ولد القديس ماري الفونس راتسبون في ستراسبيرغ - فرنسا 1/5/1814م. كان ابناً ووريثاً لعائلة يهوديّة غنيّة جداً. تعمل في مجال المصارف والبنوك. وحينما كان ما يزال طفلاً اعتنق أخوه الأكبر ثيودور الكاثوليكية وأصبح كاهناً. استقبلت عائلة راتيسبون ذلك بعدائيّة مريعة وعزم ألفونس ألا تكون هناك صلةٌ بينه وبين أخوه الأكبر كما نشأ في داخله بُغضٌ كبير للكاثوليكية وكل ما هو كاثوليكي. وعندما بلغ 28 سنة طلب يد ابنة عمه فلور راتيسبون، وقررا الزواج في شهر اب المقبل اي في 8/1842م. لكن ارد ان يروح عن نفسه في الفترةٍٍ التي سبقت الزواج أخذ فترة استراحة واستجمام. وقرر السفر إلى اوروبا والشرق الاوسط. قاصداً نابلس ليقضي فصل الشتاء في مالطا لكنه أضاع الطريق، وبدل أن يتوجّه الى مكتب الحجوزات للسفر إلى باليرمو كما كان مقرراً، وصل الى مركز الحافلات المتوجّهة إلى روما، وبالرغم من معرفته بذلك، إلا أنّه بقي هناك وحجز رحلة بالباخرة الى روما.
في1/1/1842م. وصل الفونس إلى روما. وبيمنا كان يتجول في شوارعها ناداه أحد الاشخاص باسمه: فالتفت إلى الوراء وشاهد احد زملائه القدماء واسمه غوستافو دو بوسييري وهو بروتستنطي الاصل. فمشيا سوية متذكرين الايام الماضية والذكريات القديمة. وطلب غوستافو من الفونس ان يزوره. واتفقا على موعد للقاء.
حينما ذهب الفونس للقاء زميله غوستافو، وبينما كانا يسرة لقيا صدفة البارون ثيودور دو بوسييري وهو الاخ الثاني لغوستافو وكان البارون معتنقاً الكاثوليكية. وكان صديقاً حميماً جداً لـ ثيودور اخ الفونس وعندما علم الفونس بان صديق اخيه ايضاً كاثوليكي شعر ببعض التحول نحو الكلثلكة، متذكراً اخاه الذي قاطعه بسبب تحوله. لكنه لم يجادله ولم ينطق بكلمة واحدة معه، وذلك لاخذ النصيحة منه، لانه كان يعلم بان البارون خبير في مناطق وشوارع اسطنبول التي ينوي زيارتها. وشعر البارون بان الفونس له افكار غريبة ومتحررة، فاقترح عليه فكرة:
البارون: "هل تقبل يا الفونس الخضوع لامتحان بسيط؟".
الفونس: "ما هو هذا الامتحان يا صديق اخي".
البارون: "انني صديقك ايضاً".
الفونس: "إذاً: قل لي ما هو الاختبار الذي تنوي ان تختبرني به".
البارون: "اطلب منك ان ترتدي شيئاً سأعطيك إياه".
الفونس: "شيئاً! ما هو هذا الشيء؟".
البارون: "ميدالية لمريم العذراء المقدّسة".
الفونس: "ميدالية لمريم العذراء المقدّسة!".
البارون: "بلا شك سيكون ذلك عملاً سخيفاً بنظرك. لكنه هامٌ للغاية بالنسبة لي".
الفونس: "ليكن لك ما تريد. ولنرى ما سر هذه المدالية". ثم أراه ميدالية المعجزة المعلقة بحبل. وشدها الفونس على رقبته وهو يقول:
الفونس: "من الصعب علي ان اصدق هذه الخرافات التي يضحك بها الكاثوليك على رعيتهم. ولكن لنرى ما سرها". وكانت واقفة قريباً منهم ابنة البارون الصغيرة، فتقدمت ووضعت المدالية حول عنق الفونس فسقط على الارض ضاحكاً، وهو يقول "ها انا هنا، رومي كاثوليكي بابوي". فقال له:
البارون: "اقبل هذا العمل مستشهداً بجملة من حكايات (هوفمان): إن لم تنفعني، على الأقل لن تضرّني".
