثائق كانت تدخل قاعدة المعلومات، وكان هنالك (25) قاضي تحقيق و (16) مدعياً عاماً و (60) محققاً، وزهاء (70-75 )) مساعدا قانونياً،جميعهم لديهم مدخل الى قاعدة المعلومات تلك.
بمعنى آخر ان القاضي اوالمدعي العام او المحقق او المساعد القانوني لا يحتاج الذهاب الى مقر الوثائق للاطلاع عليها، وانما كان بوسعه بمجرد استخدام اسم المستخدم وكلمة السر الدخول الى قاعدة المعلومات الخاصة بالمحكمة والاطلاع على الوثائق، التي صنفت حسب القضايا، فسهلنا هذه العملية، وفي عام 2006 كانت لدينا ستة ملايين وثيقة الكترونية.
من جانب آخر فان الاستعدادات الاخرى كانت على ذات المستوى وكنا نعمل بذات المستوى ، كانت جميع الفرق تعمل بمستوى واحد، المكاتب التحقيقية كانت منتشرة في الاقليم هنا وفي الجنوب تدون اقوال الشهود واقوال الضحايا وتقوم بالمسح الجغرافي وتجري الكشوف على اماكن الحوادث بينما كنت اقوم انا بادارة العملية في بغداد، واتنقل اسبوعاً في كوردستان وآخر في الجنوب واسبوعاً في الوسط وكنا على اتصال.
ماذا عن المقابر الجماعية؟
_ كان لديّ فريقا للمقابر الجماعية يقوم بالتنسيق مع مكاتب حقوق الانسان في الاتحاد الاوروبي وفي الولايات المتحدة الامريكية، حيث حصلنا على (280) موقعاً مصوراً بالستلا يت لقبور جماعية في العراق، وقمنا بتصنيف هذه المواقع حسب الجرائم التي ارتكبت بمساعدة خبراء من صربيا والبوسنة، وغيرهما، كانت المشكلة الاساسية تكمن بعد تصنيفنا لهذه القبور الجماعية وحصولنا على وثائق تشير الى هويات اولئك الضحايا في تلك القبور، هي كيف نقوم بفتح تلك القبور، كان ذلك في عام 2005، اي في قمة الارهاب، كانت هنالك قبور في نينوى والسماوة والعمارة والمحاويل، وكان علينا بناء فريق متكامل لكل موقع، حيث ليس بالامكان ان نذهب يومياً الى هذه المواقع والعودة منها ونجلب معنا ممثلين عن وزارات الصحة وحقوق الانسان والخبراء الدوليين، والمساعدين، لذلك قمنا ببناء مدنا متكاملة في الصحراء، لم يكن اي شخص يعلم بذلك، وانا اتحدى اي مسؤول في الدولة العراقية كان يعلم بهذه الحقيقة، كنا نبني مدناً كاملةً في الصحراء، مزودة بالماء والكهرباء وخطوط الانترنيت والحمايات وكرفانات للسكن والطعام وللمختبرات العاملة والخبراء وغاز ونفط وبانزين واتصالات عبر الاقمار الصناعية.
*هل كان هنالك تفهم ودعم من
الجهات المعنية؟؟
-من هي الجهات المعنية يا سيدي؟ دعني اخبرك بصراحة، حول عملية القبور الجماعية وفتحها لم تصرف الحكومة العراقية عليها درهماً واحداً، لكن تلك المبالغ حصلنا عليها اما من الولايات المتحدة الامريكية او من الجانب البريطاني او من بعض المنظمات الدولية.
بالمناسبة، وللتاريخ لا بد ان اذكر شيئاً حتى الامم المتحدة على الرغم من مشروعها الانساني ومبادرتها في ميدان حقوق الانسان وانصاف الضحايا، الا انها امتنعت عن تقديم اي عون الى المحكمة، في ايام كوفي عنان وانا مسؤول عن كلامي كانت هنالك دورة تدريبية و راسلناهم وكنت انا من ضمن المراسلين المدعين العامين في محكمة يوغسلافيا للاشتراك في تنسيق الاعمال بيننا وبينهم والاستفادة من الخبرات، صدر تعميم ورسالة من كوفي عنان شخصياً الى جميع المدعين العامين برفض تقديم اي مساعدة للمحكمة الجنائية العراقية وبالتالي اكملنا المشوار بمساعدة خبراء بريطانيين وامريكيين واستراليين.
