في منتصف ربيع من كل سنة يحل بيننا طير جميل ورائع الا وهو طير السنونو الذي يقطع المسافات الطويلة قادماً من الهند واقاصي الشرق الى بلادنا لغاية في نفسه وهي التكاثر ووضع البيض وحماية نوعه او جنسه من الطيور ، فيحظر في بلاد الرافدين كريماً مدللاً في بلده الثاني ، وهو يختار ما يروق له من زوايا البنايات الشاهقة والسقوف المقوسة القديمة والايوانات وقباب الكنائس واروقتها لبناء عشه قرب الناس الذين الفهم منذ الآف السنين ، وفي سهل نينوى نرى هذا الطائر قد استأنس وابتهج بين السكان ، فيغرد ويرقص ويملأ الفضاء بغنائه ونشيده وتغريده وطربه ، فيجلب نظر الناس اليه وهو يستيقظ باكراً ويوقظهم معه بتغريده الرائع وكأنه سمفونية البقاء ورسالة الحرية وعشق الحياة ، فهو يقدم الينا بدون جوازسفر ولا فيزة عبور الحدود او موافقات او مستمسكات روتينية ، فقراره من صنعه ومن واقعه ومن ماضيه وواقعه فيستمد منه حريته الطبيعية الازلية التاريخية ، ان لون الطائر الاسود الغامق والبني الغريب يعطيه جمالية خاصة من حيث انسجامه مع لون الجبل والحجارة والبنايات في بلدتنا العزيزة القوش ومهما بحثنا في لوحات الفنانين والطبيعة فلم نجد انسجاماً بين الالوان كانسجام الوان السنونو في جسمه مع الطبيعة ، يذكرنا قدوم طائر السنونو ربيع كل عام بمواعظ وتوصيات كبار السن وشيوخ القرية للحفاظ على هذا الطائر وعدم التعرض له او اصطياده او ازالة عشه من فوق السقوف مفسرين انه يحل بيننا ضيفاً خفيفاً كريماً مضحياً يضع بيضه ويفقسها ويربي فراخه ويعلمها على الطيران ، وما ان يحل الخريف ويهب النسيم البارد حتى يشرع بالتحضير للرحيل ثانيةً الى بلاده وقريته وبيئته التي جاء منها ، يرفق معه طيوره الصغيرة الجميلة ليعيد البهجة الى وطنه ،والابتسامه الى اهله الذين افتقدوه لبعض الوقت ، هكذا تأثر الانسان منذ قديم الزمان من الطبيعة والطيور والحيوانات والبيئة ، كيف يصنع الحياة ويربي الاولاد ويتعلق بالوطن ، وأذا مااغترب قليلا وحش اهله وناسه واصدقائه وضاقت عليه نفسه ، فيقرر الرجوع الى موطنه لترجع هيبته وصحته وتروق له نفسه الضيقة ، فهذا الطير الغريب يبني عشه بمشقة عالية بالطين الرطب والقش والماء في بلاد الغربة الا انه لا يتطوع قلبه للبقاء والمكوث والتوطن الى الابد هنا بالرغم من الراحة والهدوء والالفة فما ان يكمل مهمته حتى يحزم امتعته ، مفضلاً تراب الوطن على البنايات الشاهقة والقباب العالية ، يا ترى اليست هذه انشودة ودعوة للذين يتركون بلدانهم صاغرين للرجوع اليها بعد زوال الضغوط والاسباب ، الطائر حتى الطائر لا يقبل ان يهاجر بلده للابد ، فما ان يضع البيض ويفقس فراغه ويدربها على الطيران حتى يصطحبها بعجلة الى بلاد الام قبل حلول الشتاء وتعرضها للعواصف والامطار في الطريق الطويل الشاق من دجلة والفرات الى بحر الصين والمحيط الهندي فلم يرتاح له البال ولا يهدء له حال الا بين سهول بلاده ووديانها وامواجها واشجارها .
منذر كَلة
القوش في 9/2/2012