الفونس: "لنرى مدة هذه السخرية".
البارون: "والان يجب عليك إكمال الامتحان".
الفونس: "هل يوجد بقية؟".
البارون: "نعم! فيتوجب عليك في كل صباح ومساء تلاوة صلاة قصيرة وفعالة".
الفونس: "هات لنرى ما هي هذه الصلاة. لننهي هذا اليوم المملوء بالمفاجأت وأعدك أن أتلوها فإن لم تنفعني، لن تضرّني: مثلما تقول". ثم علمه صلاة لمريم العذراء كانت معروفة في تلك الايام.
في احد ايام 1842، وبينما كان يحضّر البارون الكاهن لمراسم دفن صديق له في كاتدرائية (سان أندريا ديل فراتي) في روما، طلب من (راتيسبون) أي (الفونس) أن ينتظره داخل الكنيسة.
حينما عاد الكاهن الى الكنيسة شاهد راتيسبون وهو راكع على ركبتيه يصلي وعينه تدمع. فساله الكاهن عن سبب بكائه؟ فقال راتيسبون "عندما كنت واقفا في الكنيسة نظرت عالياً، بدا لي كأن الكنيسة بأكملها قد عمّها الظلام، ما عدا المصلّى حيث تركّز كلّ الضوء عليه. وكنت أنظر باتجاه ذلك المكان حينما شعّ نورٌ قويٌّ منه، وفوق المذبح كان هناك شخص حيّ، لست ادري هل هو رجل ام امراة، لكنه كان طويلاً، مهيباً وجميلاً. لكن بعد قليل اتضح لي انها مريم العذراء، وذلك من شبه صورتها على الميدالية المعجزة. وحينما رأيت هذا المشهد ركعت في المكان الذي كنت واقفاً فيه غير قادرٍ على النظر الى الأعلى بسبب الضوء القويّ. وبوجود العذراء القديسة وبالرغم من عدم تفوّهها بأي كلمة لي، لكنني فهمت معنى ذلك! فانا ما زلتُ في وضع الكراهية الذي كنت فيه، والأخطاء التي ارتكبتها. وها انا ابكي من شدة الاسى والالم الذي يؤلمني من الكفر الذي ارتكبته". وكان ألفونس يستمرّ بالبكاء والتنهّد معانقاً ميداليّة المعجزة ومتمتماً بكلمات يشكر فيها الرب، إلا أنه استمر بالبكاء والتنهّد بكثرة حتى لم يستطع أحد فهمه، الا الكاهن. ثم طلب من الكاهن ان يعترف ويتعمذ منه. وعندها حاول ألفونس شرح ما حصل له بالتفصيل الممل، وبعد ذلك هدأ قليلاً مزيلاً ميدالية المعجزة عن عنقه وكان يقول "لقد رأيتها! لقد رأيتها" فدخل الفونس بعد ذلك الى الدير ليعتزل هناك. وتعمد في نفس السنة 1842م.
أجرى الفاتيكان عملية قانونيّة للتحري عن ملابسات اهتداء ألفونس. وبعد تحرٍّي طويل وشهادات عدّة تم استنتاج أنّ اهتداءه المفاجئ كان بأكمله أعجوبة، وهو عمل من عند الله حدث بفعل شفاعة مريم العذراء القويّة.
سنة 1843م وبعد اهتدائه قام ألفونس بمساعدة أخيه الاكبر ثيودور بتأسيس جمعية راهبات (سيدتنا العذراء) في سيون.
سنة 1847م. رُسم كاهناً ودخل جمعية يسوع.
سنة 1855م. كرس نفسه كلياً لهداية اليهود، فعزم على نقل الأخوات الراهبات سيون الى فلسطين، وبالفعل نقل الاخوات الراهبات، وفي سنة 1856 بنى لهم ديراً.
في 6/5/1884م. توفي ماري الفونس راتسبون.
بقلم: أنور كاكو