انا شخصياً دخلت مفاوضات في الامم المتحدة فقط لاحضار فريقها للمساعدة او تقديم الخبرة، لكن عذرهم الدائم كان ان العراق يعمل بعقوبة الاعدام، وان الامم المتحدة ترفض عقوبة الاعدام، لذلك هم لا يستطيعون تقديم المساعدة، وكان ردي لهم ان مهام الامم المتحدة انسانية ووطنية وهي ابعد من جزئيات بسيطة في القوانين، فيمكن ان تكون هنالك مساعدات في مجال الخبرة الوطنية، وفي ميدان حقوق الانسان وعلينا الابتعاد عن الجانب القانوني لكني كنت احصل على نفس الجواب دائماً.
فبالنسبة للقبور الجماعية، كان هنالك دعما من المنح الامريكية والبريطانية وكنا نبني مجمعات في الصحراء كما اسلفت، واستطعنا ان نفتح مقبرة الحضر التي ضمت ضحايا الانفال، ومقبرة السماوة التي ضمت ايضاً ضحايا الانفال، وهذا يوضح منهجية وستراتيجية العمل المنهجي في قتل ضحايا قضايا الانفال حيث ان النظام كان يعتقلهم في قراهم وبيوتهم وينقلهم الى معسكرات ومن ثم الىمقابر في الحضر او في السماوه كما فتحنا مقابرا جماعية في البصره و العمارة تتعلق باحداث قضية 1991، التي اصطلح على تسميتها بالانتفاضة الشعبانية، فتحنا مقابر اخرى ايضا في الحلة ولعدم وجود امكانيات مالية، ولأن الخبرات العراقية في هذا المجال قليلة فقد كنا نستعين بخبرات دولية وبتقارير دولية.
*ما اكبر المقابر الجماعية التي قمتم
بفتحها؟ وكم عدد الضحايا فيها؟
-نحن لا نستطيع فتح جميع القبور، لكن مع ذلك كانت مقبرة الحضر من اكبر المقابر الجماعية التي قمنا بفتحها هي ومقبرة السماوة مقبرة الحضر الجماعية كانت منظمة بشكل عجيب غريب، فقد كانت فيها قبور للنساء، واخرى للاطفال الرضع، وشاهدت منظراً لا يمكن ان يغيب عن خيالي في المقبرة الجماعية في منطقة الحضر، منظر لطفل لا يتجاوز عمره الشهرين الى ثلاثة اشهر، وجدناه هيكلاً عظمياً، وكانت زجاجة الرضاعة ما تزال في فمه كان مدفوناً بحضن والدته، وعندما فتحنا القبر، ذلك المنظر لا يمكن ان انساه في يوم من الايام، وكان هنالك قبور للرجال واخرى للنساء وقبور للاطفال، مابين 5-17 سنة، تلك كانت اكبر مقبرة وجدنا فيها منهجية وبشاعة القتل والاجرام الذي مارسه النظام السابق، ناهيك عن مقبرتي العمارة والمثنى.
* متى التقيت لاول مرة
بصدام وكيف كان اللقاء؟
- انا تسلمت صدام من المعتقلات الامريكية وقمنا بتسليمه للمعتقلات العراقية، طبعاً هناك الاعتقال القانوني والاعتقال الفعلي المادي، الاعتقال القانوني، صدام نقل قانوناً من المعتقلات الامريكية الى العراقية بتاريخ 30/6/2004، لكن لأسباب امنية والكل يعلم في تلك الفترة كانت هنالك صعوبة في توفير الحماية الكاملة خصوصاً للموقوفين على ذمة المحكمة وهم من ضمن قائمة المطلوبين الـ(55) فوفرنا حماية امريكية ودولية في تلك الفترة للقيام بعملية الاحتجاز والتوقيف بشكل فني، والتحقيق ابتدأ خلال 24 ساعة اي في 1/7/2004 .
*كيف كانت هيئة صدام، هل كان
مكابراً ام منهاراً ام لا أبالياً، ام
كان يعتقد ان بامكانه الافلات؟
- صدام في تلك الفترة كان يعتقد بان هذه المحاكمات ستكون على شاكلة المحاكمات الصورية التي كان يقوم بها النظام السابق الى ان تفهم بان هنالك حقوقاً له كمتهم، وانه تحول الى متهم، ولديه الحق بان يحصل على المساعدة القانونية ومناقشة الادلة، عندئذ اخذ بالهدوء النسبي، اما موضوع المكابرة فلا، لان صدام اثناء التحقيق كان مسيطراً عليه سيطرة كاملة من قبل قضاة التحقيق ومن قبلي تحديداً في الفترة الاولى حيث كنت اقوم بالتحقيق معه باستمرار، وكان يعلم جيداً بانه متهم امام القضاء العراقي وليس له اية صفة اخرى غير هذا.. ولا يمكن ان نتعامل معه لا بأعلى ولا بأقل من هذا الموضوع، هو متهم تحترم حقوقه وعليه ان يحترم ويمتثل لاوامر المحكمة، وليس له أكثر من ذلك.
*هل سبق ان التقيت به
قبل سقوط النظام؟
-كنت اشاهد صدام على شاشات التلفاز ولم التق به مطلقا، لكن للتاريخ أذكر، أنه وقع المرسوم الجمهوري بتعييني قاضياً عندما كان رئيساً للنظام السابق.
*هل حاول خرق القواعد
القانونية أثناء التحقيق؟
-حاول كثيراً ان يخرق القواعد القانونية وان يستخدم المحكمة كمحطة لارسال رسائل، او تقديم خطابات سياسية، صدام من العاشقين للكاميرا، لكن القاضي في تحجيم هذا الامر يلعب دوراً كبيراً، كثيرون شاهدوا شخصية صدام في التحقيقات، وشخصيته كانت تختلف كثيراً عما ظهر خلال المحاكمة.
*ما أسوأ اللحظات التي مر بها صدام؟
-بتقديري الشخصي ان أسوأ اللحظات التي مر بها هي عندما مثل امام القضاء، لانه وان حاول ان لا يظهر ذلك.. لكنه لحظتها علم وايقن بانه مواطن عراقي كاي مواطن، وان القانون سوف يأخذ ما أخذه منه إذا أثبتت الادلة بانه قد ارتكب هذا الفعل او ذاك وهذا ما جرى، لان شأنه كان شأن اكثر رؤوساء المنطقة العربية الذين لا يعتقدون بأنه في يوم من الايام سوف يكونون تحت طائلة القانون.
*هل حاول ان يخرج المحكمة
من اطارها القانوني وتحويلها
الى محاكمة سياسية؟
-نحن نتكلم عن محكمة قانونية، لكن دعني اوضح ان القانون الجنائي الدولي الذي يقترن بالقانون الدولي الانساني في ذات الوقت يحاكم مرتكبي الجرائم الكبرى وهم شاغلو مناصب عليا، اي انه يحاكم السياسيين، والسياسيون في كل العالم سلاحهم لسانهم، ولو تلاحظ ميلوزوفيش في يوغسلافيا، وحتى الان قضية الرئيس السوداني عمر البشير سارية وهو، لا يحاول الان التصدي للموضوع بشكل قانوني، بل بشكل سياسي، فأكيد هم يحاولون العمل على الجانب السياسي بعيداً عن الجانب القانوني لكن يجب، وأقول كعضو في المجتمع الدولي وفي المنظمات الدولية ان نعمل على تطوير جانب القانون الدولي الانساني والمحاكمات العادلة، يجب ان يعلم الجميع بمن فيهم رؤوساء الدول ان الاوان قد آن ليكونوا تحت طائلة القانون، وهنالك مبدأ، عالمية القانون الجنائي، ليس هنالك اي شخص سواء كان رئيس دولة أم مسؤولاً يستطيع ان يفلت من العقاب اذا ما ارتكب جريمة يحاسب عليها القانون مستنداً في ذلك الى صلاحياته كرئيس دولة، هذا الامر قد انتهى، الحصانة التي يحملها رفعتها عنه نورنبيرك، والحصانة هي لخدمة المواطن ولخدمة الشعب وليست لارتكاب الجرائم.
*هل تلقيتم تهديدات او محاولة
رشوة او ضغوطاً ما خلال
محاكمة صدام او قبلها؟
-التهديدات كانت كثيرة، وللعلم فان القضاء العراقي فقد أكثر من (30) قاضياً لحد الان، اغتيلوا لانهم قضاة، ليس لانهم تصدوا لقضية معينة، اما انا على المستوى الشخصي، الحمد لله، فيمكن ان الارادة الالهية انجتني من مجموعة من هذه العمليات .
نهاية القسم الاول من الحوار
حوار : مال اللــــــه فـــــرج
عدسة : سيد فخر الدين.